ما الذي يقوله الخبراء؟

كشفت دراسة نشرتها هارفارد بزنس ريفيو وشارك فيها ما يقارب 20,000 موظف حول العالم أن أهم ما ينتظره الموظفون من مدرائهم هو الاحترام. تقول ليندا هيل الأستاذة بكلية هارفارد للأعمال والمؤلفة المشاركة في تأليف كتاب: “أن تكون المدير: 3 أساليب ضرورية كي تصبح قائداً عظيماً” (Being the Boss: The 3 Imperatives for Becoming a Great Leader): “إذا لم تشعر بالاحترام فلن ترتبط بعملك”. واحترام المدير للموظف له عدة مستويات إدارية، وفقاً لرئيس شركة جينسيس أدفايزرز (Genesis Advisers) والأستاذ بالمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، مايكل واتكينز، حيث يبدأ هذا الاحترام من: “النظر إلى الموظف باعتباره شخصاً يجدر الاحتفاظ به في الشركة أو يرغب شخص ما (مديره) في أن يضمه إلى فريقه، ثم يتطور هذا الاحترام حتى يُنظر إلى هذا الموظف باعتباره يستحق أن يكلَّف بمهام صعبة ومهمة، ثم ينتهي بالنظر إليه باعتباره موظفاً يريد مديره أن يبذل الوقت والجهد لتطوير قدراته لأنه يعتقد أن له مستقبلا واعداً”. إليك إذاً بعض الأساليب التي تفيدك في كسب احترام مديرك، لأن الرغبة في الاحترام شيء، والحصول عليه شيء آخر.

أوضح مسؤولياتك

الخطوة الأولى في مسار كسب احترام مديرك هي بالطبع أداء عملك على نحو موثوق به. ولتحقيق ذلك ينصح واتكينز: “أن توضّح تماماً مهامك الأكثر أهمية ومدى ملاءمتها لجدول أعمال مديرك”. ويقترح عليك في الأيام الأولى من عملك الجديد أن تطرح على مديرك السؤال التالي: “ما الذي عليّ أن أتعلّمه وكيف أتعلمه بسرعة؟” ثم عليك أن تفعل كل ما بوسعك لإظهار تأقلمك السريع مع إيقاع العمل، لأن “سرعة التعلّم يمكن أن تكون عاملاً كبيراً من عوامل المصداقية”. تقول هيل: “من الحكمة أن توضح دورك ومسؤولياتك بانتظام، حتى وإن كنت تعمل منذ زمن في هذه الوظيفة، لأنك في حاجة إلى التوافق مع مديرك، حتّى تعرف الجوانب التي ستخصص لها وقتك واهتمامك”.

تكيّف مع أسلوب مديرك

يقول واتكينز: “إذا أردت أن تصبح موظفاً ذا قيمة وموثوقاً به فهذا يتطلب منك أن تعرف أفضل طريقة للتواصل مع مديرك، ومن الضروري أن تكيّف أسلوبك مع أسلوبه“. اسأل مديرك إذاً عن طريقة التواصل المفضلة لديه. هل يحبّ التواصل بالبريد الإلكتروني أو الرسائل القصيرة أو المحادثات المباشرة؟ وكم مرة يرغب في أن يتواصل معك؟ مرة في الأسبوع؟ أم مرة في اليوم؟ أم عند الحاجة فقط؟ واسأله عن قدر التفاصيل التي يرغب فيها. وهل يفضل أن تبدأ التواصل بينكما بتحليلك لقضايا العمل أم بحكمك النهائي عليها؟ وتقول هيل إنه إذا كان هناك اختلاف بين طريقة العمل التي تفضلها أنت والتي يفضلها مديرك، حيث تتحقق أنت مثلاً من بريدك الإلكتروني على رأس كل ساعة، بينما لا يقرأ هو صندوق رسائله الواردة لأيام، فعليك إجراء: “محادثة صريحة يشرح خلالها كلاكما سبب سلوكه هذا، وساعد مديرك على فهم وجهة نظرك والبدائل الممكنة وعلاقتها بقدرتك الإنتاجية، وناقش الموقف معه ثم اتخذ القرار بشأن الطريقة المناسبة للتواصل”.

لاحظ أولويات مديرك وتعاطف معه

تقول هيل: “لكسب ثقة مديرك عليك أن تفهم الأمور المهمة بالنسبة إليه”. كما تنصح بإيلاء اهتمام بالغ لأولوياته والضغوط التي يتعرّض لها، لأنها أولوياتك أيضاً، ليس مجاملة لمديرك بل تعاطف معه. تقول هيل: “ضع في اعتبارك أن مديرك يبحث عن دليل على جدارتك بالثقة، وأن بإمكانه الوثوق بشخصيتك ونواياك وكفاءتك. لذا عليك أن تكتشف كيف تكسب ثقته وتخلق ظروف نجاحك” عن طريق الملاحظة الدقيقة. وعمّق فهمك “لأولويات المؤسسة وصعوباتها وسياساتها” من خلال معرفة الأشخاص الذين يثق بهم المدير ويصغي إليهم، ومعرفة مكمن التوترات فيها. واعلم أن هدفك ليس ممارسة هذه السياسات ولكن “من المهم لك فهمها“.

احرص على بناء علاقات مع الآخرين

كسب احترام مديرك جزء من عملية كسب تقدير زملائك. يقول واتكينز: “يقيّم مديرك عملك من خلال ملاحظاته المباشرة ومن خلال آراء الآخرين أيضاً”، فهو يولي اهتماما بالغاً لمدى “انسجامك مع الفريق” والنطاق الذي تبلغه في “بناء علاقاتك”. وينصح واتكينز “بمد يد العون إلى الآخرين بتقديم الدعم لهم وطرح ذلك السؤال المفيد لعلاقتك بهم باستمرار: ‘كيف يمكن أن أساعدكم؟’ وإذا فعلت ذلك فستخلق دورة محمودة تضمكم جميعاً”. ومن المفيد أيضاً أن تسأل الآخرين عن رؤاهم ونصائحهم حول كيفية بناء علاقة جيدة مع مديرك وفقاً لهيل التي تقول: “ميّز بين ما هو صالح أو غير صالح لبناء هذه العلاقة”.

عارض مديرك (بأدب وفي نطاق خاص)

تقول هيل: “تجنُّب الخلاف مع مديرك ليس طريقة لكسب الاحترام، فهو يريد التأكد من دعمك له، لكنه يحتاج أيضاً إلى مصارحتك له بحقيقة ما يجري”. فإذا كنت على سبيل المثال تعتقد أن فريقك لا يستطيع إنجاز مشروع في الأجل الذي اقترحه المدير، فأخبره بذلك على انفراد وبأسلوب مهذب؛ لا تخبره بذلك على الملأ، فقد يفسر ذلك على أنه عدم إخلاص. كما تنصح هيل الموظف بالنظر إلى علاقته بمديره باعتبارها شراكة: “لأنك إذا كنت شريكاً لي فستساعدني على تجنّب الأخطاء، وأنت تستطيع على كل حال الوصول إلى معلومات مختلفة عن تلك التي لدى مديرك ما يمنح رأيك ووجهة نظرك قيمة كبيرة. وعليك أن تكون شجاعاً بما يكفي للتصريح بمعارضتك لمديرك”.

اُطلب تقييم مديرك

بغض النظر عن مستوى تقييم أدائك المهني، لا يمكنك إجبار مديرك على تقدير إنجازاتك، فبعض المدراء لا يميل إلى فعل ذلك وفقاً لواتكينز الذي يقول: “ستحصل على التقدير الناتج عن حصيلة أدائك وميل مديرك إلى تقدير هذا الأداء”. وحتى إذا كان مديرك يميل إلى التحفظ بشأن تقدير جهودك، فهناك فرق بين “التقدير العلني لإنجازاتك” و”التقييم النزيه والحقيقي لأدائك”. فعليك إذاً أن تسأل مديرك: “كيف تجد أدائي؟ وما الجانب الذي يجب أن أجتهد فيه أكثر أو أقلل منه؟” يقول واتكينز: “لا يتلقى الموظفون الجدد خاصة تقييماً مبكراً لأدائهم لأنه عادة ما يسود التردد في انتقاد الأشخاص الذين ما يزالون في بداية الطريق، ونتيجة لذلك يمكن أن يسلكوا المسار الخاطئ مبكراً”.

فكِّر في وضعك ملياً

تقول هيل: “نشعر بالانزعاج عندما نعتقد أن شخصاً معيناً لا يحترمنا، وإذا شعرت أن مديرك يتحامل عليك أو (يتحيز ضدك) وأنه لا يحترمك كما أنت فهذه مشكلة من اختصاص إدارة الموارد البشرية. لكن لا تتسرع في استنتاجاتك، فقد يكون شعورك راجعاً إلى أن مديرك يتحدّاك ويختبرك ليس لأنه لا يحترمك، ولكن لأنه لا يفهم تماماً المشكلات التي تواجهها في العمل، وفي هذه الحالة تقع على عاتقك مسؤولية إخبار مديرك وتوضيح معايير وظيفتك والصعوبات التي تواجهها”. يؤيد واتكينز ذلك ويقول: “مديرك لا يقرأ الأفكار التي تدور في ذهنك، وأنت تتحمل معه مسؤولية إنجاح علاقتكما. لا داعي لأن تصل إلى المرحلة التي ستغضب فيها وتطالب مديرك باحترامك، لكن إذا كنت تشعر أنك لا تحظى بالاحترام فعليك أن تسأل نفسك عن السبب. اسأل نفسك: ‘ألا أقدّم أداء بمستوى مناسب؟ هل أتملق للمدير؟ ألم أضع الحدود المناسبة لعلاقتي به؟’ فإنجاح هذه العلاقة يبدأ منك أنت”.

مبادئ ينبغي لك تذكرها

ما يجب عليك فعله

  • عليك أن توائم بين طريقة تواصلك وأسلوب عملك وطريقة مديرك وأسلوبه.
  • تواصل مع زملائك من خلال دعمك لهم، وطرح السؤال المفيد لعلاقتك بهم باستمرار: كيف يمكن أن أساعدكم؟
  • احرص على بناء شراكة بينك وبين مديرك، فأنت أيضاً تتحمل مسؤولية إنجاح علاقتكما.

ما يجب الكفّ عنه

  • التعبير عن انزعاجك على الملأ إذا لم يقدّر مديرك إنجازاتك. يمكنك بدلاً من ذلك طلب تقييمه لأدائك بأسئلة من قبيل: ما الجانب الذي يجب أن أجتهد فيه أكثر أو أقلل منه؟
  • عدم التعرف على سياسات المؤسسة وثقافتها، مثل الأشخاص الذين يثق بهم المدير، أو الذين يصغي إليهم، ومكامن التوتر في المؤسسة.
  • تجنّب الخلاف مع المدير. فإذا كنت غير متفق معه فعليك أن تصرح له بذلك على انفراد وبأسلوب مهذب.

دراسة حالة 1: فهم أولويات المديرة والتكيّف مع أسلوبها المفضل في التواصل

عندما بدأت ويتني مكارثي عملها مديرة للتواصل بشركة رايزبوينت (Rizepoint) المختصة في برمجيات إدارة الامتثال التي يقع مقرها في مدينة سولت ليك سيتي بولاية يوتا الأميركية، كانت تنوي أن تقدم عملاً جيداً وتكسب احترام مديرتها “لوسي”.

وكانت أولى أولوياتها تحديد مسؤولياتها الوظيفية بدقة. وفي أول يوم لها في العمل، تركت لوسي لويتني ملاحظة طويلة من عدة نقاط توضح مجالات عملها الرئيسية الستة والإجراءات الفورية التي يتعين عليها القيام بها. تقول ويتني: “كانت تلك الملاحظة بمثابة وثيقة إرشادية لعملي، أعمل على تحديثها شهرياً بتوجيه من لوسي، وفقاً للقالب السداسي الجاهز نفسه”.

كما عقدت لوسي اجتماعاً مباشراً مع ويتني وباقي أعضاء الفريق، تقول عنه: “كان هدف الاجتماع مناقشة مجال تخصص كل موظف على حدة من أجل إزالة أيّ التباس بشأن الميزانية أو المنجزات”.

وكانت أولوية ويتني الثانية الإلمام بسرعة بأحدث المعلومات المتعلقة بمجالات تخصصها التي تشمل إدارة العلاقات العامة، وهو مجال لا تمتلك فيه إلا خبرة محدودة، فكان عليها أن تتعلم الكثير، لكنها أرادت أن تبدو في الوقت نفسه سريعة التعلّم. فاشتركت في النشرات الإخبارية للعلاقات العامة في شركات برمجيات أخرى وعملت على تنزيل مستنداتها التعريفية بالمنتج، كما درست استراتيجيات علاقاتها العامة.

تقول ويتني: “كنت أريد تجنّب إغراق لوسي بالكثير من الأسئلة، فاستعرضت معلوماتي الحديثة بصياغة بيان صحفي خلال الأسابيع الأولى من عملي وتقديم مخطط متكامل للعلاقات العامة للرئيس التنفيذي في الشهر الأول”.

كان هدف ويتني التالي معرفة كيفية العمل على نحو أفضل مع لوسي، فسألتها عن أسلوبها المفضل في التواصل وعن الطريقة التي تريد أن تتلقى بها المعلومات، ثم بذلت ويتني ما في وسعها للتكيّف مع رغبات مديرتها. تقول: “فيما يخص الأمور التي لا تريد لوسي أن تُحاط علماً بها (مثل منشورات مواقع التواصل الاجتماعي) حرصت على إدراجها في تحديث أسبوعي حول الأداء حتى تكون لديها فكرة عامة عن استراتيجيتي ونتائجها على الرغم من أنني لم أكن أحيطها علماً بالتفاصيل اليومية”.

وعلاوة على سؤال لوسي عن أسلوبها المفضل في التواصل، طلبت ويتني من زملائها نصائحهم المستفادة من مسارهم منذ بدؤوا العمل مع المديرة قبل سنوات، تقول: “قدموا لي نصائح مفيدة وقالوا لي مثلاً: ‘إذا كنت تنوين عرض مشكلة على لوسي فعليك أن تحضّري الحل الذي تقترحينه لتجاوزها أيضاً'”.

أضحت ويتني واثقة من أنها كسبت ثقة لوسي، إذ أرسلت إليها 3 رسائل شكر تعبر فيها عن مدى استمتاعها بالعمل معها. كما حصلت ويتني على مكافآت كاملة (وفقاً لتقدير لوسي)، وحازت في الأشهر الثلاثة الأولى أيضاً جائزة ربع سنوية تمنحها الشركة لللاعب الأكبر قيمة.

دراسة حالة 2: أظهر دعمك لمديرك وتقبّل تقييمه

تقول مديرة المشاريع في إحدى شركات المشروبات كارين شنايدر (Karen Schneider) إنها كانت دائماً تبحث عن طرق لمساعدة مديرتها حتى تكسب احترامها، تقول: “من واجبي تسهيل أمور العمل على مديرتي طبعاً، من خلال أداء عملي جيداً وتخفيف الضغط عنها عندما أكون قادرة على ذلك”.

وفي عملها السابق كانت مديرة كارين، وتدعى “سوزان”، تعقد اجتماعات ثنائية مع مرؤوسيها المباشرين أسبوعياً، وكانت كارين تسألها باستمرار عما إن كان هناك عمل يمكن أن تساعدها على إنجازه لتؤكد دعمها لها، وفي الغالب كان هناك دائماً عمل ما يجب إنجازه. تقول كارين: “وحتّى إن لم يكن هناك عمل، فإنني أعرف أن عرض المساعدة والرغبة في ذلك أمر يحظى بالتقدير، حيث عرفت سوزان أن بإمكانها الاعتماد عليّ وأنني متعطشة لتعلم المزيد عن العمل”.

كما سعت كارين استباقياً للحصول على تقييم سوزان لعملها، تقول: “في الأسبوعين أو الأسابيع الثلاثة الأولى لي في العمل، كنت أسأل سوزان أسبوعياً عن أي ملاحظات أو نصائح مهمة، ومع مرور الوقت أصبحت أطلبها منها مرة في الشهر، لأنني كنت أبذل ما في وسعي من أجل النجاح، وشعرت أن سوزان تقدّر دوافعي وتحترمني أكثر بسبب ذلك”.

وذات مرة قدمت سوزان ملاحظة بنّاءة لكارين عن إدارتها المختلفة لأحد المشاريع، تقول: “لم تكن ملاحظة فظة أو مبالغة في الانتقاد، لكنها سمحت لي بمعرفة الإمكانات المتاحة لكيفية التعامل مع الأمور على نحو أفضل في المستقبل”.

فكانت كارين تتقبل الملاحظات وتحرص على العمل بها في المشاريع المستقبلية. تقول عن ذلك: “من المهم تقبّل الانتقادات بكل ما أمكن من اللطف والانفتاح، وهذا ما جعلني أكسب احترام سوزان”.

مضيفة أن سوزان كانت تشكرها كثيراً على عملها في بعض المشاريع، بل قدمت لها ذات مرة هدية بسبب تنفيذها المتقن جداً لإحدى المهام. تقول كارين: “لم يكن ذلك معلناً بالضرورة أمام باقي زملائي، لكن اللمسة الشخصية وإظهار التقدير كانا يعنيان الكثير بالنسبة إليّ حقاً”.