خبير في علم الأعصاب يُجيب عن سؤال: لماذا تعشق أدمغتنا السرد القصصي؟

3 دقائق
القصص
shutterstock.com/WaffelBoo

المسرح هادئ ومظلم ويخيّم الصمت عليه، وعلى الشاشة يظهر جيمس بوند راكضاً على حافة أحد المباني بينما يستهدفه عدوّه بسلاحه. يرتفع معدل ضربات قلوب الجماهير ويتصبب العرق من راحة أياديهم. وهو وضع طبيعي بالفعل بما أنني اعتدت أن أقيس نشاط أدمغة عشرات المشاهدين بدلاً من الاستمتاع بالفيلم. وللإثارة مصدر مختلف بالنسبة إلي، وهو مراقبة التموّجات العصبية في أدمغة الناس مع تطور أحداث القصص.

وقد اكتشف العديد من قادة الشركات قوة رواية القصص من الناحية العملية بالفعل، حيث لاحظوا أهمية القصص المُحكمة في الإقناع. وتؤكد البحوث العلمية الحديثة أيضاً دور القصص في تغيير مواقفنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا.

وفي الواقع، نعتمد بصفتنا مخلوقات اجتماعية على الآخرين من أجل بقائنا وسعادتنا. واكتشف مختبري قبل أكثر من عقد من الزمن وجود مادة كيميائية عصبية تُدعى الأوكسيتوسين يفرزها الدماغ للإشارة إلى “مدى أمان التواصل مع الآخرين”، بمعنى آخر، يفرز الدماغ هذه المادة عندما يثق الآخرون بنا أو يتعاملون بلطف معنا، وهو ما يشجعّنا على التعاون معهم، فهي تعزز شعورنا بالمشاركة الوجدانية وقدرتنا على الإحساس بمشاعر الآخرين. والمشاركة الوجدانية مهمة للكائنات الاجتماعية بالفعل لأنها تتيح لنا فهم كيفية تفاعل الآخرين مع المواقف، بمن فيهم أولئك الذين نعمل معهم.

ودرس مختبري فكرة “التلاعب” بنظام الأوكسيتوسين لتحفيز الناس على الانخراط في سلوكيات تعاونية، فاختبرنا إذا ما كانت القصص المصورة على شكل فيديو، بدلاً من التفاعلات وجهاً لوجه، تجعل الدماغ ينتج مادة الأوكسيتوسين، ووجدنا بعد أخذ عيّنات من الدم قبل رواية القصص وبعدها أن القصص الموجّهة بالشخصيات تحفّز إنتاج مادة الأوكسيتوسين. كما أن الكمية التي يفرزها الدماغ تتنبأ بمدى استعداد الناس لمساعدة الآخرين؛ كالتبرع بالأموال لجمعية خيرية ذُكرت خلال رواية القصة.

وتمكّنا في الدراسات اللاحقة من تعميق فهمنا لسبب تشجيع القصص على التعاون التطوعي. (وطوّرنا هذا البحث عندما وضعنا، بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية، طرقاً لقياس إفراز الأوكسيتوسين دون عملية جراحية بمعدل يصل إلى ألف مرة في الثانية). واكتشفنا أن تحفيز الرغبة في مساعدة الآخرين تتطلّب أن تواصل القصة شحذ الانتباه، الذي يُعدّ مورداً نادراً في الدماغ، من خلال دمج عنصر التشويق في أثناء رواية القصة. فإذا كانت القصة قادرة على خلق عنصر التشويق هذا، فمن المحتمل أن يُبدي المشاهدون أو المستمعون اليقظون مشاركة وجدانية مع الشخصيات الموجودة فيها، ومن المرجح أن يواصلوا بعد انتهائها محاكاة مشاعر تلك الشخصيات وسلوكياتها، وهو ما يفسّر الشعور بالهيمنة الذي ينتابك بعد أن يُنقذ جيمس بوند العالم، وحافزك للعمل بعد مشاهدة حروب جيش إسبرطة في فيلم 300.

وهذه النتائج المتعلقة بالبيولوجيا العصبية لرواية القصص ذات صلة بأوساط العمل أيضاً. على سبيل المثال، تُظهر تجاربي أن القصص الموجهة بالشخصيات وذات المحتوى العاطفي تؤدي إلى فهم أفضل للنقاط الرئيسية التي يرغب المتحدث في مشاركتها وتمكّن من استرجاع هذه النقاط بشكل أفضل بعد أسابيع. أما فيما يتعلق بالتأثير، تتفوّق رواية القصص على العروض التقديمية تفوّقاً هائلاً، وأنصح قادة الشركات باستهلال كل عرض تقديمي بقصة مقنعة تخاطب العقل البشري. لماذا يجب أن يهتم الزبائن أو أي شخص في الشارع بالمشروع الذي تقترحه؟ ما دوره في تغيير العالم أو تحسين الحياة؟ كيف سيشعر الناس عند اكتماله؟ تلك هي المكونات التي تجعل المعلومات مُقنعة ولا تُنسى.

وأظهر بحثي أن القصص مفيدة ضمن المؤسسات أيضاً، فنحن نعلم أن الموظفين يستلهمون حافزهم من غايات مؤسساتهم السامية (دورها في تحسين الحياة) بدلاً من غاياتها المتعلقة بالمعاملات التجارية (كيفية بيع السلع والخدمات). وتشارك المؤسسات غاياتها السامية من خلال رواية القصص، على سبيل المثال، من خلال وصف المواقف المحزنة التي اختبرها زبائن فعليون وإسهاماتها في حل مشكلاتهم. اجعل موظفيك يتعاطفون مع المشكلة التي عانى منها الزبون، ثم أتح لهم فرصة الشعور بالسعادة لحلها، لا سيما إذا بذل بعض الأشخاص جهوداً حثيثة لتقليل المعاناة أو الصعوبات أو خلق الفرح. ويعرف الكثير منا من أعمال جوزيف كامبل بالفعل أن للقصص البارزة حبكات درامية تواجه فيها الشخصيات صعوبات ما وتجد في النهاية قدرات غير معروفة تساعدها على الانتصار على الشدائد؛ ويُظهر عملي أن الدماغ ينجذب إلى أسلوب القصص هذا بشدة.

أخيراً، لا تنسَ أن لمؤسستك قصتها الخاصة بالفعل، وهي أسطورة تأسيسها. وتتمثّل الطريقة الفعالة لمشاركة الغاية السامية في رواية تلك القصة بالفعل، ما الشغف الذي دفع المؤسس (المؤسسين) إلى المخاطرة بالصحة والثروة لبدء المشروع؟ لماذا كان المشروع مهماً للغاية، وما العوائق التي اضطروا إلى التغلب عليها؟ ستبقى تلك القصص راسخة في الحمض النووي للمؤسسة عند تكرارها، فهي توفر إرشادات لعمليات صناعة القرار اليومية وتحفّز المؤسسة على مواصلة أعمالها، وتؤكد أهمية مشاركة الجميع لتحقيق أمر ذي قيمة في حياة الناس.

وعندما ترغب في التحفيز أو الإقناع أو أن تبقى خالداً في ذاكرة الآخرين، فابدأ بقصة كفاح بشري واختمها بالانتصار، فتلك القصص تأسر قلوب الناس وتجذب اهتمام عقولهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .