ما الذي يقوله الخبراء؟

تقول مؤلفة كتاب “كيف تعيد ابتكار نفسك: حدد علامتك التجارية وتخيل مستقبلك” (Reinventing You: Define Your Brand, Imagine Your Future)، دوري كلارك، إن إدراك مكمن شغفك المهني ميزة لك: “كثيرون هم من لا يعرفون ما يريدون تحقيقه، فيواجهون صعوبات متزايدة لأنهم يشعرون بعدم الرضا عن مسارهم المهني، لكنهم يفتقرون إلى الوعي بالخيارات البديلة التي قد تكون متاحة لهم”. من المؤكد أن وجود فكرة مشروع ما هي بداية مشجعة، ولكن تنفيذها مع الاستمرار في وظيفة بدوام كامل يمثل تحدياً بلا شك. يقول المؤلف المشارك في كتاب “الشغف والهدف: قصص عن أفضل قادة الأعمال الشباب وألمعهم (Passion & Purpose: Stories from the Best and Brightest Young Business Leaders)، دانيال غولاتي: “لنفترض أنك استلهمت فكرة مشروع رائعة، إذاً عليك بدء العمل بجد لتحقيقها”، تتفق كلارك وتقول إن هناك عدة طرق متاحة لتحقيقها إذا كنت ملتزماً بها. لذلك، وسواء كنت ترغب في إنشاء شركة رائدة أو تخصيص المزيد من الوقت لهواية شخصية، إليك بعض الأفكار والنصائح لمساعدتك على البدء.

أنشئ استراتيجية

يقترح غولاتي البدء بتحديد أهدافك بدقة: هل تطمح لإنشاء شركة كبيرة وقابلة للتوسع؟ أم إنشاء شركة صغيرة؟ أم مؤسسة خيرية؟ يقول غولاتي موضحاً: “من الضروري أن تكون لديك أهداف محددة وملموسة تسعى لتحقيقها، مثل أهداف الإيرادات والتأثير الاجتماعي المرغوب”. بعد ذلك، ضع إطاراً زمنياً واقعياً يستند إلى ما تعتقد أنك قادر على إنجازه في مشروعك في الوقت المتاح لديك. يقول غولاتي حول هذه النقطة: “أكبر عائق أمامك هو عدد الساعات التي يتعين عليك تخصيصها لهذا المشروع الجانبي، لذلك حدد تاريخاً للانتهاء، من الناحية المثالية عندما تنوي ترك وظيفتك الحالية، ومن ثم حدد المهام التي يجب إنجازها حتى تاريخ الانتهاء. في أثناء تقدمك في مشروعك، استمر في منح وظيفتك الحالية الاهتمام اللازم، لأنها تحظى بالأولوية”. وتضيف كلارك إنه يتعين عليك التحلي بالمرونة وتمديد الجدول الزمني لمشروعك إذا بدا أن تاريخ الانتهاء المقترح غير واقعي كلما اقتربت منه، لذلك كن مستعداً لإجراء تعديلات.

وفر المال

يقول غولاتي إن الاستقرار المالي يمنحك الفرصة لبناء عملك وفقاً لتفضيلاتك. ولكن إذا كان هدفك النهائي هو ترك وظيفتك الحالية في نهاية المطاف وتكريس وقتك بالكامل لمشروعك، فستحتاج إلى رأسمال احتياطي لا سيما خلال المراحل الأولى من مشروعك الجديد وفقاً لكلارك، كما تقول إن الجدول الزمني يجب أن يتضمن بوضوح أهداف ادخار محددة شهرية أو ربعية، وإذا لزم الأمر، خطة لتأمين التمويل من المستثمرين؛ إذا لم تتوفر لديك موارد مالية كافية عندما تترك وظيفتك، فسوف تتخذ قرارات سيئة لمشروعك بسبب الخوف من فشله.

تحكّم في جدول مواعيدك

لعل التحدي الأكبر هو إيجاد الوقت الكافي في جدول مواعيدك المزدحم لتكريسه للعمل على مشروعك. تقترح كلارك البدء باستخدام سجل للوقت باعتباره نقطة انطلاق جيدة، وتقول موضحة: “تتبع استخدامك لوقتك، وتأكد من أنك تستخدمه بما يتماشى مع أولوياتك وأهدافك”. وتضيف أن السجل سيكون مثالياً لمساعدتك في اكتشاف بعض وقت الفراغ القيّم الذي لم تنتبه له سابقاً ويمكنك استثماره في مسعاك الجديد. ويقول غولاتي إنه إذا لم تجد بعد النظر في السجل سوى مساحة صغيرة جداً للمناورة، فيمكنك التفكير في تفويض بعض مهام مشروعك أو جوانب معينة منه إلى مساعدين أو متخصصين مقابل أجر معين. على سبيل المثال، تعيين شخص ما لمساعدتك في البرمجة، أو الاستعانة بمستشار مستقل مأجور لإجراء أبحاث السوق. ويقول: “إذا كنت تمتلك موارد مالية كافية ولكنك تفتقر إلى الوقت، فابحث عن فرص لاستخدام المال في توفير الوقت”.

عالج نقاط الضعف

تنصح كلارك “بوضع قائمة شاملة بالمهارات المحددة التي يجب تطويرها لتنجح في العمل على مشروع شغفك وتكريس وقتك له بالكامل”. بمجرد تحديد المهارات التي تحتاج إلى تطوير، ستتمثل الخطوة التالية في تحديد كيفية اكتسابها؛ ربما تحتاج إلى اتباع دورة تدريبية، وقد يكون التدريب الداخلي أو المهني مناسباً هنا. تقترح كلارك تحديد طرقٍ لتوسيع وصفك الوظيفي لتعلّم مهارات جديدة. على سبيل المثال، إذا كانت مهارة إنشاء مواقع الويب حاسمة لمشروعك الجديد، فانظر في إمكانية أن يقدم مكان عملك الحالي الدعم المالي اللازم للاشتراك في دورة تعليمية حول تصميم صفحات الويب تفيدك في مشروعك ووظيفتك الحالية على حد سواء، وتقول كلارك إن ذلك يجب أن يكون صفقة رابحة لشركتك أيضاً. ويضيف غولاتي أن هدفك هو إثبات حجتك، ويقترح صياغة طلبك كالتالي: “هذا المشروع الجانبي هو شكل من أشكال التعلم الذي يساعدني على القيام بوظيفتي اليومية”.

اطلب المرونة

وفقاً لكلارك، قد يمنحك مديرك بعض المرونة في العمل على مشروعك، وتقترح تقييم ثقافة المؤسسة لمعرفة احتمال تلقي دعم لمشروعك أم لا، وتقول موضحة: “إذا كان الآخرون يُمنحون المرونة لأسباب شخصية -قد يدرب أحدهم فريق كرة القدم الذي يلعب فيه ابنه، أو يأخذ دروساً في الموسيقى أو يعمل على تأليف كتاب- فقد تكون قادراً على تحديد إذا ما كانت الشركة منفتحة على منحك مرونة مماثلة لمتابعة شغفك المهني”. وقد تكون لديك فرصة أكبر في الحصول على المرونة إذا كنت موظفاً ذا شأن ويخشى مديرك أن تستقيل، يقول غولاتي: “تحديد إذا ما كنت ستخبر مديرك وزملائك بخططك هو قرار دقيق يتعين عليك اتخاذه بنفسك. هناك خيار آخر وهو معرفة إذا ما كان بمقدورك أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر دون خسارة مزاياك”. ويضيف غولاتي إن القدرة على العمل على مشروعك لفترة طويلة من الوقت يمثل فرصة لتسريع وتيرة تقدمك فعلياً والوصول إلى المرحلة المفصلية التالية.

لا تخفِ الأمر

في معظم الحالات، لا حاجة إلى أن تكون شديد التكتم بشأن مشروعك في أثناء وجودك في العمل. تقول كلارك إن الصدق يضفي على مشروعك شرعية أكبر ويقلل من إثارة الشكوك حوله، وتنصح، عند التحدث إلى زملائك عنه، بإبرازه بطريقة تظهر فائدته للشركة من خلال تعلم مهارات جديدة يمكن استخدامها في وظيفتك الحالية. ويقول غولاتي إن زملاءك الحاليين يمثلون في النهاية شبكة جاهزة من الزملاء يمكنهم مساعدتك في مشروعك وتقديم الدعم والرؤى القيمة والملاحظات حوله، ويضيف: “إنهم أيضاً أقوى حلفائك وأول وجهة يمكن أن يتحقق من خلالها المستثمرون المحتملون من مصداقية مشروعك، لذلك من مصلحتك أن تتحلى بالشفافية. كما أن الالتزام الخارجي بمشروعك يزيد من تحملك للمسؤولية ويرفع مستوى التحدي والتحفيز للعمل بجدية أكبر. ومع ذلك، سيشكك العديد من زملاء العمل بطبيعة الحال في مشروعك وفقاً لغولاتي: “سيكون هناك افتراض مسبّق بأن هذا المشروع سيستغرق وقتاً طويلاً ويعوق أدائك، لذلك من المهم التأكد من أن مشروعك لا يتداخل مع مسؤوليات عملك اليومية”. إذا كنت تتوقع ألا يدعم مديرك أو زملاؤك مشروعك بما فيه الكفاية، فتحدث إلى العائلة والأصدقاء عنه بدلاً منهم.

تحلّ بالشجاعة

يقول غولاتي: “سيأتي وقت عليك أن تسأل نفسك فيه إن كنت تحد من فرصك في النجاح من خلال تنفيذ مشروعك باعتباره نشاطاً جانبياً وعدم تكريس كل وقتك له”. إنه سؤال أنت وحدك من يمكنه الإجابة عنه بالطبع. تقول كلارك: “قد يبدو اتباع شغفك أمراً شاقاً، ولكن إذا كنت قد خططت لعملية الانتقال بصورة جيدة، فأنت لا تخاطر دون حساب العواقب، بل تتخذ قراراً واعياً للاستثمار في سعادتك ومستقبلك”.

مبادئ يجب تذكرها

ما ينبغي لك فعله

  • ابنِ رأس مال احتياطي قبل ترك وظيفتك الحالية.
  • ابحث عن طرق مبتكرة لإحراز تقدم في مشروعك؛ إما عن طريق الاستفادة بشكل أفضل من وقت فراغك أو أخذ إجازة من وظيفتك أو تفويض بعض مهام مشروعك للآخرين.
  • ابحث عن فرص تدريبية لمساعدتك في تعلم مهارات جديدة تحتاج إليها في مشروعك.

ما يجب ألا تفعله

  • إهمال التزاماتك المهنية الأساسية، فوظيفتك اليومية لها الأولوية.
  • التكتم الشديد حول مشروعك. يمكن للزملاء الحاليين مساعدتك في مشروعك من خلال تقديم النصائح والملاحظات القيّمة لك.
  • مغادرة وظيفتك دون استراتيجية. خطط لعملية الانتقال بعناية كي تتجنب المخاطرة دون احتساب العواقب.

دراسة حالة رقم 1: وفر المرونة المالية لنفسك والتزم بتاريخ الانتهاء

شغلت كيت بلانشارد وظيفة مُرضية في شركة بيركن إلمر (PerkinElmer) المتعددة الجنسيات التي تتخذ من ماساتشوستس مقراً لها، لكنها كانت حريصة على بناء مشروعها الخاص بها. تقول كيت: “لم أكن سعيدة في شركة بيركن إلمر على الرغم من أنه كانت لدي موارد وبنية تحتية وفريق جيد وفرصة حقيقية للتأثير؛ كان لدي إلهام لأنشئ شيئاً جديداً وأتحكم بمساري المهني بالكامل”. اختبرت كيت ما يعنيه أن تكون رائد أعمال، فقد عملت ضمن فريق إدارة شركة البرمجيات أرتوس لابس (ArtusLabs) التي تتخذ من ولاية كارولينا الشمالية مقراً لها والتي اشترتها شركة بيركن إلمر عام 2011، وأدركت مدى إثارة العمل في شركة ناشئة.

بفضل نظرتها الاستشرافية، كانت كيت تتمتع بالمرونة المالية لبدء عملها التجاري الجديد. تقول في هذا الصدد: “السبب الوحيد الذي سمح لي بالتفكير في هذا الأمر هو أنني كنت أدخر المال منذ بدايات مسيرتي المهنية، إذ أدركت أنني أتطلع للتمتع بحرية اتخاذ هذه القرارات الكبيرة”.

في عام 2013، بدأت كيت وزميلها السابق في شركة أرتوس لابس استكشاف الأفكار المحتملة، فخصصا وقتاً محدداً في المساء وعطلات نهاية الأسبوع لإجراء الأبحاث وتحليل السوق لمشروعهما التجاري المحتمل. وسرعان ما أدركت كيت أنها لا تستطيع الاستمرار في العمل بدوام كامل والتركيز على مشروعها الجانبي في آن معاً، تقول موضحة: “لا يمكنني إيلاء الاهتمام الكامل لوظيفتي اليومية إذا كان عقلي مشغولاً دائماً بشيء آخر”.

التزمت كيت بموعد نهائي بعد 6 أشهر لترك وظيفتها، وعلى الرغم من أنها قررت عدم إخبار زملائها بخططها المستقبلية، حرصت كيت على دعم فريقها في بيركن إلمر في غضون ذلك كي لا يسبب انتقالها أي مشكلات عندما تُخطر شركتها بنيتها بالاستقالة في النهاية. خلال فترة الأشهر الستة تلك، تقر كيت بأنها كانت تراجع قرارها وتستمع إلى حدسها حياله من حين لآخر، تقول: “كتبت قائمة بإيجابيات قراري وسلبياته، ووضعت في اعتباري ما كان يعجبني في بيركن إلمر وفي خطوتي التالية”.

تركت كيت وظيفتها في بيركن إلمر في فبراير/شباط عام 2014؛ وفي الشهر التالي أطلقت هي وشريكها شركة أوريجن (ORIGƷN) للتكنولوجيا الحيوية ومقرها بوسطن. لديها حالياً 9 موظفين وسيصبح عددهم 12 موظفاً بحلول نهاية الشهر المقبل. تقول كيت: “إنها فترة مملوءة بالإثارة. أنا واثقة من أن قراري كان صائباً، ولا أشعر بالندم مطلقاً”.

دراسة حالة رقم 2: اطلب الأفكار (والتمويل إذا لزم الأمر) من الآخرين واستخدم وقت فراغك على نحو أفضل

كان دان هوغان يعمل في قسم مبيعات التكنولوجيا عندما خطرت له فكرة إنشاء وكالة رعاية صحية منزلية؛ شركة ترسل الممرضات والمعالجين إلى مكان إقامة المرضى لإعادة تأهيلهم. اتخذ زميلٌ سابق لدان خطوة مماثلة في الماضي، ويقول دان إن نجاح زميله السابق منحه الثقة بقدرته على المضي قدماً وبدء مشروعه أيضاً، فحسم أمره وقرر أنه سيترك شركته في غضون 9 أشهر، ويتذكر أنها كانت فترة عصيبة: “في النهاية، أنت تتحمل مسؤوليتين مختلفتين من خلال العمل في وظيفتك الحالية والإعداد لمشروعك الجديد”.

عمل دان بصورة أساسية في مشروعه في عطلات نهاية الأسبوع، لكنه استغل بعض وقت فراغه خلال أيام الأسبوع أيضاً، مثل استراحات الغداء وفترة المساء: “أدركت أنه بمقدوري استغلال الوقت الذي أقضيه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للتركيز على فكرتي. كنت أجري جلسات قصيرة لأبحاث السوق كلما أتيح لي الوقت، وأجريت مكالمات هاتفية قصيرة في أثناء المشي في الحي. فوجئتُ بحجم التقدم الذي أحرزته”.

يقول دان إنه ناقش باستمرار فكرة عمله مع العائلة والأصدقاء، وإن الحديث عنها جعلها أكثر واقعية وأكسبها زخماً خاصاً بها، بل ومنحه شعوراً أكبر بالمسؤولية والالتزام تجاهها.

تمحورت بعض هذه المحادثات حول المال أيضاً؛ كان يدخر المال من تلقاء نفسه، لكنه كان يعلم أنه بحاجة إلى المزيد لإطلاق شركته. في اليوم الذي استقال فيه من وظيفته، كان قد حصل على دعم 18 مستثمراً، بمن فيهم زميله في الكلية وابن عمه، وجمع نحو 150 ألف دولار في النهاية. يقول: “لم أرد أن أخيب أملهم، فقد أصبح مشروعي حقيقة واقعية بفضل هؤلاء الذين وقفوا معي ودعموني”.

بعد 5 سنوات، بات لدى شركة دان للرعاية الصحية، التي أطلق عليها اسم دكتورز أسوشييتس (Doctor’s Associates)، 500 مريض ويعمل فيها أكثر من 100 موظف بدوام كامل أو جزئي. ثم باع تلك الشركة وأنشأ شركة جديدة. يشغل دان اليوم منصب الرئيس التنفيذي لشركة ميدالوجيكس (Medalogix) لتكنولوجيا المعلومات الصحية التي تتخذ من مدينة ناشفيل مقراً لها وتلقت دعماً يقارب نحو 7 ملايين دولار من المستثمرين.