مقابلة خاصة مع كارلوس غصن: “كيف تصبح السيارة مكتباً متنقلاً متصلاً بالعالم”

12 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كارلوس غصن الرئيس التنفيذي لتحالف رينو – نيسان

“كيف تصبح السيارة مكتباً متنقلاً متصلاً بالعالم”

هنالك ثورة في عالم صناعة السيارات، ويريد كارلوس غصن أن يضمن لنفسه مقعداً في الصف الأول.

لقد شقّ كارلوس غصن طريقه في عالم الأعمال من خلال حل الأزمات. ففي التسعينات أنقذ هذا التنفيذي اللامع أولاً شركة رينو، ثم أنقذ شركة نيسان، وعمل خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية رئيساً تنفيذياً لكلتا الشركتين. كارلوس غصن إنسان عالمي بكل ما تحمله الكلمة من معنىً، فهو من أصل لبناني، ولد في البرازيل، ويحمل الجنسية الفرنسية، كما أن لديه القدرة على أن يكون رئيساً تنفيذياً ميدانياً بالرغم من أنه يعمل من قارتين مختلفتين.

كما أنّه من بين الأشخاص الأكثر شهرة في عالم صناعة السيارات. فهو الذي أعاد هيكلة شركة رينو وأصلح أوضاعها لتعود من جديد إلى تحقيق الأرباح، وهذا ما أكسبه لقب “مزيل الكلف”. وحين أصلح شركة نيسان، وشكّل التحالف مع شركة رينو عام 1999، اكتسب غصن لقب “حلّال المشاكل”، حتى أنّه صار شخصية من أبطال سلسلة روايات مصورة في اليابان.

ولكن التقدم التقني يشكّل تحدّياً حتّى أمام أكثر الرؤساء التنفيذيين نجاحاً، ولذلك، فإن غصن يسعى جاهداً في هذه الأيام ليحافظ على الابتكار. فهنالك تطورات مذهلة -كالسيارات الكهربائية، والسيارات التي تعتمد على درجات مختلفة من القيادة الذاتية، والسيارات ذاتية القيادة بشكل كامل- والتي تنذر بتحولات كبيرة في عالم صناعة السيارات. وهنالك شركات سريعة الصعود تفرض حضورها في عالم السيارات، مثل شركة تيسلا وحتى شركة جوجل. ولا بد أن يأتي هذا التحول بوجوه جديدة في ريادة هذا السوق ويشهد تراجع وجوه أخرى. يقول غصن: “نحن نتوقع حدوث زعزعات رئيسية في مجال التقنية ستغيّر تركيبة المنتج في قطاع السيارات”.

ويبدو أنّ هذا التحدّي قد راق للقيادي البالغ من العمر 62 عاماً. فقد استثمر غصن مليارات الدولارات في تطوير السيارات الكهربائية في كل من رينو ونيسان. وقد خاطر مخاطرة كبيرة مع سيارة نيسان ليف عام 2010. ومع أن سيارة ليف هي من بين الأعلى مبيعاً بين السيارات الكهربائية بشكل كامل، حيث بيع منها أكثر من 200,000 سيارة، إلا أن حجم المبيعات متخلف عن المبيعات المتوقعة بأربع سنوات على الأقل. والمشكلة كما يقول غصن لا تكمن في المنتج نفسه، وإنما في التطوير البطيء للبنية التحتية الداعمة لهذه السيارات. ولكنها تبقى مشكلة على أية حال.

ولذلك يحاول غصن جاهداً العثور على سبل للحفاظ على إنجازاته: كالاعتماد على تظافر الجهود ضمن التحالف الذي يرأسه، وخفض التكاليف، وأن يستمر في دوره التحفيزي من خلال كونه الوجه العام لشركاته. وفي مايو/أيار الماضي أنجز غصن صفقة ضخمة جديدة، حيث قررت شركة نيسان استثمار 2.2 مليار دولار لشراء حصة مسيطرة قدرها 34% من أسهم شركة ميتسوبيشي موتورز التي كانت تعاني مؤخراً من بعض المشاكل. هذا التحالف الثلاثي الجديد يمنح غصن فرصاً جديدة للحدّ من التكاليف، وذلك من خلال العمل المشترك في مجال الهندسة والإنتاج وغيرها.

إنّه تحدٍ إداري بالغ التعقيد، وبات المستثمرون يتساءلون بوضوح إن كان هنالك شخص غير كارلوس غصن قادر على التعامل مع مثل هذا التحدي. لقد بلغت مبيعات سيارات رينو ونيسان مجتمعتين 8.5 مليون سيارة في العام الماضي. إذا أضفنا المليون سيارة التي باعتها ميتسوبيشي، تكون مبيعات شركات غصن قد قاربت عشرة ملايين سيارة سنوياً، ما يجعل تحالف شركاته رابع أكبر مصنّع للسيارات عالمياً بعد تويوتا وفولكس فاغن وجنرال موتورز.

ورغم حجم هذا التحدّي ومتطلباته، فقد أتاح لنا كارلوس غصن الفرصة في نيويورك للحديث مع رئيس التحرير في هارفارد بزنس ريفيو، آدي إغناطيوس، حول مستقبل صناعة السيارات في العالم.

هارفارد بزنس ريفيو: هذه الأيام، جزءٌ كبير من الابتكار في مجال صناعة السيارات يأتي من شركات مثل جوجل وغيرها في وادي السيليكون، هل هذا أمر مقلق لقطاع صناعة السيارات؟

غصن: أنا لست قلقاً. لا شكّ أنّ الحديث عن تصنيع آبل وجوجل للسيارات هو أمرٌ مثير للاهتمام. ولكننا نمتلك تجربة طويلة في الحصول على التقنيات من الخارج ووضعها في سياراتنا. صانع السيّارة أشبه بالمعماري. فنحن نقوم بتجميع الأجزاء المختلفة، وتجميع التقنيات، والخبرات، وكل ذلك من أجل تصنيع سيارة وتقديمها للزبائن. إن التحدي الكبير الذي نواجهه، هو كيفية إضافة التقنيات الجديدة إلى السيارة مع الاستمرار في تلبية التوقعات التقليدية من الأخيرة.

هل تخشى صعود شركات جديدة لتصنيع السيارات؟

إذا أرادت شركة تقنية أن تصبح شركة تصنيع للسيارات، ستقوم بشراء شركة تصنيع سيارات قائمة وإجراء تحويلات عليها حسب المعايير التي تريدها. ولكني لا أعتقد أن هذا ما تسعى إليه شركات التقنية. إن وجود شركات جديدة تطوّر التقنيات للمساعدة في جعل السيارات أكثر جاذبية هو أمر مفيد لنا، وذلك لأننا لا نريد إطلاقاً أن نصبح مجرد “سلعة”. نحن نريد أن تكون السيارة ذات تقنيات عالية، وأن تكون منتجاً مثيراً يرغب الناس فيه. وهذا ما يحققه التصميم، وأداء القيادة، وجودة المواد المستخدمة في التصنيع. ولتحقيق التقدّم، سيكون علينا تعزيز الاتصال الإلكتروني للسيارة، بالإضافة إلى المزيد من ميزات القيادة الذاتية.

ما رؤيتك بخصوص السيارات ذاتية القيادة?

نحن نقدّم في سياراتنا مهام متطوّرة لزيادة تمكين السائق، وهو الذي يقرر متى يقود ومتى يعتمد على القيادة الذاتية. فإن رغب السائق بالقيادة الذاتية، فسيكون لدينا التقنية التي تضمن أن يحصل على ذلك مع الحفاظ على سلامته والحدّ من مستوى التوتّر لديه أثناء القيادة الذاتية ليتمكن من الانشغال بأمور أخرى.

ما الذي تقصده بقولك “تمكين” السائق؟

أقصد إتاحة الخيارات للسائق. لن تجد أحداً يقول لك أنه يحب القيادة في الزحام، أو القيادة لساعات طويلة في طريق سريع لمئات الكيلومترات. ولكن الناس يحبون القيادة خارج المدن أو في الأرياف، حيث يكون بوسعهم الاستمتاع بأداء السيارة. في المستقبل سيكون بإمكانك حين تشعر بالملل أن تعطي السيارة أمر القيادة الذاتية، كما سيمكنك في الوقت ذاته إن كنت تشعر بشيء من الحماسة لتجلس أمام مقود السيارة أن تمسك زمام القيادة. ونحن نعرف أن هذا ما يريده الناس.

ما هي أهم المزايا الواعدة في خاصية القيادة الذاتية؟

لدينا في السيارات التي نصنعها حالياً خاصيّة التزام القيادة على مسرب واحد، أي حين تحيد السيّارة عن المسرب، فإن نظام السيارة يعيدها إلى مسارها الصحيح. كما لدينا نظام المكابح ذاتية التفعيل، فحين تقترب كثيراً من سيارة أخرى أمامك فإن السيارة تفعّل المكابح تلقائياً. السيارة في هذه الحالة هي التي تتخذ القرارات، لأسباب تتعلق بالسلامة، دون تدخّل السائق. كما أن لدينا خاصّية الرَكن الذاتي. والهدف النهائي هو قدرة السيارة على القيادة الذاتية داخل المدينة.

ما مدى قرب قطاع تصنيع السيارات من إنتاج هذا النوع المتقدّم من السيارات ذاتية القيادة؟

الأمر يحدث على موجات. فالسيارات اليوم تمتلك أكثر فأكثر العديد من الخصائص التي تسمح بالقيادة الذاتية، وسيلاحظ الناس ذلك بشكل حقيقي، حين تجتمع هذه الخصائص معاً لتسمح للسائق بالاستغناء عن القيادة بشكل كامل. ونأمل أن نطرح مثل هذه السيارة في الأسواق بحلول العام 2020.

وهل ستسبقكم الشركات المنافسة إلى ذلك؟

وفق التصريحات التي تصدر منهم، نعم. ولكن في الحقيقة، لا أحد يعرف. لقد سمعنا الكثير من الادعاءات، حتى أن بعض مصنّعي السيارات قالوا أنهم في هذا العام سيطرحون السيارات التي تعمل بالهيدروجين على نطاق واسع. فلنكن واقعيين! هل نسمي بيع 500 سيارة فقط تسويقاً على نطاق واسع؟

أعتقد أنه سيترتّب على هذه الابتكارات بعض القضايا الحساسة المتعلقة بالمسؤولية.

لن نواجه هذه القضية في السيارات ذاتية القيادة، لأن السائق هو المسؤول في المقام الأول عن السيارة، حتى لو كانت السيارة توفر لديه قدرة أكبر على الاعتماد على القيادة الذاتية. هنالك حوار جدّي وهام يدور الآن حول هذه القضية، ولكن على السائقين على أية حال أن يدركوا مسؤولياتهم القانونية أثناء القيادة. كما يجب على صانعي السيارات في الوقت ذاته اتخاذ خطوات عملية لتوعية المشترين بمقدار التحكم الذين يمكن التنازل عنه في القيادة الذاتية. أما المصنّع فيتحمل المسؤولية إن كان هناك خلل ما في السيارة. فالارتباك يبدأ في رأيي في السيارات بدون سائق، مثل سيارة جوجل، حيث لا يكون هنالك سائق أصلاً لاتخاذ القرار.

العتاد والبرمجيات

يبدو أن عليك الآن أن تتولّى مهمّة إدارة دورتين من الإنتاج: دورة تصميم السيارة، ودورة التقنيات المستخدمة بها، والتقنية تشهد دوراناً أسرع على ما أعتقد.

صحيح، ولكن ما يزال من الممكن إدارة هذا الجانب ومسايرة التطورات الحاصلة في آن معاً. الأمر أشبه بما هو حاصل في عالم الهواتف الذكية. فلديك الجهاز من الخارج، ويمكن لتصميمه أن يستمر لفترة من الزمن، ولديك البرمجيات المستخدمة والتي يجب تطويرها بشكل متواصل. فالسيارة نفسها ستعيش لدى المستخدم لخمس أو ست سنوات، أما التقنيات والبرمجيات داخل السيارة فيمكن تحديثها عن بعد بشكل أسرع بكثير.

هل هذا يعني أننا نقترب من وضع تستخدم فيها جميع شركات تصنيع السيارات المتنافسة أنظمة التشغيل عينها في سياراتهم؟

لست متأكداً من هذا. ما يهمنا اليوم هو أننا نريد أن نعرف كيفية الاستفادة بأقصى قدر ممكن من أحدث التقنيات دون أن نخسر القدرة على التحكم بالمحتوى داخل أنظمتنا. لأنه إن خسرنا ذلك سيصبح إنتاج السيارة متعلقاً فقط بتصنيع هيكلها وأجزائها المادية، بينما تكون جميع التقنيات والتطبيقات من إنتاج شركة أخرى. لذا علينا أن نتوخى الحذر في هذا الشأن، وأن نحرص على الاستمرار بقدرتنا على التحكم بمنتجنا بغض النظر عن التقنيات التي تستخدم فيه.

إذاً فأنت ترى أنّ الإلكترونيات الداخلية ميزة تنافسية مستمرة؟

بكل تأكيد.

ما بعد الوقود

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط على وتيرة الابتكار في مجالكم؟

هذا الأمر في صالح قطاع تصنيع السيارات بشكل عام. فنسب الفائدة منخفضة، وأسعار النفط انخفضت وكذا المواد الأولية، وهذا كله إيجابي بالنسبة للقطاع. لقد كانت السنة الماضية عظيمة لقطاعنا على العموم، وأعتقد أنّ العام 2016 سيكون كذلك أيضاً. هنالك بالتأكيد جوانب سلبية لذلك. فالمستهلك صار أقل اهتماماً بمسألة التوفير في استهلاك الوقود. إذ لم يعد يحس بضرر مادي نتيجة عدم كفاءة السيارة في استهلاك الوقود بسبب الأسعار المنخفضة. ولكنّي لا أعتقد أن وتيرة الابتكار قد تراجعت. والسبب هو أنه ما من أحد يعتقد أن أسعار الوقود ستبقى منخفضة على الدوام. والسبب الآخر هو أن وعي الناس يزداد بخصوص استهلاك الوقود وتأثير ذلك على البيئة، فالصورة تزداد وضوحاً للمستهلك بفضل قوانين انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الانبعاثات الضارة بالبيئة.

هل ترحّب كمصنّع للسيارات بقيام الحكومات بوضع معايير الصناعة المتعلقة بالحد من انبعاثات الكربون؟ وهل يساعد ذلك في توحيد المعايير بشكل إيجابي، أم أنه يقلل من فرص التنافس على أساس الميزات؟

المستهلكون قلقون بشأن الانبعاثات الضارة التي تؤثر على الاحتباس الحراري، والتقنيات المستدامة وغير المستدامة. وهنا يأتي الدور الهام للحكومات، لأن لديها السلطة والمصداقية لتقول: “هذا هو المستوى الذين لا يمكن تجاوزه للانبعاثات”. لذا فإن من المهم للغاية أن يكون لدينا قوانين ناظمة لذلك.

فلنتكلم عن أهم نموذج للسيارات الكهربائية لديكم، سيارة نيسان ليف. ما الذي تعلمتموه في عالم السيارات الكهربائية حتى الآن؟

لقد كانت سيارة نيسان ليف من الناحية التقنية نجاحاً كبيراً. راود الكثيرين شك حول السيارة وقدرتها على التحمّل وقوة بطارياتها. ولكنها سيارة عظيمة. فمستوى الرضا لمقتني سيارة ليف هو الأعلى في استبيانات آراء العملاء. لقد بعنا أكثر من 200 ألف سيارة من نيسان ليف، والمشكلة هو أن حجم المبيعات كان أقل مما توقعناه، ولذلك بعض الأسباب التي قمنا بتحديدها. فالناس يشتكون من البنية التحتية الخاصة بشحن السيارات الكهربائية بالإضافة إلى المسافة التي تقطعها السيارة في كل شحنة. فطاقة بطارية سيارة ليف تسمح بالسير لمسافة 161 كيلومتر، وهذا ليس كافياً للكثير من الناس، فهم يحتاجون لقطع 300 أو 600 كيلومتر في كل مرة. وهذه الشكوى مرتبطة بأعداد محطات الشحن التي ما تزال محدودة الانتشار، وهذا مصدر قلق للسائق.

هل كنت تتوقع أن ينمو هذا السوق بسرعة أكبر؟

نعم. إن التجهيزات الخاصة بمحطات الشحن تتطور ببطء شديد، وهذا لا يشجع الكثير من الناس على شراء السيارات الكهربائية. نحن نسعى إلى تطوير الكثير من الأمور، ولاسيما تعزيز قوة بطارية السيارة لتقطع مسافات أطول. ولكن المشكلة لن تنتهي إلا بوجود شبكة أكبر لمحطات الشحن. نحن نركّز في شركة نيسان على هذا الجانب، كما أننا نتعاون بشكل وثيق مع شركائنا في القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التحتية لمحطات الشحن على المستوى العالمي.

تُعد سيارة نيسان ليف الآن من السيارات الأدنى سعراً بين السيارات الكهربائية. عند النظر إلى سيارة تيسلا مثلاً، هل تفكرون بإنتاج سيارة كهربائية فاخرة؟

نحن نسعى لبيع السيارات الكهربائية للشريحة الأوسع من الناس. إن كنت تريد إحداث فرقٍ في حماية البيئة، فستفكّر بإنتاج الكثير من هذه السيارات. وأقولها بصراحة، إن إنتاج 100,000 سيارة لا يكفي لإحداث الفرق، بل يجب أن يكون لدينا ملايين السيارات الكهربائية التي تسير في الطرقات، وهذا يستلزم منا الاستثمار في سيارات للشريحة الأوسع من المستهلكين. وعلينا أن ننتج نطاقاً كاملاً من السيارات الكهربائية لهذه الشريحة، قبل الدخول في سوق السيارات الكهربائية الفاخرة.

كيف ستبدو صناعة السيارات خلال السنوات الخمس المقبلة؟

نتوقع زعزعة رئيسية في تكنولوجيا السيارات، مما سيغير تركيبة المنتج. وسنرى المزيد من السيارات الكهربائية، والمزيد من السيارات ذاتية القيادة، والمزيد من الاتصال الإلكتروني للسيارات بمحيطها. لكن من الصعب التنبؤ بما سيحدث لأن جزءاً كبيراً من التغيير سيعتمد على رغبة الحكومات في سن تشريعات متعلقة بالانبعاثات ونشر بنى تحتية أساسية للشحن الكهربائي.

من يجب أن ينشئ هذه البنى التحتية؟ أنتم؟ أم الحكومات؟ أم رواد الأعمال الذين يرون فرصة في ذلك؟

على الحكومة أن تهيئ الظروف التي تسمح للناس بتحويلها إلى فرصة تجارية. الأمر يشبه محطات الوقود في الماضي. فالحكومة لم تبنها، بل خلقت بيئة جعلت من المنطقي أن يتجه الناس نحو فتح هذه المحطات.

الاستثمار في الابتكار الرقمي

الاتصال الإلكتروني قد يغير آراء الأشخاص غير المغرمين بالسيارات ويخلق طريقة لجعلهم يحبون سياراتهم.

نعم بالتأكيد. أرى الكثير من المزايا المتعلقة بتحسين جودة الحياة والاتصال الإلكتروني والتي ستتحقق عبر جعل السيارة مساحة عمل متنقلة متصلة بالخارج.

لكنكم ستحتاجون إلى طمأنة الناس إلى أنّهم حين يشترون سيارة جديدة، سيكون بوسعهم نقل جميع بياناتهم الخاصة إليها، تماماً كما هي الحال عند شراء هاتف جديد.

بالضبط. ما زلنا في بداية مرحلة الاتصال الإلكتروني. لكننا متحمسون بشأن ذلك، لأنها ستجعل من السيارة مساحة شخصية لا غنى عنها، أشبه ببيتك أو مكتبك.

على ذكر الابتكار الرقمي، هل نحن في بداية حقبة ما بعد صالات العرض في عالم مبيعات السيارات؟

لا أؤمن بذلك. يستطيع الناس الحصول على الكثير من المعلومات عبر الإنترنت إلا أنهم لا يقومون بإتمام الصفقة إلا مع البائع. إنهم يريدون رؤية المنتج الفعلي، يريدون لمسه والإحساس به، ويريدون التفاوض على السعر وإتمام الصفقة.

هل أنت قلق من أن أوبر وتطبيقات تشارك السيارات الأخرى ستخفض مبيعات السيارات؟

لست قلقاً. بحسب تقديراتنا، فقد باع قطاع السيارات 85 مليون سيارة عالمياً في 2015، وتتجه نحو بلوغ 87 مليوناً هذه السنة، وهما رقمان قياسيان على مستوى الصناعة، وما زال لدينا هامش نمو في الأسواق الناشئة.

رئيس تنفيذي واحد، وشركتان

في موضوع آخر، هل لنا أن أسألك كيف تتمكن من إدارة شركتين. أعني، حرفياً، كيف تفعل ذلك؟

أقضي نصف وقتي تقريباً في مهام محددة سلفاً، كاجتماعات مجلس الإدارة، واجتماعات اللجان التنفيذية، واجتماعات المنتجات، واجتماعات التصميم، وهكذا— لشركتين منفصلتين. ففي أسبوع من كل شهر، يكون كل الأشخاص المحوريين في نيسان معي في طوكيو. نضغط كل شيء لإنجازه في هذا الأسبوع ونحاول الاستفادة من الوقت لاتخاذ القرارات الكبيرة. ثم تكون لكبار المدراء الحرية فيما تبقى من الشهر للعمل مع فرقهم الخاصة. وأفعل الشيء ذاته مع فريق رينو لأسبوع واحد في باريس.

ماذا تفعل بالوقت المتبقي؟

هذا هو الوقت الذي أقضيه في وسط العمليات، حيث أزور أسواقاً معينة، وأبحث عن أحدث التطورات التقنية، وأمضي وقتاً مع الموردين والزبائن. هذا هو الوقت الذي أبحث فيه عن الفرصة التالية وأعمل على توسعة حدود أعمالنا.

هل لديك فلسفة خاصة بخصوص ما يجعل المرء رئيساً تنفيذياً عظيماً؟

في حالتي، كوني أرأس شركتين، أدرك أكثر من معظم الأشخاص أن عليك أن تمكّن الأشخاص من حولك. وهذا يستلزم كذلك التنظيم والمساءلة الصارمَين لأداء الجميع. فلا يمكننا الاعتماد على شخص يقوم بأداء مقبول وحسب، نحن بحاجة إلى أصحاب الأداء المتميز.

ما هو أشد ما تحتاج للتركيز عليه في عملك كرئيس تنفيذي؟

الأهم هو اختيار الأشخاص المناسبين. هذا يشمل إعداد الجيل الشاب، الذي سيتولى الأدوار القيادية بعد حين. فإن أخفقتَ في هذا فستخسر كثيراً. فوجود الشخص غير المناسب في موقع قيادة يشبه إطفاء أحد محركات الطائرة التي تقودها. الأمر الجوهري الآخر هو الإستراتيجية. أي المنتجات لها الأولوية؟ ما الذي سنقدّمه من تقنيات جديدة؟ أين نستثمر؟ ما الذي سنفعله وما الذي سنتجنبه؟

ما مدى أهمية ظهور الرئيس التنفيذي في العلن وأمام الجمهور؟

أنا لست الوحيد الذي يجب أن يكون في العلن. الأشخاص الذين يقودون عملياتنا في كل دولة هم ينشطون في العلن أيضاً. لكن إن كنا على وشك فعل شيء كإطلاق سيارة عالمية، فعلى الرئيس التنفيذي أن يكون تحت الأضواء، لأن الإعلام سيظن عندها أن الأمر هام. لكنني لا أفعل ذلك كثيراً. أفضّل التركيز على أمور أكثر إستراتيجية.

أنت تعمل في نيسان منذ 17 عاماً. ما هي إيجابيات وسلبيات العمل كرئيس تنفيذي لهذه المدة الطويلة؟

الأمر يعتمد على قطاع العمل وعلى طبيعة هذا الرئيس التنفيذي، لكن السؤال الأساسي سيظل دوماً: هل الشركة تنمو؟ هل تحقق الأرباح؟ وهل تنمو عائدات المستثمرين؟ إن كان الجواب لا، فلا أحد سيبقى في وظيفة كهذه. وإن كان الجواب نعم، فمن الأفضل غالباً أن تظل مع شيطان تعرفه على أن تجرب آخر لا تعرفه.

كيف تصف التناقضات بين ثقافة الرؤساء التنفيذيين بين اليابان وأوروبا الغربية والولايات المتحدة؟

من الصعب التعميم فيما يتعلق بأوروبا لأن الأمور تختلف بشدة بين دولة وأخرى، لكن يمكنني الحديث عن الفرق بين اليابان والولايات المتحدة. في اليابان، الرئيس هو معادل للرئيس التنفيذي وحارس نزاهة الشركة وضامن استمراريتها. الرئيس هو وجه المؤسسة، لكنه ليس دوماً الأكثر كفاءةً أو نشاطاً فيها. عليه أن يكون شخصاً موثوقاً؛ شخصاً يُؤتمن على الشركة وقيمها.

ماذا عن الولايات المتحدة؟

في الولايات المتحدة عليك أن تنجز، وإلا انتهى الأمر. هناك تركيز أكبر على النتائج المالية قصيرة المدى. قيمتك تعادل ما جنيته في الربع الماضي أو السنة الماضية. إنها مسألة تعاقدية: إن حققت المطلوب تأخذ أجرك. أما إن كنت تبحث عن العرفان فاقتن كلباً.

هل أثرت مشاكل فولكس فاغن وتاكاتا على صناعة السيارات بشكل عام؟

بالتأكيد. كلما حصلت مشكلة كهذه يثور الشك بين الناس: هل المسألة أكبر من ذلك؟ هل هناك مشكلة على مستوى القطاع؟ وأفضل طريقة لمواجهة المشكلة هي التزام الشفافية، أن تخرج إلى العلن في أسرع وقت وتعيد بناء الثقة. ولهذا ترى الكثير من قرارات استدعاء السيارات في هذه الأيام. ليس لأن المشاكل زادت، بل لأن صانعي السيارات يعلمون أنه من الأفضل أن تتحرك قبل أن تتفاقم المشكلة.

ما الذي ما زلت تسعى لإنجازه في منصبيك؟

أريد أن أتأكد من أن يظل تحالف نيسان-رينو صلباً بالأداء الجيد والحوكمة المتميزة. لا أريد أن يقول الناس: “آه، سبب النجاح هو وجود كارلوس غصن”.

وهل ترى أنّ هذا الرأي منصِف؟

لا أعتقد ذلك. لكنني آمل أن تُظهر السنتان أو الثلاث القادمة ذلك بشكل أوضح، من خلال نمو وأرباح قوية في رينو على غرار ما يحصل في نيسان.

لقد اكتسبت ألقاباً متألّقة في السابق، مثل “مزيل الكلف”، “كاسر الجليد”، “السيد حلّال المشاكل”. ما اللقب الذي تستحقه الآن؟

لا أعلم. لست أنا من يؤلف هذه الألقاب، إنما أقرؤها في الصحف. ربما عليك أنت أن تفكر بلقب جديد لي.

سأحاول التفكير بلقب جديد وأقترحه عليك أولاً كي لا تكون آخر من يعلم.

حسناً!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .