كيف تستعد تجارة التجزئة لعالم ما بعد “كوفيد-19″؟

5 دقائق
تجارة التجزئة مابعد جائحة فيروس كورونا والثورة الصناعية الرابعة
shutterstock.com/Travelpixs
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في ظل المعطيات والمتغيرات السريعة التي فرضتها جائحة “كوفيد-19” حتى اليوم، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل نحن كقطاع تجزئة وجزء من منظومة اقتصادية ضخمة، مستعدون لعالم ما بعد “كوفيد-19” ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة في ظل هذه التطورات؟ وللإجابة عن هذا السؤال، يتوجب علينا أولاً إدراك أن كل هذه التحولات تدور في فلك العالم الرقمي وتقنياته التي طورت تلقائياً علاقتنا ومنحتنا القدرة على إدارة الفرق بين أنشطتنا الاجتماعية الطبيعية والافتراضية الرقمية.

بنظرة سريعة سنجد أن هذا التحول طال تقريباً كل شيء على سطح كوكبنا. وفيما تتوالى التطورات التقنية بوتيرة متسارعة، فإنه يتوجب علينا أن نستعد لخوض مواجهة مفتوحة للكثير من التحديات التي ستؤثر جذرياً على أسلوب حياتنا وعملنا وتواصلنا مع الآخرين، وقد بدأت الأعمال والأنشطة التجارية حول العالم فعلياً في الاستجابة لتلك المتغيرات عبر الأخذ بزمام المبادرة والتعامل بشكل استباقي مع هذا “الوضع الطبيعي المستجد”. 

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: شرح مصطلح “industry 4.0”

على مستوى منطقتنا العربية وتحديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت الحكومة الإماراتية سباقة في مجال تطوير وتحديث القدرات التقنية للمجتمع، ولها سجل تاريخي طويل وحافل بمشاريع ومبادرات فريدة من نوعها نجحت في قراءة المستقبل، وقد التقت هذه المشاريع على هدف واحد وهو تأسيس مستقبل أكثر إزدهاراً محركه الأساسي هو التقنيات.

وقد جاءت اللحظة المناسبة لاختبار قدرات تلك المنظومات التقنية الشاملة وجني ثمار تلك الجهود عبر الاستفادة من جميع الفرص التي تقدمها المرحلة القادمة والتي باتت تُعرف عملياً بأنها “الثورة الصناعية الرابعة” ونحن في قطاع التجزئة أيضاً، علينا التحرك الآن لمواكبة المتغيرات القادمة مع هذه الثورة الصناعية الجديدة، وإعداد قطاعنا لها جيداً عبر حلول تمكننا جميعاً من السير قدماً في ركابها قبل أن تسبقنا الأحداث. 

الإغلاق وما جاء به من توجهات جديدة في قطاع تجارة التجزئة

أظهرت دراسة أُجريت في 17 سوقاً حول العالم، وشملت كل من أستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا واليابان ونيوزيلندا وسنغافورة وجنوب إفريقيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، أن 40% من المشاركين في الدراسة قالوا أنهم سيتسوقون إلكترونياً أكثر بعد انتشار وباء “كوفيد-19”.

أما إقليمياً فقد أظهرت دراسة أخرى أجريت في أسواق أفريقيا ودول الشرق الأوسط ومن بينها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، أن 40% من المشاركين يتسوقون عبر الإنترنت بشكل أكثر بالمقارنة مع فترة ما قبل جائحة “كوفيد-19”. وفيما نتابع هذه التحولات التي طرأت على سلوكيات المستهلكين خلال الأزمة وفترة الإغلاق، يمكننا أن نلاحظ أن التقنيات ومنصات التسوق الإلكتروني قد اكتسبت أهمية غير مسبوقة وأصبحت اليوم موارد حياتية أساسية.

تشير بيانات الاستطلاع الأولية أن تلك التوجهات ستبقى في إطارها “الطبيعي المستجد” حتى بعد انقضاء خطر الجائحة. ومن هنا، علينا كقطاع تجزئة أن نستوعب القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وإنترنت الأشياء وروبوتات الدردشة وغيرها الكثير. فتلك التقنيات تعد بمثابة “لوحة التحكم الأم” في مجريات أحداث “الثورة الصناعية الرابعة”، ولن يكون بمقدور أي قطاع أن يقاوم تياراتها وتطوراتها، والتي برأيي إذا ما أغفلناها، فإنه من الممكن أن تمر أمام أعيننا كلمح البصر دون أن نراها. 

ولربما إذا ما تحدثت عن هذه الأمور مع أحد زملائك المتخصصين في قطاع تجارة التجزئة، فإن أول ما سيتبادر إلى الذهن هو مصطلح “التجارة الإلكترونية”، وهو مع العلم القطاع الذي تفوقت فيه دولة الإمارات على سائر دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بحسب دراسة مشتركة أجرتها “اقتصادية دبي” وشركة “فيزا”، والتي قدرت نمو الاقتصادي الإلكتروني على أساس سنوي بنحو 23% خلال الفترة من عام 2018 إلى عام 2022.

وعلى الرغم من أن الكثير من المتسوقين سيستمرون في الاستمتاع واختبار عناصر تجربة التسوق الفعلي، إلا أن جائحة “كوفيد-19” قد دفعت الكثيرين في قطاع التجزئة إلى الإسراع بفتح نافذتهم الإلكترونية، وذلك بعد أن أيقنوا تماماً أن هذا الارتفاع غير المسبوق في أعداد المتسوقين إلكترونياً سيستمر من الآن فصاعداً.

الاستجابة لمتطلبات التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات

بدورنا كفاعلين أساسيين في منظومة تجارة التجزئة بدولة الإمارات، بادرنا في “مجموعة ماجد الفطيم للتجزئة” إلى دمج تلك التحولات الرقمية في نظامنا البيئي التقليدي، والعمل على استحداث تصورات تعيد صياغة مضمون عملياتنا التشغيلية وما نقدمه من خدمات لعملائنا.

ومن بين أبرز الأمثلة على هذا، ما قمنا به من عملية دمج سريع بين عالمينا الفعلي والافتراضي عبر إطلاق سوقنا الإلكترونية في دولة الإمارات على “كارفور”، وهي المنصة الذي قدمت قناة تجارة إلكترونية جديدة للمستأجرين في مراكز التسوق التابعة للشركة والأنشطة التجارية الأخرى في الدولة، تمكنهم من التواصل مع قاعدة متوسعة من العملاء الذين أصبحوا ينضمون تباعاً وبشكل متسارع إلى عشاق التسوق الإلكتروني.

وفي الوقت الحالي تستقطب منصة “كارفور”، والتطبيق الذكي للأجهزة المتحركة ما بين ربع مليون إلى 300 ألف مستخدم يومياً. وباعتبارها من أكثر منصات التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات استقبالاً للمتسوقين وإجراء معاملات التسوق الإلكتروني، فإن هذه المنصة تقدم لزوارها محطة واحدة لشراء كل ما يحتاجون من مستلزمات يومية أساسية أو المنتجات التي تناسب أسلوب حياتهم.

إضافة إلى ذلك بادرت المنصة أيضاً إلى اطلاق خدمة “استلمها بنفسك”، وهي خاصية رقمية جديدة تتيح للعميل إمكانية طلب مشترياته إلكترونياً ومن ثم استلامها بنفسه للتحكم أكثر في إجراءات التباعد الاجتماعي، حيث يمكن للعميل أن يطالب بتسلم مشترياته عند مدخل المتاجر المشاركة في الخدمة، أو إيصالها مباشرة إلى سيارته في موقف السيارات. 

مواكبة تيارات الثورة الصناعية الرابعة

أشارت الكثير من التقارير إلى أن البحث عن شراء مواد البقالة على الإنترنت في دولة الإمارات قد سجل نمواً مهولاً وصل إلى 560% بداية من شهر يناير/كانون الثاني عام 2020 بالتزامن مع ظهور أول حالة لفيروس “كوفيد-19” في دولة الإمارات، ولغاية شهر مارس/آذار من هذا العام.

كما توضح جميع المؤشرات أن تلك البيانات لن تنخفض فيما بعد مرحلة “كوفيد-19” وانقضاء خطورتها. ففي دراسة بحثية أجرتها شركة الاستشارات الإدارية العالمية “كيرني الشرق الأوسط” توجهت الدراسة إلى العملاء بسؤالهم إذا ما كانوا ينوون الاستمرار في اتباع نمط التسوق الإلكتروني حتى بعد انقضاء مخاطر الجائحة، حيث أجاب 48% في دولة الإمارات و69% في المملكة العربية السعودية بـ “نعم”. وهذا يترجم بوضوح سلوكيات المتسوقين فيما يخص مشترياتهم من مواد البقالة التي أصبحت أكثر حكمة وتخطيطاً وبكميات ضخمة.

وكان “المنتدى الاقتصادي العالمي” قد قدر حجم الاقتصاد الإلكتروني لدولة الإمارات في عام 2020 بنحو 27.2 مليار دولار أميركي، مع نسب نمو متقاربة على مستوى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنا أؤمن أن سلوكيات الشراء وأنماط التسوق التي أصبح يفضلها العملاء أثناء وبعد جائحة “كوفيد-19″، كلها مؤشرات على وجود نقطة تحول جوهرية وبوصلة تشير إلى الطريق الذي يتوجب علينا اتباعه حتى ننجح في تبني استحقاقات “الثورة الصناعية الرابعة”. فعملائنا لن يعودوا إلى مربعهم القديم وسلوكيات التسوق فيما قبل الأزمة.

كما سنرى رابحين وخاسرين في هذا السباق على ساحة تجارة التجزئة، حيث ستبرز القيادات التي استوعبت سريعاً تلك التحولات الجذرية، والآخرين الذين اخفقوا في إعداد أنفسهم لمواكبة “الوضع الطبيعي المستجد”.

مستقبل قنوات التوزيع 

ذكرنا فيما سبق لمحة عما شهدته التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والطفرة هائلة التي حدثت على مستوى الطلب من المستهلكين خلال عام 2020، وقد أدى ذلك إلى ظهور موجة جديدة من المستخدمين والمناصرين لهذا التوجه.

ومع ذلك، يتوجب علينا إدراك أن كل من التجارة الإلكترونية والتجارة الفعلية داخل المتجر، كلاهما يلبي تطلعات واحتياجات مختلفة ومتنوعة للمستهلكين. وعلى مدى العقود الماضية، قدم خيار التسوق التقليدي تجربة فعلية فريدة من نوعها، في حين أن التجارة الإلكترونية تلبي حاجة آخرى منفصلة تماماً عن ذلك ترتبط بشكل وثيق وفي المقام الأول بالملائمة والراحة.

وفيما نمضي قدماً، فإنه يتوجب على قطاع التجزئة إدراك أن المستهلكين سيظلون بحاجة إلى كلا الخيارين. لأن هذا التمايز الكبير بينهما سينتج عنه فرصة فريدة لتفعيل المبادرات التي تلبي متطلبات كل سوق منهما، وذلك بالتوازي مع إمكانية تقديم مبادرات مبتكرة قائمة على التجربة.

سيكون تجار التجزئة الناجحون في عام 2021 وما بعد جائحة فيروس “كوفيد-19″، هم أولئك الذين سيبرعون في إيجاد التوازن الأمثل بين راحة التجارة الإلكترونية، وتجربة العملاء داخل المتجر، وكذلك ابتكارات الثورة الصناعية الرابعة التي تستفيد من كلا الخيارين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .