ماذا لو أصبنا بمرض التعاطف؟

2 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بيّن العلماء المعنيون بموضوع الشبكات الاجتماعية، أن العواطف والقيم الإنسانية يمكن أن تنتشر في صفوف مجتمع معيّن بنفس الأنماط التي تنتشر وفقها الأمراض المعدية في هذا المجتمع. تشير هذه الملاحظات إلى وجود فرصة مواتية لجعل الرعاية الصحية أفضل وأكثر كفاءة، فيما لو تمكنت المؤسسات المعنية بالرعاية الصحية من خلق مرض اسمه “جائحة التعاطف بين الناس”.

فما الشكل الذي سيتخذه مثل هذا المرض؟ بالتأكيد، سيكون لدينا زيادة مطردة ومستمرة في نسبة العاملين والموظفين في الحقل الطبي الذين سينتبهون تماماً لما هو حاصل بين المرضى وعائلاتهم. كما أن الرعاية المنسقة والقائمة على التعاطف لن تبدو بالنسبة للمرضى على أنها أمر إعجازي أو غير متوقع. بل على العكس من ذلك، سيصبح تقديم هذا النوع من الرعاية هو المعيار الطبيعي، وسيصبح هذا الأمر وبصورة متزايدة أساسياً لطريقة نظر العاملين في الحقل الصحي إلى أنفسهم.

ربما حان الوقت لوصول هذه الجائحة إلينا. فنحن بالتأكيد لدينا الدافع – إذ إن الرعاية الصحية قد وصلت إلى مستوى معقد جداً، حيث تدفع المرضى إلى الشكوى من الضياع الدائم وسط حالة من الإهمال، فهم قلقون من أن لا أحد يهتم لأمرهم فعلياً.

لكنني أعتقد أننا أخيراً بتنا نمتلك المعارف والسبل التي تمكننا من إيجاد “جائحة التعاطف بين الناس” هذه. فالعلماء المعنيون بموضوع الشبكات الاجتماعية، ومن بينهم نيكولاس كريستاكيس (Nicholas Christakis)، أظهروا أن البدانة، بل والسعادة، تنتشر في المجتمعات عبر علاقات التواصل الشخصي بين الناس. كما أظهر كريستاكيس أن الناس يقتبسون سلوك الأشخاص الآخرين الذين يعرفونهم مباشرة، حتى الأشخاص الذين قد يكونون بعيدين عنهم جسدياً، لكنهم على بعد درجة أو درجتين عنهم ضمن شبكاتهم الاجتماعية.

فهل يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية الاستفادة من هذه النتائج والبحوث لاستعمالها من أجل نشر ثقافة التعاطف والرعاية ولجعلها المعيار السائد الجديد؟

في الحقيقة، هذا الموضوع يجري العمل عليه وإن كان بصورة مجتزأة وبجهود مبعثرة هنا وهناك. لكن السؤال المطروح هو: من الذي سيجمع هذه الجهود المجتزأة والمبعثرة معاً ضمن مسعى واحد؟

إحدى الخطوات الأساسية تتمثل في التوصل إلى الرؤية المشتركة لمعنى التعاطف. فعلى سبيل المثال، استعمال كلمات “معاناة” أو “يعاني” من قبل العاملين في الحقل الطبي والمجلات الطبية كان نادراً في الماضي، لكن هذه الكلمات صارت تستخدم حالياً وبوتيرة متزايدة من قبل مقدمي الرعاية الصحية بغية تذكير العاملين في المجال الصحي بالقلق والإرباك والتوتر الذي يشعر به المرضى.

تتمثل الخطوة الأساسية الثانية في فهم العوامل التي تقود المرضى إلى المعاناة. فالألم والعجز الناجمين عن أمراضهم والمعالجات التي يتلقونها، هي بالتأكيد عوامل رئيسة، لكن ما يوازي هذه العوامل في الأهمية أيضاً هي المعاناة التي يمكن تحاشيها والناجمة عن الخلل في نظام تقديم الرعاية الصحية، مثل الانتظار لفترات طويلة قبل رؤية الطبيب، والشك بالخطوات التالية الواجب اتخاذها في العلاج، والتأثير المهين أحياناً لنظام بيروقراطي يفتقر إلى اللمسة الشخصية.

أما بالنسبة للخطوة الثالثة، فتقتضي جمع بيانات كافية بحيث يمكن إجراء تحاليل ذات مغزى ضمن الوحدات التي يمكن تحسينها، ومن ضمن ذلك الطبيب بحد ذاته، وهذا يعني استعمال تكنولوجيا المسح الإلكتروني، وجمع عناوين البريد الإلكتروني من كل مريض محتمل، وإرسال الاستبيانات طلباً للمعلومات بعد كل مرة يدخل فيها مريض إلى المستشفى أو يزور عيادة الطبيب.

هذا يقودنا إلى سؤال يتعلق بكيفية إجراء عملية التغيير المطلوبة لكي تخلق المؤسسات “جائحة للتعاطف بين الناس”، فإنها تحتاج إلى استعمال مقاربة متكاملة – أي العثور على الموظفين الطبيين الذين يمتلكون أفضل التقارير المقدمة من المرضى بخصوص التنسيق والتعاطف الذي يتلقونه أثناء الرعاية الصحية، ومحاولة نشر كل الممارسات الصحيحة التي يقوم بها هؤلاء الموظفون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .