اجتياز المحنة: الدروس المستفادة من الشركات العائلية في خضم حالة عدم اليقين المتزايدة

7 دقائق
نموذج القدرة على التحمل
shutterstock.com/FOTOGRIN
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أفادت نسبة 84% من الشركات العائلية التي شملتها دراسة استقصائية أُجريت في إفريقيا والشرق الأوسط بانخفاض إيراداتها بسبب جائحة “كوفيد-19″، فكيف تعاملت الشركات العائلية مع جائحة “كوفيد-19″؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من نموذج القدرة على التحمل في الشركات العائلية؟

أثّرت جائحة “كوفيد-19” على كافة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية في حياتنا. كانت تلك صدمة حادة استمرت لفترة طويلة من الزمن، وخلقت حالة عنيفة من القلق أثارت تحديات هائلة لمنظومة قطاع الأعمال في منطقتنا. وكان من الطبيعي في ظل هذا الظرف المستجد أن تتأثر الأوضاع المالية سلباً في معظم الشركات خلال وقت قصير للغاية. ويرجع هذا في الأساس إلى تأثير جائحة “كوفيد-19” على سلوك المستهلك وثقة الشركات في أداء السوق، ما أدى إلى تفجر الأوضاع وتباطؤ معدلات نمو الاقتصادات الوطنية والإقليمية. وقد شهدت دولة الإمارات على وجه التحديد انهيار الطلب على النفط وانهيار قطاع السياحة الدولية، وسرعان ما أثر ذلك سلباً على اقتصادات دول الخليج العربي كلها. ويمكن الاستدلال هنا بـ “مجموعة ماجد الفطيم” كمقياس جيد لهذا الأثر السلبي، حيث أعلنت المجموعة عن انخفاض إيراداتها بنسبة 7% على أساس سنوي بسبب تداعيات جائحة “كوفيد-19”.

فكيف تعاملت الشركات العائلية مع جائحة “كوفيد-19″؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من نموذج القدرة على التحمل في الشركات العائلية؟ قد يظن المرء أن الشركات العائلية هي مجرد نموذج شاذٍ للشركات. وقد يظن آخرون أن ثمة علاقة تربط بين الشركات العائلية والمؤسسات أو المتاجر العائلية الصغيرة. أما الأكثر تشككاً، فيعتقدون أن نجاح الشركات العائلية مسألة عابرة وأن نموذج عملها هو نموذج استثنائي لا يُقاس عليه. لكنك قد تتفاجأ إذا عرفت أن أكثر من 80% من الشركات حول العالم هي شركات عائلية، والشركة العائلية هي كل شركة يمتلكها ويديرها شخصان أو أكثر من أفراد الأسرة ذاتها. وتعبّر هذه النسبة عن نفسها بوضوح أكثر في الاقتصادات الناشئة والنامية. إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 87% من الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي هي شركات عائلية تسهم بنصيب وافر في الناتج المحلي الإجمالي الوطني وتوظيف الأيدي العاملة.

وقد طوّر الكثير من الشركات العائلية نماذج أعمال أثبتت نجاحها واستمرت لعقود أو قرون، مثل شركات عائلتي “الحبتور” أو “كانو”. ومن الجدير بالذكر أن بعض الشركات العائلية عبارة عن شركات كبيرة متعددة الأنشطة أو مجموعة شركات تعمل في الشرق الأوسط وإفريقيا، مثل “مجموعة العليان” في المملكة العربية السعودية و”مجموعة الشايع” في الكويت و”مجموعة سهيل بهوان” في سلطنة عمان و”مجموعة الفردان” في قطر و”مجموعة العربي” في مصر و”مجموعة سيبروماد” (Sipromad Group) في مدغشقر و”مجموعة روجي” (Group Rawji) في جمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال لا الحصر. وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم الشركات العائلية عبارة عن مؤسسات عائلية صغيرة أو متوسطة الحجم تشكل العمود الفقري للاقتصاد في دول الشرق الأوسط وإفريقيا.

نموذج القدرة على التحمل

وقد تتساءل الآن: كيف تستطيع الشركات العائلية تطوير نماذج عمل ناجحة لخوض غمار المنافسة الشرسة في سوق شديدة العولمة؟ وعلى سبيل المثال: كيف تمكّنت مجموعة شركات “دبليو جي تاول” العائلية العمانية التي تأسست عام 1866 من تجاوز الأزمات الداخلية والخارجية عبر الأجيال؟ وإذا كانت الشركات العائلية تعتبر أحد أشكال الأنظمة المؤسسية السائدة والطويلة الأمد، فلا بد أن هناك شيئاً يمكننا تعلمه من هذه الشركات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يمكننا تعلمه على وجه التحديد من الطريقة التي تدار بها الشركات العائلية؟ تكمن الإجابة في نموذج عملها الذي يتميز بالقدرة على التحمل.

فبفضل نموذج القدرة على التحمل تستطيع الشركات العائلية امتلاك القدرة على التحول خلال الأوقات الصعبة حتى تتمكن من البقاء في البيئات الجديدة. ولفهم هذا الأمر بشكل أفضل، استكشف كرسي أستاذية الشيخ سعود بن خالد بن خالد القاسمي للشركات العائلية في الجامعة الأميركية في الشارقة، برئاسة الدكتور رودريغو باسكو، وبالتعاون مع “الاتحاد العالمي لمشروع برنامج تطوير النفق الاستراتيجي” (STEP Project Global Consortium) وشركة “كيه بي إم جي” (KPMG)، كيفية تعامل الشركات العائلية في الشرق الأوسط وإفريقيا مع صدمة جائحة “كوفيد-19”.

وتم التوصل إلى أن الشركات العائلية تتخذ 3 إجراءات أساسية تشكل جزءاً من “نموذج القدرة على التحمل” المُطبَّق لديها:

  • تنشيط “ذاكرة التعافي الحرج”.
  • التفاعل لمواجهة التأثير القصير المدى.
  • تنفيذ إجراءات استراتيجية.

يساعد فهم هذه الإجراءات الأساسية الثلاثة في الشركات العائلية، وتفسيرها، قادة الشركات على التفكير في أوضاع شركاتهم و”نموذج القدرة على التحمل” المُطبَّق فيها. وسنستعرض ونحلّل فيما يأتي الإجراءات الأساسية الثلاثة التي تشكّل العمود الفقري لـ “نموذج القدرة على التحمل: في الشركات العائلية.

تنشيط “ذاكرة التعافي الحرج”

تُعرَّف “ذاكرة التعافي الحرج” بأنها المعرفة المؤسسية الضمنية المكتسبة من الأزمات السابقة للتعامل مع الأزمات الجديدة غير المتوقعة. وتستطيع الشركات العائلية التي تمتلك القدرة على التحمل نقل المعرفة الضمنية من جيل إلى آخر عبر القصص والسرديات والحكايات. وتعتبر هذه العملية التعليمية ضرورية لتفعيل قدرتها على التحمل. فما حدث في الماضي وكيفية تعامل شركتنا العائلية مع الأزمات السابقة يمكن أن يساعد أفراد الجيل الحالي من الأسرة على تجاوز الأزمة من خلال تنفيذ الإجراءات نفسها التي تم تنفيذها في الماضي أو تعديل الحلول السابقة بما يناسب الوضع الحالي أو استخدام الفلسفة نفسها لكن مع توليد أفكار إبداعية جديدة.

وتعمل “ذاكرة التعافي الحرجة” على تنشيط رأس المال الاجتماعي وأسلوب قيادة الشركة العائلية بما يسهم في التعامل مع الأزمة بنجاح.

وتحاول الشركات العائلية القادرة على التحمل أن تستفيد من التواصل مع أصحاب المصلحة الخارجيين وتسخير علاقاتها التي تربطها بهم وشراكتها معهم من أجل إعداد الشركة العائلية لتجاوز تداعيات الأزمة. ويتمثل رأس المال الاجتماعي للشركات العائلية في الموارد الملموسة وغير الملموسة الحالية والمحتملة الموجودة في شبكتها، وتُشكّل ركيزة أساسية في قدرتها على مخاطبة أصحاب المصلحة (المستثمرين والعملاء والموارد والموظفين) والوصول إلى المعلومات وامتلاك أسباب القوة والتعرّف على الفرص المتاحة، بالإضافة إلى خلق جو من الثقة المتبادلة والتماسك. وتعتبر شركة “طنطا موتورز” في مصر خير مثال على الاستفادة من القدرة على التحمل من خلال مخاطبة كافة أصحاب المصلحة. حيث أكد عمرو أبو فريخة، العضو المنتدب لشركة “طنطا موتورز” وأحد أفراد الجيل الثالث للأسرة المالكة للشركة، أهمية عقد اجتماعات إدارية دورية لتباحث أي تغيير يمكن أن تتسبب فيه الجائحة ويؤثر على أداء الشركات، وللتواصل مع أصحاب المصلحة الداخليين بفاعلية وتوفير منصة للاقتراحات المبتكرة.

وإلى جانب أهمية رأس المال الاجتماعي، فإن أسلوب القيادة مهم لتجاوز الأزمة. ويشير مفهوم “تعافي القيادة من القمة إلى القاعدة” إلى نشاط الإدارة العليا في تنظيم التوجيهات والإعلان عنها على مختلف مستويات السلّم الوظيفي للتصدي لتداعيات الأزمة. وقد اضطرت أغلبية الشركات في المنطقة إلى تحميل فريق الإدارة العليا مسؤولية توجيه الإجراءات اللازمة لتجاوز الأزمة، بسبب شيوع الهياكل التنظيمية القائمة على التراتبية الهرمية وثقافة صناعة القرار المركزية. ومن ناحية أخرى، فإن مفهوم “التعافي التشاركي من القاعدة إلى القمة” يشير إلى التواصل التعاوني بين الأسرة والموظفين للتعامل مع التداعيات السلبية للأزمة. وتعكس الشركة العائلية الرواندية العاملة في قطاع الضيافة بقيادة سيوسا جان بابتيست، أحد أفراد الجيل الثاني للأسرة المالكة للشركة، أهمية الأسرة في التغلب على الأزمة، حيث وحّدت الأسرة جهودها خلف الشركة للعمل معاً من أجل الحفاظ على الأنشطة الاقتصادية التي تعتبرها الحكومة ضرورية.

التفاعل لمواجهة التأثير القصير المدى

في حين أن “ذاكرة التعافي الحرج” تنشّط غريزة البقاء لتحذير الشركات العائلية من وجود خطر يمكن أن يهدّد الوضع الاقتصادي والاجتماعي والعاطفي للعائلة في قطاع الأعمال، فإن الإجراء الإضافي الذي يجب اتخاذه هو التعاطي مع الأزمة الاقتصادية التي يمكن أن تُحدِثها الأزمة. وقد استجابت الشركات العائلية بسرعة لتداعيات الأزمة من أجل الحفاظ على استقرار أوضاعها المالية وتخفيف حدة التداعيات المالية لجائحة “كوفيد-19”. ويأتي بقاء الشركة على رأس الأولويات عند وقوع أزمة حادة كهذه، من خلال إغفال أهمية العواطف. وقد تجسدت هذه الاستجابة في تطبيق عملية صناعة القرار على المدى المنظور فيما يخص التكاليف التشغيلية والعمالة والشؤون الإدارية. وهكذا، أصبح خفض التكلفة ورفع مستوى الكفاءة أولوية للشركات العائلية.

ويعد خفض التكلفة قراراً صعباً بالنسبة لأي مؤسسة، بل قد يكون أكثر صعوبة عندما تمس هذه القرارات رواتب الموظفين وحوافزهم، والأسوأ من ذلك أن تؤثر هذه القرارات على أوضاع الموظفين أو ترقياتهم أو علاقتهم بالشركة. وعلى الرغم من ذلك، فإن التزام الموظفين قد يشكّل ميزة تنافسية في سياق الشركات العائلية. ويمكن أن تسهم ثقافة الأسرة في التقليل من حدة تأثير القرارات القاسية وتحد من ضررها على المؤسسة. ويمكن أن يسهم شعور الموظفين بالانتماء إلى المؤسسة وثقتهم في قيادة الأسرة في قبولهم للظروف التي قد تؤثر على رفاهتهم الحالية من أجل حماية وظائفهم على المدى البعيد.

فقد اتخذت “مجموعة الدانوب” بعض القرارات الدراماتيكية التي أثرت على رواتب موظفيها خلال أصعب أوقات الجائحة، في شهري أبريل/نيسان ومارس/آذار 2020. وعلى الرغم من ذلك، فإن “مجموعة الدانوب” ومقرها في دبي بقيادة رضوان ساجان، مؤسس المجموعة ورئيس مجلس إدارتها، قد عَدَلت عن قراراتها بخفض الرواتب بنسبة 30%. ويلِّخص رضوان ساجان فلسفته تجاه موظفيه، قائلاً: “لقد تمكنا من الوصول إلى هذه المكانة بفضل دعم موظفينا وقوة عزيمتهم، وإننا لنؤمن بأن استمرارهم في العطاء سينقلنا نقلة كبيرة تتجاوز ما وصلنا إليه اليوم بمراحل”.

تنفيذ إجراءات استراتيجية   

في حين أن تنشيط “ذاكرة التعافي الحرج”، بمعنى وضع تصور منطقي للتعامل مع الأزمة، والتعاطي مع تداعيات الأزمة لمواجهة آثارها على المدى المنظور، بمعنى تحقيق الانسيابية في المؤسسة، يرتبط بالجوانب الداخلية لـ “نموذج القدرة على التحمل” في الشركات العائلية، فإن الإجراء التالي هو إعادة توجيه استراتيجية الشركة بحيث تركّز على التكيف مع البيئة التنافسية الجديدة.

وقد تفاعلت الشركات العائلية مع تداعيات الجائحة بطرق مختلفة بالاعتماد على إجراءين استراتيجيين أساسيين: استراتيجية التمحور واستراتيجية التجميد. أولاً: هناك مجموعة من الشركات العائلية التي طبقت استراتيجية التمحور. وتشير استراتيجية التمحور إلى اتخاذ المؤسسة موقفاً يقتضي تطوير أفكار جديدة والتوصل إلى حلول مبتكرة واستكشاف فرص جديدة لتحفيز الموارد البديلة للإيرادات وتسريع التحول الرقمي. وقد قررت شركة “الغرير للعقارات”، على سبيل المثال، تنفيذ التحول الرقمي على وجه السرعة من خلال تدشين موقع إلكتروني جديد يقدّم جولات افتراضية بزاوية 360 درجة وتنظيم حجز المواعيد إلكترونياً وإنشاء تطبيق إلكتروني لبوابة الغرير للمستأجرين باسم “الغرير تنانت” (Al Ghurair Tenant). وعلى العكس من ذلك، فإن مجموعة الشركات التي طبقت استراتيجية التجميد حافظت مؤقتاً على الوضع الراهن لهيكل الشركة وإجراءاتها وعملياتها إلى حين عودة الأوضاع إلى طبيعتها السابقة.

يمكن استخدام هذين الإجراءين الاستراتيجيين العامّين للتعامل مع تداعيات الجائحة، بالتزامن مع اتخاذ إجراء استراتيجي اجتماعي، أو دونه. ويُقصَد بالاستراتيجية الاجتماعية تنفيذ أنشطة غير ربحية إسهاماً منها في الأعمال الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع وِفقَ احتياجات المجتمع نفسه. وقد تم تنفيذ مزيج من الاستراتيجيات العامة والمنهجيات الاجتماعية في الشركات ذات الوضع المالي الجيد القادر على استيعاب التداعيات السلبية للأزمة والعالمة ببواطن الأمور في منظومة العمل التي تمارس فيه نشاطها. وينفّذ يوسف منصور، عضو مجلس إدارة “مجموعة منصور”، الاستراتيجية الاجتماعية من خلال عرض رؤية المجموعة على النحو التالي: “ننفّذ عدداً من الإسهامات والأنشطة عبر شركاتنا، متطلعين إلى تقديم الدعم عبر المجتمعات التي نعمل فيها. ونحرص على التكاتف مع مختلف المؤسسات في العالم لمحاربة هذا الفيروس، ويسعدنا أداء واجبنا في دعم جهود مكافحته”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .