كيف تميز شخصيتك وتحدد نقاط قوتك من خلال الصدمة الإيجابية؟

5 دقائق
تحديد نقاط القوة والضعف في الشخصية من خلال الصدمة الإيجابية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ربما تدفعك الصدمات الشخصية إلى التشكيك في افتراضاتك وتغيير المسار الذي تتبعه. لكن الأبحاث تشير إلى أن الانفعال الذي يشعر به الإنسان نتيجة هذه الأحداث الإيجابية يؤدي إلى شعور الإنسان بالزعزعة، فيجدد نشاطه ويرفع تقديره لذاته ويعمق علاقاته مع الآخرين ويعزز معنى الحياة في نظره. يمكنك خلق هذا الانفعال عن طريق الطلب من الآخرين مشاركة ذكرياتهم عنك وأنت تقدم أفضل ما لديك. وبذلك سينشأ لديك سجل لأهم اللحظات الشخصية، وهو مجموعة ذكريات عن نفسك وأنت في أفضل حالاتك، ما سيساعدك على تعظيم نقاط القوة الفريدة في شخصيتك والاعتماد عليها ومعرفة نقاط الضعف ومجابهتها وهو ما سوف يجعلك استثنائياً.

 

أحياناً، تدفعك صدمة شخصية إلى التشكيك في صحة افتراضاتك وتغيير مسارك. ربما تمثلت هذه الصدمة بالتعافي من مرض خطير، أو خسارة صديق مقرب أو التسريح من العمل أو مواجهة بعض الصعوبات في زمن الجائحة. لكن قد تقود الأحداث الإيجابية إلى نمو ما بعد الصدمة أيضاً، كالحصول على وظيفة جديدة أو قدوم مولود جديد أو الدخول في علاقة صداقة جديدة. وكذلك، وفقاً للأبحاث، يمكن أن تؤدي هذه الأحداث الإيجابية إلى زعزعة الإنسان على نحو يجدد نشاطه ويرفع تقديره لذاته ويعمق علاقاته مع الآخرين ويعزز معنى الحياة في نظره.

النمو الشخصي من خلال الصدمة الإيجابية

على مدى الأعوام التي قضيتها في البحث الأكاديمي والاستشارات، طورت عملية لتحقيق النمو الشخصي من خلال الصدمة الإيجابية، وأطلقت عليها اسم “النهج الإيجابي”. استندت في بناء عمليتي إلى أسلوب راسخ يدعى تمرين انعكاس الذات الأفضل، وهو أشبه بالاستماع إلى أصدقائك وزملائك وأفراد عائلتك وهم يشيدون بك. بالتأكيد، الهدف من هذه العملية ليس استجلاب مشاعر مزيفة من القريبين منك، لكنها على الأرجح ستجعلك سريع التأثر وشديد الحساسية ومحرجاً. تتضمن هذه العملية التواصل مع الأشخاص الأغلى على قلبك، ومشاركة قصص عن تأثرهم بك، والطلب منهم مشاركة ذكرياتهم عنك وأنت تقدم أفضل ما لديك. فتشكل سجلاً لأفضل لحظاتك الشخصية يضم مجموعة من الذكريات عنك وأنت بأحسن أحوالك.

إذا كان ذلك يشعرك بالتوتر، فأنت لست وحدك. أجريت مقابلات منظمة مع أشخاص اتبعوا النهج الإيجابي وأكملوه، وهم من مدن في بلدان مختلفة، بدءاً من سيؤول وسيدني وصولاً إلى نيو جيرسي، وأكثر من نصف من تحدثت إليهم ذكروا بصورة عفوية المقاومة الثقافية للتركيز على مكامن القوة الفريدة لدى الإنسان. لماذا؟ على مدى أعوام خبرتي، توصلت إلى قناعة بأن رد فعلنا الحساس هذا ينتج عن خوفنا من أن التركيز على مساهمات الآخرين الإيجابية سيصيبهم بالغرور. لكن هذا الخوف لا مكان له في النهج الإيجابي، بل العكس هو الصحيح في الحقيقة. فالإنسان سيشعر بالإلهام والنشاط والرغبة الكبيرة في توظيف مكامن قوته أكثر، وتقديم المزيد للآخرين بعد قراءة سجل بأفضل لحظاته.

ولأجل المفارقة، ما يجعل النهج الإيجابي فاعلاً لهذه الدرجة هو مدى عدم الارتياح الذي يشعر به من يتبعه لأن هذا النهج يشكك في صحة افتراضاتنا الأساسية، ويمكن أن ينقل رقابتنا الذاتية من العمل التلقائي في اللاوعي إلى العمل المدرَك الواعي. وغالباً، لا نلاحظ تحول افتراضاتنا وأفكارنا الداخلية السلبية إلى أفكار أساسية، ما يجعل الحياة تبدو صراعاً يومياً دائماً. فندخل في دوامة ونجد أنفسنا غارقين في أخاديد تعيقنا عن إدراك إمكاناتنا. لكن عن طريق بناء سجل أفضل اللحظات الشخصية، ستتمكن من إدخال نفسك في حلقة إيجابية أكثر وخلق تغيير شخصي حقيقي. وما أن ترى صورتك في أعين الآخرين لحظة وقوع أفضل تأثير لك عليهم، فعلى الأرجح أنك ستسعى لتعظيم مكامن قوتك التي تميزك وتقويتها.

خطوات لخلق تغيير شخصي حقيقي

يمكن تكييف هذه العملية التي تحدثتُ عن تفاصيلها في كتابي الذي بعنوان: “استثنائي” (Exceptional)، بحسب احتياجاتك. كما يمكنك أن تجعل من هذا النهج مشروعاً شخصياً أو نشاطاً للفريق، أو إذا كنت مديراً، يمكن إرسال رسائل تقدير إلى مرؤوسيك المباشرين. وإليك خطوات العملية كاملة:

أعط قبل أن تأخذ

قبل أن تطلب آراء الآخرين، أرسل رسائل تقدير وامتنان إلى بعض الأشخاص في حياتك، كوالديك ومدرائك وأولادك وأصدقائك وإخوتك. فذلك سيطلق دورة محمودة من الامتنان. خصص 15 دقيقة لتجمع أفكارك حول مكامن قوة كل شخص. تظاهر بأنك ستلقي كلمة في ذكرى وفاته، ودوّن ما يجعله مميزاً بالنسبة لك. ابحث في ذكرياتك عن الأوقات التي استخدم فيها هذا الشخص ميزاته الشخصية لترك أعظم أثر.

وعندما تكتب هذه الرسائل، تذكر أن الدماغ البشري مصمم للتعامل مع القصص، لا الحقائق المجردة والتعميم المبالغ به. لذا، بدلاً من مجرد الإشادة بالشخص (قل مثلاً، “أنت ذكي جداً” أو “أنت تجيد التعامل مع الأطفال”)، اكتب قصة عن حادثة معينة كان لها أثر كبير في نفسك. وإضافة لمسات شخصية على هذه القصة تساعد الآخرين على استعادة هذه الذكريات بتفاصيلها وكأنهم يعيشونها من جديد. يمكنك مثلاً كتابة ما يلي:

عندما بدأت العمل في هذه الوظيفة، وكنت قد تخرجت من الكلية حديثاً، كنت أثمن كل ما فعلته لأجلي. كنت دائماً إلى جانبي، سلمتني مشاريع رائعة، وهدأتني عندما شعرت بالتوتر قبل أن أقدم عرضي التقديمي أمام فلان، وتحملت أسئلتي المزعجة عن برنامج إكسل. كما أنك عرّفتني طريقة إعداد رقائق البطاطا في المنزل التي كان يقدمها مطعم كذا.

وهكذا تستطيع معرفة تفاصيل أثر هذا الشخص عليك، وما تعنيه مكامن قوته بالنسبة لك، وفي الحالة التي ذكرناها في المثال أعلاه، تتمثل مكامن قوة هذا الشخص في طريقة تعامله بلطف والتوجيه الذي قدمه.

في الخطوة التالية، عندما تصبح جاهزاً لإرسال رسائلك عن هذه القصص، يمكنك أن تكتب شيئاً مثل:

بناء على مقالة قرأتها مؤخراً، أنا أفكر بطرق تساعدني على تحسين علاقاتي بالآخرين. أنت شخص مهم في حياتي، ولا أدري إن كنت تعرف ذلك أم لا. لذا، أود مشاركة بعض الذكريات معك بشأن اللحظات التي رأيت منك فيها أفضل ما لديك. ثم إذا رغبتَ، أود أن أعرف منك بعض الأوقات التي أوقعتُ فيها أفضل أثر عليك.

أتذكر مرة…(أضف قصتك)

لا ترسل جميع الرسائل مرة واحدة، إذ إنك ستشعر بمشاعر إيجابية أكثر إذا وزعت كتابة هذه الرسائل على مدى أسبوعين. وما أن تبدأ، قد تشعر برغبة في كتابة أكثر من قصة للشخص نفسه.

لا تستهن بتأثير إظهار الامتنان. إذ تشير الأدلة إلى أن الآخرين سيحبون سماع ذكرياتك، وسيرغبون بتقديم شيء بالمقابل. هكذا تولّد مشاعر الامتنان تيارات صاعدة تقربك من الأشخاص الذين تواصلت معهم بعد هذا التمرين.

احتوِ مشاعرك، ثم عد إلى العمل

عندما يرسل الآخرون إليك ذكرياتهم، اجمعها واقرأها جميعها في جلسة واحدة كي تعظم أثرها. فاستعادة هذه الذكريات، وخصوصاً إذا امتدت عبر عقود من الزمن، ستكون تجربة عاطفية حقيقية.

وقد شهدتُ ما تفعله الصدمة الإيجابية في كثير من المقابلات التي أجريتها مع أشخاص بنوا سجلات لأفضل لحظاتهم الشخصية. خذ مثلاً لمياء التي تبلغ من العمر 48 عاماً، وهي شريكة في شركة استشارية عالمية في شيكاغو وتتمتع بنفوذ كبير هناك. ليس من السهل على أي امرأة الدخول في شراكة في بيئة عمل يهيمن عليها الذكور، ولمياء ليست من النوع الذي تغلب عليه النزعة العاطفية. لكن بعد قراءة سجل أفضل لحظاتها قالت لي:

أعتقد أن انفعالي العاطفي كان أكبر من شعوري بالسعادة. فالسعادة ليست الكلمة المناسبة. ربما تأثرت. أجل، تأثرت بحق، وانفعلت. أعتقد أنه من الناحية المنطقية، كنت أعرف كل ما كتبوه. لكن مجرد تعبيرهم بكلماتهم عما عاشوه معي وعن رؤيتهم لي كامرأة عظيمة هو أمر مؤثر جداً.

في المقابلات التي أجريتها، ثمة أمر سمعته مراراً وتكراراً من أشخاص ينتمون إلى شرائح عمرية وثقافات قومية متنوعة، وهو نوع من الصدمة الإيجابية. فقد استخدموا باستمرار كلمات مثل “مستوى عال” و”تفاجأت” و”ذهلت” و”تأثرت” و”أتعجب”.

لكن، لا يجب أن تتوقف بعد أن تختبر الصدمة الإيجابية التي تولدها قراءة سجل أفضل لحظاتك. تشير الأدلة التجريبية إلى أنك إذا كنت تريد أن تحقق نمواً بعد هذه التجربة، فمن الضروري أن تشكل عادات جديدة حول مكامن قوتك.

فإلى جانب استخدام وسائل تصميم الوظيفة وإضافة أنشطة جديدة في العمل تتوافق مع مكامن قوتك المميزة، يمكنك إبراز ما يجعلك استثنائياً مع إجراء تغيير أوسع على سلوكك في الحياة. في أثناء يومك، راجع نفسك واسألها: “من أنا الآن؟” هذا سؤال قوي لأنه يذكرنا بأننا قادرون على اختيار الشخصية التي سندخل بها إلى قاعة أو اجتماع على منصة “زووم”.

نحن الآن بحاجة إلى التواصل الاجتماعي والفرح في حياتنا أكثر من أي وقت مضى. ومع استمرار الجائحة، يشعر كثير منا بالانفصال والانعزال أو عدم تقدير الآخرين لنا. لذا، لم لا نقوم بهذه التجربة؟ فهي طريقة مستندة إلى الأدلة ومنخفضة المخاطر لتشكيل روابط وثيقة أكثر مع الآخرين، ولتذكير نفسك بأنك تملك مهارات وسمات استثنائية تشكل شخصيتك الحقيقية. وستتمكن من خلال استخدام نقاط القوة الفريدة في شخصيتك وتجنب نقاط الضعف من تحسين حياتك وحياة من حولك، وستعلم حينها أيضاً كيف تكتشف نقاط قوتك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .