3 خطوات مدروسة تساعدك في اتخاذ قرارات مهنية كبيرة

7 دقائق
عملية صناعة القرار

ملخص: أحدثت الجائحة تأثيراً عميقاً في عملية صناعة القرار وفي طريقة تفكيرنا في عملنا، لكن يجب أن نتوخى الحذر قبل أن ننضم جميعنا إلى مركب الاستقالة الكبرى ونتخذ قرارات يحتمل أن تسبب تغييراً كبيراً في مجرى حياتنا. يجب ألا نتجاهل الدروس التي تعلمناها من الجائحة، ولكن يجب أن نجري اختبار ضغط عليها للكشف عن بعض أوضح التحيزات التي نعانيها، وأن نحاول تجنب اتخاذ خطوة لا رجعة عنها تؤدي بنا إلى نتيجة غير مرغوب فيها. يقترح الكاتب أن توجه تركيزك على عنصرين منفصلين عن طريق طرح السؤالين الآتيين على نفسك: أ) كيف يمكنني تحسين البيانات الداخلة في قراري (وتفسيرها) كي تولّد النتيجة المرجوة؟ وب) كيف يمكنني تحسين طريقة تنفيذ قراري للحدّ من خطورة آثاره السلبية إذا تبين أنه خاطئ؟

تتنوع دوافع الموظفين لاتخاذ خطوات مهنية كبيرة في خضم حركة الاستقالة الكبرى، ومن هذه الخطوات تغيير الشركة وإنشاء شركة جديدة والخروج من القوة العاملة بأكملها. أثبتت الجائحة للبعض أن العمل المرن عن بعد ممكن، وحثت آخرين على إعادة تقييم أولوياتهم لا سيما فيما يتعلق بالتوازن بين العمل وجوانب حياتهم الأخرى، وبالنسبة للبعض الآخر، شكلت الجائحة تنبيهاً صارخاً لحقيقة أن الإنسان يعيش مرة واحدة، فدفعتهم لتجاوز مخاوفهم التي كانت تعيقهم عن تحقيق ما يرغبون بتحقيقه منذ زمن طويل.

هذه الأمثلة الثلاثة ليست سوى جزء من قائمة طويلة، لكنها تبين عمق تأثير الجائحة على طرق تفكيرنا في عملنا. لكن يجب أن نتوخى الحذر قبل أن ننضم جميعنا إلى مركب الاستقالة الكبرى ونتخذ قرارات يحتمل أن تسبب تغييراً كبيراً في مجرى حياتنا. يجب ألا نتجاهل الدروس التي تعلمناها من الجائحة، ولكن يجب أن نجري اختبار ضغط عليها للكشف عن بعض أوضح التحيزات التي نعانيها، وأن نحاول تجنب اتخاذ خطوة لا رجعة عنها تؤدي بنا إلى نتيجة غير مرغوب فيها.

لماذا علينا توخي الحذر؟

عملية صنع القرار التي نقوم بها ليست مثالية. علّمنا هربرت سايمون الحائز على جائزة “نوبل” أنها ليست عملية عقلانية بالكامل كما نريدها أن تكون، وجزء من السبب في ذلك هو أننا نعمل بناء على معلومات منقوصة، كما أشار آيموس تفيرسكي ودانيال كانيمان إلى أن حالتنا النفسية تزيد تحيزاتنا في قراراتنا. للأسف، تؤثر العوامل بدرجة كبيرة على تفكير الإنسان في هذه الفترة الانتقالية.

قضيت مؤخراً بعض الوقت مع مدراء مختلفين ضمن نفس المؤسسة، وكانا كلاهما يحاولان تغيير وظائفهما؛ كان جود* يرغب في الانتقال إلى منصب يتيح له العمل عن بعد بدرجة أكبر مستشهداً بازدياد إنتاجيته في عمله من المنزل، أما هالة* فقد كانت تشعر بالانفصال النفسي عن العمل وأنها بعيدة عن أحداثه ومعزولة عن فريقها لأنها الوحيدة التي تقطن في منطقتها.

في هذا السيناريو حيث يرى المرء أن العمل في وضع آخر سيكون أفضل، وجه كل من جود وهالة تركيزه على الوضع الذي يعتبره مشرقاً وبارزاً من عمله، لكن كان عليهما أخذ بعض الوقت للتفكير في الصورة الكاملة وموازنة الإيجابيات والسلبيات لكل وضع. لن يكون أيّ قرار يخص العمل جيداً فقط أو سيئاً فقط، فكل قرار يعود بفوائد ولكنه يترافق مع بعض التكاليف. يجب علينا الخروج من السياق الآني على الرغم من صعوبة ذلك كي نتمكن من إلقاء نظرة موضوعية أكثر.

وما يزيد الأمور صعوبة هو أن التجارب الاستثنائية التي خضناها في أثناء الجائحة تؤثر على حالتنا النفسية. توضح البيانات الرابط بين الجائحة وتراجع الصحة النفسية، الأمر الذي يمكن أن يوقع أثراً ملموساً على عملية صناعة القرار ويمكن القول أن هذا الأثر حقيقي. تحدثت إلى المدير كمال* الذي قرر أن الوقت قد حان للاستقالة والبحث عن وظيفة جديدة؛ أخبرني أنه شعر بانعدام الدافعية لديه والانفصال النفسي عن العمل في وظيفته الحالية، إذ لم يعد يشعر أن عمله مهم أو ملهم ولم يعد يرى فيه مساراً مهنياً يثير حماسه. لكني اكتشفت من خلال المزيد من الحوارات معه أن مخاوفه لم تكن متعلقة بوظيفته الحالية بل بحالته الذهنية عموماً، إذ كان من النسبة المئوية الكبيرة من الموظفين الذين يعانون من تراجع في الصحة النفسية منذ بدأت الجائحة. في حالة كمال، ساعده النقاش مع عائلته في إدراك أنه كان يعزو شعوره بالاستياء إلى الأسباب الخاطئة، وأن البدائل التي كان يفكر فيها لن تعالج النقص الذي يشعر به، وفي الحقيقية كانت مغادرة الشركة التي يعمل فيها ستحرمه من شبكة الدعم التي بات يعتمد عليها.

قبل اتخاذ قرار مهني حاسم قد لا يمكن الرجوع عنه، اتبع الخطوات الآتية كي تضمن أنك تتبع عملية صناعة قرار منهجية وتفكر في طرق لتخفيض المخاطر الشخصية التي تواجهها.

1- حسّن المعلومات التي تعتمد عليها في عملية صناعة القرار

أولاً، فكر في طريقة لتحسين البيانات (وتفسيرها) في أثناء عملية صناعة القرار كي تحقق النتيجة المرجوة.

ابدأ بإنعاش ذاكرتك حول بعض أكثر التحيزات النفسية شيوعاً كي تزيد احتمالات إدراكك لها عند ظهورها. على الرغم من عملي في تدريس هذه التحيزات لأكثر من 20 عاماً، لا يزال بعضها يؤثر في عملية صناعة القرار لدي، مثل:

  • الارتكاز: أن تتأثر قراراتنا وتقديراتنا بنقطة إسناد مبدئية أو “ركيزة”، مثل السعر الذي يعطى للسيارة أو البيت عند السؤال.
  • الدليل المؤكِد: أن نفضّل المعلومات التي تؤكد ما نعتقده فعلاً، كملاحظة القصص الجديدة التي تتوافق مع آرائنا وتصديقها.
  • الإتاحة: أن نمنح أهمية مفرطة للمعلومات “المتاحة” أكثر في ذاكرتنا لأنها حديثة أو قوية أو مشحونة عاطفياً. مثلاً، تزداد مبيعات بطاقات اليانصيب بعد الإعلان عن فوز شخص بمبلغ كبير.
  • التأطير: أي حقيقة أن قراراتنا تتأثر بشدة بطريقة صياغة القرار نفسه. مثلاً، تكون رغبتنا في العمل لتفادي الخسارة أكبر من رغبتنا في العمل لتحقيق ربح.

تؤثر هذه التحيزات وغيرها في طريقة تعاملنا مع القرارات المهنية الحاسمة التي نتحدث عنها.

أحد الشعارات المفضلة لدي هو “استعن بمصادر خارجية فيما لا تجيده”، في هذه الحالة ما لا نجيده هو الحفاظ على موضوعيتنا. استعن بمصادر خارجية تتمثل في أشخاص آخرين عن طريق مناقشة قرارك (والعوامل المتغيرة فيه) مع أشخاص تعرف أنهم سيتحدّون افتراضاتك وبالتالي سيتصدون لتحيزك. “محامي الشيطان” ليس بالشيء الجديد، وقد يبدو أمراً مسلماً به، لكن في الحالات الصعبة تحديداً نلجأ إلى الأمان المتمثل في مناقشة أفكارنا مع أشخاص نثق بأنهم يشاركوننا آراءنا. لذلك ابحث عن شخص ليس له فائدة مستحقة في قرارك النهائي، وذكره بأنه لن يساعدك إلا بالتزام الصدق التام.

استعن بمصادر خارجية تتمثل في إنشاء عملية إجرائية واتباع طريقة منظمة لصناعة القرار. القرارات المهنية معقدة للغاية وتنطوي على مخاطر كبيرة، ويكاد يكون مستحيلاً أن تحافظ على موضوعيتك في التعامل المباشر معها في مجملها، لذلك اتبع أسلوباً منهجياً لتحليلها والتعامل معها بذكاء. مثلاً، قبل أن تبدأ بالتفكير في القرار ضع خريطة لطريقة تقييم كل عنصر يدخل في قرارك وخصص له وقتاً كافياً، وستضمن بذلك ألا تغفل عن أي جزء من المعادلة أو ألا تقضي وقتاً أطول أو أقصر من اللازم عليه. والأهم هو أن تحدد عمليتك قبل أن تبدأ بالتفكير في القرار، وبذلك ستتفادى تغيير العملية من دون قصد على نحو يؤكد تحيزاتك.

2- حسّن ناتج القرار

تتمثل الخطوة التالية في التفكير في طريقة تحسين تنفيذ القرار بهدف تخفيف المخاطر إذا ثبت أن قرارك خاطئ.

على الرغم من استخدام أفضل البيانات والعمليات لا نزال نصل في بعض الأحيان إلى ما يتبين أنه نتيجة غير مثالية، ويمكن أن تكون هذه الأخطاء مكلفة جداً في ضوء الاستقالة الكبرى. تذكر أنك المسؤول الأول عن المخاطر التي تتعرض لها، لذلك احرص على أن تقضي وقتاً أطول للتفكير في طريقة لتخفيض المخاطر المحتملة إذا تبين أن قرارك ليس الأفضل.

تتمثل إحدى الطرق للقيام بذلك في تطبيق نهج صناعة القرار الذي يفضله جيف بيزوس والسير ريتشارد برانسون، وهو تقسيم القرارات إلى قرارات أحادية الاتجاه وقرارات ثنائية الاتجاه. القرارات الثنائية الاتجاه هي التي يكون الرجوع عنها سهلاً نسبياً، ويقول كل من بيزوس وبرانسون إن علينا ألا نهدر الوقت في المباحثات والنقاشات حولها بل أن نجربها ونعود عنها إن لزم الأمر، فالقرارات الثنائية الاتجاه هي فرص رائعة للتعلم. في حين أن القرارات الأحادية الاتجاه هي التي يصعب أو يستحيل الرجوع عنها، وبالتالي فهي جديرة بالوقت والجهد المبذولين للتفكير فيها بعناية وتقييم جميع الخيارات قبل اتخاذ القرار النهائي.

وبالتالي يكون أول سؤال يجب علينا طرحه هو: هل التغيير المهني الذي تفكر فيه هو قرار ثنائي الاتجاه أو أحادي الاتجاه؟ ربما ترغب في إنشاء مشروع جانبي أو الانتقال إلى دور جديد ضمن مؤسستك الحالية، إذا كنت ترى أنه من السهل نسبياً التخلي عن التغيير الذي تفكر فيه أو الرجوع عنه فسيكون ذلك من حسن حظك، جربه واكتشف ما سيحدث.

لكن إذا لم يكن كذلك وترى أن تكاليف الرجوع عن التغيير تجعله أحادي الاتجاه، فابحث مع نفسك عن طريقة إلى تحويله إلى قرار ثنائي الاتجاه. في أحد الأمثلة الشائعة، عندما كان السير ريتشارد برانسون بصدد إطلاق شركته “فيرجين أتلانتك”، كان يتفاوض مع شركة “بوينغ” على بعض البنود في عقده معها تتيح له إعادة الطائرة التي اشتراها إذا لم تنجح شركة الطيران. لم يحتج إلى تنفيذ هذا البند في نهاية المطاف ولكنه عن طريق التفاوض ساعد في تحويل قرار أحادي الاتجاه إلى قرار ثنائي الاتجاه.

هل من طريقة لتحقيق مجموعة مماثلة من الأهداف المهنية ضمن سياق شركتك أو وظيفتك الحالية؟ هل بإمكانك أخذ إجازة تفرغ أو الانتقال إلى العمل بدوام جزئي من أجل تجربة فكرة ما أو جمع مزيد من البيانات؟ هل يمكنك بناء علاقات وشبكة معارف مهنية جديدة أو توطيد علاقاتك وشبكتك الحالية من أجل زيادة خياراتك إذا تبين أن مسار العمل الذي اخترته ليس كما كنت تأمل أن يكون؟

اعلم أن إمكانية الرجوع عن القرار أو عدمها هي بمثابة استكشاف للقرار؛ أي إن تعريف أمر ما على أنه أحادي الاتجاه أو ثنائي الاتجاه هو في حد ذاته دعوة للحكم تعتمد على درجة استعدادك لتحمل المخاطر والتكاليف. فمن الممكن أن يعتبر شخص ما الرجوع عن قرار معين مكلف جداً، في حين يعتبره شخص آخر معقولاً.

لا تنسَ أيضاً أنك لست بحاجة إلى حلّ سحري للرجوع عن القرار من دون أي تكاليف كي تحول القرار الأحادي الاتجاه إلى قرار ثنائي الاتجاه. تذكر أن القرار الأحادي الاتجاه هو مجرد قرار تعتقد أن تكلفة الفشل فيه أكبر مما يمكنك تحمله، وتخفيض نسبة تعرضك للمخاطر في قرار لا يمكنك الرجوع عنه هو طريقة أخرى لتحويله إلى قرار ثنائي الاتجاه. لذا، إذا لم يكن بإمكانك الهرب من قرارك أحادي الاتجاه فابحث عن طرق لتخفيض تكاليف القرار السيئ. إذا تمكنت من تخفيض التكلفة بما يكفي لتكون قادراً على تحملها والمضي قدماً إذا ساءت الأمور، فقد حولت القرار إلى قرار ثنائي الاتجاه بالفعل.

3- تواصل

يتطلب الكثير من هذه الأفكار حواراً منفتحاً وصريحاً مع صاحب العمل الذي تعمل لديه حالياً، وهو أمر قد يكون مرعباً ومترافقاً مع شيء من الخطورة. تذكر أنه إذا كان صاحب العمل الحالي يقدّرك حقاً فمن صالحه أن يساعدك في معالجة حالة الغموض التي تمرّ بها ويتعاون معك للتفاوض على الحلول المناسبة، إذ إن البديل يتمثل في كتابة رسالة الاستقالة التي لا تترك مجالاً لحلول تعود بالفائدة على كلا الطرفين. أحد الدروس التي تعلمتها بعد 20 عاماً من مشاهدة حملة شهادات ماجستير إدارة الأعمال وهم يخوضون عملية التوظيف هو أننا غالباً نحط من شأن قوتنا وقدرتنا على تحديد احتياجاتنا والتفاوض والعثور على حلّ وسط قابل للتنفيذ. لا شيء مضمون، ولكن معرفة أن صاحب العمل يأخذ رفاهتك على محمل الجدّ هي بحد ذاتها معلومة جيدة ومهمة جداً في هذه العملية.

أوقعت السنتان الماضيتان أثراً عميقاً على الجميع، وشكلتا حافزاً لكثير منا لفهم بعض الأمور المهمة وإعادة ترتيب الأولويات. هذه الأمور مهمة وصحيحة ويجب ألا يصرف النظر عنها، ولا شك في أن الاستقالة الكبرى هي ظاهرة حقيقية جداً، لكننا جميعنا بشر والعمل تحت تأثير عوامل كثيرة يؤثر في عملية صناعة القرار وفي قدرتنا أيضاً. إن إدراك هذه التحيزات ومعالجتها على نحو مدروس عند اتخاذ قرارات حياتية حاسمة هما خطوتان مهمتان لضمان ألا نصل إلى نتيجة غير مرغوب فيها بسبب قرار خاطئ لا يمكن الرجعة عنه.

ملاحظة الكاتب: أتوجه بالشكر لزوجتي، ميليسا، التي كان لها دور أساسي في إدراكي لهذا التحدي الخطير والتفكير فيه خلال اجتيازنا الأوقات العصيبة.
*الأسماء ليست حقيقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .