قد يقع القادة الناجحون في فخ الظن بأنهم الوحيدون الذين يعرفون مصلحة فريقهم أو مؤسستهم. فهُم من عمِل بجد للوصول إلى ما هم عليه واتخذوا العديد من القرارات الصعبة خلال تلك الرحلة. لكن بعض القادة يعتمد بشكل مفرط على قدرتهم على اتخاذ القرارات وحدهم، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على أنفسهم وفريقهم ومؤسستهم.

كان مايك يواجه معضلة من صنع يديه، وهو أحد عملاء لويس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في إحدى مؤسسات التكنولوجيا المالية. كان يسأل موظفيه: “لماذا يصعب عليكم الالتزام بخطة سير العمل؟ ألا يمكنكم العمل بطريقة صحيحة؟” وينهر زملاءه من القادة قائلاً: “أنا الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، مفهوم؟ اهتموا بشؤونكم، أنا من يقرر هنا”.

انضم مايك الضابط العسكري السابق والمحترف المخضرم والرئيس التنفيذي السابق إلى المؤسسة عبر عملية استحواذ. كان واضحاً منذ البداية أن ثمة صداماً شخصياً وثقافياً في فريقه وبينه وبين زملائه القادة. فقد اعتاد اتخاذ جميع القرارات وكان يطالب موظفيه بالولاء والتنفيذ. ذات مرة، اتخذ مايك قراراً كان يعرف فريقه مسبقاً أنه قرار خاطئ ولكنه أجبرهم على تنفيذه، وكانت النتيجة خسائر مالية كبيرة للشركة. ما دفع رئيسها التنفيذي إلى البحث عن حل للتعامل مع ثقة مايك المفرطة وأسلوبه القيادي. وفي أثناء مناقشته مع لويس حول طريقة التعامل المناسبة قال: “يشكل مايك عقبة لهذه المؤسسة ويجب التعامل معها”.

عندما يبدأ القادة الذين اعتادوا التفرّد في اتخاذ القرارات بالعمل المشترك مع زملائهم من القادة وأصحاب المصالح ممن يتمتعون بالقدر نفسه من النجاح والطموح والثقة، فثمة احتمال كبير للتصادم. إذ لم يعد أسلوبهم السابق والناجح في القيادة والسيطرة الحازمة ممكناً. وفي حال لم يعدّلوا أسلوبهم في صناعة القرار ويتحولون إلى قادة منفتحين ومتعاونين، فقد يعرضون نجاحهم المهني للخطر. لذا ينبغي أن يغير القادة الحازمون وذوو الثقة المفرطة طريقة تفكيرهم.

كشفت الأبحاث التي أجرتها مؤسسة غالوب (Gallup) أن تكلفة القيادة الضعيفة وتراجع الإنتاجية يمكن أن تصل إلى 1.2 تريليون دولار سنوياً، ويرجع ذلك إلى ضعف تفاعل الموظفين. قد يؤدي الحزم والثقة والقدرة على اتخاذ إجراءات جريئة وتنفيذها إلى فوائد كبيرة للمؤسسة، لكنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى أخطاء عالية التكلفة. وقد يكون علاج الثقة المفرطة هو الأصعب بين العوامل التي تؤثر في عملية صناعة القرار، لأنها “راسخة في العقلية بحيث لا يمكنك تغييرها دون تغيير عوامل أخرى كثيرة”، وفقاً لعالم النفس الحائز جائزة نوبل والخبير الاقتصادي ومؤلف كتاب “التفكير السريع والبطيءدانيال كانيمان.

يقدم لك مؤلفا هذا المقال عدة طرق لإجراء التغييرات المطلوبة في العقلية والسلوك لتصبح من أكثر القادة تعاوناً في حال كنت تشعر بأنك من أولئك القادة الذين يجدون صعوبة في التنازل عن السيطرة المتفردة في عملية صناعة القرار.

أولاً، حدد سبب اتخاذك للقرارات وحدك

في حال كنت قائداً متمسكاً بآرائه وذا ثقة مفرطة في النفس وتميل إلى التفرد في اتخاذ القرارات وتتوقع من فريقك ومن زملائك القادة تطبيقها، فعليك أولاً أن تفهم سبب ذلك. إليك بعض الأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك لفهم أسلوبك في صناعة القرار:

هل تعتقد أن صناعة القرار رد فعل تلقائي بسيط؟

استناداً إلى سنوات خبرتك الطويلة قد يكون رد فعلك التلقائي أو حكمك الأولي صحيحاً في كثير من الأحيان. لكن صناعة القرار الصحيح عملية معقدة يمكن أن تؤثر فيها عدة عوامل. ومن الأسباب الرئيسية لعدم اتخاذ الناس القرار الصحيح عدم توفر جميع المعلومات التي يحتاجون إليها بسبب النقص في المعطيات. ولا يتسم اتخاذ العديد من القرارات بالسهولة. إذ تتطلب القرارات وجود معطيات وبيانات وخبرات ووجهات نظر متنوعة من أعضاء الفريق وأصحاب المصالح.

هل تعتقد أن آراء الآخرين غير مهمة؟

عندما يتخذ القادة قرارات بشكل منفرد ولا يستمعون لآراء الآخرين، فكأنهم يقولون إلى الأطراف المعنية الأخرى: “لا يهمني رأيكم”. يرغب الجميع بأن يشعر بالقيمة والتقدير وأهمية دوره. لكن عندما يتخذ القادة القرارات وحدهم، فهم لا يشعرون الآخرين بأي منها. وإشراك الآخرين في عملية صناعة القرارات المهمة يمكن أن يزيد من دعمها وتحمل مسؤوليتها في مرحلة التنفيذ. كما يُؤدي إلى إظهار ثقة القائد في الفريق ويقوي العلاقات ويعزز الثقافة التعاونية ضمن الفريق.

هل تعتقد أنك تمتلك الحق الحصري في اتخاذ القرار؟

يشعر بعض القادة أن مناصبهم ومسمياتهم تمنحهم الحق في اتخاذ القرارات بمفردهم. فهم يريدون أن يكونوا المسيطرين وأن يعتمدوا على التسلسل الهرمي والسلطة أكثر من قدراتهم القيادية. عليهم أن يدركوا أن سلطتهم وسيطرتهم ليست مطلقة. في الواقع، تعد قيادة المنصب، وهي القيادة التي تستمد سلطتها من قوة المنصب في المؤسسة فحسب أدنى مستويات القيادة، والبقاء عندها يحد من إمكانات القائد.

هل تعتقد أنك الوحيد القادر على اتخاذ القرار الصحيح؟

تعد الثقة ميزة مهمة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنجاح المهني. لكنها تصبح سلبية عندما يفرط القائد في تقدير قدراته أو خبرته أو حكمته. وربما يقع في فخ الخبرة ومن المرجح أن يتسرع ويجازف أكثر من اللازم بسبب إحساسه بالقدرة على صناعة القرار.

ثانياً، حدد كيف تريد تغيير طريقة قيادتك

يتطلب الانتقال من التفرد باتخاذ القرار إلى تبني عملية استراتيجية وتعاونية وشمولية لصناعة القرار إجراء تغييرات سلوكية بهدف التأثير في نظرة الآخرين إليك. وفي حال أردت أن يُنظر إليك كقائد مؤثر، فيجب عليك تشجيع فريقك على المشاركة والتعاون وتحمل مسؤولية الأهداف والقرارات الجماعية. إليك بعض النصائح لتحقق تلك التغييرات:

كن متواضعاً

التواضع يعني الاعتراف بأنك لست عالماً بكل شيء، وتلك حقيقة. لذا اسأل نفسك دائماً عن أهدافك. وعليك إعادة صياغة ما يعنيه النجاح بالنسبة إليك. فليس النجاح أن تفرض رأيك أو تسيير الأمور على هواك، النجاح هو تحقيق أهداف مؤسستك. وذلك النجاح يتطلب فريقاً فعالاً ومندفعاً للعمل.

اطلب إسهامات الآخرين

يقول عالم النفس وصاحب نظرية هرم ماسلو للاحتياجات أبراهام ماسلو: “إذا كانت المطرقة كل ما تملك، فستميل إلى رؤية كل مشكلة على شكل مسمار”.

عليك أن تقر بحقيقة أن طريقتك ليست الطريقة الوحيدة. وطلب إسهامات الآخرين ليس ضعفاً؛ على العكس هو ميزة تجعل عملية صناعة القرار أكثر فعالية. ووفقاً لكانيمان، عندما تركز عملية صناعة القرار المنفرد على أفكارك وخبراتك الشخصية فحسب، فإنك تحد من حجم المعطيات اللازمة. لكن حين تنقل التركيز إلى المشاركة وتستغرق الوقت الكافي للبحث عن إسهامات الآخرين ووجهات نظرهم، سترتفع احتمالات النجاح.

كن محباً للمعرفة

الانفتاح على التعلم هو أساس النجاح؛ عندها فقط يمكنك تقييم جميع الخيارات واختيار أفضل النتائج. لذا اسأل نفسك دائماً: ماذا علي أن أتعلم؟ ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة الأبحاث التنفيذية إيغون زندر (Egon Zehnder) قد توصلت إلى أن المسؤولين التنفيذيين المتميزين بحبهم للمعرفة قادرين عادة على الترقي إلى مناصب الرؤساء التنفيذيين في الإدارة العليا عبر مسار التنمية الصحيح. لذا، فإن حب المعرفة لن يتيح لك تحسين عملية صناعة القرار فحسب، بل سيدفعك أيضاً في مسارك المهني إلى الأمام.

فكر في النتائج على المدى الطويل

إذا انصبَّ تركيزك على النتائج القصيرة المدى، فأمعن النظر في التبعات البعيدة المدى لقراراتك، بالإضافة إلى “التبعات الثانوية” أي التبعات غير المباشرة أو غير المقصودة لقراراتك. ففي حال قررت تسريح عدد من موظفين مثلاً بهدف خفض التكاليف، ستنخفض نفقات الرواتب فورياً. لكن التبعات الثانوية ستشمل الآثار السلبية للقرار معنويات الموظفين، وخسارة في المعرفة المؤسسية، وانخفاضاً محتملاً في الإنتاجية.

ثالثاً، اتخذ خطوات عملية

وبعد أن تغير عقليتك وتقرر كيف تريد أن ينظر إليك الآخرون، عليك اتخاذ خطوات عملية. لن يحدث التغيير إلا إذا نظر إليك الآخرون بطريقة مختلفة ومتوافقة مع الشخصية التي تريد ترسيخها. إليك بعض الاستراتيجيات التي يُمكن تطبيقها:

حاول الحصول على وجهات نظر متنوعة

ستوفر لك المعطيات والخيارات الجديدة معلومات أفضل لم تكن تخطر على بالك وستعزز الإبداع والتعاون والتفاعل. وعليك بصفتك القائد استخلاص المعلومات من جميع المصادر، لذا احرص على أن يسهم جميع أعضاء فريقك برأيه. ويمكنك على سبيل المثال إسناد دور المعارض لأحد أعضاء الفريق. يجب أن تفكر ملياً في جميع الخيارات.

اعتبر موقفك أحد الخيارات

يميل القادة ذوو الثقة المفرطة إلى القيادة عبر فرض مواقفهم. وهم يدافعون عن وجهات نظرهم ويحاولون إقناع الآخرين بالتفكير بها وقبولها والموافقة عليها. وتكون مواقفهم عادة متصلبة ولا تترك مجالاً للتعاون. وذلك يؤدي إلى حدوث مواجهات ويعزز سلوك السعي للانتصار الساحق.

في المقابل، حين تعتزم تقديم وجهة نظرك كأحد الخيارات المطروحة، فإنك تفتح المجال للتعاون والابتكار عبر تنويع الخيارات. وذلك يؤدي إلى عملية صناعة قرار ذات إنتاجية وفعالية أفضل. يتطلب ذلك التحلي بالمرونة وتقبل آراء الآخرين. ستكون قادراً على تغيير عقليتك من عقلية متصلبة إلى عقلية منفتحة فقط عندما تتبنى أسلوب التعاون في عملية صناعة القرار.

أشرك فريقك في العملية

كلما ارتفع منصبك في المؤسسة، زاد اعتمادك على الآخرين لتنفيذ رؤيتك وأهدافك. وحينها يصبح النجاح نتيجة الجهد الجماعي. لذا من الضرورة بمكان أن تتعلم كيف تنمي فريقك وتقويه وتزيد تفاعله، وبخاصة في عملية صناعة القرار. فعلى سبيل المثال، يمكنك إشراك فريقك في ممارسة استراتيجية ما قبل الانهيار، وهي ممارسة لعملية صناعة القرار حيث يتخيل الفريق أن المشروع قد فشل ويعمل بشكل عكسي أي انطلاقاً من نقطة فشل المشروع إلى الخلف لتحديد الأسباب المحتملة لذلك. تشجع هذه العملية التواصل والتوافق واتخاذ القرار بشكل أفضل وبالتالي تحقيق نتائج أفضل.

فمن الأفضل لك أن يرغب الموظفون باتباعك، لا أن يضطروا إلى ذلك. ولتحقيق هذا الهدف، عليك ألا تستغل الخوف أو سلطة منصبك لقيادتهم. عليك إشراك فريقك وبناء مستوى عالٍ من الثقة وتحمل المسؤولية يمكّنك من قيادتهم، وعليك تمكين فريقك لكي يساعدك في اتخاذ القرارات الصحيحة.

بالنسبة إلى مايك، كان الانتقال من صانع قرار منفرد إلى “قائد شامل ومنفتح” كما وصفه زملاؤه لاحقاً خلال مقابلات نهاية التدريب، تغيراً جذرياً له ولفريقه. بصفتك قائداً من المهم أن تعمل باستمرار على تعزيز مهاراتك في صناعة القرار. صحيح أنه من الصعب التنازل عن الشعور بالسيطرة وألا تكون لك الكلمة الأخيرة، لكن تبني عقلية شاملة وإشراك وجهات نظر وأفكار متنوعة سيؤديان إلى نتائج أفضل وفريق أقوى. لا تدع تفاخرك في قدرتك على اتخاذ القرار يتحول إلى عقبة أمام نموك وتأثيرك في فريقك ومؤسستك.