وظّفتني شركة اتصالات كبيرة ذات مرة لإلقاء ندوة مدتها 8 ساعات أمام مجموعة من 300 مدير من كبار المدراء. وقبل دقائق من البدء، وضع المسؤول التنفيذي يده على كتفي وهمس قائلاً: “أود أن أدلي بإعلان مهم قبل أن تبدأ، لن أستغرق وقتاً طويلاً”. لم أُعر الأمر أي أهمية وواصلت التحضير للندوة. وعندما حان وقت البدء قال: “أيها الموظفون، يصعب عليّ إعلامكم بهذا القرار، لكننا بصدد إلغاء مشروعين كبيرين، ما يعني تسريح نسبة 20% منكم، وسأزودكم بمزيد من التفاصيل قريباً. لكن لنبذل جهدنا حالياً للتركيز على جلسة السيد غريني”. ثم سار هرعاً نحو الباب.

وعلى الرغم من صعوبة تلك اللحظة بالنسبة للقائد، لا بدّ أنه رضخ لميل ما في عقله، فمن الطبيعي بصفتنا بشراً أن نتجنّب تولي المهمة الصعبة المتمثلة في نقل الأخبار السيئة والتعامل مع العواقب. وعندما تضطر إلى نقل خبر صعب ذات يوم، قد تلاحظ ميلاً في عقلك تجاه أحد ما يلي:

  • التسويف. قد نضع احتياجاتنا قبل احتياجات الفريق من خلال تأجيل خوض تلك التجربة المؤلمة، لكننا نسلب منهم بذلك وقتاً ثميناً لاستيعاب الخبر وتحديد ماهية الاستجابة.
  • إلقاء اللوم. عندما نشارك الأخبار بطريقة نلقي بها اللوم على الآخرين، بدعوى الاختلاف مع أولئك الذين اتخذوا القرار والولاء لأولئك المتأثرين سلباً به، فإننا نتنصّل بذلك من مسؤوليتنا القيادية لتحقيق التوازن بين احتياجات المؤسسة والموظفين.
  • الانسحاب. قد نرغب في تجنّب مواجهة أولئك الذين ستتأثر حياتهم بالقرار، مثل المسؤول التنفيذي للاتصالات، فنعلن الحقائق بطريقة غير متعاطفة ونرضخ للحقيقة المرّة.

وقد تركت تجربتي مع المسؤول التنفيذي للاتصالات أثراً في نفسي لا يُمحى. فعندما طُلب مني قبل بضع سنوات إخبار فريق عالمي بقرار حلّ مؤسستهم بالكامل، تعهدت أن أتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة، فقد أحببت هؤلاء الموظفين، وكنت أعلم أن ذلك الخبر سيكون مروعاً ومخيباً لآمالهم ومؤذياً لمشاعرهم حتى.

فكتبت في أثناء سفري للقائهم مجموعة من المبادئ لتوجيه مسار هذه المحادثة المؤلمة، لن أقول إن اتباع تلك المبادئ جعل التجربة ممتعة، لكنها جعلتها إنسانية، فقد ساعدتني المبادئ الستة الموضحة أدناه في تقديم الخبر بطريقة مسؤولة (الاعتراف بدوري في القرار)، وصادقة (غير اعتذارية بشأن سبب القرار)، ومراعية (إبراز قيمة العمل الماضي، والإقرار بالصعوبات التي قد يسببها القرار) وصبورة (احترام مشاعرهم مهما طالت).

ركز على الموضوع الرئيسي

يعتقد البعض أن التمهيد للخبر الصاعق سيجعله أقل وطأة، لكن هذا غير صحيح، بل نحن نعزز بذلك مشاعر القلق المرافقة للصدمة الحتمية. فإذا كنت ترغب في نقل قرار صعب، فقله فقط، ثم انتقل إلى إبداء التفهم والتعاطف (المبدآن 3 و4 أدناه).

بدأت إعلاني لفريقنا بالقول: “بعد شهور من المداولات بشأن التوجهات المستقبلية المحتملة لهذه المجموعة الخاصة من المحترفين، توصل مجلس الإدارة إلى قرار صعب تمثّل في وقف العمليات بعد 90 يوماً من اليوم”.

توقف هنيهة من الوقت

قد لا يسمع الناس أي شيء تقوله لبضع لحظات، وذلك لهول المفاجأة أو للتفكير في العواقب المحتملة للقرار، لذلك، لا تواصل الحديث في هذه المرحلة، توقف هنيهة من الوقت. دعهم يلتقطون أنفاسهم، وحاول إجراء تواصل بصري مع أكبر عدد ممكن منهم، وامنحهم فرصة لاستيعاب الخبر، ثم تابع.

أبدِ تفهّمك وتحملك المسؤولية، لكن لا تنتظر منهم تقبّل القرار

ثم قلت بعد توقفي: “أعلم أن استيعاب هذا الخبر صعب، وأنه شكّل صدمة للكثيرين منكم، وأود اقتطاع بعض الوقت لأشرح لكم كيفية توصلنا إلى هذا القرار، أنا لا أتوقع منكم تقبّله، لكنني مدين لكم بشرح سبب اتخاذنا له”.

ابذل قصارى جهدك لشرح المفاضلات التي واجهها القادة والمبادئ والمعايير التي دفعتهم إلى اتخاذ هذا القرار النهائي، واحترم حقيقة وجود اختلافات في الرأي بين الموظفين. ولا تلم الآخرين على هذا القرار، فأنت قائد ووكيل عن المؤسسة، وقد قبلت مسؤولية أداء هذا الدور عندما توليت وظيفتك.

لا تدع رغبتك في أن تكون محبوباً تؤثر على نزاهتك، فواجبك هو أن تقدم التفسير المنطقي الذي تبنّته القيادة لاتخاذ هذا القرار، حتى لو لم تكن مشتركاً في اتخاذه. وإذا كنت عاجزاً عن أدائه مهنياً، فلعلّ الوقت قد حان للنظر في مدى قدرتك على شغل هذا المنصب.

أظهر المشاركة الوجدانية

أظهر تعاطفك بحذر وصبر. ولا تتعجل، بل راع أولاً تأثير القرار والمشاعر التي قد تنتاب الموظفين، وأبدِ تقبّلك لمشاعرهم وامنحهم فرصة التعبير عنها بدلاً من كبتها.

قلت: “أعلم أن تاريخ الإعلان عن هذا القرار سيئ جداً، فالأعياد على الأبواب، وأشعر بحزن شديد لإفساد الوقت الجميل الذي كنتم تنوون قضاءه مع أصدقائكم وعائلاتكم. أنا آسف. أدركنا في أثناء نقاشنا حول التوقيت أهمية تخصيص الأموال المتبقية لمساعدتكم في عملية الانتقال، ولو أننا انتظرنا شهرين آخرين، لقلّ مقدار الأموال المخصصة للمساعدة”.

أنهِ حديثك بدعوة للحوار

اختتم حديثك بدعوة للحوار وتقديم الدعم. ولا تتوقع تلقي الاستحسان أو القبول على حديثك، إذ سيحتاج الموظفون إلى وقت كافٍ لاستيعاب القرار. وركز على احتياجاتهم وليس على احتياجاتك. قد يكون قرارك لا يقبل الجدل، لكن مشاعرهم قد تستغرق وقتاً للظهور.

أنهيت حديثي قائلاً: “سأخصص وقتاً لأي شخص يرغب في الحصول على توضيح بشأن ما شاركته للتو. وسأبحث أيضاً عن طرق لدعمكم في خططكم المستقبلية”.

أثبت التزامك

الأمر الوحيد الذي سيقنع الموظفين بمدى صدقك والتزامك بدعمهم هو الإجراءات التي ستتخذها. اعتدت عند تسريح الموظفين، حتى لو كان ذلك لسبب ما، أن أدعوهم لتناول الغداء معهم بعد 30 إلى 60 يوماً من تسريحهم. وعندما تمنعنا المسافات من التواصل غير الرسمي، أطلب عقد اجتماع افتراضي طويل معهم، فمن المهم بالنسبة لي أن يعرفوا مدى اهتمامي بهم، بغض النظر عن أي اختلافات تولّدت بيننا سابقاً. وقد أسفرت عمليات المتابعة تلك عن تعزيز العديد من العلاقات بالفعل، حتى بعد مشاركة الأخبار السيئة،

فلحظات كتلك هي دليل على مدى نضجك العاطفي ونزاهتك وتعاطفك، وهي وسيلة لتصبح قائداً وإنساناً أفضل، ومشاركتها مع الآخرين المتأثرين بالقرار هي أقل واجب تقدمه لهم.