ما الذي يقوله الخبراء؟

المدراء الذين لا يجيدون التعامل مع الناس أكثر شيوعاً مما تظن، وفقاً لإحدى كبار الباحثين في جامعة بنسلفانيا ومؤلفة كتاب “كيف تكون سعيداً في العمل؟” (How to Be Happy at Work) آني ماكي، إذ تقول إن “هناك الكثير من الأشخاص الذين لم يبذلوا جهوداً كافية لتطوير ذكائهم العاطفي ورفع وعيهم بذواتهم، وتعلم كيفية التأقلم مع محيطهم. ويتفاقم نقص الذكاء العاطفي لديهم عندما يكونون في موقع سلطة لاعتقادهم بأن لديهم الحق في قول كل ما يدور في أذهانهم”. بالإضافة إلى ذلك، ليس من السهل تقديم ملاحظات حول السلوكيات الغريبة لشخص ما، تقول: “من الصعب التحدث مع شخص ما حول أسلوبه في التعامل مع الآخرين، إذ من المحتمل أن يتجاهل مديرك تعليقك، فضلاً عن أن الإدلاء بمثل تلك التعليقات يمثّل مجازفة بحد ذاته بصفتك مرؤوسه المباشر”. وعلى الرغم من أن العمل لصالح مدير يفتقر إلى المهارات الاجتماعية يمثّل تحدياً، فهو ليس مستحيلاً، كما تقول المدربة والمستشارة في مجال الإدارة، مونيك فالكور: “فهدفك في النهاية ذو شقين: الأول، جعل تجربة العمل مع هذا الشخص أكثر راحة ومتعة؛ والثاني، العمل بفعالية معه”. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها.

فكّر في وضعك ملياً

تقول فالكور إن العمل مع مدير يمارس سلوكيات منفّرة ويُدلي بملاحظات مُحرجة يُضعف الروح المعنوية: “فإذا كانت العلاقة مثيرة للتوتر، فستؤثر سلباً فيك”. وتوصي بالتفكير في “استجاباتك العاطفية” تجاه سلوك مديرك ومعالجتها، سواء بمفردك أو مع صديق أو موجّه خارج مكان عملك. فكر في هذه الأسئلة: “ما السلوكيات التي أراقبها؟ هل أشعر بالإحباط أو بالانتقاد؟ ما الذي يحفز تلك الأحاسيس داخلي؟” حاول أن تتذكر أيضاً أن مديرك بشر مثلك، وابذل قصارى جهدك لتتقبله مع كامل عيوبه. وتقول ماكي: “تجنب تمجيد مديرك أو افتراض أنه شخص مثالي”.

قدّم يد العون

إذا كنت شخصاً يتمتع بقدر كبير من الذكاء العاطفي، فعملك مع مدير يفتقر إليه قد يمثّل فرصة عظيمة لك، بحسب فالكور، إذ من الشائع أن يعتمد المدراء الذين لا يجيدون التعامل مع الناس على الآخرين “لأداء التواصل الاجتماعي بدلاً عنهم”، أي يمكنك مساعدة مديرك على التواصل مع الزملاء، ومشاركة رؤيته، وتخفيف حدّة طباعه بشكل عام. تقول فالكور: “فكّر في الطرق التي تتيح لك استكمال مجموعة المهارات التي يفتقر إليها مديرك من خلال تسهيل علاقاته في العمل”، أو مساعدة الزملاء على فهم كيفية التعامل معه، كأن تقول مثلاً: “صحيح أن حديثه مقتضب” أو “أنه لا يجيد إجراء محادثات خفيفة” أو “من الصعب بناء علاقة معه”، لكني “وجدت بمرور الوقت أن أفضل طريقة للعمل معه هي [كذا وكذا]”، كما تقول فالكور. وتُضيف ماكي: “تجنّب أن تستهزئ بمديرك، أو تسخر منه، أو تتحدث عنه بطريقة مهينة” أمام زملائك، “قد تشعر أنك تنفّس بذلك عن مشاعرك، لكنك تزيد الطين بلة”، فكّر في السيناريو الأسوأ، “إذ إن تصرفك ذلك قد يجعل مديرك يغضب أو يشعر بالإهانة”.

حاول التقرّب منه

يتطلب تكوين علاقة مع مدير لا يجيد التعامل مع الناس بذل جهد إضافي من جانبك، وتقول فالكور: “اجعل حب الاستطلاع سلاحك”، أي “حاول التعرف على مديرك من خلال سؤاله عن اهتماماته وتفضيلاته”، سواء كانت صيد الأسماك أو جمع الطوابع أو مشاهدة الأفلام الأجنبية، قد لا تكون اهتماماتكما مشتركة، ولا بأس في ذلك. وإذا كنت تواجه صعوبة في التواصل مع مديرك على المستوى الشخصي، فلا تجبره على ذلك أيضاً، فالأهم هو أن تطور علاقة مهنية معه حتى لو “لم يسألك مطلقاً عما إذا فاز فريق ابنك في مباراة كرة القدم خلال عطلة نهاية الأسبوع”، بحسب ماكي.

قدّم له ملاحظاتك

من المفيد أن تحاول مساعدة مديرك على أن يصبح أكثر وعياً بذاته من حين لآخر، تقول فالكور: “اتّبع نهج تقديم الملاحظات الإيجابية، وركز بشكل خاص على ما قاله مديرك أو فعله في موقف ما وعلى ماهية النتائج”، بعبارة أخرى “لا تقل: لقد بدوتَ أحمقاً في الاجتماع، بل قل: أزعجت المزحة التي قلتها سابقاً بعض الزملاء، وأردت أن أنصحك فقط لأنني أعرف مدى تقديرك للعلاقات القوية”، كما تقول. و”ركّز على الهدف الأكبر”، وفكر في كيفية مشاركة ذلك الهدف “بأسلوب يجذب مديرك”، كما تقول ماكي، و”اصقل مهاراتك في المشاركة الوجدانية” وقدم ملاحظاتك “بلطف ودون أي نزاع”، على سبيل المثال، إذا وجّه مديرك ملاحظة غامضة إليك، فتوصي ماكي بالرد بشيء مثل: “يصعب عليّ فهم بعض تعليقاتك وأخشى أن أفشل في تنفيذ المهام كما ترغب بسبب ذلك، ما الذي تحاول قوله لي؟ وعادة ما يستجيب الأشخاص الطيبون لتلك المشاعر الصادقة بالفعل”.

فكر بإيجابية

قد لا يكون المدير الذي لا يجيد التعامل مع الناس هو أفضل مدرائك، لكنه ليس أسوأهم أيضاً، ومن المهم أن تغيّر طريقة تفكيرك في هذا الشأن، تقول ماكي: “إذا كان مديرك شخصاً لطيفاً ويتفوه بعبارات سلبية أحياناً، فلا بأس في ذلك طالما أن نواياه ومشاعره طيبة في الغالب”، وقاوم رغبتك في التذمر من نكاته الحمقاء وحاول “أن تتناساها”. ووفقاً لفالكور، لعلّ إحدى أفضل الطرق “للتعامل مع التأثير السلبي وتقليله” هي “تغيير موقفك” من خلال “التركيز على الجوانب الإيجابية في علاقتك معه”، فإذا كان لديك اجتماع مع مديرك، فلا تهلع و”تفكر بأن هذا الاجتماع سيكون مرهقاً وصعباً، بل اسأل نفسك: ما الذي يعجبني في هذا الشخص؟ ما هو القاسم المشترك بيننا؟ وما هو الجانب الجيد في علاقتنا المهنية؟ وواصل تتبع تلك القواسم المشتركة”.

توخّ الحذر

تقول ماكي: “ضع في اعتبارك أن ثمة فرقاً بين عدم إجادة التعامل مع الناس والسلوك المسيء، ومن واجبك أن تتعلم كيفية تفسير سلوك مديرك بدقة وفهم قصده من تعليقاته، وهي مهارة تتطور مع الممارسة”. وإذا أدركت بمرور الوقت أن مديرك ليس مجرد شخص لا يجيد التعامل مع الناس بل شخص “متنمر ومسيء، فالمشكلة مختلفة”، وفقاً لماكي، وهي ليست بمشكلة عليك التأقلم معها، فعندما تلتمس الأعذار له أو تقدّم له دعمك ضمنياً، فقد “يعتبرك الآخرون جزءاً من المشكلة”. وتنصح لمواجهة هذا الموقف “بإرسال إشارات إلى فريقك وزملائك بأنك واعٍ بما يحدث وأنك غير راض عنه”. وعليك أن تكون مستعداً في بعض الحالات أيضاً “لتصعيد القضية إلى القيادة العليا” أو إلى إدارة الموارد البشرية في مؤسستك. أو “لعلّ الوقت قد حان للبحث عن وظيفة مختلفة حينها”.

مبادئ يجب تذكرها

ما ينبغي لك فعله

  • اعرف تفضيلات مديرك وابذل جهداً للتواصل معه بشأنها.
  • حاول مساعدة مديرك على أن يصبح أكثر وعياً بذاته باتباع أفضل الممارسات وأفضل الأساليب لتقديم الملاحظات.
  • ابحث عن طرق تساعد مديرك من خلالها على تطوير علاقاته الشخصية مع الآخرين.

ما يجب عليك تجنّبه

  • أن تستهزئ بمديرك سراً، قد تشعر أنك تنفّس عن مشاعرك بذلك، لكن النميمة قد تولّد نتائج عكسية.
  • أن تتوقع أن يكون مديرك مثالياً، بل حاول أن تتقبله كما هو.
  • أن تختلق الأعذار لمديرك، فإذا تجاوز مديرك الحد الفاصل بين عدم إجادة التعامل مع الناس والسلوك المسيء، فكن مستعداً لتصعيد المشكلة.

دراسة حالة رقم 1: تجنّب النميمة وتبنّ عقلية إيجابية

اضطر سعيد في وقت سابق من حياته المهنية إلى العمل مع مديره، ولنسمه “جون”، الذي كان محامياً رفيع المستوى ولا يجيد التعامل مع الناس ويميل إلى طرح “نكات سيئة وغير لائقة”.

وتفاقمت مشكلة جون لعدم وجود من يرشده، يقول سعيد: “كان جون يعود إلى المكتب ويخبرنا بقصص طويلة لم تكن تعنينا، ولم تُثنه لغة جسدنا غير المبالية عن مواصلة القصة”.

لم يكن سعيد سعيداً بوظيفته وكان يعلم أنه بحاجة إلى البحث عن وظيفة أخرى، وبذل قصارى جهده في غضون ذلك للتأقلم مع الوضع، ويقول إنه تعلَّم “التجاهل” أولاً عندما كان مديره يوجه النكات إليه أو عندما يكون شاهداً على تصرفات جون الغريبة، واعترف سعيد أنه غالباً ما شعر بالحزن على نفسه في البداية.

يقول: “لطالما شعرت أنني الضحية، وتساءلت في قرارة نفسي: لماذا أنا؟ أنا أستحق أن أعامل معاملة حسنة، وأشعر أنني عاجز عن تغيير وضعي. لكني درّبت نفسي على التقبّل والتجاهل، وبالمثل، قررت أنه ليس من واجبي مساعدة جون، وشعرت بالسلام الداخلي بعد اتخاذ هذا القرار”.

ثانياً، تجنب سعيد النميمة في المكتب عن جون، ويقول: “قررت بصراحة ألا أعِر الأمر أي اهتمام، فوجودي في الشركة هدفه تقديم أداء جيد للأشخاص الذين يحتاجون إلى مهاراتي، وقررت في النهاية أن أعامل جون بتعاطف باعتباره شخصاً مريضاً، ولم أسهم قط في النميمة حول سلوكه”.

أخيراً، يقول سعيد إنه غيّر موقفه وبدأ التفكير بإيجابية حيال ذلك الموقف، إذ لم يكن جون شخصاً سيئاً تماماً. وقرر سعيد التحدث مع جون كل صباح في محاولة للتعرف عليه عن قرب، وتحدث الاثنان غالباً عن العمل ومواطن القوة والضعف المهنية. “أصبحت زميلاً موثوقاً به لجون حتى عندما كان الآخرون يواجهون مشكلة في العمل معه”.

وترك سعيد العمل في الشركة في النهاية وهو اليوم مؤسس شركة إكسترا-إم (Extra-M)، وهي شركة تدريب موجّهة لجيل الألفية، ويقول: “أنا أكثر سعادة الآن في العمل مع الآخرين ولأجلهم”.

دراسة حالة رقم 2: تقبّل مديرك كما هو وكن عوناً له عند ظهور الفرص

حدثت التجربة الأولى التي مرت بها سارة مع مديرها الذي لا يجيد التعامل مع الناس عبر الهاتف. كانت سارة، الاستشارية العالمية، قد قبلت للتو منصباً جديداً بدوام كامل، وكان عليها وعلى مديرها المرتقب، آدم، التفاوض بشأن راتبها، تتذكر قائلة: “كان آدم مصراً على ضرورة تحديد راتب أقل، لكنه كان يواجه صعوبة في التعبير عن ذلك، وشعرتُ بالانزعاج حينها”.

وعندما بدأت سارة العمل، لاحظت إشارات أخرى على سلوكيات آدم غير اللبقة، وتقول: “أنا شخص اجتماعي ومن السهل بالنسبة لي أن أتواصل مع أشخاص آخرين، لكن التعامل مع آدم كان صعباً. على سبيل المثال، خلال اجتماعاتنا الفردية، لم يجرِ أي تواصل بصري، وكان يتلعثم في الحديث، ولم يكن قادراً على إجراء محادثات قصيرة بأي شكل من الأشكال”.

كانت سارة تتعامل مع آدم بتعاطف في عملها تحت إشرافه على مشروع مهم لمدة تسعة أشهر، تقول: “يعاني ابن أخي رهاباً اجتماعياً، وهو ما جعلني أتعاطف معه وأن أتقبّله”.

تعلّمت سارة بمرور الوقت أفضل الطرق للتكيّف مع شخصية آدم، وتقول: “كنا نحضر الاجتماعات معاً وكنت أتولى دائماً زمام المبادرة في الحفاظ على سير المحادثة. واعتدت دائماً أن أضع قطعة حلوى صغيرة أمام مفكّرات الجميع. واعتاد آدم أن يسخر من الفكرة واعتاد جميع مَن في الغرفة الضحك أيضاً، لكن تلك الفكرة لطّفت الأجواء وأصبحت روتيننا المعتاد لفتح الحديث وكسر حاجز الصمت”.

أدركت سارة أيضاً مسؤوليتها في مساعدة آدم على إبقاء أعصابه تحت السيطرة عند إلقاء عروض تقديمية أمام عملاء مهمين، تقول: “جلست دائماً بجانبه، واعتدت أن أضع يدي على الطاولة وأنقر نقرات خفيفة في أثناء تحدثه لكي يبطئ من سرعته”.

كما أنها استخدمت لغة غير تهديدية لمساعدته في مشاركة رؤيته في المحادثات الجماعية، وتقول: “واجه صعوبة في إيصال وجهة نظره أيضاً، واعتدت أن أحاول مساعدته في مشاركتها، كأن أقول: ’بالإضافة إلى ما قاله آدم‘ أو ’بالاستناد إلى فكرة آدم‘ ثم أشرح وجهة نظرنا حول مسألة معينة”.

تقول سارة إنها كانت تجربة تعليمية جيدة، لكنها طلبت بالفعل الانتقال من فريق آدم بعد انتهاء المشروع، ولم تعد تعمل مع الشركة الآن.