لماذا أنت بحاجة إلى كبش فداء وهمي؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“لا يريدونك أن تمتلك الحافز. لا يريدونك أن تشعر بالإلهام. لا يريدونك أن تفوز”. عبارات قالها دي جي خالد من عالم رسوم الميم (meme) الهزلية على الإنترنت أمام كاميرات برنامج “إلين ديجينريس” الحواري، خلال تحذيره عشرات الملايين من متابعي وسائل التواصل الاجتماعي ضد مجموعة أشرار يدعوها “هم”. لكن من يكون هؤلاء الذين يدعوهم خالد بـ “هم”؟

قدّم خالد بعض اللمحات عنهم عندما قال في برنامج “إلين”: “إنهم من لا يؤمنون بك”، ورغم غرابة هذا الادعاء، فإنه يعتبر حيلة نفسية قوية يمكن استخدامها، إذ عندما نتخيل وجود شرير يتآمر ضد طموحاتنا، يمكن أن يتحول إلى كبش فداء. وهي وسيلة فعالة لتحفيز أنفسنا وتغيير سلوكياتنا. لكن في الوقت نفسه، رأينا من التاريخ، أنه يمكن حدوث أشياء فظيعة عندما يتصرف الناس وفق نظريات المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة. لكن أحياناً يمكن للترياق أن يكون كامناً في السم ذاته.

ولم يكن خالد أول من استخدم هذا الأسلوب، إذ استخدم ستيفن بريسفيلد في كتابه “حرب الفن” (The War of Art)، كياناً دعاه بـ “المقاومة” لوصف القوة التي تتآمر ضد الإنتاج الإبداعي. يقول بريسفيلد: “يعيش معظمنا حياتين، تلك التي نعيشها وتلك التي عملنا على قتلها في داخلنا. وبين هاتين الحياتين تقف المقاومة”، ويحذّر بريسفيلد في باقي صفحات كتابه من تآمر المقاومة ضدنا.

كما وصفت الكاتبة ومصممة الألعاب جين ماكغونيغال، مؤامرة مماثلة للأشرار ضمن كتابها “سوبربيتر” (Super Better)، الذي لامت فيه أشراراً خياليين يجعلونها تتعامل مع أطفالها ببغض أو تشعر بالشفقة على نفسها.

يعرف خالد وبريسفيلد وماكونيغال أن “هم” أو “المقاومة” أو “الأشرار”، ليسوا إلا شخصيات خيالية. بالنسبة لخالد، فقد تحولت هذه المزحة إلى رسوم هزلية. ولو كان خالد أشار إلى مجموعة حقيقية تعمل على تخريب حياته تتبع لعرق معين أو شركة معينة، لما كان حديثه عن كبش الفداء مضحكاً وهزلياً، بل خبيثاً وخطيراً.

ولكي ينجح مفهوم كبش الفداء، من المهم عدم إلقاء اللوم على شيء معين أو شخص ما، على سبيل المثال، مديرك في العمل. لأن إلقاء اللوم على الآخرين سيخلصنا من مسؤولياتنا ولن يساعدنا على تغيير تصرفاتنا. وبدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى العثور على الأسباب الكامنة وراء سلوكنا وفهم مصادر مشاكلنا، وهو ما يتطلب طرح أسئلة صعبة خاصة أنه قد يُخطئ حدسنا في كثير من الأحيان. فلن نلوم الوجبات السريعة أو مشاهدة فيديوهات اليوتيوب لأننا نستمتع بها، إلا أنها يمكن أن تكون السبب وراء مشاكل أعمق تستهلكنا. وربما يكون السبب الحقيقي للسماح للهواتف بمقاطعة حياتنا هو إدماننا عليها.

وبمجرد تحديد السبب، يأتي التحدي الثاني للتغيير. إذا قلنا إن ما يحدث لنا خارج عن سيطرتنا، فسيكون التغيير صعب جداً لأننا ندخل شعور الحزن والعجز والاستسلام إلى ذواتنا، لكن إذا استطعنا استخدام فكرة كبش الفداء لصالحنا، عبر توجيه غضبنا وقلقنا ضد أمور غير مرئية، فستبدو القوى التي تعمل ضدنا أكثر واقعية، بالتالي سنشعر بأننا نمتلك المزيد من القدرة على محاربتها.

في حين لاحظت عدة دراسات حديثة وجود علاقة قوية بين طريقة تفكيرنا حول القدرة على التصرف، وطريقة تصرفنا بالفعل. على سبيل المثال، لمعرفة كيف يشعر الأشخاص المسيطرون تجاه رغبتهم الشديدة في السجائر أو المخدرات أو الكحول، أدار الباحثون مسحاً قياسياً يُدعى “استبيان معتقدات التوق” (Craving Beliefs Questionnaire) (CBQ)، ويمثل المسح عبارات مثل “حالما يبدأ التوق للسجائر لا أملك أي سيطرة على سلوكي” أو “أتوق للمخدرات توقاً يفوق إرادتي”. تخبرنا هذه التصريحات عن مدى قوة الناس أو عجزهم في مواجهة الإغراء، وتُظهر النتائج الأقل اعتقاداً بقوة الإدمان أن الأشخاص أكثر سيطرة عليه، في حين تُظهر تلك الأعلى اعتقاداً بقوة الإدمان أن مسبباته تسيطر على الأشخاص.

بينما خلصت دراسة لمستخدمي “الميتفيتامين” التي ظهرت في نشرة لعلاج إساءة استعمال المواد المخدرة في العام 2010، إلى أن من حققوا درجات منخفضة في نظام استبيان معتقدات التوق كانوا أكثر قدرة على الابتعاد عن الإدمان، ومع الوقت شعروا بقوة أكبر ما قلل احتمال عودتهم إلى الإدمان. وأظهرت دراسة لمدخني السجائر نُشرت في العام 2014 نتائج مماثلة، مفادها “أن نسبة عودة المدخنين للسجائر بعد إقلاعهم عنها تزداد إن اعتقدوا أنهم عاجزون عن المقاومة”.

وإذا اعتقدنا أننا عاجزون، فلن نحاول حتى لا نفشل. إذ وجدت دراسة أجريت عام 2015 ونشرت في مجلة “الدراسات”، حول الكحول والمخدرات، أن الأفراد الذين يعتقدون أنهم عاجزون عن محاربة توقهم كانوا أكثر عرضة للإدمان مرة ثانية. حيث حددت الدراسة أن مقدار شعور المرء بعجزه عن مقاومة العودة إلى الإدمان يساوي قدرة جسده على المقاومة.

ويمكن أن يستغل كبش الفداء غرائزنا لمقاومة التهديدات التي تواجهها حريتنا واستقلاليتنا، إلى جانب جعلنا نشعر بمزيد من القوة، وهي ظاهرة يُطلق عليها علماء النفس “رد الفعل”. وعلى سبيل المثال، عندما يخبرك مديرك بما عليك فعله بطريقة سلطوية، ستشعر بالغضب وتقرر فعل العكس وتحديه بطريقة مستفزة. هنا يستخدم كبش الفداء قوة “رد الفعل” لغايات منتجة. حيث إذا شعرنا بوجود شخص ما أو شيء ما يتآمر ضدنا، من المرجح أن نعمل بجد لإثبات خطئه.

لقد اُستعمل “رد الفعل” بنجاح في جهود الصحة العامة، مثل الحملة المضادة للتدخين التي حاولت مناشدة طلاب المدارس الثانوية المتمردين بالإقلاع عن التدخين. إذ استبدلت الحملة عرض عواقب التدخين مثل الحديث عن انتفاخ الرئة واسودادها، بأمر آخر مختلف، حيث تحدثت عن الوضع النفسي للمدخنين وعن شركات التدخين ذاتها. ففي أحد الإعلانات، نرى أحد النشطاء يحاول إدخال “كاشف كذب” إلى مقر شركة التبغ ويتم طرده بقوة، وفي إعلان آخر، نرى شخصيات رسوم متحركة تقاطع المدخنين ضمن حفلة عبر الصراخ “إنها فخ”.

ونستطيع تطبيق نفس الأساليب لاستخدام كبش الفداء من أجل زيادة دوافعنا. فعندما نتصور وجود قوة تعمل ضدنا، سنكون أكثر احتمالاً للرد عليها بشدة وأكثر مقاومة للإغراءات وسنعمل بجد لتحقيق أهدافنا.

بالطبع إنها حرب بيننا وبين ذواتنا الداخلية، حيث نحتاج في بعض الأوقات لعدو نتمرد ضده، أي لإنشاء “هم” الذين يريدون ألا نترك قطعة الحلوى الإضافية، الأمر الذي سيساعدنا على رفع هممنا للنجاح. حتى وإن كان “هم” أشياء تقيم في داخل كل واحد منا فقط.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .