يواجه الموظفون وأصحاب العمل تحدياً، ألا وهو: كيف يمكن تحسين سياسات العمل الهجين لتعظيم الفوائد لكلا الجانبين، بما في ذلك الحد من الآثار المدمرة لشعور الموظفين بالوحدة والعزلة. عادة ما يعاني الموظفون الذين يشعرون بالوحدة، مثل الموظف أعلاه، تدنياً في مستوى الرفاهة والأداء، ما يؤثر على النتائج المالية للشركات.

للأسف يمكن أن يؤدي العمل عن بُعد والعمل الهجين إلى تفاقم شعور الموظفين بالوحدة. ولكن هذا لا يعني أنه ينبغي لأصحاب العمل إعادة الموظفين إلى المكتب سريعاً. فقد كان الشعور بالوحدة في مكان العمل يتزايد في فترة ما قبل الجائحة عندما كان يتم القيام بمعظم العمل المعرفي في المكاتب. كما أن العودة إلى المكتب بشكل كامل ستحد من مستوى المرونة والاستقلالية الذي يرغب فيه الموظفون والذي يساعدهم على تلبية احتياجاتهم الاجتماعية خلال يوم العمل.

الخيار الأفضل للصحة الاجتماعية للموظف هو التفكير فيما يتجاوز حدود المكتب أو المنزل فقط. فهناك “مساحات ثالثة” يمكن للموظفين العمل منها أيضاً، منها: المقاهي وردهات الفنادق ومنازل الأصدقاء ومواقع العمل المشترك. يشير بحثنا إلى أنه من بين هذه الخيارات، تبشّر مواقع العمل المشترك بإيجاد حل لمشكلة شعور الموظفين بالوحدة.

استطلعنا آراء 819 موظفاً يعملون في أدوار مكتبية من مختلف المناطق الجغرافية والقطاعات. وما أثار دهشتنا هو أن النتائج أظهرت أن المشاركين اعتبروا أن العمل من مساحة ثالثة، مثل مواقع العمل المشترك، أكثر إرضاءً من الناحية الاجتماعية مقارنة بالعمل من المكتب (64%) أو من المنزل (67%). أحد الأسباب الرئيسية هو أن مساحة العمل المشترك لا توفر المرونة التي يتوق إليها الموظفون من حيث مكان عملهم فحسب، وإنما أيضاً مع حيث الأشخاص الذين يرغبون في العمل معهم.

قيمة مواقع العمل المشترك لإعادة تصور التعاملات مع الآخرين في العمل

سلط استطلاعنا والمقابلات اللاحقة الضوء على الطرق التي مكّنت بها مواقع العمل المشترك الموظفين من إعادة تصور التعاملات مع الآخرين في العمل؛ أي: اختيار الأشخاص الذين سيتعاملون معهم خلال يوم العمل. وقد ارتبط هذا الشكل وغيره من أشكال إعادة تصور الوظائف بنتائج إيجابية تشمل زيادة رضا الموظفين وتحسُّن الأداء ومعدل استبقاء الموظفين.

في دراستنا، وسّعنا نطاق مفهوم إعادة تصور التعاملات مع الآخرين في العمل لإظهار كيف يمكن تحقيق ذلك ليس فقط مع الزملاء في المكتب ولكن مع مهنيين آخرين، من شركات مختلفة، يعملون في الموقع نفسه. في الواقع، يشير بحثنا إلى أن العمل المشترك قد يوفر فرصاً أفضل لإعادة تصور التعاملات مع الآخرين في العمل مقارنة ببيئات المكتب أو المنزل. وعلى وجه التحديد، توفر مواقع العمل المشترك المصممة جيداً ما يلي:

فرصة للهروب من زملاء العمل

ذكر 52% من المشاركين في الاستطلاع أن إحدى مزايا هذه المواقع هي “تجنب التفاعلات غير الضرورية مع الزملاء”. قد يكون هذا مفيداً بوجه خاص للأفراد المنتمين إلى الفئات السكانية غير الممثلة تمثيلاً كاملاً، الذين غالباً ما يتعرضون لإساءات دقيقة وشكل خفي من أشكال الاستبعاد في مكان العمل.

فرصة لمقابلة مجموعة متنوعة من الشركاء

تجمع مواقع العمل المشترك بطبيعتها بين عاملين في مجموعة متنوعة من المهن والشركات. وقد ذكر أحد كبار المحللين في الولايات المتحدة: “تنوع الخبرات في تلك المواقع ينطوي على قيمة؛ فأنت تقابل أشخاصاً لن تتاح لك الفرصة لمقابلتهم في المكتب العادي”. ويتيح هذا التنوع المقترن بالاستقلالية مزيداً من الخيارات فيما يتعلق بالشركاء.

فرصة للراحة من الضغوط التنافسية والتقييمية الموجودة في المكتب

نظراً إلى أن “الزملاء” في موقع العمل المشترك لا يؤثرون بشكل مباشر على سمعة أداء الموظف أو تقييمه، فقد يبدو التفاعل معهم أكثر أماناً. وقد علّق مستشار في هولندا ساخراً: “ليس عليّ القلق إزاء كل محادثة حول أدائي وتطوري المهني”.

مجموعة من القواعد وآليات التنفيذ الموضوعة على نحو مشترك

ذكر المتحمسون للعمل المشترك الذين تحدثنا معهم أنه يُشعرهم أنهم جزء من حركة اجتماعية، لأنه يتيح لهم تحديد الثقافة التي يعملون فيها. تضع غالبية المواقع قواعد سلوكية للعمل المشترك، وتوظف مدير مجتمع لضمان الالتزام بهذه القيم.

أنشطة تسهم في بناء العلاقات

ينظّم مدراء المجتمعات أيضاً أنشطة رسمية (مثل ورش العمل) وغير رسمية (مثل تناول الغداء معاً دون تخطيط مسبق) لتسهيل بناء العلاقات والتطور المهني. وقد أشاد الموظفون المشاركون في استطلاعنا بهذه الفرص للتعلم والتواصل الاجتماعي بانتظام.

ونظراً إلى هذه الميزات الفريدة، توفر مساحات العمل المشترك للموظفين الفرصة لبناء العلاقات الشخصية الثرية التي يَصعُب بناؤها في بيئات العمل من المكتب أو المنزل. تساعد إعادة تصور التعاملات في العمل على توضيح السبب في أن البحوث السابقة كشفت عن زيادة في مستويات الازدهار فيما بين مستخدمي مواقع العمل المشترك.

ما يمكن لأصحاب العمل القيام به لتحسين استخدام مواقع العمل المشترك

لا ندعو أصحاب العمل إلى التراخي في سعيهم إلى خلق شعور بالترحيب والانتماء، سواء كان ذلك عن بُعد أو في المكتب، بل إلى النظر إلى ما هو أبعد من الفصل بين المنزل والمكتب، عندما يتعلق الأمر بتعزيز الحياة المهنية للموظفين.

فيما يلي 5 خطوات يمكن للمؤسسات اتخاذها لتشجيع قوة عملها ودعمها في استخدام مواقع العمل المشترك:

تثقيف الموظفين بشأن المزايا المحتملة.

على الرغم من أن أكثر من 3 ملايين شخص عملوا من موقع عمل مشترك في عام 2022، لا يزال هناك الكثير ممن لم يجربوا ذلك مطلقاً. ربما لا يعرف الموظفون الكثير عن السبب وراء أن العمل المشترك يمكن أن يكون مفيداً لهم، وكيف. ولذلك، بالإضافة إلى إخبارهم عن فرص إعادة تصور العلاقات في العمل الموضحة في هذه المقالة، يمكن لأصحاب العمل التشجيع على العمل المشترك من خلال مشاركة معلومات حول المكاسب المحتملة من حيث الإنتاجية والفصل بين العمل والحياة الشخصية. هناك مزايا أخرى أيضاً، تشمل: مستوى أعلى من أمن البيانات (على سبيل المثال، يحتوي معظم مواقع العمل المشترك على شبكة واي فاي خاصة محمية بكلمة مرور) وتجهيزات عمل أكثر راحة.

منح إعانات لتغطية تكاليف استخدام مساحات العمل المشترك.

ذكر 46% من المشاركين في الاستطلاع أن منح الشركات إعانات للموظفين لتغطية رسوم مساحات العمل المشترك سيكون حافزاً قيّماً للغاية لاستخدام هذه المساحات بشكل أكبر. قد تواجه الشركات ضغوطاً متزايدة للإسهام في تمويل المزايا المتصلة بالعمل عن بُعد في المستقبل. وفي الوقت الحالي يقدم بعض أصحاب العمل، مثل شركة سبوتيفاي (Spotify)، إعانات بالفعل مقابل العمل المشترك ويشهدون إقبالاً كبيراً عليها نتيجة لذلك. ويذهب آخرون، مثل شركة ريموت (Remote)، إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال التشجيع على تخصيص “أيام للعمل الجماعي في مساحة عمل مشترك“، ما يعني تشجيع 4 موظفين أو أكثر على التجمع في موقع ما للتعاون المكثف. ويتلقى الموظفون ما يصل إلى 30 دولاراً في اليوم نظير الاستفادة من هذه الفرص.

مواجهة فخ الراحة الناتج عن العمل من المنزل.

يمكن للشركات مساعدة الموظفين في التغلب على فخ الراحة الناتج عن العمل من المنزل عن طريق تسهيل الانتقال إلى مواقع العمل المشترك. في المقابلات التي أجريناها، سمعنا أن الإصلاحات البسيطة، مثل توفير أسلاك كهربائية إضافية وسماعات تتضمن خاصية إلغاء الضوضاء وتخزينها في الموقع، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليل عامل الإزعاج. ويمكن أيضاً أن تساعد التخفيضات على رسوم مواقف السيارات والتنقل في إخراج الأشخاص من شققهم ومنازلهم بشكل أكثر انتظاماً.

دعم المشاركة في برامج بناء العلاقات.

سمعنا من بعض مدراء المجتمعات أن برامج مواقع العمل المشترك غير مستغلَّة بالكامل. يمكن لأصحاب العمل تشجيع الموظفين على الاستفادة من هذه العروض من خلال تقديم حوافز، مثل البدلات اليومية ووحدات التعليم المستمر. علاوة على ذلك، يمكن لأصحاب العمل استخلاص رؤى مفيدة حول أنواع برامج بناء العلاقات التي تناسب موظفيهم من خلال جمع تعليقات حول تجاربهم هناك. بل يمكن أيضاً لمواقع العمل المشترك التعاون مع الشركات لاختبار أفكار جديدة لبناء مجتمعات.

تقديم التدريب والتوجيه.

يواجه العديد من الموظفين، وخاصة المبتدئين، صعوبة في بناء علاقات قوية في البيئات المهنية. يمكن لأصحاب العمل توفير تدريبات وبرامج تعليمية لرفع مستوى مهارات الموظفين في التعامل مع الآخرين، مثل كيفية استهلال الحديث وتحويل التواصل العابر إلى علاقة قوية. إذ يمكن أن تكون مواقع العمل المشترك بمثابة ملعب آمن يمكن للموظفين من خلاله ممارسة هذه المهارات الأساسية وتوسيع شبكات علاقاتهم.

ليس على أصحاب العمل استكشاف إمكانات مواقع العمل المشترك لموظفيهم بمفردهم؛ فقد كشف بحثنا أن هناك منصات تعمل على أتمتة عملية شراء العضويات بالإضافة إلى حجز المقاعد ومساحات الاجتماعات. وبدأ “مستشارو العمل المشترك” أيضاً بالظهور لتسهيل هذه الإجراءات.

ومع ذلك، فإن أحد العوامل الأساسية لنجاح خطة العمل المشترك هو الحفاظ على المرونة التي يتمتع بها الموظف. على سبيل المثال، مجرد إبرام عقد مع أحد المقدمين الرئيسيين لخدمات العمل المشترك، سيحد من الشعور بالاستقلالية الذي يُعد بالغ الأهمية لإعادة تصور التعاملات في العمل. علاوة على ذلك، إذا وجّه أصحاب العمل الموظفين إلى المجموعة المحدودة نفسها من المواقع، فقد يخلقون دون قصد ديناميات المكتب نفسها التي يحاول الموظفون تجنبها. على سبيل المثال، أصيب الموظفون في شركة للخدمات المالية في أستراليا بالإحباط عندما أصبح الموقع المحلي للعمل المشترك الذي يذهبون إليه بمثابة مكتب فرعي بأنماط التفاعل نفسها.

ثمة مأزق آخر يتمثل في إضفاء طابع معين على مواقع العمل المشترك بالقوة. على سبيل المثال، عندما اشترت شركة استثمار عقاري موقعاً محلياً للعمل المشترك في إسبانيا يتسم بأنه غير تقليدي، شعر الأعضاء أنه أصبح خالياً من الثقافة المميزة التي جعلته جذاباً للغاية في البداية. لتجنب هذه المشكلات، نشجع المدراء على التعاون مع الموظفين لتحديد كيفية دمج العمل المشترك في سياسات العمل الهجين بفعالية.

يُعد الشعور بالارتباط بأشخاص آخرين ضرورياً للصحة النفسية للموظفين ورفاههم. لذلك، لكي تكون قوة العمل مفعمة بالحيوية، من مصلحة أصحاب العمل مساعدة الموظفين على التغلب على أي شعور بالوحدة. توفر مساحات العمل المشترك فرصة لإعادة تصور التعاملات في العمل لتلبية الاحتياجات الاجتماعية للموظفين بينما يعملون في بيئة مهنية تشجع على العمل. موقع العمل المشترك ليس مكتباً في مؤسستك، ولكنه قد يكون بديلاً عملياً.

ملاحظة من المؤلفين: يتقدم المؤلفون بالشكر لإليوت جيمس بيري، الذي كان يعمل سابقاً في حملة “اعمل من أي مكان” (#WorkAnywhere)، والذي كان له دور أساسي في تصميم هذا البحث وتنفيذه.