تعرف على مخاطر المبالغة في مراقبة سلوكك وأهدافك

4 دقائق
مخاطر مراقبة الأهداف
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعيش بعض الناس غير واعين تجاه الوقت بتاتاً؛ يتأخرون كثيراً في إنجاز العمل ولا يتذكرون الأشياء التي قاموا بها وينسون تناول الطعام ويعيشون حياتهم دون وعي كافٍ. بالنسبة لمن هم ضمن هذه الفئة، فإن التوجه الحالي المتمثل في مراقبة السلوك والأهداف أي مراقبة النفس، سواء باستخدام تطبيقات تعقب الوقت مثل “توغل” (Toggl) أو تعقب اللياقة البدنية مثل “فيت بيت” (Fitbit)، فإن هذه التطبيقات تلعب دوراً مهماً في مساعدتهم على التحكم في وقتهم وعيش حياة أكثر سعادة وصحة. وهذا أمر جيد.

ولكن بالنسبة للأشخاص على الجانب المقابل من طيف مراقبة النفس، يمكن أن تسبب لهم هذه التطبيقات مشكلة المبالغة في مراقبة السلوك والأهداف الذاتية، وهو ما يؤدي إلى عواقب وخيمة. فبدلاً من أن يعيشوا الحياة يحولونها إلى اختبار: هل استقيظت في الموعد المحدد؟ هل أجيب على جميع الرسائل الإلكترونية ضمن إطار زمني مقبول؟ هل الأرقام التي أحققها جيدة؟ هل تقييمي لمهامي اليومية دقيق؟ هل أتبع بانتظام “حمية دو جور” (diet du jour) التي يفترض أن تمدني بأكبر قدر من الطاقة مع الحفاظ على سلوك لطيف مع من حولي؟ هل… ؟ هل… ؟ هل… ؟

لدى هؤلاء الأفراد مراقب داخلي يقظ دائماً يضبط السلوكيات الخارجية التي يعتقدون أنها “صحيحة” أو “مناسبة”. الأمر الإيجابي أنهم يحصلون على تأكيدات مستمرة بأنهم مسؤولون جداً ويمكن الاعتماد عليهم وتوقع سلوكهم. ففي النهاية ينجزون جميع أعمالهم بسلاسة مع تلبية احتياجات الآخرين. ولكن التركيز الشديد على ما يريده الآخرون، أو ما يعتقدون أن الآخرين يريدونه، يمنعهم من التركيز على أولوياتهم. قد تؤدي هذه الواجهة اليقظة والمثالية والإيجابية دائماً في فقدانهم اتصالهم مع نفسهم ومع الآخرين.

مخاطر مراقبة الأهداف

لقد كنت هذا الشخص يوماً. ومن خلال تجربتي فإن أكبر مخاطر مراقبة الأهداف بشدة هو فقدان إحساسك بنفسك. إذا كنت قلقاً للغاية تجاه القيام بالأمور “الصحيحة”، قد تُخطئ في تحديد الأشياء التي ترغب فيها فعلاً أو تفكر بها أو التي تحبها (أو لا تحبها). قد يحبط التركيز الشديد على ما يتوقعه منك الآخرون (أو ما تعتقد أنهم يتوقعونه منك) نموك وإبداعك لأن جل اهتمامك منصب على معرفة “الإجابة الصحيحة”. كما أن قياسك لنفسك وفقاً لمعايير عالية جداً قد يقحمك في حالة من القلق أو الاكتئاب. وقد ينتهي بك الأمر بقضاء القليل من الوقت فقط مع الآخرين لأنه “سيكون عليك إنجاز بعض المهام”؛ عندما تكون مع الناس ستركز على التصرف وفقاً لما تعتقد أنه التصرف الصحيح بدلاً من السماح للناس بالتعرف إليك وتقبلك. وهذا سيشعرك بأنك “وحيد وسط الزحام”، حيث تحاول اكتشاف ما إذا كان الناس يعجبون بك بدلاً من أن تكون حاضراً فعلاً.

ومن مخاطر مراقبة الأهداف أيضاً إحداث توتر أو نزاعات في علاقاتك مع الآخرين. على سبيل المثال، عندما تكون راضياً تماماً عن اختياراتك، كخيار إحضار مادة للقراءة تتعلق بالعمل إلى المنزل أو تناول السلطة يومياً، فلن تهتم إذا كان الناس يفعلون الشيء ذاته. ولكن إذا تصرفت بطريقة معينة بدافع الاضطرار، فقد تجد نفسك تحكم بصورة غير عادلة على أي شخص لا يقدم التضحيات ذاتها. إذا لم يكن بإمكانك تقبل حقيقة أنك تسعى للوصول إلى بعض المعايير العالية التي لا تهم أحداً، قد تكون المشكلة فيك لا في الآخرين.

لا شك أن وضع الأهداف أمر جيد. ولكن من المتعب أن تضع نفسك داخل دائرة عقلية، حيث تضع أهدافاً باستمرار وتسعى لإنجازها، ثم تضع هدفاً آخر فور الانتهاء من الهدف السابق. إنك بذلك لا تدع وقتاً لتتوقف قليلاً وتفكر وتستمتع باللحظة، ناهيك عن التفكير فيما إذا كنت تسير في الاتجاه الصحيح.

خطوات لتجنب الإفراط في مراقبة الذات

كيف تخرج من فخ الإفراط في المراقبة ليعود إحساسك الحقيقي بنفسك في الحياة والعمل؟ اتبع نهجاً يتسم بالمزيد من الإنسانية:

قيّم موقعك من الطيف. إذا كنت تفقد الإحساس بالوقت وتفشل في إنجاز العمل المهم، استمر في عملية المراقبة وارفع مستواها أيضاً. ولكن إذا وجدت أنك تراقب أفعالك باستمرار وتشعر بعدم الارتياح عند القيام بالأشياء التي ترغب بها فعلاً، أو تشعر دائماً بمسافة بينك وبين الآخرين، قد يكون هذا الوقت المناسب لإرخاء قيودك.

قيم “السبب” مرة أخرى. إذا كنت تذهب إلى العمل في تمام الساعة السادسة والنصف لأن هذا يشعرك بالسعادة، استمر في القيام بذلك. لكن إذا كان النوم متأخراً بعض الشيء والذهاب عند الثامنة يجعلك تشعر بصحة أفضل، فلا بأس بذلك أيضاً. لا يتعلق الأمر بأن تكون منضبطاً أو أن تقوم بأمور معينة بطريقة معينة، بل يتعلق بما إن كنت تقوم بذلك لأنه يناسبك أو لأنك تعتقد أنك يجب أن تقوم به. وتنطبق هذه الفكرة على الحياة خارج العمل أيضاً، ابتداء من الطعام الذي تتناوله إلى التمارين الرياضية التي تمارسها إلى الأماكن التي تتطوع فيها. لكل شخص مجموعة من العادات الروتينية التي تجعله أكثر سعادة وصحة. لذلك تأكد من أنك تعيش وفقاً لاحتياجاتك لا احتياجات الآخرين.

لا بأس من أن يخب أمل الناس بك. قد يبدو اقتراح تخييب آمال الناس انتهاكاً لشيء مقدس وخاصة إن كنت تعاني من محاولة إرضاء الناس. ولكن إذا خصصت جميع وقتك واهتمامك للقيام بأنشطة يريدك الناس أن تقوم بها، وخاصة إن كانوا أشخاصاً غير مقربين أو أن الأنشطة ليست من أولوياتك، فسينتهي بك الأمر في تخييب آمال نفسك والمقربين منك. تعلمت أنه من الأفضل لي أن أكون صريحاً منذ البداية حول ما أستطيع القيام به وما لا أستطيع حتى لا ينتهي بي الأمر مسحوقاً من كثرة المسؤوليات. لا يمكن لأي شخص أن يلبي احتياجات جميع من حوله، لذا إن كنت لا تستطيع تحقيق كل شيء يرغب به الآخرون فأهلا بك في الجنس البشري.

كن شجاعاً. يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة للتخلي عن تخصيص مكان لك في عالم مبني على الأرقام التي تحققها، سواء كانت مبيعاتك أو ساعات العمل التي تنجزها أو عدد الأميال التي تمشيها أو الباوندات التي تزنها. ولكنك عندما تتوقف عن التفكير في نفسك وتقديرك لها كما لو أنها بطاقة أداء وتبدأ بتقبل نفسك كما أنت، حينها يمكنك أن تعيش الحياة بأكبر قدر ممكن من الرضا والحرية.

وفي نهاية الحديث عن مخاطر مراقبة الأهداف يمكننا القول إن المبالغة في مراقبة سلوكك وأهدافك بشكل دائم يؤدي إلى مشكلة مع الذات والآخرين، فهناك بعض الأشخاص الذين لن يكونوا سعداء عندما تتوقف عن التصرف وفقاً لمعايير الآخرين. ولكن هناك أشخاص مثلهم، إن لم يكن أكثر، سيتنفسون الصعداء عندما تسترخي لأنهم سيتمكنون حينها من الاسترخاء أيضاً. والأهم من ذلك، ستكون قادراً على التركيز على الأشياء التي ترغب بها بدلاً من الأشياء التي تعتقد أنه ينبغي عليك فعلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .