3 توجهات حديثة غيّرت الدور التقليدي للمدير

6 دقائق
إدارة الموظفين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: اعتاد المدراء أن يجري اختيارهم وترقيتهم استناداً إلى قدرتهم على إدارة الموظفين الذين يمكنهم تنفيذ مجموعة معينة من المهمات وتقييم أدائهم. بيد أنه برزت 3 توجهات مزعزعة وتحولية غيّرت التعريف التقليدي لدور المدير، ألا وهي تطبيع نهج العمل عن بُعد والأتمتة وتغيّر توقعات الموظفين. وبلغت تلك التوجهات الثلاثة ذروتها في حقبة جديدة من الإدارة امتازت بقلة أهمية العمل الذي يؤديه الموظفون وزيادة أهمية الأحاسيس التي يشعرون بها. ولتحقيق النجاح في هذه البيئة الجديدة، يجب على المدراء القيادة بتعاطف. وسيتطلب ذلك من المؤسسات وإدارات الموارد البشرية فيها تطوير مهارات مدرائها، وتكييف عقلياتهم لتبنّي طرق جديدة للإدارة، وتهيئة القدرات ضمن المؤسسة لتمكين هذا التحوّل. ويعرض المؤلفون استراتيجية شاملة تركز على كل من تلك الاستراتيجيات الثلاث.

 

بدا أثر جائحة “كوفيد-19” في تغيير أسلوب عمل الأفراد واضحاً بعد مرور عام على انتشارها. حيث سيزداد عدد الموظفين الذين سيعملون وفق أسلوب العمل الهجين وسيتوفر لديهم مزيد من الخيارات حول مقدار عملهم وزمانه ومكانه. بالنسبة للشركات المتوسطة الحجم على وجه التحديد، يُظهر تحليل شركة “غارتنر” (Gartner) أنه من المتوقع أن تعمل نسبة 46% من قوة العمل بشكل هجين في المستقبل القريب.

ولفهم تأثير جائحة “كوفيد-19” على مستقبل العمل بشكل أفضل، أجرينا استقصاءً على 3,049 فرداً من موظفي المعرفة ومدرائهم العاملين وفق مختلف أساليب العمل، من المكتب وعن بُعد وبشكل هجين، بالإضافة إلى 75 قائداً من قادة الموارد البشرية، بمن فيهم 20 قائداً من الشركات المتوسطة الحجم. وتأتي نتائجنا، باستثناء بعضها، من الاستقصاءات التي أجريناها عام 2021.

اعتاد المدراء أن يجري اختيارهم وترقيتهم استناداً إلى قدرتهم على إدارة الموظفين الذين يمكنهم تنفيذ مجموعة معينة من المهمات وتقييم أدائهم. انشغل المسؤولون التنفيذيون في إدارات الموارد البشرية خلال السنوات الخمس الماضية في تعيين المدراء المؤهلين ليصبحوا مدربين ومعلمين رائعين وتطويرهم. ومع بدء الجائحة، بدأ معها اختبار الافتراض القائل بأن التدريب المهني يجب أن يكون الوظيفة الأساسية للإدارة. وبرزت 3 توجهات مزعزعة وتحويلية غيّرت التعريف التقليدي لدور المدير،

تطبيع نهج العمل عن بُعد

نظراً لتوزع أماكن عمل كل من الموظفين والمدراء اليوم، أصبحت علاقة بعضهم مع بعض لا تزامنية أيضاً. وتقدر شركة “غارتنر” أنه في أكثر من 70% من التفاعلات بين المدير والموظف سيكون أحدهما عاملاً عن بُعد لبعض الوقت. وذلك يعني أن احتمال عمل الموظفين ومدرائهم على نفس المهمات في نفس الوقت سيقل. حيث سيكون لدى المدراء ظهوراً أقل في حياة موظفيهم اليومية في العمل؛ كما أنهم سيبدؤون التركيز بشكل أكبر على نتائج أعمالهم وبشكل أقل على العمليات المتّبعة لتحقيق تلك النتائج.

تسريع استخدام التكنولوجيا لإدارة الموظفين

استثمرت أكثر من شركة من بين كل 4 شركات في تكنولوجيا جديدة لمراقبة موظفيها العاملين عن بُعد في أثناء الجائحة، فاشترت برمجيات الجدولة، وأدوات تدقيق تقرير النفقات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أدوات تكنولوجية تحل محل تقييمات المدراء باستخدام الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من تركيز الشركات على دور التكنولوجيا في أتمتة مهمات الموظفين، فقد تحل التكنولوجيا أيضاً محل المدراء بشكل فاعل. وعلى أبعد تقدير، سيكون لدى التكنولوجيا الجديدة القدرة على أداء ما يصل إلى 69% من المهمات التي يؤديها المدراء بحلول عام 2024، مثل إسناد العمل ودفع الإنتاجية.

‎توقعات الموظفين الآخذة بالتغيّر

مع توسيع الشركات الدعم الذي تقدمه لموظفيها في مجالات مثل الصحة العقلية ورعاية الأطفال في أثناء الجائحة، بدأت العلاقات بين الموظفين ومدرائهم في التحول لتصبح علاقات قائمة على تقديم الدعم والتعاطف. ويتوقع موظفو المعرفة اليوم أن يكون مدراؤهم جزءاً من نظام الدعم لمساعدتهم على تحسين تجاربهم الحياتية، وليس تجاربهم المهنية فقط.

فعندما يجري إحلال التكنولوجيا محل المهمات الإدارية، لن تكون هناك حاجة للمدراء لإدارة مهمات سير العمل. وعندما تصبح التفاعلات افتراضية تماماً، لن يعود بإمكان المدراء الاعتماد على ما يرونه لإدارة الأداء، وعندما تصبح العلاقات أكثر عاطفية، لن يعود بإمكانهم تقييد العلاقة بمجال العمل. وبلغت تلك التوجهات الثلاثة ذروتها في حقبة جديدة من الإدارة امتازت بقلة أهمية العمل الذي يؤديه الموظفون وزيادة أهمية الأحاسيس التي يشعرون بها.

المرونة التامة تتطلب مدراء متعاطفين

ولتحقيق النجاح في هذه البيئة الجديدة، يجب على المدراء القيادة بتعاطف. وجدت شركة “غارتنر” في استقصاء أجرته عام 2021 شمل 4,787 موظفاً عالمياً ويهدف إلى تقييم الدور المتطور للإدارة، أن نسبة 47% فقط من المدراء مستعدين لهذا الدور المستقبلي. بمعنى آخر، سيكون المدراء الأكثر فاعلية في المستقبل هم أولئك الذين يبنون علاقات مختلفة جذرياً مع موظفيهم.

والتعاطف ليس بفكرة جديدة، بل هو مصطلح شائع في فلسفة القيادة الجيدة، لكنه لا يزال من أولويات الإدارة العليا. فالمدير المتعاطف هو الشخص الذي يمكنه تحديد سياق الأداء والسلوك، والذي لا يركز على فهم حقائق العمل فقط، بل يطرح الأسئلة بشكل استباقي ويسعى إلى الحصول على معلومات تمكنه من التفكير من منظور مرؤوسيه المباشرين.

ويتطلب التعاطف تطوير مستويات عالية من الثقة والرعاية وثقافة التقبل ضمن الفرق. لكن ذلك كثير لأن يُطلب من أي فرد: أي طرح أسئلة تتطلب إجابات تُبدي ضعفهم دون أن يساوموا على الثقة، وتشخيص السبب الجذري لسلوك الموظف دون وضع افتراضات، وإبداء الذكاء الاجتماعي والعاطفي الضروري لتخيل مشاعر الآخرين.

التعاطف ليس سهلاً، لكنه يستحق عناء تجربته. في الواقع، اتفق 85% من قادة الموارد البشرية في الشركات المتوسطة الحجم في الاستقصاء نفسه على أنه من المهم للمدراء اليوم إبداء التعاطف مقارنة بوضع ما قبل الجائحة. ويُظهر تحليل “غارتنر” الإضافي أن المدراء الذين يُبدون مستويات عالية من التعاطف يؤثرون على أداء موظفيهم بمقدار 3 أضعاف مقارنة بأولئك الذين يُبدون مستويات منخفضة منه. ويتفق الموظفون في المؤسسات التي يُبدي مدراؤها مستويات عالية من التعاطف في الإدارة أن بيئة عملهم تتسم بالشمول.

ويُعد إنشاء قوة عمل جديدة من المدراء المتعاطفين أمراً صعباً بشكل خاص للشركات المتوسطة الحجم. وعلى الرغم من قدرة الشركات الكبيرة على تخصيص مليارات الدولارات للتعلم والتطوير من أجل إحداث تحول هائل في قوة العمل، تخضع الشركات الأصغر لقيود مالية أكبر ولا تمتلك الموارد نفسها. ولا تمتلك الشركات المتوسطة الحجم غالباً الحجم اللازم لإنشاء فئة إدارية ضمن قوة عملها، فهي بحاجة إلى مدراء يكونوا مدراء وجهات فاعلة في الوقت نفسه.

وتحتاج الشركات المتوسطة الحجم إلى إيجاد حلول لإعداد مزيد من المدراء المتعاطفين دون بذل استثمارات ضخمة، ولجعلهم يتولون مهمات في العمل بدلاً من مجرد تولي مهمات الإدارة فقط. وسيتطلب ذلك من المؤسسات وإدارات الموارد البشرية فيها تطوير مهارات مدرائها، وتكييف عقلياتهم لتبنّي طرق جديدة للإدارة، وتهيئة القدرات ضمن المؤسسة لتمكين هذا التحوّل. وإليكم كيفية اعتماد استراتيجية شاملة تركز على كل تلك الاستراتيجيات الثلاث.

تطوير مهارات التعاطف من خلال فتح القلوب

قد تكون مطالبة المدراء بالقيادة بالتعاطف أمراً صعباً. في الواقع، يفهم العديد من المدراء معنى التعاطف من الناحية المفاهيمية لكنهم غير متأكدين من كيفية استخدامه كأداة إدارية: هل تلك الأسئلة شخصية للغاية؟ كيف أبني علاقة قائمة على الثقة مع مرؤوسيّ المباشرين؟ هل إبداء الاهتمام مقبول في العمل؟ كيف أتحدث عن العدالة الاجتماعية؟ قد تتعارض فكرة الفصل بين العمل والحياة مع افتراضاتنا الراسخة. ويحتاج المدراء إلى فرص للممارسة، والأهم من ذلك، مساحة لارتكاب الأخطاء من أجل تعلم القيادة بتعاطف. لسوء الحظ، أفاد 52% فقط من 31 قائداً من قادة التعلم والتطوير الذين شاركوا في الاستقصاء في شهر مايو/أيار عام 2020 أنهم يعملون على تطوير مهاراتهم الشخصية.

من جهة أخرى، كوّنت شركة “زيلو” (Zillow) مجموعات من المدراء وطلبت منهم المشاركة في محادثات ثنائية مع نظرائهم لاستكشاف التحديات الإدارية الحالية وإصلاحها بهدف تعزيز التعاطف. توفر تلك المحادثات فرصاً متكررة وآمنة نفسياً للانخراط في محادثات فتح القلوب تركز على كيفية التزام المدراء بإجراءات محددة للعناية بأنفسهم، فضلاً عن دعم رفاهة فرقهم. يستطيع المدراء ممارسة التعاطف مع أقرانهم من خلال طرح أسئلة محددة لفهم تحدياتهم والإفصاح عن الوسائل التي اتبعوها للتصدي للمشكلات المماثلة. والأهم من ذلك أن تلك الأنواع من المحادثات تمنح المدراء فرصة لإبداء ضعفهم وفشلهم، لكن في وضع آمن، وهي فرصة نادراً ما تُمنح لشخصيات ذات سلطة. كما أنها تساعد المدراء على الشعور بعزلة أقل من خلال ممارسة التعاطف مع أقرانهم الذين من غير المرجح أن يطلقوا أحكاماً عليهم.

طوّر عقلية المدير الجديد من خلال إنشاء شبكة دعم

وفقاً لاستقصاء عام 2021 الذي أجريناه على 4,787 موظفاً عالمياً، يوافق 75% من قادة الموارد البشرية من الشركات المتوسطة الحجم على أن أدوار المدراء قد توسعت، ومع ذلك، لا تزال تلك الأدوار والفرق غير معدّة لدعم الرفاهة.

وتدرك شركة “غودواي غروب” (Goodway Group)، وهي شركة تعمل وفق نظام العمل عن بُعد تماماً منذ عام 2007، أن أفضل نتائج العمل وأهدافه تتحقق ضمن الفرق، وأن الفرق الموزعة تواجه تحديات أكبر في التواصل والظهور. وطوّرت شركة “غودواي” دوراً مخصصاً، وهو شريك نجاح الفريق، الذي تشمل مسؤولياته تعزيز الثقة والأمان النفسي ودعم صحة الفريق. يعمل المدراء مع شركاء نجاح الفريق للاستجابة للتحديات الفريدة التي يواجهها الموظفون الموزعون؛ بما فيها تسهيل إجراء المحادثات الآمنة نفسياً عن بُعد ودعم اندماج أعضاء الفريق الجدد.

يزداد دافع المدراء للتعاطف عندما يكون لديهم نظام دعم يوضح أن العبء لا يقع على عاتقهم فقط وعندما تستثمر المؤسسات في المناصب المصممة لدعمهم.

تعزيز قدرة المدير على التعاطف من خلال تحسين التسلسل الإداري.

المدراء مثقلون بعبء تلبية مطالب بيئة العمل المتطورة بالفعل، والإجراءات التي تحفز التعاطف تستغرق وقتاً طويلاً. وعلى الرغم من أن 70% من قادة الموارد البشرية في الشركات المتوسطة الحجم يتفقون على أن المدراء غارقون في مسؤولياتهم، أعادت 16% فقط من المؤسسات المتوسطة الحجم تحديد دور المدراء لتقليل عدد المسؤوليات المنوطة بهم.

على سبيل المثال، أعاد القادة في شركة “إيرجنتلي” (Urgently)، وهي شركة رقمية تقدم خدمات المساعدة على الطريق، موازنة أعباء عمل مدرائهم إدراكاً للضغط الذي يقع على عاتقهم وسعياً منهم للحفاظ على ارتباط أعضاء الفريق العاملين عن بُعد. فعندما يكون حجم أعضاء الفرق قابلاً للإدارة، سيكون المدراء قادرين على تخصيص الوقت لتعزيز تواصلات أعمق معهم والاستجابة لهم بتعاطف. وبشكل عام، يؤدي الانتقال إلى بيئة عمل هجينة إلى تعقيد؛ ويتمثل أحد الأجزاء الرئيسية للحل في مساعدة المدراء على تحديد أولويات عبء عملهم للتركيز على علاقات أقل وذات تأثير أعمق مع الأفراد والفرق.

وستحقق المؤسسات التي تُعدّ مدراءها ليكونوا متعاطفين من خلال معالجة العوائق الثلاثة الشائعة، المهارة والعقلية والقدرات، عوائد هائلة على الأداء في عالم ما بعد جائحة “كوفيد-19”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .