تقرير خاص

ما الذي يفعله أفضل المدراء كل يوم

5 دقائق

كثيرة هي الأمور التي تعتمد على المدير. على سبيل المثال، خلصت دراسة أجرتها مؤسسة “غالوب” إلى أن 70% على الأقل من الاختلافات في درجات تفاعلات الموظفين في العمل تعتمد على المدير. هذا أمر مقلق لأن البحث نفسه وجد أن حوالي 70% من الأشخاص في المناصب إدارية لا يملكون ما يلزم لأداء العمل، وهو وضع لا يؤذي فقط تفاعل الموظفين ومستوى معيشتهم بل يضرّ بأداء الشركة أيضاً.

على الرغم من إدراك معظم الشركات لأهمية وجود مدراء ذوي كفاءة عالية، إلا أن القليل منهم يستثمر في التدريب اللازم لتزويدهم بهذه الفعالية، وذلك لأسباب عدة، منها صعوبة قياس وتقدير شكل الإدارة الجيدة. وعلى الرغم من الجهود الكثيرة التي بُذلت لتحديد السمات النوعية للمدراء العظماء –فهم يخلقون الثقة، ويركزون على نقاط القوة، ويغرسون الحس بالمسؤولية، ويتجنبون التدخل في السياسة.. إلخ- لكنها سمات لا توفر رؤية كافية حول كيفية قضاء أفضل المدراء لوقتهم يومياً بالطريقة التي تميزهم عن غيرهم.

لكن هناك معطيات جديدة قد تكون مفيدة. يحلل منتج تحليل مكان العمل من “مايكروسوفت” (Microsoft’s Workplace Analytics)، مُعرِّفات البيانات (metadata) من مسارات التنقل الرقمية (تعرف باسم فتات الخبز breadcrumb)، من بين ملايين رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات غير المحددة الهوية لتوليد مجموعة موضوعية ودقيقة من المؤشرات الأساسية للأداء السلوكي (behavioral KPI)، عبر مختلف أرجاء المنظمة (على سبيل المثال، مقدار الوقت الذي يقضيه المدراء في الاجتماعات الشخصية مع الموظف، ومدى سرعة استجابتهم لرسائل البريد الإلكتروني من كل مرؤوس، ما مدى كِبر وتنوع شبكة علاقاتهم، إلخ). يمكن لمؤشرات الأداء الأساسي هذه عند دمجها مع مجموعات بيانات أخرى قياس عدة أمور من بينها فهم السلوكيات التي تُميز المجتمعات الفرعية للموظفين.

سنحت لنا مؤخراً الفرصة لتجميع المؤشرات الأساسية للأداء السلوكي مع نتائج استبيان تفاعل الموظفين لاثنتين من الشركات المئة الأكبر بحسب تصنيف “فورتشن”، وتضمان آلاف العاملين المعرفيين. وباستقاء الإلهام من نتائج “غالوب” حول الدور المؤثر للمدراء على تفاعل الموظفين، أردنا فهم ما الذي يجعل المدراء الذين لديهم موظفون يتسمون بالتفاعل العالي مختلفين عن بقية المدراء في عملهم اليومي. وكانت النتائج تنويرية بحق.

يجعل المدراء من أنفسهم قدوة عندما يتعلق الأمر بساعات العمل. استخدمنا مقياسين لتمثيل ساعات العمل النشِط في الأسبوع هما: “استغلال الوقت” و”ساعات العمل خارج الدوام”. يبحث “استغلال الوقت” أساساً في متوسط الوقت بين أول وآخر رسالة بريد إلكتروني أو اجتماع في اليوم خلال فترة عدة شهور من البيانات ويقدّر إجمالي ساعات العمل اليومية لكل موظف. على الرغم من أنه ليس بالمقياس المثالي، لكنه يقدم صورة جيدة ومنطقية عن ساعات العمل. أما “ساعات العمل خارج الدوام” فهي مقدار الوقت الذي يقضيه الموظف في البريد الإلكتروني والاجتماعات خارج ساعات العمل العادية، وهي عادة ما بين 9 صباحاً و5 مساءً.

تُظهر البيانات أن المدراء في الشريحة العليا من حيث استغلال الوقت –أولئك الذين يعملون معظم الساعات- يكون لديهم موظفون يعملون لساعات أكثر بـ 19% مقارنة بنظرائهم الذي يعملون مع مدراء لا يستغلون وقتهم بدقة. لعل هذا ليس مفاجئاً، لكن المفاجئ أكثر في الأمر أنه حتى لو عمل هؤلاء الموظفون لساعات أكثر فإن نتائج تفاعلهم تبقى في الواقع أعلى بـ 5% من زملائهم الذين يعملون من مدراء أقل استغلالاً للوقت. كما أن الموظفين الذي يعملون تحت إمرة مدراء من الفئة التي لا تستغل إلا 25% من وقتها يحققون معدلات تفاعل أقل من المتوسط (2-4% أقل). هذا يعني أن الأشخاص المتفاعلين في عملهم أكثر يصبحون أكثر تفاعلاً إن عملوا مع مدير يعمل لساعات تساوي على الأقل ساعات عمل موظفيهم.

لكن، يجب على المدراء ضمان التوزيع العادل للعمل. باستخدام المقاييس السابقة نفسها، وجدنا أن الموظفين الذي عملوا ساعات أكثر من زملائهم في الفريق كانوا أكثر عرضة لعدم تفاعلهم. وعلى وجه التحديد، وجدنا أن الأفراد ذوي المساهمة الأعلى في العمل الذين يعملون ساعات أكثر بنسبة 120% من نظرائهم هناك احتمال أن يكونوا غير متفاعلين 33% ويقفز إلى الضعف احتمال أن يكوّنوا نظرة سلبية عن القيادة مقارنة بالموظفين الذي يحققون أعلى استغلال لوقتهم والذي يعملون بمقدار ساعات عمل فرقهم نفسه.

هذا أمر منطقي لأنه من المحبط أن تعمل لساعات إضافية طويلة بينما ترى زملاءك الآخرين في الفريق – أو مديرك- يسعدون بالعمل حتى الساعة 5 مساء. ومع أنه في بعض الحالات يتطوع الموظفون لتحمل عبء إضافي من تلقاء أنفسهم لكن تبقى الوظيفة الأساسية للمدير هي توزيع العمل على فريقه. تُظهر هذه النتيجة بوضوح أن التوزيع غير العادل يؤدي إلى موظفين غير متفاعلين.

يحافظ المدراء الفاعلون على شبكة علاقات داخلية عبر مختلف أنحاء الشركة. تقيس دراستنا حجم شبكة علاقات الشخص اعتماداً على عدد الارتباطات النشِطة مع الموظفين. وقد كان للخوارزمية الأساسية التي استخدمناها لتعريف الرابط عتبتان: واحدة للتواتر وأخرى للانسجام. للتوضيح أكثر، حتى يكون الرابط مؤهلاً لأخذه بالاعتبار، يجب أن يتفاعل الفرد مع شخص آخر على الأقل مرتين في الشهر مع خمسة أشخاص أو أقل عن طريق البريد الإلكتروني أو الاجتماعات. بهذه الطريقة نحصل على نظرة دقيقة إلى حد ما عن عدد الأشخاص الذين يعمل معهم الشخص فعلاً بانتظام. بالنتيجة، تكرّرَ توصلنا لنتيجة مفادها أن للشبكات الأكبر علاقة متبادلة مع عدد من المخرجات الإيجابية للشركة.

وقد وجدنا في حالتنا هذه أن الموظفين الذين يرفعون تقاريرهم إلى مدير لديه شبكة داخلية كبيرة نسبياً – في الشريحة الأعلى من المدراء على وجه التحديد- يحققون نتائج تفاعل أعلى بنسبة تصل حتى 5%. بالإضافة إلى هذا، لدى هؤلاء الموظفين شبكة علاقة أكبر بنسبة تصل حتى 85% مقارنة بنظرائهم الموظفين الذين يعملون تحت إمرة موظفين لديهم شبكة علاقات أصغر.

وجدنا أيضاً أن المدراء الذين لديهم شبكات علاقات أصغر قد يكون لديهم تأثير سلبي واضح على فرقهم. الموظفون الذين لديهم شبكة علاقات أكبر بنسبة 110% أو أكبر من مدرائهم هم أكثر عرضة بنسبة 50% لأن يكونوا غير متفاعلين واحتمال أن يكون لديهم رؤية سيئة للقيادة هو ضعف ذلك. من التفسيرات الممكنة لهذا أن الموظفين يعتمدون على المدير ليؤدي دور التنسيق مع الفرق الأخرى عبر مختلف أقسام الشركة بما أنه دور لا يستطيعون تأديته بكفاءة إن لم يكن لديهم شبكة كبيرة بما يكفي. يضاف إلى هذا أن الموظفين الذين لديهم أصلاً شبكة علاقات أكبر من مدرائهم قد يرون ببساطة أن لا فائدة من علاقتهم مع مدرائهم وقد يشعرون بأن الهيكلية التنظيمية لا تفيد إلا في تقييدهم.

وتبقى الاجتماعات الثنائية حيوية. يمكننا قياس الوقت الفعلي الذي يقضيه المدراء في الاجتماعات الثنائية مع مرؤوسيهم من خلال دعوات الاجتماعات في جدول اجتماعاتهم. في الشركات التي حلّلناها، قضى المدير العادي 30 دقيقة كل 3 أسابيع مع كل موظف. ولعل من غير المفاجئ معرفة أن الموظفين الذين خصصوا القليل من الوقت أو لم يخصصوا وقتاً على الإطلاق لهذه الاجتماعات مع مدرائهم كانوا أقل تفاعلاً. من جهة أخرى، وجدنا أن الموظفين الذين يحصلون على ضعف الوقت من الاجتماعات الثنائية مع مدرائهم هم أقل عرضة بنسبة 67% للتفاعل من زملائهم. اختبرنا أيضاً احتمال وجود حد معين ينخفض عنده التفاعل إن قضى المدير وقتاً طويلاً مع الموظفين، لكن مجموعة بياناتنا لم تُظهر شيئاً كهذا.

وماذا يحدث عندما لا يقابل المدير الموظفين في اجتماعات ثنائية على الإطلاق، أو يتجاهل توفير تدريب لهم في العمل. في هذه الحالة، من المرجح ألا يتفاعل الموظفون أربع مرات أكثر من أقرانهم، ومن المرجح أن تكون لديهم نظرة سيئة للقيادة بمقدار الضعف مقارنة بنظرائهم الذين يجتمعون مع مديريهم بانتظام.

أخيراً، المدراء الأفضل يتفاعلون في عملهم أيضاً. تقدّر نسبة الموظفين الذين يعملون مع مدراء غير متفاعلين ضعف نسبة الموظفين الذي يعملون مع مدراء متفاعلين. هذا يؤكد لنا أهمية النتيجة التي توصلت لها دراسة “غالوب” التي تقول إن لدى المدراء تأثير متباين على نتائج تفاعل الموظفين، وإن على شركاتهم البدء بالاهتمام أكثر بالمدراء إن كانت تأخذ على محمل الجد تحسين مجمل التفاعل في شركاتهم.

تشير التقديرات إلى أن الإدارة السيئة تكلف الاقتصاد الأميركي ما يصل إلى 398 مليار دولار سنوياً. تاريخياً ، أدى الافتقار إلى البيانات الموضوعية إلى صعوبة التأثير على جودة مدرائها وجعل من الصعب توفير تدريب فعال ودورة تقييم لتحسينها. بياناتنا هي مجرد البداية، لأنها تسلط الضوء على بعض المزايا التي يظهرها المدراء الأفضل كل يوم. هناك فرصة كبيرة للمنظمات المدارة بشكل أفضل ومستوى معيشة أفضل للعمال. في المستقبل، من الرهان الجيد أن الشركات الأكثر نجاحاً ستكون تلك التي لديها أفضل المدراء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .