مقومات المحاكمة العقلية الناجحة

17 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف تحسّن قدرتك على اتخاذ القرار؟

لا بد من اتخاذ قرار.

على الرغم من عرض كل الحقائق، وطرح كافة الخيارات بمزاياها وعيوبها، فلا يوجد دليل واضح يدعم خياراً بعينه، وإذا بالحضور الذين يتحلقون حول طاولة المناقشات يلتفتون إلى الرئيس التنفيذي، في انتظار محاكمة عقلية حصيفة، أي تفسير الأدلة التي تقود إلى الخيار الصائب.

يعتبر الحُكم على الأمور –أي القدرة على الجمع بين المهارات الشخصية والمعرفة الصحيحة والخبرة وثيقة الصلة لتكوين رأي واتخاذ قرار– هو “جوهر القيادة المثالية”، وذلك وفقاً لنويل تيتشي ووارين بينيس، مؤلفي كتاب “الحُكم: كيف يتخذ القادة الناجحون قرارات ممتازة” (The Judgment: How Winning Leaders Make Great Calls)، فهذه القدرة هي ما تتيح لنا اتخاذ قرار سليم في غياب مسار واضح أو بيانات قاطعة وثيقة الصلة بالموضوع محل النقاش. نتمتع جميعاً إلى حدٍّ ما بالقدرة على تكوين وجهات نظر وتفسير الأدلة، لكن ما ينقصنا بالطبع هو المحاكمة العقلية الحصيفة.

أشبعت هذه المسألة بحثاً في محاولة لفهم مقومات المحاكمة العقلية الحصيفة، فبعض الخبراء يُعرِّفونه بأنه موهبة مكتسبة أو “إحساس داخلي” يجمع بطريقة ما بين الخبرة العميقة والمهارات التحليلية على مستوى لا واعي للتوصل إلى رؤية أو التعرف على نمط يغفله الآخرون. بصورة عامة، يعد هذا التعريف منطقياً، لكن من الصعب الانتقال من فهم معنى الحُكم إلى معرفة كيفية اكتسابه أو حتى التعرف عليه.

في محاولة لمواجهة ذلك التحدي، تحدثت إلى الرؤساء التنفيذيين في عدد من المؤسسات، بدايةً من بعض كبرى الشركات في العالم وصولاً إلى الشركات الناشئة، كما خاطبت أيضاً القادة العاملين في المجالات المهنية المتخصصة، مثل: الشركاء الرئيسيين في مكاتب المحاماة والمحاسبة، والقادة العسكريين، والأطباء، والعلماء، ورجال الدين، والدبلوماسيين. وطلبت منهم إطلاعنا على ملاحظاتهم بشأن ممارستهم وممارسة الآخرين للحُكم، كي أستطيع تحديد المهارات والسلوكيات التي تهيئ الظروف المُحفِّزة لظهور رؤى جديدة وتُمكِّن متخذي القرار من تمييز الأنماط التي يغفلها الآخرون. كما طالعت أيضاً الدراسات ذات الصلة، بما في ذلك المهارات القيادية وعلم النفس.

اكتشفت أن القادة الذين يتحلون بالقدرة على الحُكم الحصيف يتصفون بأنهم مستمعون بارعون وقرّاء جيدون، فهم يستطيعون سماع ما يقصده الآخرون حقاً، وبالتالي يستطيعون رؤية الأنماط التي لا يلاحظها غيرهم. ويمتلكون خبرات عريضة وعلاقات واسعة تمكِّنهم من التعرف على أوجه التطابق أو الشبه التي يغفلها الآخرون. فإذا كانوا يجهلون أمراً ما، فهم يعرفون شخصاً ملماً به ويعتمدون على حُكمه. كما بإمكانهم تمييز مشاعرهم وتحيزاتهم الخاصة وإخراجها من المعادلة. فضلاً عن ذلك، فهم يجيدون توسيع نطاق خياراتهم المطروحة للبحث والدراسة. وأخيراً، يبقون متشبثين بأرض الواقع، فعند اتخاذهم قراراً ما، يفكرون أيضاً في كيفية تنفيذه.

القادة الذين يتحلون بالحُكم الحصيف يتسمون بأنهم مستمعون بارعون وقارئون مجيدون، فهم يستطيعون سماع ما يقصده الآخرون حقاً، وبالتالي يستطيعون رؤية الأنماط التي لا يلاحظها غيرهم.

إن الممارسات التي يتبناها القادة، والمهارات التي ينمّونها، والعلاقات التي يبنونها ستساعدهم على إصدار أحكام مستنيرة. سوف أطرح في هذه المقالة المقومات الستة الأساسية للحُكم الحصيف –وهي: التعلم والثقة والخبرة والانفصال والخيارات والتنفيذ– وسأقدم اقتراحات لكيفية تحسينها.

 التعلم

أنصت بعناية واقرأ بعين ناقدة

تتطلب المحاكمة العقلية الحصيفة تحويل المعرفة إلى فهم. يبدو هذا سهلاً، لكن كما هو الحال دائماً، تكمن الصعوبة في التطبيق، وهي في هذه الحالة أسلوبك في التعلم، حيث يتسرع كثير من القادة بإصدار أحكام غير مدروسة، لأنهم يغربلون دون وعي المعلومات التي يتلقونها أو لا يحللون بشكل كافٍ ما يسمعونه ويقرؤونه.

الحقيقة للأسف أن معظمنا لا يستوعب المعلومات التي نتلقاها، إذ نتجاهل ما لا نتوقعه أو ما لا نريد سماعه، وهذه النزعة لا تتحسن بالضرورة مع تقدمنا في العمر. (فمثلاً: أثبتت الأبحاث أن الأطفال يلاحظون أموراً يغفل عنها الكبار). ونتيجة لذلك، يغفل القادة ببساطة كماً كبيراً من المعلومات المتاحة، وهذه نقطة ضعف تهدد الناجحين بصفة خاصة، لأن الثقة العمياء في النفس غالباً ما تأتي مصاحبة للنجاح.

فكرة المقالة بإيجاز

الهدف

استثمارات الشركات في الابتكار تعرقلها الأعمال الروتينية والعادات اليومية التي تكبح التفكير الأصيل.

التحدي

ليس لدينا إطار واضح لتعلم المحاكمة العقلية الحصيفة أو اكتشافه في الآخرين. لتقييم قدرة القائد على الحكم السليم، غالباً ما نعتمد على تاريخه السابق، وهو ما يمكن أن يكون مضللاً.

الحل

تحدد هذه المقالة ستة مقومات تسهم في ممارسة المحاكمة العقلية الحصيفة، ألا وهي: التعلم والثقة والخبرة والانفصال والخيارات والتنفيذ. بالعمل على تنمية هذه المقومات، سيستطيع القادة تحسين قدرتهم على فهم أي موقف غامض.

توجد استثناءات بالطبع، فقد قابلت جون بيوكانن لأول مرة في مستهل حياته المهنية الحافلة بالإنجازات على مدار أربعة عقود شغل خلالها منصب مدير الشؤون المالية في شركة “بي بي” للبترول، ورئيس مجلس إدارة شركة “سميث آند نيفيو” (Smith & Nephew)، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة “فودافون”، وعضو مجلس إدارة شركات “أسترازينيكا” (AstraZeneca) و”أليانس بوتس” (Alliance Boots) و”بي إتش بيه بيليتون” (BHP Billiton). ما أدهشني على الفور وعلى مدار علاقتنا هو أنه كان يعطيني ويعطي كل من حوله اهتمامه الكامل. كثير من الشخصيات التي تتمتع بتاريخ كتاريخه الحافل كانت لتتوقف منذ وقت طويل عن الإنصات إلى الآخرين بدافع الغرور.

كان بيوكانن أكثر من مجرد مستمع جيد، فقد برع في استخراج المعلومات التي ما كان الآخرون ليفصحوا عنها من تلقاء أنفسهم. كانت أسئلته مُصمَّمة لاستخلاص إجابات مثيرة للاهتمام، وقد أخبرني بأنه عند اتخاذه قراراً بشأن قبول عضوية أحد مجالس الإدارات مثلاً، كان يطرح أسئلة على غرار: “أين ترى وضع هذه الشركة على مقياس يتراوح بين الأبيض والرمادي؟” وأضاف قائلاً: “في البداية يبدو هذا محض هراء إداري تقليدي يتسم بالمكر، لكنه غير هادف، إلا أن السؤال مفتوح بشكل كافٍ لاستخلاص ردود في مجال واسع من الموضوعات، كما أنه موجَّه بشكل كافٍ لتقديم إجابة هادفة”.

هذا، ويُعتبر فرط المعلومات – وبخاصة مع المواد المكتوبة– مشكلة أخرى. لا عجب أن الرؤساء التنفيذيين الذين لديهم التزامات هائلة تستنزف وقتهم وتركيزهم يجدون صعوبة في التعامل مع فيض الرسائل الإلكترونية ومذكرات الإحاطة التي يتلقونها. بصفتي عضو مجلس إدارة في شركة كبيرة مُدرجة بالبورصة، أضطر إلى قراءة ملايين الصفحات قبل أي اجتماع مهم. وفي مواجهة مثل هذا الطوفان، من المغري أن نقرأ في عجالة ونكتفي بتذكر المعلومات التي تؤكد صحة آرائنا، لهذا السبب يطالب القادة الأذكياء بالجودة وليس الكم فيما يصل إليهم. هل أنت مضطر إلى قراءة 300 صفحة قبل اجتماعك المهم المقبل؟ في “أمازون” و”بنك إنجلترا”، لا تزيد بنود جدول الأعمال على ست صفحات كحد أقصى.

كَمُّ المعلومات ليس التحدي الوحيد فيما يتعلق بالقراءة، بل إن حمل الكلمة المكتوبة على معناها الظاهري هو الخطر الأكبر. فحين ننصت إلى الآخرين وهم يتحدثون، فإننا نبحث (بشكل واعٍ أو غير واعٍ) عن أدلة غير لفظية تعكس صدق ما نسمعه، أما عند القراءة فإننا نفتقر إلى هذا السياق، وفي عصر تشيع فيه “الأخبار الزائفة”، يتعين على صُناع القرار أن يوجهوا مزيداً من الانتباه إلى صدق المعلومات التي يرونها ويسمعونها، وبخاصة المنقولة من الزملاء أو التي جُمعت عبر محركات البحث ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي. هل أنت حريص حقاً على التقييم والغربلة كما ينبغي، على الرغم من معرفتك بمدى تفاوت المصداقية؟ إذا كنت تعتقد أنك لا تقوم أبداً بفرز المعلومات بشكل غير واعٍ، ففكِّر فيما إذا كنت تختار صحيفة تتفق بالفعل مع آرائك.

يشكِّك الأشخاص الذين يتحلون بالقدرة على المحاكمة العقلية الحصيفة في صحة المعلومات غير المنطقية. وربما لم يكن أي منا ليظل على قيد الحياة اليوم لولا مُقدم شرطة سوفيتي يدعى ستانيسلاف بيتروف، فقد أُعلِن عقب سقوط الشيوعية أنه في أحد أيام عام 1983، وبصفته الضابط المناوب في مركز تعقب الصواريخ بالاتحاد السوفيتي، تلقى بيتروف إنذاراً بأن الأقمار الصناعية السوفيتية قد رصدت هجوماً صاروخياً أميركياً على الاتحاد السوفيتي. قرر بيتروف أن احتمالية صدق القراءة بنسبة 100% احتمالية مرتفعة أكثر من المعقول، ولم يبلغ قادته بالمعلومة على الرغم من التعليمات التي تدرَّب عليها، وبدلاً من ذلك أبلغ عن خلل في النظام. وقد صرَّح في لقاء أجرته معه هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الروسية عام 2013: “كانت لديّ جميع البيانات [التي ترجح حدوث هجوم صاروخي الآن]. ولو كنت أرسلت تقريري إلى رؤسائي، ما شك أحدهم في صحته”، لكن اتضح فيما بعد أن الأقمار الصناعية قد رصدت بالخطأ ضوء الشمس المنعكس من السحب على أنه محركات صاروخية.

نصائح لتحسين قدراتك: إن الإنصات بعناية –بما في ذلك الانتباه إلى ما لا يُقال وقراءة لغة الجسد– هو مهارة قيمة يجب صقلها، وهناك كثير من النصائح بصدد هذا الشأن. احذر من مرشحاتك الخاصة، ومن السلوك الدفاعي أو العدواني الذي قد يعوق الحجج البديلة. إذا شعرت بالملل ونفاد الصبر عند الاستماع إلى أحدهم، فابدأ في طرح الأسئلة واختبار صحة الاستنتاجات. وإذا انهالت عليك مذكرات الإحاطة المكتوبة، فركز على الأجزاء التي تناقش الأسئلة والمشكلات، بدلاً من الأجزاء التي تلخص العروض التقديمية التي ستسمعها في الاجتماع. (كثير من تقارير مجالس الإدارات متخمة بنسخ مسبقة من العروض التقديمية). ابحث عن الثغرات أو أوجه التناقض فيما يُقال أو يُكتب. فكر بحذر في مصدر البيانات الأساسية وفي المصالح المحتملة للأشخاص الذين يقدمونها. وإذا استطعت، فاحصل على مدخلات وبيانات من الآخرين عن أكثر من جانب للقضية، وبخاصة الأشخاص الذين لا تتفق معهم في العادة. وأخيراً، تأكد من سلامة مقاييس ومعايير البيانات التي تعتمد عليها، وابحث عن أي تناقضات في المقاييس، وحاول أن تفهمها.

الثقة

ابحث عن التنوع، وليس عمن يدعم قراراتك

يجب ألا يكون العمل القيادي مجهوداً فردياً، إذ يمكن أن يستفيد القادة من مهارات الآخرين وخبراتهم إضافة إلى مهاراتهم وخبراتهم الخاصة عند اتخاذ قرار ما. ويُعتبر اختيار هؤلاء المستشارين ومدى ثقة القائد بهم أمراً حيوياً لضمان سلامة حكمه.

للأسف يستعين كثير من الرؤساء التنفيذيين ورواد الأعمال بأشخاص يرددون آراءهم كالببغاوات ويدعمون قراراتهم أياً كانت، فمثلاً: كان الرئيسان التنفيذيان الموصومان بالعار، إليزابيث هولمز وصني بالواني من شركة “ثيرانوس” (Theranos) الناشئة، يعتبران أي شخص يسجل قلقه أو اعتراضه متشائماً ومُعارِضاً. ووفق صحيفة “فايننشال تايمز”: “كان الموظفون الذين يصرون على فعل هذا يتعرضون عادةً للتهميش أو الفصل من العمل، بينما يحظى المتملقون بالترقيات”. ومؤسس شركة “أنبانغ” (Anbang) الصينية للتأمين ورئيسها التنفيذي وو شاوهووي –الذي حُكِم عليه مؤخراً بالسجن لمدة 18 عاماً– كان قد بنى إمبراطورية دولية متنوعة، مشترياً أصولاً كبرى شملت فندق “والدورف أستوريا” في نيويورك. وقال عنه أحد الموظفين في حوار مع صحيفة “فايننشال تايمز” إنه هو أيضاً أحاط نفسه “بأشخاص ضعاف الشخصية ينفذون أوامره فحسب دون مراجعتها”.

ولقد أشارت المؤرخة دوريس كيرنز غودوين في كتابها “فريق من المنافسين” (Team of Rivals) إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن شكَّل مجلس وزراء من الخبراء الذين يكِّن لهم الاحترام ولكنهم لم يتفقوا دائماً بعضهم مع بعض. وفرضت شركة ماكنزي منذ وقت طويل التزاماً (وليس مجرد اقتراح) بالمعارضة كعنصر محوري من طريقة عملها، كما تنص المبادئ القيادية في شركة “أمازون” تحديداً على ضرورة “سعي القادة لطلب تصورات متنوعة والعمل على التشكيك في صحة معتقداتهم”.

يفكر جاك ما، مؤسس شركة “علي بابا”، بالطريقة نفسها. فنظراً لإدراكه مدى جهله بالتكنولوجيا (إذ كان يبلغ من العمر 33 عاماً حين حصل على أول كمبيوتر له)، قام بتوظيف جون وو من شركة “ياهو” في منصب المدير التكنولوجي، وعلَّق قائلاً: “لتأسيس شركة من الدرجة الأولى، فإننا نحتاج إلى تكنولوجيا من الدرجة الأولى. وفي وجود جون، أستطيع أن أنام مطمئناً”. ولا يعتبر جاك ما رائد الأعمال العملاق الوحيد الذي استعان بمستشارين يتمتعون بمهارات وخبرات شخصية ومؤسسية لسد عجز لديه، فقد قام مارك زوكربيرغ، مؤسس موقع “فيسبوك”، بتعيين شيريل ساندبيرغ لسبب مماثل. وناتالي ماسينيه، مؤسِّسة متجر الأزياء الإلكتروني “نيت أيه بورتيه” (Net-a-Porter)، قامت بتعيين مارك سيبا، الذي يكبرها سناً بكثير، والذي كان “الرئيس التنفيذي المتواضع الذي فرض النظام في شركة التجارة الإلكترونية الناشئة على غرار أسلوب روبرت دي نيرو في فيلم “المتدرب” (The Intern)”، على حد وصف صحيفة “تايمز” اللندنية. وقد أخبرني أخي مايكل بأن أحد الأسباب التي جعلت سلسلة متاجر شركته للبصريات –التي تحمل اسم العلامة التجارية “غراند أوبتيكال” (GrandOptical)– تصبح الأكبر في فرنسا هو شراكته مع دانيال أبيتان، الذي كان يتميز في الشؤون التشغيلية ويكمل رؤية مايكل الريادية ومهاراته الاستراتيجية.
نصائح لتحسين قدراتك: شجِّع مصادر الرأي الموثوق، أي الأشخاص الذين سيخبرونك بما تحتاج إلى معرفته وليس ما تريد سماعه. حين توظف أشخاصاً ستعتمد على مشورتهم، لا تأخذ النتائج كمقياس لحكمهم الحصيف. اجعل حصافة الحُكم عاملاً واضحاً في التقييمات وقرارات الترقي. وقد أشارت أوشا براشار، التي كانت ترأس الهيئة المسؤولة عن إصدار أعلى التعيينات القضائية في المملكة المتحدة، إلى الحاجة لدراسة الطريقة التي يعمل بها المرشح، وليس فقط أعماله السابقة. أما دومينيك بارتون، المدير الإداري السابق بشركة “ماكنزي”، فقد أخبرني بأنه كان يبحث عما لا يُقال: هل أغفل الآخرون ذكر أي صعوبات أو إخفاقات أو انتكاسات “حقيقية” في حياتهم المهنية حتى الآن؟ كما ذكر أحد الرؤساء التنفيذيين أنه كان يسأل الموظفين عن المواقف التي واجهوا فيها معلومات منقوصة أو نصائح متضاربة. لا تتأثر بالتقييمات التي تصف المرشح بأنه “مختلف”، فمن يخالفك الرأي قد يوفر لك التحدي الذي تحتاجه.

الخبرة

فلتكن خبرتك وثيقة الصلة، دون أن تكون محدودة

بخلاف البيانات والأدلة المرتبطة بقرار ما، يستفيد القادة من خبراتهم عند تكوين أحكامهم. توفر الخبرة السياق المطلوب وتساعدنا على التوصل إلى الحلول المحتملة وتوقُّع التحديات. فإذا كان القادة قد صادفوا في السابق تحدياً مماثلاً للتحدي الحالي، فبوسعهم تحديد المجالات التي يركزون فيها طاقتهم ومواردهم.

يجسد محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية في دبي، وأحد أنجح رواد الأعمال في الشرق الأوسط– مثالاً على ذلك. فقد علَّمته أول أزمة عقارية كبرى شهدها في سنغافورة عام 1991 كيفية التعامل مع حالة الضعف التي تصاحب الاستدانة المرتفعة في ظل الكساد الاقتصادي. وفي مجال العقارات، مَن يتعلمون دروس الاستدانة المرتفعة خلال انهيارهم المالي الأول هم فقط من ينجون على المدى الطويل. منذ ذلك الحين خاض العبار بنجاح الدورات الاقتصادية في دبي، التي غالباً ما تكون مأساوية، واليوم تشمل حقيبة أعماله العقارية برج خليفة (أعلى مبنى في العالم)، ومول دبي (أحد أكبر مراكز التسوق في العالم).

لكن –وأشدد هنا على “لكن”– إذا كانت الخبرة محدودة، فقد يمثل التكرار خطراً، فإذا كانت شركتي تخطط مثلاً لاقتحام السوق الهندية، فربما لا أثق بحكم شخص لم يطرح منتجاته إلا في الولايات المتحدة فقط. ربما أكون أقل قلقاً حيال شخص آخر طرح أيضاً منتجات جديدة في الصين وجنوب أفريقيا مثلاً، لأن هذا الشخص لن يتجاهل على الأرجح الإشارات المهمة.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

النجاح ليس مقياساً يمكن الاعتداد به للمحاكمة الحصيفة

قد ننساق وراء الافتراض بأن النجاحات السابقة دليل على المحاكمة العقلية الحصيفة، وفي بعض الحالات ربما تكون كذلك. ولعل النجاحات المتوالية على مدار أجيال لبعض الشركات الألمانية متوسطة الحجم وأداء وارين بافيت الاستثماري الناجح لآجال طويلة، من بين الأمثلة التي غالباً ما يُستشهد بها، لكن يمكن أن تكون للنجاح أسباب أخرى. فالحظ –السمة التي اشتهر نابليون بالبحث عنها في قادته العسكريين– هو غالباً مهندس النجاح غير المعترف به. ويمكن أن يشهد اللاعبون الرياضيون على أهمية الحظ إلى جانب المهارة. وقد اعترف غرانت سيمر، الملاح والمصمم في أربعة انتصارات بكأس أميركا لليخوت، بدور الحظ معه في صورة أخطاء ارتكبها منافسوه.

في بعض الأحيان، ما يبدو نجاحاً مستمراً قد يخفي خداعاً وتحايلاً، فقبل انكشاف فضيحة شركة “إنرون” عام 2001، كان يُحتفى برئيسها التنفيذي جيف سكيلينغ باعتباره قائداً ناجحاً بامتياز، ورئيس شركة “توشيبا” الموقر هيساو تاناكا الذي استقال بعد أن تلطخت سمعته عام  2015على خلفية المبالغة في حساب أرباح الشركة بمقدار  1.2مليار دولار عن سبعة أعوام، وبيرني مادوف الذي أسس شركته الاستثمارية عام 1960، وطوال 48عاماً كان يعتبر مثالاً للنجاح والنزاهة.

حين تحاول تقييم ما إذا كان الرئيس التنفيذي –أو أحد الموظفين الجدد– يتحلى بالحكم الحصيف، لا تكتف بالنظر إلى سجل إنجازاته. وبدلاً من ذلك، حاول أن تقيّمه بناء على المقومات الستة الموضحة في هذا المقال. هل يطرح عليك أسئلة أم أنه يقدم عرضه وحسب؟ كيف وصل إلى مكانته الحالية، ولنصائح من يستمع؟ ما نوع التدريب الذي تلقاه؟ هل يحب أن يتحدى افتراضاته الخاصة؟

[/su_expand]

علاوة على ذلك، قد يسقط القادة الذين يتحلون بخبرة عميقة في مجال معين فريسةً للروتين، فيتخذون أحكامهم بدافع العادة أو الاعتداد بالذات أو الثقة العمياء بالنفس. وغالباً ما يتطلب الأمر أزمة خارجية لفضح هذا الفشل، كنقص عدد قوارب النجاة على متن السفينة “تيتانيك” الذي يمثل رمزاً أبدياً لهذا الفشل، وكذلك الأزمة المالية في عام 2008 التي جسدت لحظة الحسم بالنسبة للعديد من العمالقة الذين كانوا يبدون محصنين ضد الفشل. ولعل المثال المعادل حالياً هو استهانة القادة بسرعة احتلال القضايا البيئية بؤرة الأضواء، متطلبةً استجابة ملموسة.

نصائح لتحسين قدراتك: أولاً، قيِّم مدى استفادتك من خبراتك الخاصة في اتخاذ القرارات. ابدأ بتحليل أحكامك المهمة لتحديد الناجح منها والفاشل، بما في ذلك إذا كنت قد استندت إلى التجربة الصحيحة، أو إن كانت أوجه الشبه التي عقدتها مناسبة. سجِّل كلاً من إخفاقاتك ونجاحاتك. سيكون الأمر صعباً، وقد يغريك أن تعيد كتابة التاريخ وتكرر تجاربك السابقة، لهذا قد تستفيد من مشاركة استنتاجاتك مع مدرب أو زميل له وجهة نظر مختلفة في التجربة نفسها. جرِّب أيضاً الاستعانة بصديق ذكي يصلح أن يكون ناقداً محايداً.

قد يسقط القادة الذين يتحلون بخبرة عميقة في مجال معين فريسةً للروتين، فيتخذون أحكامهم بدافع العادة أو الاعتداد بالذات أو الثقة العمياء بالنفس.

ثانياً، اعمل على توسيع خبراتك، لا سيما إذا كنت حديث العهد بالعمل القيادي. حاول الحصول على فرص عمل خارج البلاد أو في أقسام مؤسسية مهمة، مثل الشؤون المالية أو المبيعات أو التصنيع. انضم إلى فريق الاستحواذ لإتمام صفقة مهمة. وإذا كنت رئيساً تنفيذياً، يمكنك تقديم الدعم اللازم للمدراء الواعدين من خلال تعريضهم لخبرات أكثر تنوعاً يتعلمون منها، لذا شارك في تخطيط حياتهم المهنية. لن يفيد هذا المدراء الصغار فحسب، وإنما سيفيد الشركة وربما أنت أيضاً، لأنه سيوسع الخبرات التي يمكنك الاستفادة منها.

الانفصال

حدد التحيزات ثم اهدمها

خلال تحليلك للمعلومات واستفادتك من تنوع معرفتك ومعرفة الآخرين، من الضروري أن تفهم تحيزاتك الخاصة وتتصدى لها. ورغم أن الشغف بالأهداف والقيم يعتبر مهارة قيادية ممتازة يمكن أن تلهم مرؤوسيك لبذل جهود أعظم، فإنه قد يؤثر أيضاً على أسلوب تحليلك للمعلومات، والتعلم من التجارب، واختيار المستشارين.

لهذا تعتبر القدرة على الانفصال الفكري والعاطفي أحد المقومات الجوهرية للحُكم الحصيف، لكنها مهارة يصعب إتقانها. فحسبما أثبتت الأبحاث خلال السنوات الأخيرة في مجال الاقتصاد السلوكي وعلم النفس وعلوم اتخاذ القرار، تعد التحيزات المعرفية، مثل الارتكاز والتأكيد وتجنب المخاطر أو الولع بالمخاطر عوامل مؤثرة ومتغلغلة في القرارات التي يتخذها البشر.

تقدم شركة الكهرباء الألمانية “آر دبليو إي” (RWE) مثالاً تحذيرياً، ففي مقابلة أُجريت عام 2017 مع مديرها المالي، كشف عن أن الشركة قد استثمرت عشرة مليارات دولار في بناء محطات كهرباء تقليدية على مدار خمس سنوات، معظمها لم يحقق أي عائد. أجرت الشركة تحقيقاً بعد الأزمة لفهم سبب اختيار الاستثمار في تكنولوجيا الطاقة التقليدية في توقيت كان مجال الطاقة ينتقل خلاله إلى مصادر الطاقة المتجددة. أثبتت التحقيقات أن صناع القرار قد انحازوا إلى الوضع الراهن وإلى تحيزاتهم التأكيدية عند تقييم سياق الاستثمار، كما كشفت عن عدة حالات سيطرت فيها تحيزات الهرم الوظيفي، فالموظفون الذين ساورهم الشك حيال أحكام رؤسائهم التزموا الصمت بدلاً من مخالفتهم الرأي. وفي النهاية، قال المدير المالي إن الشركة قد سقطت ضحية “قدر كبير من التحيزات السلوكية، مثل الثقة الزائدة والتفاؤل المفرط”.

تحديداً بسبب قدرة المدراء الماليين والمحامين على مقاومة التحيزات المعرفية والحفاظ على الانفصال الفكري والعاطفي عند اتخاذ القرارات، غالباً ما نراهم يرتقون إلى منصب الرئيس التنفيذي، وبخاصة عندما تعصف أزمة ما بالمؤسسة وتهدد وظائف العاملين. لاقت هذه المهارة إشادة واسعة عقب اختيار صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لتشغل منصب مديرة الصندوق بعد التنحي المخزي لسلفها دومينيك ستراوس- كان عام 2011 إثر فضيحة جنسية كبرى. صحيح أن لاغارد لم تكن خبيرة اقتصادية– وهو أمر غير معتاد بالنسبة لمن يشغل منصب رئاسة الصندوق – إلا أنها قد أظهرت قدراتها بصفتها وزيرة مالية فرنسا، على الرغم من قلة خبرتها السياسية. وبلا شك، فإن عملها كشريك في شركة محاماة دولية كبرى زودها بالقدرة على التفاوض اعتماداً على الانفصال الفكري والعاطفي، وهي مهارة حيوية في وقت كان النظام الاقتصادي العالمي يرزح فيه تحت نير ضغوط هائلة.

نصائح لتحسين قدراتك: افهم وجهات النظر المختلفة وحاول تفسيرها وقبولها. شجع الموظفين على المشاركة في تمثيل الأدوار والمحاكاة، ما يجبرهم على التفكير في أهداف بخلاف أهدافهم، ويوفر لهم مساحة آمنة للاعتراض. لو لقي الموظفون التشجيع على تأدية دور أحد المنافسين مثلاً، فسيستطيعون اختبار فكرة ربما يكونون مترددين في طرحها أمام رئيسهم.

تعتبر برامج تنمية المهارات القيادية منتدى عظيماً يمكن فيه تحدي الافتراضات عن طريق المواجهة بين الزملاء من مختلف الثقافات والمناطق الجغرافية، الذين يأتون إلى النقاش بآراء مختلفة.

وأخيراً، يحرص ذوو المحاكمة العقلية الحصيفة على اتباع خطوات معينة تجعلهم على دراية بتحيزاتهم، فمثلاً: بعد أن اكتشفت شركة “آر دبليو إي” حجم القيمة التي أهدرتها، أرست منهجيات جديدة، حيث أصبحت القرارات المهمة تتطلب الآن طرح التحيزات على مائدة النقاش قبل بدء المناقشات، وإذا لزم الأمر فلا بد من مشاركة أصحاب الآراء المخالفة. اعترف باحتمالية وقوع أخطاء، وشكِّك في صحة حكم أي شخص يفترض أنها لن تقع.

الخيارات

شكك في الحلول المطروحة

عند اتخاذ قرار، غالباً ما يكون متوقعاً من القائد الاختيار بين أمرين على الأقل، لكل منهما مؤيدوه الذين صاغوه وطرحوه. إلا أن القادة الأذكياء لا يكتفون بهذين الخيارين، فخلال الأزمة المالية بين عامي 2008 و2009، ضغط الرئيس السابق أوباما على وزير الخزانة تيموثي جايثنر ليشرح له السبب وراء رفضه تأميم البنوك. يقول جايثنر متذكراً: “دار بيننا حوار صعب للغاية. هل أنت واثق بأن الأمر سينجح؟ هل يمكنك أن تؤكد لي؟ لماذا أنت واثق؟ ما الخيارات المتاحة أمامنا؟ وقد أخبرته بأن حكمي في ذلك الوقت هو أننا لا نملك خياراً سوى أن نواصل ما بدأناه”.

كان أوباما يفعل ما يجب أن يفعله كل قائد صالح حين يُقال له “ليس لدينا خيار آخر” أو “لدينا خياران أحدهما بغاية السوء” أو “لدينا ثلاثة خيارات، لكن أحدها فقط مقبول”. هناك خيارات أخرى دائماً ما تكون موجودة، مثل عدم فعل أي شيء، أو تأجيل القرار حتى تتوافر معلومات أكثر، أو إجراء تجربة محدودة المدة أو اختبار تجريبي. وقد وصف لي الأمر تيم بريدون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة الخدمات المالية البريطانية “ليغال آند جينرال” (Legal & General)، بأنه يعني: “عدم التقيد بطريقة عرض الأمور”.

إذا تأملنا أحداث الماضي، فسنجد أحكاماً عديدة كانت حتمية لمجرد أن الخيارات المهمة –ومخاطر العواقب غير المقصودة– لم توضع قط في الاعتبار. يحدث هذا لأسباب عدة، بما في ذلك الخوف من المخاطرة من جانب الأشخاص الذين يطرحون الإجابات المحتملة، لهذا تعتبر دراسة الحلول المطروحة بالتفصيل أمراً ضرورياً كي يستطيع القائد تكوين أحكامه. ليست مهمة الرئيس التنفيذي أن يتوصل إلى جميع الخيارات، لكن بإمكانه أن يحرص على توفير الفرصة، كي يطرح الفريق الإداري كل الاحتمالات الممكنة، وأن يواجه المخاوف والتحيزات التي تدفع الفريق إلى مراجعة نفسه. حين تُطرح جميع الخيارات للمناقشة، غالباً ما يكون الحكم سليماً.

نصائح لتحسين قدراتك: صمم على توضيح المعلومات غير المقدمة بوضوح، وتحدَّ موظفيك إذا كنت تعتقد أن ثمة حقائق مهمة غائبة. شكك في تقييمهم للمتغيرات التي استندت إليها حججهم. إذا كان عامل الوقت أحد الاعتبارات الرئيسة، تأكد من ملاءمته. ادرس المخاطر المرتبطة بالحلول الجديدة –كالضغوط والثقة الزائدة– وابحث عن فرص للتصدي لها عن طريق التجريب. استعن بنماذج المحاكاة أو منهجية تقاطع المعطيات أو الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي. اتبع مثال الملك سليمان (كمرشح معروف يجيب عن سؤالي: “مَن تظنه يملك أو كان يملك المحاكمة العقلية الحصيفة؟”) واعرف الاحتمالات التي لدى الآخرين في القرار النهائي. ولعل إحدى الأمارات هي الترويج لصالح نتيجة معينة. ما المردود الشخصي لهم (ولك) إذا نجح حلهم أو مُني بالفشل؟ استشر من تثق بهم، ولو لم يكن لديك من تثق بمشورته أو كنت لا تملك الوقت الكافي، حاول أن تتخيل ما يمكن أن يفعله شخص تثق به. كن واضحاً بشأن القواعد والمسائل الأخلاقية، لأنها ستساعدك في فرز خياراتك. وأخيراً، لا تخف من التفكير في الحلول المتطرفة، فمناقشتها يمكن أن تجعلك أنت والآخرين على دراية ببعض الحلول الأقل تطرفاً، ولكنها تستحق الدراسة وقد تشجع الآخرين على الإفصاح عنها.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

حين تكون مضطراً للتصرف بسرعة

في معظم الحالات، يتطلب الحُكم الحصيف التدبر قبل التصرف، فالتوقف لبرهة من أجل إمعان التفكير قد يقلل احتمالات اندفاعك بالغضب أو الخوف، ويزيد احتمالات سؤالك عن أدلة إضافية أو التفكير في إعادة صياغة السؤال أو وضع خيارات جديدة أو إعادة تقييم جدوى المشروع، فمثلاً: حين تتلقى رسالة إلكترونية تحمل نبرة استفزازية أو عدائية، سيساعدك العد إلى 10 (أو حتى إلى 1000) على الانفصال العاطفي ويمنعك من كتابة رد قد تندم عليه لاحقاً.

بالطبع ستحتاج في بعض الأحيان إلى التصرف بسرعة. ويقدم كيفن جونسون، الرئيس التنفيذي لشركة “ستاربكس”، مثالاً على ذلك، فذات يوم من عام 2018 ، قام أحد الموظفين في فرع فيلادلفيا باستدعاء الشرطة لإلقاء القبض على رجلين من أصل أفريقي كانا جالسين على الطاولة دون أن يطلبا شيئاً. ومع بدء شن مستخدمي المواقع الاجتماعية مطالبات بمقاطعة “ستاربكس”، “جاء رد فعل كيفن جونسون شخصياً وسريعاً وحازماً، إذ فصل الموظف الذي استدعى الشرطة، وقدم تعويضاً للرجلين، وأصدر أمراً بإغلاق جميع متاجر الشركة البالغة 8 آلاف فرع في أميركا لباقي اليوم لتلقي تدريب ضد التحيز”، وفق ما أوردته صحيفة “فايننشال تايمز”. من المؤكد أن سرعة استجابة جونسون حالت دون تفاقم الأزمة وتحولها إلى كارثة بالنسبة لشركة “ستاربكس”.

قارن بين تلك الاستجابة واستجابة شركة “يونايتد” للطيران بعد حادثة سحل أحد الركاب ويدعى “ديفيد داو” وطرده من على متن الرحلة المتجهة من “شيكاغو” إلى “لويسفيل” في عام 2017، فبدلاً من تهدئة موجة الغضب العارمة كاستجابة للفيديو الذي يظهر محنة “داو” وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي، أرسل “أوسكار مونوز” – الرئيس التنفيذي للشركة – رسالة تأييد إلى طاقم الطائرة. ربما أفاد ذلك في رفع معنوياتهم، لكن ليس كرد فعل أولي، وقد لاقى “مونوز” هجوماً حاداً في الصحف التي وصفته بالأحمق ومتحجر القلب.

إذا تعرضت لمثل هذه المواقف، فاطرح على نفسك ثلاثة أسئلة سريعة قبل أن تبدي أي رد فعل: هل أنا معتاد على التصرف بشكل متسرع، ثم أندم على ذلك لاحقاً؟ هل خبرتي ذات الصلة غير كافية؟ هل المخاطر كبيرة؟ إذا كان ردك على أي من هذه الأسئلة بالإيجاب، ففكر بتأنٍّ بدلاً من أن تتصرف معتمداً على إحساسك.

[/su_expand]

التنفيذ

تأكد من جدوى التنفيذ

قد تتخذ جميع القرارات الاستراتيجية الصائبة، ولكنك مع ذلك تخسر إذا لم تتخذ أحكاماً حول كيفية تنفيذ تلك الخيارات وبيد مَن. في عام 1880، نجح الدبلوماسي ورائد الأعمال الفرنسي فرديناند ديليسيبس في إقناع المستثمرين بدعم حفر قناة في بنما لتربط بين المحيطين الأطلسي والهادي. ونظراً لأن ديليسيبس كان قد انتهى لتوه من حفر قناة السويس، فإن المستثمرين ورجال السياسة –الذين لم يفهموا أن حفر قناة في الرمال لا يعني أنه قادر على حفر واحدة في الغابات– لم يمعنوا في دراسة خططه بالشكل الذي تستحقه. وثبت أن نهجه غير مناسب بشكل كارثي، وأصبح الأمر متروكاً لحكومة الولايات المتحدة لاستكمال حفر القناة باتباع نهج مختلف تماماً.

عند دراسة المشروعات، يفكر القادة الأذكياء بعناية في المخاطر التي تهدد التنفيذ ويصرون على الحصول على صورة واضحة من مؤيدي المشروع. هذا أمر بالغ الأهمية في القرارات الصغيرة والكبيرة على حد سواء.

القائد الذي يمتاز بالمحاكمة الحصيفة يتوقع المخاطر بعد اتخاذ القرار ويعرف أفضل من يمكنه التعامل مع هذه المخاطر. هذا الشخص ربما لا يكون صاحب الفكرة، وبخاصة إذا كان مقدم الفكرة مرتبطاً برؤية معينة، كما كان في حالة ديليسيبس. وبصفة أعم، فالموهبة والإبداع والخيال ليسوا مصحوبين دوماً بالقدرة على التنفيذ، ولهذا غالباً ما تواجه الشركات التكنولوجية الصغيرة صعوبة في استثمار مصادر إلهامها، فتشتريها شركات عملاقة أقل إبداعاً، لكن أكثر تنظيماً.

نصائح لتحسين قدراتك: عند تقييم أحد المقترحات، تأكد أن خبرة الأشخاص الذين يقترحون هذا الاستثمار تتطابق تطابقاً وثيقاً مع سياقه. إذا أشاروا إلى سابقة أعمالهم، فاطلب منهم أن يشرحوا سبب ارتباطها بالوضع الحالي. شجع مؤيدي الفكرة على مراجعة افتراضاتهم عن طريق إجراء مناقشات “قبل التنفيذ”، يحاول خلالها المشاركون اكتشاف ما يمكن أن يؤدي إلى فشل المقترح، وهو النهج ذاته الذي تطبقه شركة “آر دبليو إي” حالياً كجزء من عملية تقييم مشروعاتها.

يحتاج القادة إلى التحلي بالعديد من الصفات، لكن أهمها المحاكمة العقلية الحصيفة. فأولئك الذين يتسمون بالطموح دون أن يصاحبه حسن التقدير يفلسون. وأولئك الذين يتمتعون بالجاذبية الشخصية دون أن يصاحبها الرأي السديد يقودون أتباعهم في الاتجاه الخطأ. وأولئك الذين يمتازون بالشغف ولكن يفتقرون إلى التفكير السليم يلقون بأنفسهم في غياهب دروب مظلمة. وأولئك الذين يتحلون بالدافع لكن ينقصهم الحكم الصائب يستيقظون باكر كل صباح ليفعلوا الأمور الخطأ. قد تحدد المصادفة البحتة والعوامل الخارجة عن إرادتك نجاحك في نهاية المطاف، بيد أن الحُكم الحصيف هو ما سيمهد لك الطريق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .