هل لديك نفس رؤية كلود مونيه للمنافسة؟

3 دقائق
مفهوم المنافسة بين الشركات
shutterstock.com/Everett Collection
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توجد حكاية شائعة بين أوساط الرسّامين وهواة الفن التشكيلي مفادها أن كلود مونيه، أحد أشهر الرسّامين في التاريخ، عندما زار متحف اللوفر بباريس لأول مرة، لم يفعل مثل باقي الرسّامين الذين كانوا يتهافتون على نسخ أعمال كبار الرسّامين الموجودة بالمتحف آنذاك مثل لوحات دييغو فيلاثكيث، وإنما تجاهل الجميع واتجه لرسم الإطلالة من إحدى نوافذ المتحف في لوحة سُميت بـ “حدائق التويلري” (The Tuileries) عام 1876. يقول مونييه في هذا الصدد: “لا أريد أن تتم مقارنتي بكبار الرسّامين من الماضي عندما تُعرض لوحاتي للنقد”. يبدو أن أصحاب هذه الرؤية المختلفة لمفهوم المنافسة بين الشركات والسعي الدائم للتفرد هم من يغيرون تاريخ المجال الذي ينشطون فيه؛ فعلى غرار كلود مونيه الذي غيّر تاريخ الفن التشكيلي بوضع أسس المدرسة الانطباعية (Impressionism)، غيّرت شركة آبل بقيادة ستيف جوبز نمط حياة مئات ملايين البشر وأحدثت ثورة في عالم صناعة الهواتف الذكية؛ ولإبراز رؤية آبل الاستباقية للمنافسة، نسرد هذه الحكاية: في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2006، أطلقت “مايكروسوفت” مشغّل الوسائط المتعددة “زيون” (Zune) لينافس منتج آبل الرئيسي آنذاك “آي بود” مع حملة ترويجية ضخمة، متوقعة أن آبل ستدافع عن الحصة السوقية لأهم منتج لديها، لكن المفاجأة أن ستيف جوبز، وبعد نحو شهر واحد من إطلاق “زيون”، أعلن في مؤتمر صحفي أنهم كانوا يعملون منذ عامين ونصف على مشروع تنويع استراتيجي أفضى لابتكار هاتف الآيفون الذي يتمتع بمجموعة من المزايا المبتكرة، بما فيها مشغّل وسائط مدمج، ما جعل من اقتناء منتج مثل “زيون” غير مُجدٍ، والنتيجة أنه بعد نحو 5 سنوات أي في عام 2011، وفي الوقت الذي وصلت فيه نجاحات الآيفون إلى شتى أنحاء المعمورة، قررت “مايكروسوفت” توقيف خط إنتاج “زيون” بسبب الفشل الذي مُني به.

الرؤى المختلفة لمفهوم المنافسة بين الشركات

أول مقال يتبادر إلى الذهن في سياق النظرة المبتكرة للمنافسة هو جوهرة تشان كيم ورينيه موبورناستراتيجية المحيط الأزرق“، وهو العنوان نفسه الذي حمله كتابهما الشهير، ويناقش الكاتبان في هذا المقال إعادة النظر في قواعد التنافس الحالية بصورة جذرية إذ يؤكدان بأن “أفضل طريقة للتغلب على المنافسين هي التوقف عن منافستهم”، أي أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى وضع المنافسين خارج اللعبة، ويكون ذلك عبر الاعتماد على عدة أدوات أهمها “ابتكار القيمة”. من أهم تطبيقات ابتكار القيمة استهداف فئة جديدة كلياً من العملاء مثل استهداف فئة البالغين وكبار السن بواسطة منتجات وخدمات موجهة عادة لفئة صغار السن والأطفال. خير مثال على ذلك “سيرك دو سوليه” الكندي الذي ابتكر عروضاً تمزج بين المسرح والسيرك، ولعبة الفيديو “وي” (Wii) من شركة “نينتندو” التي تعتمد على “عصا التحكم اللاسلكية”، وهو الابتكار الذي مكّنها من استهداف فئة عمرية جديدة من البالغين وكبار السن لم تكن فيها أي منافسة بعد. يبيّن الكاتبان أيضاً في هذا المقال، الذي تناول دراسة 150 حالة محيط أزرق في أكثر من 30 صناعة وبيانات تعود إلى أكثر من 100 عام، أن كل محيط أزرق خالٍ من المنافسة يتحول إلى محيط أحمر يعج بالمنافسة في نهاية المطاف، وهو ما انتبه له ستيف جوبز (في المثال المذكور أعلاه) وبادر إلى منتج مكّنه من الانتقال إلى محيط أزرق جديد.

قد يفشل الكثير من المدراء وقادة الشركات في الإجابة عن سؤال يبدو بسيطاً للوهلة الأولى: “ما هو مجال النشاط الرئيس لشركتك؟”، إذ يعمد الكثير منهم، حسب ثيودور ليفيت، إلى إجابة سطحية لا تعكس نطاق المنافسة الحقيقي؛ فعلى سبيل المثال، قد يجيب مسؤول في شركة تصنّع السيارات بأن مجال نشاطهم هو صناعة السيارات، بينما الأصح هو “مجال النقل” وما يضم من منافسين مثل مصنّعي الشاحنات والقطارات والطائرات وحتى البواخر؛ لذلك يوضح ثيودور في مقاله “قِصَر النظر التسويقي” المصنف ضمن أفضل 50 مقالاً كُتب في هارفارد بزنس ريفيو، بأن هذه الإجابة الخاطئة تعود إلى التركيز على بيع ما يُنتج بدلاً من التركيز على تلبية حاجات العملاء المتغيرة، وهو ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات قصيرة الأجل ذات بعد تكتيكي ترهن مستقبل الشركة على المدى البعيد. يصعب على الشركات التي تعاني من قِصر النظر التسويقي التكيّف مع التغيرات الحاصلة في بيئتها أين تتغير الأذواق والحاجات بوتيرة سريعة، كما يصعب عليها التنبؤ بالمستقبل والتخطيط على المدى الطويل. عبّر هنري فورد في القرن التاسع عشر ضمنياً عن فخ قصر النظر التسويقي بقوله: “لو سألتُ الناس عما يريدون، لأجابوا نريد خيولاً أسرع”.

يمكن النظر إلى المنافسة من زاوية مختلفة كلياً وهي التعاون، نعم، لم لا نتعاون مع المنافسين وما الفوائد التي نجنيها من ذلك؟ يجيب مقال “قواعد التعاون مع المنافسين” عن هذا السؤال، ويعدد المزايا المحتملة من من هذه الوضعية، التي أُطلق عليها مصطلح جديد هو “التعاون الذي ينطوي على تنافس” (Coopetition)، مثل الحد من المنافسة ضد منافس قوي، واختراق أسواق جديدة، وتعزيز قدرات الابتكار عن طريق ضم قدرات الشريك، والوصول إلى اقتصاديات الحجم في ظرف قصير، كما أن العديد من الشركات اعتمدت هذه الاستراتيجية منذ ظهور مصطلح “التعاون مع المنافسين” عام 1996، على غرار “آبل” مع “سامسونج”، و”دي آتش إل” مع “يو بي إس”، و”فورد” مع “جنرال موتورز”، و”جوجل” مع “ياهو”؛ غير أنّ التعاون مع المنافسين لا يخلو من المخاطر مثل التسرب التكنولوجي، وإمكانية الوقوع في فخ حصان طروادة.

لا توجد مقاربة موحّدة للنظر إلى المنافسة بين الشركات والتعامل معها، لكن الثابت الوحيد في عصرنا الحالي هو التغير المتسارع، والسبيل الوحيد لمواكبته، كما يؤكد جيف بيزوس في مقاله “المنافسة من وجهة نظر أمازون“، هو الابتكار والإبداع والاستمرار في ذلك على الرغم من الفشل الذي قد يحصل جراء تجريب أشياء جديدة، أو كما قال هنري فورد: “الفشل هو أفضل فرصة للبدء مرة أخرى بما قمت به، وبطريقة أكثر ذكاء“.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .