ما تحتاجه شركات النفط الوطنية لمنافسة الشركات الكبرى

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل 3 سنوات، شهدت شركات النفط الوطنية وحكوماتها عصراً ذهبياً، إذ وصلت قيمة برميل النفط الواحد آنذاك إلى 100 دولار. لكن الانخفاض الحاد الذي حلّ بأسعار النفط اليوم، قلب الموازين رأساً على عقب. حيث وصل سعر البرميل إلى ما دون 30 دولاراً، ما أدى إلى انخفاض عائداتها بنحو 170 مليار دولار مقارنة بالعقد السابق، خاصة بعد تركيز الحكومات على دعم قطاع الدفاع والبرامج الاجتماعية ومشاريع البنية التحتية.

لذا، باتت هذه الحكومات تواجه عجزاً هائلاً في الميزانية للمرة الأولى. ففي عام 2016، سجلت حكومة قطر أول عجز في ميزانيتها خلال 15 عاماً، في حين سجلت المملكة العربية السعودية أكبر عجز على الإطلاق خلال العام الذي سبقه. كما شهد الصافي التراكمي للإقراض والاقتراض الحكومي للدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” تحولاً كبيراً من قيمة موجبة بواقع 188.12 مليار دولار خلال عام 2012 إلى قيمة سالبة بواقع 312.79 مليار دولار مع نهاية عام 2016، وذلك وفقاً لبيانات عام 2016 الواردة في تقرير “مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن “صندوق النقد الدولي”. هذا الهبوط الحاد الذي شهده النفط في العام 2014، ضاعف من قيمة قروض دول “أوبك” ثمانية مرات بين العامين 2014 و2016.

البحث عن فرص جديدة

لا شك أن الضغط يتزايد باستمرار، ليس فقط على الحكومات، بل على شركات النفط الوطنية أيضاً، لا سيما تلك التي تقع في الدول ذات الاقتصاد المبني على النفط، الأمر الذي دفعها إلى تفادي الظروف الاقتصادية المتقلبة لسوق النفط من خلال المشاركة في أسواق أخرى، حيث استثمرت بنشاط في دول خارج الدول الأم على مدى ما يزيد عن عقد من الزمان.

ومن أحدث الأمثلة على انتهاج هذه الاستراتيجية، تلك الصفقة التي أبرمتها شركة “أرامكو السعودية” بقيمة 7 مليارات دولار، للاستحواذ على 50% من حصة مشروع تكرير النفط الضخم الذي تطوره شركة النفط الوطنية الماليزية “بتروناس” في ولاية جوهور الجنوبية بالقرب من سنغافورة. ومن المتوقع أن يساعد هذا الاستثمار-حسب تصريحات المسؤولين- في جعل شركة “أرامكو” أكبر مستثمر أجنبي في ماليزيا، وتعزيز توجهات شركة النفط الوطنية السعودية نحو توسيع قاعدة أعمالها في سوق جنوب شرق آسيا المزدهر.

وبدورها، تدرس شركة “قطر للبترول” إمكانية إقامة مشاريع مشتركة لتطوير إنتاجها للغاز الطبيعي المسال، الذي أصبح ضرورة تجارية بعد أن فرضت قطر سقفاً لإنتاجها المحلي. وفي إطار اعتبار الإمكانيات المستقبلية للاستثمار في الغاز الطبيعي المسال التي تنضوي على مخاوف من تغير المناخ، وتَفرض على أصحاب المشاريع خفض نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، التزم الرئيس التنفيذي لشركة “قطر للبترول” سعد شريده الكعبي بإجراء المزيد من الاستثمارات على الصعيد الدولي إلى جانب البحث عن فرص للتعاون مع شركاء يبحثون عن فرص الاستثمار الخارجي.

وبالإضافة إلى ذلك، تنقب الشركة عن النفط في قبرص والمغرب، وتشارك في مشروع لاستيراد الغاز الطبيعي المسال إلى باكستان ويتضمن ذلك إنشاء خط أنابيب وأرصفة ووحدات تخزين عائمة ووحدة إعادة التحويل إلى الغاز. وتبني شركة النفط الوطنية أيضاً مصنعاً للغاز الطبيعي المسال بقيمة 10 مليارات دولار في ولاية تكساس الأميركية وفق شراكة مع “إكسون موبيل”، كما أبرمت الشركة اتفاقيةً لتزويد “شركة توليد الطاقة البرازيلية” بالغاز المسال التي تدخل حيز التنفيذ عام 2020.

وتبعاً لمجهودات تنويع الاقتصاد، تستهدف “شركة أبوظبي الوطنية للنفط” (أدنوك) الطلب المحلي والدولي المتنامي على المنتجات المكررة والبتروكيماوية وخاصةً في آسيا، حيث تشير التوقعات إلى تضاعف حجم السوق بحلول عام 2030. وتخطط “أدنوك” للاستثمار في مشاريع جديدة على مدى السنوات الخمس القادمة تهدف إلى تعزيز إنتاجها من البنزين والمنتجات العطرية ومنحها قدرةً إضافية على صعيد إنتاج مادة “البولي أوليفين”.

وبالإضافة إلى ذلك، نجحت شركة النفط الإماراتية في جذب أموال الاستثمار القادمة من آسيا التي تؤمن لها رأس المال المطلوب للتوسع، وفي شهر فبراير/شباط، أعلنت “أدنوك” عن إبرام شراكات بقيمة 2.7 مليار دولار تقريباً مع اثنتين من شركات الطاقة الصينية الكبيرة. وفي حين تكسب الصين موطئ قدم استراتيجي، تحقق أبوظبي حالةً من التعادل المالي ضمن سوق استيراد كبيرة ومتنامية.

تحديد حجم المخاطر

بالإضافة إلى التكاليف الكبيرة الناتجة عن هذه الشراكات، لم تحقق شركات النفط الوطنية النتائج المرغوبة. وقد أسهم الانخفاض الأخير لأسعار النفط، عندما بلغ سعر البرميل 50 دولاراً، في انخفاض هوامش أرباح هذه الشركات بنحو 8%، إلا أن الانخفاض الفعلي قد بدأ في عام 2006 بعد توسيع الشركات بنطاق عملياتها على المستوى الدولي. فعلى الرغم من الفوائد العديدة التي يحققها التوسع الدولي، فقد ساهم أيضاً في زيادة تعرض الشركات لمختلف المخاطر التي تشمل تأخر التسليم، وتجاوز التكاليف المحددة، والخلافات بين الشركاء حول المشاريع الدولية، والمتطلبات التنظيمية التي تختلف من دولة لأخرى، فعندما تنقل الشركات بعضاً من عملياتها لدول أخرى، فهي بذلك تزيد من إمكانية تأثر الجداول الزمنية وميزانيات المشاريع المحلية بالمشاريع الدولية.

ضِف إلى ذلك تعرض الشركات لقدر أكبر من المخاطر غير المتوقعة، كالهجمات الإلكترونية المتطورة التي قد تؤدي إلى انهيار عمليات التشغيل العالمية، وهو أمر لم يواجه إلا القلة من شركات النفط الوطنية -إن وجدت- وكذلك الاستعداد له.

وإذا ما أرادت شركات النفط الوطنية التنافس على المستوى العالمي مع شركات النفط العالمية الكبرى وتقديم أداء مماثل لها، فستحتاج إلى تعزيز قدرتها على استيعاب الصدمات المالية وتحسين كيفية جميع البيانات (من حيث الكمية والجودة والتوقيت). وتتمثل الخطوة الأولى بتطوير بنية تحتية يتم من خلالها إدارة المخاطر المؤسسية، التي لا تقتصر على تحديد المخاطر وتقييمها فحسب، بل تحديد تكلفة التهديدات المحتملة الناتجة عن تلك المخاطر.

دور إدارة المخاطر المؤسسية وجمع البيانات في دفع عجلة الأعمال

لسنوات عديدة، كانت شركات النفط الوطنية هي المصدر الرئيسي لأرباح الحكومات، ما دفع الشركات إلى عدم الاهتمام بتنويع نشاطاتها أو بناء مهام متطورة لجمع البيانات. إلا أن دورها الجديد بصفتها شركات دولية يشترط وجود قدر أكبر من الشفافية فيما يتعلق بأنظمتها وبياناتها. لذا، لا بد من تفعيل إدارة المخاطر المؤسسية في شركات النفط الوطنية، ليس لغرض تخفيف المخاطر فحسب، بل أيضاً كوسيلة لدفع عجلة الأعمال للأمام. إذ يتعيّن على شركات النفط الوطنية تطوير نظم لإدارة المخاطر المستخدمة على نطاق المؤسسة، حيث تقوم هذه النظم بتضمين وظائف تقييم المخاطر وتخفيفها ضمن جميع عمليات صنع القرار الرئيسية، كالتخطيط الاستراتيجي والاستثمارات وتخطيط الأعمال ووضع الميزانية. هذا الأمر يضمن لمدراء شركات النفط الوطنية وصولاً في الوقت المناسب للمعلومات ذات الصلة بالمخاطر، وللأفكار التي يمكن استخدامها بعد ذلك لتجنب حالات عدم اليقين واتخاذ قرارات غير واعية تتعلق بالتوسعات المقترحة والمشاريع الجديدة والعمليات الجارية.

ولعل أبرز ما تفتقر إليه شركات النفط الوطنية، هو القدرة على توليد بيانات عالية الجودة باستمرار من كافة أقسام المؤسسة، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة يمكن لجميع الإدارات والأقسام الاستفادة منها. ويعتبر ذلك أمراً ضرورياً لتمكين إدارة المخاطر المؤسسية من أداء دور فعال. ونظراً للتطور التكنولوجي، يمكن تحقيق ذلك من خلال البرامج والأنظمة بطريقة سلسلة وأسهل بكثير مما كانت عليه في السابق، حيث تطّلب ذلك شراء وتركيب أجهزة معقدة يتم تطبيقها خلال عدة سنوات.

وقد أسهمت برامج التواصل المتوفرة على شبكة الإنترنت في فتح أبواب جديدة لشركات النفط الوطنية تتجاوز المتطلبات التقليدية لإدارة المخاطر المؤسسية، حيث تتضمن إنشاء أنظمة إعداد تقارير آلية لكبار المسؤولين توفر معلومات آنية عن تطور المخاطر في كافة أقسام المؤسسة. ويركز هذا التطور في أنظمة إدارة المخاطر على تخفيف الأعباء الناتجة عن إعداد التقارير الإدارية في المؤسسات من خلال السماح بتحديد المخاطر وتقييمها من منظور مفصل إلى منظور أكثر شمولاً.

ضرورة تبنّي ثقافة المخاطر

ينبغي على كبار المسؤولين معرفة وإدراك سبل الاستفادة من البيانات بعد جمعها. ويقتضي هذا الأمر من شركات النفط الوطنية إضفاء الطابع المهني والرسمي على كيفية إدارة المخاطر المؤسسية، وذلك من خلال اعتماد تعريفات موحدة ومتسقة لمفاهيم وعمليات إدارة المخاطر، فضلاً عن تحديد أدوار ومسؤوليات الأشخاص العاملين فيها. ويمكن تلخيص كل هذا الأمر بعبارة واحدة ألا وهي، تبنّي ثقافة المخاطر.

وبالإضافة إلى ذلك، ستحتاج شركات النفط الوطنية إلى الاستثمار في هذا النوع من الحلول الآلية والبرامج المتخصصة المتطورة – المستخدمة عادةً في شركات النفط الكبرى – التي تعمل على تبسيط عملية تدفق البيانات الداخلية وتطويرها. وسيمكن إطار عمل كهذا كافة الموظفين من حماية المؤسسة من السيناريوهات السلبية، وتعزيز استعدادها لمواجهة التغيرات، وضمان توافق المهام المدرجة ضمن إدارة المخاطر المؤسسية.

لا تتمتع غالبية شركات النفط الوطنية بخبرة كبيرة في ممارسة الأعمال على الصعيد الدولي، الأمر الذي يعرضها لمخاطر السمعة والمخاطر التنظيمية في بيئة جديدة، إذ تتعرض للفحص والتمحيص من قبل الهيئات الأجنبية بالإضافة إلى افتقارها للنفوذ والسلطة مقارنة بما تتمتع به في بلدانها الأصلية، وهو ما يرفع من درجة تعرضها للمخاطر.

ويكمن أهم عنصر من عناصر إدارة المخاطر المؤسسية في التعرف على البيئات التنظيمية للدول التي تمارس فيها شركات النفط الوطنية نشاطاتها، وتطوير إجراءات إدارة مخاطر تتوافق مع المعايير والسياسات في الدولة المعنية. ولعل أبرز المصادر التي تسهم في متابعة التوجهات الاقتصادية والتنظيمية المعاكسة هو ما تنشره الشبكات الاجتماعية والإخبارية من معلومات تنتج عن محركات تحليل البيانات وغيرها من البرامج التي تعتمد على الذكاء الصناعي.

وعلى الرغم من كل هذه المخاطر والتحديات، فقد شرعت شركات النفط الوطنية في منطقة الخليج في مواجهتها، إذ وضعت أهدافاً طموحة على المدى القصير كخفض التكاليف لمعالجة المسائل المرتبطة بالأداء المالي، فضلاً عن برامج الاستثمار الاستراتيجي طويلة الأمد لبناء مستقبل أكثر تنوعاً. إن ما ينقص هذه الشركات هو وضع نظم وقواعد بيانات مركزية لإدارة المخاطر المؤسسية لنشر ثقافة التعاون والشفافية في جميع أقسام المؤسسة، من أجل ضمان نجاح هذه المبادرات، وكي تصبح شركات النفط الوطنية قادرة على المنافسة وذات مكانة عالية على الصعيد العالمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .