لا تدع أخطاءك تذهب سُدىً

3 دقائق
التعلم من الأخطاء والاستفادة منها
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حضّرت عجة بيض مع جبن البارميزان وجوز الهند المقطع. كان ذلك أمراً خاطئ.

بالطبع سيقول من يعرف الطبخ بينكم أنها لم تكن وجبة جيدة. لكنني لو ظننت أنها لن تكون جيدة، لما كنت حضرتها. أحب البيض وأحب جبن البارميزان وأحب جوز الهند المقطع. كان يجب أن تنجح الوجبة. ولكن كان أيضاً من الممكن أن تكون أسوأ. فأنا أحبُ صلصة الشواء.

لحسن الحظ، قمت بأمر ذكي بعض الشيء، وهو أنني حضرت عجة البيض لشخص واحد. كان ثمن ما دفعته لقاء خطأي هو لقمة واحدة لم أستسغها وقيمة مكونات وجبة عجة واحدة مهدورة.

في مجال الأعمال، نُفضل الأخطاء الرخيصة على الأخطاء المُكلفة. نُجرب الوصفات على أنفسنا ثم في مطابخ تجريبية وبعدها نوزعها لعدد محدود من المعارف قبل أن نقوم بإطلاق عجة البارميزان وجوز الهند في السوق (وكم يسرني التخلص منها!).

وبالمثل نقوم بتنمية المدراء اليافعين الواعدين وتوجيههم عبر تكليفهم بمناصب تتزايد المسؤوليات فيها. نحتاج أسرة لتربية طفل ونحتاج شركة لتدريب مسؤول تنفيذي.

قد يتجنب هذا النوع من التدريب التنفيذي الأخطاء المُكلفة، ولكنه أمر مُكلف بحد ذاته. فمن ناحية، يستغرق الكثير من الوقت. ومن ناحية ثانية، يقتصر التراث الشفهي على تفسير التجربُة التاريخية. ومن ناحية ثالثة، ما هو عدد الأخطاء التعليمية التي يُسمح للأشخاص بارتكابها عندما تقول الشركة: “نرغب منك أن تُجازف ولكن سنُحمّلك المسؤولية عن النتائج”؟ جميعنا نعرف ما تعنيه “المسؤولية” هذه.

البحث عن علامات الخطأ

وصفَ أخصائي علم النفس سكوت بلاوز من جامعة ويزليان تجربة في كتابه الرائع  “علم نفس التقديري وصناعة القرار” (The Psychology of Judgment and Decision Making). يُعرض على المشاركين في تلك التجربة ثلاثة أرقام، مثل 3 و5 و7. تتمثل مهمة كل مشارك في استنباط القاعدة البسيطة التي كانت تجول في خاطر مُقدم التجربة عند إنشائه تلك السلسلة. يمكن أن يقترح المشاركون سلاسل أخرى مؤلفة من ثلاثة أرقام (“11 و13 و17”) ويُجيب مُقدم التجربة بصدق عما إذا كانت سلسلة المشارك تتماشى مع القاعدة (الإجابة “نعم”). عندما يعتقد المشاركون أنهم يعرفون القاعدة (“ثلاثة أعداد أولية متسلسلة”)، يُخبرون مقدم التجربة فيرد عليهم بصدق عما إذا كانت القاعدة صحيحة (الإجابة “لا”).

لا تتعلق التجربة بإيجاد القاعدة، بل حول كيف يسعى المشاركون لإيجاد القاعدة. عادة ما يقوم المشاركون بتصميم سلاسلهم لتأكيد أفكارهم وليس للتشكيك فيها، وبالتالي يُخطئون في جميع الحالات تقريباً في العثور على الإجابة. تتمثل العقبة أمام الإجابة الصحيحة في سعيك للتأكيد على أنك محق بالفعل.

يُعدُّ البحث عن علامات تدلُ على أنك على خطأ أمراً مهماً في الأعمال لأن الخطأ لا يتضح في الغالب إلا بعد أن يُؤلمك بشدة، مثلاً عندما لا تفشل الاستراتيجية على الفور أو عندما يتحرك المنتج متعرجاً بغموض مستنزفاً الموارد القيّمة. لسوء الحظ، لدى العديد من الأشخاص مصلحة مكتسبة بأن يكونوا على حق بعد اتخاذ القرار. ولهذا فإن السر يتمثل في كشف الأخطاء المحتملة قبل أن تنشأ المصالح المكتسبة.

كان أفضل ما عثرت عليه من أخطاء هو ما اكتشفته في محاكاة استراتيجية تسعير من تأليفي اسمها “مسابقة أعلى تسعير”. اعتقدت عندما أدخلت استراتيجياتي أنني سأتمتع بنشوة تفوق وانتصار. بالطبع كنت سأسحب الاستراتيجيات بعد انقضاء النشوة لأن بقاءها غير مُنصف تجاه المشاركين في المحاكاة الذين يزيد عددهم على 700 شخص.

بعدها شهدتُ مدى قوة أداء استراتيجياتي. بل يجدر القول أنني شهدتُ مدى ضعف أدائها. اعتقدت في البداية أنه لا بد أن السبب خطأ في برنامجي. لكن لم يكن هنالك خطأ. بعد أن واجهتني أدلة تُثبت أنني كنت المخطئ، قارنتُ استراتيجياتي مع أنجح الاستراتيجيات. وفي لمح البصر، لم أرَ أخطائي فحسب، بل رأيت أيضاً ما بإمكاني تحسينه. تبين أن خطأي الكبير غير المُكلِف هو في الواقع درس عظيم.

كيف بالإمكان تجاوز الأخطاء؟

نُدرك جميعنا أن ثقافة “كشفتُكَ” تُطالبنا بالكمال. نُدرك جميعنا أيضاً أن الأخطاء محتومة حتى مع ضرورة المجازفة. ليس الحل في التسامح مع الأخطاء أو تجنب المجازفة. يتمثل الحل في تأكدنا وتثبتنا بصورة أقل وتشككنا بصورة أكبر. يعني ذلك أننا نحتاج أكثر من مجرد فُرص لارتكاب أخطاء لا تُكلفنا الكثير، فنحن نحتاج أيضاً إلى فهم السبب وراء ارتكابنا الأخطاء.

* لا تُضيِّع الأخطاء التي من المرجح أنك ترتكبها بالفعل. خصص وقتاً إضافياً كي تتبعها حتى جذورها والتي قد تمتد أعمق مما تعتقد.

* فكر في أسباب احتمال أن تكون مخطئا قبل أن تؤكد أنك على صواب. مثلاً لماذا لم يسبق لي أن رأيت عجة البارميزان وجوز الهند على قائمة طعام؟ لربما أنها ليست إحدى الأشياء غير المطلوبة في السوق.

* استخدم تمارين تمثيل الأدوار بدءاً بالتمثيل المُرتجل، مروراً بالحوارات وتمثيل دور الجانب الآخر على سبيل التغيير، ووصولاً إلى ألعاب الحروب الرسمية بين الشركات.

* ضع نفسك مكان منافسيك. فمثلاً إذا كنت تُخطط لاقتناص حصة سوقية منهم، اسأل نفسك عن أسباب تخطيطهم لفقدان حصة سوقية لصالحك.

تذكر أن الكثير مما نسمعه عن الأعمال والاستراتيجيات يكون قصصاً أكثر من وقائع. اسأل نفسك كيف يمكن لشخص لديه مثل درجة ذكائك أن يعارض موقفك. لستُ بالضرورة مخطئاً، ولكن الجميع ليسوا على خطأ على الدوام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .