كيف تدير الضغط النفسي بينما ينهار كل شيء من حولك؟

5 دقائق
إدارة الضغط النفسي

من الطبيعي أن تشعر بالتوتر الآن، بينما نحاول التعايش مع القواعد الجديدة، نشعر بالقلق من الإصابة بالمرض أو خسارة وظائفنا، وتأتينا الأخبار عن أعداد الوفيات والركود الاقتصادي من كل حدب وصوب، ونبقى منعزلين عن زملائنا وأصدقائنا وأفراد عائلاتنا بسبب عدم قدرتنا على إدارة الضغط النفسي لدينا.

يساعدنا التوتر على تلبية احتياجات بيئتنا المحيطة ومواجهة تحدياتها، ولكن عندما يكون ضمن حدود معينة. إذ تحدث سلسلة تفاعلات سريعة في أجسامنا، وهي تفاعلات عصبية كيميائية وعصبية كهربائية، تؤدي إلى زيادة انتباهنا وقدرتنا على تقييم ما يجري من حولنا، وتحفزنا، حتى أنها تعزز جهازنا المناعي لفترة وجيزة. لكن من المفترض أن تكون هذه التفاعلات استجابات قصيرة الأمد تدوم بضع دقائق أو ساعات، لا أن تستمر أياماً وأسابيع.

وعندما يستمر نظام التوتر بالعمل على مدى فترة طويلة من الزمن، يتسبب بتثبيط جهازنا المناعي القابل للتكيف ويضعفنا ويجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات.

لذا، نحن بحاجة إلى معرفة طريقة التعامل مع التوتر أكثر من ذي قبل. يجب أن نقتدي بنخبة الرياضيين الذين أعمل معهم في تحكمهم بانفعالاتهم النفسية والذهنية، وأن نوظف مهاراتنا النفسية للانتقال إلى مستوى التحفيز المثالي الذي يجعلنا نعمل ونعيش على نحو جيد. ومن يتمكن من فهم طريقة استخدام العقل للتعامل مع التوتر، يبحث عن الحالة المثالية التي يكون فيها “نشطاً” ولكن ليس بإفراط.

كيفية إدارة الضغط النفسي

قد لا نتمكن من السيطرة على ظروفنا، ولكن يجب أن نتمكن من التحكم بعقولنا. حتى وإن ظننت أنك هادئ نسبياً، يجب أن تعلم أن التوتر خصم متسلل وقوي، ويمكن أن يضربك فجأة من دون سابق إنذار. لذا، يجب علينا جميعاً أن نوظف المهارات والممارسات الذهنية المناسبة كي نتمكن من تجاوز هذه الأوقات العصيبة.

تنفّس

التنفس هو تمرين يقظة ذهنية يبعدنا قليلاً عن إدراكنا ومشاعرنا كي نتمكن من رؤية الأمور على حقيقتها، فنرى أننا نشعر بالقلق بدلاً من أن نكون قلقين بالفعل، والفرق شاسع بين الحالتين.

ابدأ من لحظة استيقاظك، في تسجيل فيديو جديد، تحدثت كورتني تومبسون، زميلتي في شركة “كومبيت تو كرييت” (Compete to Create) والبطلة الأولمبية السابقة، عن نصيحة حول طريقة إعادة ضبط عقولنا كل صباح. فبدلاً من الإمساك بهاتفك وتفقد الأخبار أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، جرب ما يلي:

  1. خذ نفساً طويلاً وعميقاً يستمر أكثر من عشر ثوان، ثم حاول إخراجه بزفير يستمر فترة أطول من فترة الشهيق. عبر عن فكرة امتنان واحدة، لكن لا تتعامل مع الأمر على أنه واجب وعليك الانتهاء منه. هل هناك أحد في حياتك يتصرف بشجاعة؟ هل تتمتع عائلتك بصحة جيدة؟ حاول أن تشعر بالامتنان بحق. هذا ليس تمرين تفكير، بل هو تكامل بين التفكير والشعور.
  2. حدد نيتك كل يوم. لا أقصد بذلك هدفك أو قائمة أعمالك، بل أعني أن تحدد نوع الشخص الذي تنوي أن تكونه اليوم. النية هي الالتزام بتنفيذ فعل ما في المستقبل. هل ستكون حاضراً لدعم الآخرين؟ هل ستكون هادئاً ومسيطراً على نفسك لأجل عائلتك وأصدقائك والغرباء والزملاء؟ هذا تمرين تصور، يتمثل برؤية نفسك في أفضل حالاتك.
  3. انهض من سريرك. تحسس الأرض تحت قدميك للحظة، كن حيث تقف قدماك. هذا الأمر أساسي كي تبدأ يومك في اللحظة الحاضرة مستعداً من الناحيتين الذهنية والبدنية.

مهما كانت الأحداث من حولك، تذكر أنك تتحكم بأفكارك (الأفكار التي تدركها، على الأقل). أنت قادر على تحديد الأفكار التي ستبدأ بها يومك، فاخترها بعناية.

إذا شعرت بالقلق أو أنك غير قادر على التركيز في أثناء اليوم، خذ استراحة لمدة ثماني دقائق وتنفس فحسب، وراقب الأفكار التي تمر بذهنك من دون الحكم عليها، وركز على أنفاسك عندما تحاول هذه الأفكار الاستيلاء على انتباهك. إذا تشتت انتباهك، فحاول أن تركز مجدداً على النفس التالي. جرب، ليس هناك طريقة صحيحة أو خاطئة.

تناول طعامك ونم جيداً

الاعتناء بالنفس في أوقات التوتر الشديد هو أمر أساسي. يبدو ذلك بسيطاً وبديهياً، لكن الإنسان لن يعتني بنفسه جيداً إذا كان اهتمامه منصباً على النجاة.

النوم الجيد أمر أساسي. في حلقة بثت مؤخراً من مدونتي الصوتية (بودكاست) “التوصل إلى الإتقان” (Finding Mastery) تحدثت إلى ماثيو ووكر، وهو خبير في موضوع النوم وأستاذ علم الأعصاب وعلم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وقال إن النوم المثالي يتطلب الذهاب إلى الفراش في نفس الوقت كل ليلة. فالدماغ يزدهر بالانتظام، وليس بالسهر على قناة “نتفليكس”.

ولكن إذا كنت متوتراً، فقد تعاني من صعوبة الاستغراق في النوم، أو قد يصبح نومك متقطعاً. وقال أيضاً: “إذا عانيت من التوتر، فتخلص منه بالمشي”. أقترح أن تتبع أحد هذه الأساليب الثلاثة: اغسل أسنانك بالفرشاة من أجل تنشيط “منعكس بافلوف”، وهو الاستجابة المرتبطة بالفعل (حان وقت النوم)، أو اقرأ كتاباً (وحبذا لو كان كتاباً مملاً)، أو فرغ أفكارك على الورق (وليس على هاتفك!) إلى أن تشعر بالنعاس.

حاول أن تستيقظ في نفس الوقت كل صباح أيضاً، حتى وإن لم تحظ بنوم جيد في ليلتك. فالانتظام يبقي ساعتك البيولوجية مضبوطة.

ويجب أن تأكل جيداً وتشرب ما يكفي من الماء أيضاً. عندما نشعر بتوتر شديد، تطلب أجسادنا السكر والنشويات والملح. إلا أن الباحثين توصلوا إلى أن الأشخاص الذين يتبعون نظاماً غذائياً صحياً هم أقل عرضة للإصابة بالأمراض. لذا، تناول الأطعمة الصحية، مثل تناول الخضراوات داكنة اللون والمليئة بالألياف لتزويدك بالطاقة التي يحتاج إليها جهازك المناعي (لكن للأسف، الشوكولاتة والحلوى ليست من بينها).

اشرب الكثير من الماء، فهو يخلص جسمك من السموم.

تواصل

في الأوقات التي يغلب عليها الغموض والقلق، نلجأ عادة للمقربين منا بحثاً عن الراحة والدعم. لكن في أزمتنا هذه، نحن مطالبون بالابتعاد عن مجتمعاتنا، والبقاء في منازلنا والالتزام بالتباعد الاجتماعي. ولكن الانعزال الاجتماعي من دون مراقبة قد يؤدي إلى الشعور بالوحدة التي تتسبب بآثار وخيمة على الصحة النفسية والجسدية.

ليس بالضرورة أن يكون الابتعاد عزلة، بل يمكنك استثمار هذا الوقت في التواصل مع الآخرين، أخبرهم بقيمتهم الكبيرة بالنسبة لك. أرسل لزملائك كلمات تشيد بهم، أخبر أفراد عائلتك كم تحبهم، سجل قائمة بالأشخاص الذين تود الاتصال بهم لتشكرهم على تأثيرهم في حياتك. ولا تكتفِ بالتحدث عن مخاوفك فحسب، بل اسأل الآخرين عن أحوالهم، واستمع إليهم بإمعان. افعل ذلك اليوم.

يجب علينا في هذه الفترة أن نتعاطف مع الآخرين، فقد تأثر الجميع بالاضطراب الاجتماعي والجسدي والاقتصادي الذي تسببت به الجائحة. لذا، يجب أن تدرك أننا جميعنا نعيش الوضع ذاته، وليس هناك “وضع آخر”.

غير الأمور من حولك، شارك في المناسبات التي تقام على تطبيق إنستغرام، مارس هواياتك الفنية أو الرياضية مع الآخرين. تشكل إيطالياً مثالاً جميلاً لنشر البهجة والتواصل أثناء فترة الحظر، إذ بدأ البعض بالغناء من الشرفات والنوافذ وعلى الأسطح في مواعيد محددة، وقاموا بتنسيق ذلك عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. تحيا إيطاليا!

ليس هذا الوقت المناسب لتركيز اهتمامك على نظرة الآخرين لك. فجميعنا نعيش الوضع ذاته، وإذا كان هناك وقت مناسب للتخلص من القيود، فهو الآن. التواصل مع الآخرين وتقبلهم وإظهار التعاطف معهم هو ما سيساعدنا على تجاوز هذه الأزمة.

حدد غايتك

مع زيادة الأخبار سوءاً، واستمرارنا في أعمالنا الروتينية اليومية، قد تفكر أن حياتك وعملك أصبحا مملين. لذا، حاول أن تثبّت نفسك في هذه الفترة بغاية أكبر منك. فأنت من تحدد القصة التي ترويها لنفسك، وعندما نتوجه إلى شيء أكبر منا، نصبح أكثر قدرة على مقاومة الصعوبات.

استطاع فيكتور فرانكل، عالم الأعصاب والطبيب النفسي النمساوي، النجاة من أربعة معسكرات اعتقال، وهي تجربة عمقت فهمه للإنسان كثيراً. فتعلم أن الغاية هي محركنا أو حافزنا الأساسي في الحياة، وليس المتعة ولا القوة. كتب مرة ما يلي: “ليست الظروف هي ما يجعل الحياة لا تطاق، بل افتقاد المعنى والغاية”. وكتب في أثناء وجوده في معسكرات الاعتقال: “من كانت لديهم غاية يسعون لتحقيقها في المستقبل كانوا أكثر قدرة على النجاة”.

استلهم ممن يستجيبون للأزمة من خلال خدمة الصالح العام، فالبعض يساعدون المحتاجين في مجتمعاتهم، وآخرون يعتبرون هذه الأزمة درساً قيماً لأولادهم. هكذا نحيا ونقود من منطلق الغاية، وبإمكانك القيام بالأمر ذاته.

في النهاية، مع المضي قدماً وازدياد صعوبة الأمور، تذكر أن أهم حليف لك هو عقلك لأنه سيمكنك من إدارة الضغط النفسي. لذا، اعتن به من أجل صحتك وصحة الآخرين أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .