كيف يمكن أن تكون الكفاءة الأساسية استراتيجية؟

12 دقيقة
الكفاءة الاستراتيجية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تشرح رافاييلا سادون (Raffaella Sadun)، أستاذة إدارة الأعمال في هارفارد. والمؤلفة المشاركة لمقالة “لماذا نقلل من قيمة الإدارة الكفؤة؟” (?Why Do We Undervalue Competent Management) الصادرة في عدد سبتمبر/أيلول_ أكتوبر/تشرين الأول 2017 من هارفارد بزنس ريفيو. تشرح لماذا يصعب تطبيق الممارسات الإدارية الشائعة والبديهية من خلال ما توصلت إليه عبر مسحها عن الكفاءة الاستراتيجية الذي شمل آلاف الشركات حول العالم. إذ وجدت عبر ذاك المسح أنّ 6% فقط من الشركات يمكن النظر إليها على أنها تملك إدارة جيدة للغاية، كما اكتشفت أيضاً أنّ غالبية المدراء يظنون بأنّ أدائهم فوق المتوسط في رأي يخالف الحقائق التي لديها عن أداء شركاتهم.

الكفاءة الاستراتيجية

يبدو القول للرؤساء التنفيذيين أنهم بحاجة إلى أهداف واضحة وإبقاء أمهر موظفيهم ضمن شركاتهم أمراً سخيفاً، وذلك نظراً لأنها الاستراتيجية التي يسيرون عليها طوال الوقت، صحيح؟ لكن الواقع يقول بأنّ الكثير من الشركات تُخفق في تحقيق هذين الأمريين الأساسيين ومن دون حتى إدراك ذلك. لأن الكفاءة الاستراتيجية مهمة للغاية.

تقول أستاذة إدارة الأعمال بجامعة هارفارد رافاييلا سادون أنّه حان الوقت للعودة إلى الأساسيات، حيث جاءتنا بالبيانات التي تدعم وجهة نظرها هذه. قامت رافاييلا، مع باحثين آخرين، بإجراء مسح شمل لـ 15,000 شركة في 34 دولة حول ممارسات الإدارية الأساسية، وما وجدته كان يدعو إلى التشكيك في الحكمة التقليدية المتصلة بالتميّز التشغيلي. ولم يكن التميّز أمراً منتشراً بين الشركات كما هو متوقع، ولا حتى أمراً بديهياً، بل كان أمراً نادر الحدوث وصعب التحقيق. حتى أنه يمكننا القول بأنّ تحقيقه سيعطي للشركة ميّزة استراتيجية أمام منافسيها.

سارة غرين كارمايكل: هل يعني كلامك أنّ رواد الأعمال لا يقرؤون مجلتنا هارفارد بزنس ريفيو؟

رافاييلا سادون: بل إنهم يقرؤونها. وكلهم قرّاء لهارفارد بزنس ريفيو ومتابعون جيدون لها. ما أود قوله هو أنه على الرغم من قراءتهم للمجلة، وإيمانهم بأنهم يطبقون النصائح المقدمة فيها، إلا أنّ الواقع يقول عكس ذلك. كلنا نعلم بوجوب القيام بممارسات محددة لإنجاح شركاتنا، لكننا نادراً ما نسأل أنفسنا إن كنا حقاً نطبقها بشكل صحيح. بمعنى آخر، نحن لا نسأل أنفسنا أسئلة مثل: ماذا نفعل؟ هل نطبق ذلك حقاً؟ هل نحن موضوعيون في نظرنتنا إلى تلك البيانات؟ هل نجمع البيانات الصحيحة؟ شعرنا بالدهشة من النتائج التي توصلنا لها، وقمنا بعدها بالطلب من الرؤساء التنفيذيين تقييم أنفسهم ذاتياً، ثم قارناها مع نتائجنا لنكتشف تبايناً كبيراً بينهما. كان الجميع يرى أداء شركته جيداً عندما طرحنا عليه سؤالنا حول أداء الشركة، حتى عندما كانت البيانات تقول العكس.

اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة

سارة غرين كارمايكل: أتساءل إن كنت تتذكرين محادثة مع مدير شعر فيها بالصدمة لكون شركته لم تكن بالجودة التي توقعها. هل تذكرين هكذا قصة؟

رافاييلا سادون: بلى أذكر. أتذكر ذات مرة أنني كنت أتحدث مع مدير قابلناه خلال بحثنا، وكانت قد حلّت شركته في قاع الترتيب للأداء. أتذكر كيف كان شعوره وصدمته من النتيجة. لقد كانت لحظة أدرك فيها أنّ عليه القيام ببعض التحسينات لتطوير شركته أكثر. كانت لحظة ربما فكر فيها أنّ عليه القيام بالكثير من الأمور للعودة إلى المسار الصحيح. نقوم في العادة بالكثير من الأشياء انطلاقاً من فكرة أنها تحقق ما هو الأفضل لنا، لكن علينا في كل حين وآخر سؤال أنفسنا إذا كان علينا المتابعة أو العمل على التغيير.
سارة غرين كارمايكل: ما هي الأسباب الأُخرى التي تكافح الشركات لمعالجتها بغرض تحسين الإدارة؟

رافاييلا سادون: أحد هذه الأسباب هو زيادة الوعي. بمعنى آخر، معرفتهم بالأخطاء التي تحدث في شركاتهم. أما الأمر الثاني فهو قضية المهارات، والتي هي أمر مهم جداً، وأعتقد أنّ علينا تسليط الضوء عليها في كافة المنابر. كانت هناك بعض الممارسات التي وضعناها في الاستبيان تتطلب حداً أدنى من مهارات القراءة والكتابة والحساب، واكتشفنا عدم إلمام بعض الموظفين بتلك المهارات. إذا لم تكن قوة العمل لديك تملك هذه المهارات الأساسية، سيكون من الصعب عليها تحقيق التحسن المطلوب لأنك ربما تضع أرقاماً ونتائج يصعب على موظفيك الوصول إليها أو تحقيقها حتى لو كانت أساسية. أما السبب الثالث، الذي أراه مهماً لكن لا يتم تقديره كما ينبغي، فهو الديناميات والمقاومة لدى المؤسسة. أعتقد أنّ تلك القضية تبرز أكثر ما يمكن عندما تحاول الإدارة تقديم عملية جديدة للشركة وتطلب من موظفيها إنجاز أعمالهم وفقاً لها. لا أحد يحب أن ينجز عمله بتلك الآلية، ولا أعتقد أنّ هناك من يحب ذلك. كما يُعتبر الأفراد الأكثر مهارة هم الأكثر كرهاً لتلك الآلية.

سارة غرين كارمايكل: كلامك صحيح. هناك من يشعر بالانزعاج إن قام بهذه الأمور أحياناً.

رافاييلا سادون: أجل. وأعتقد أنّ ذلك يرجع إلى أنّ العمليات في بعض الأحيان تُشعرك بأنك مقيّد، وهو ما يؤدي إلى عدم قدرتك على النظر لمستوى أبعد ورؤية أهميتها للشركة. ربما تراها على أنها آلية بيروقراطية بينما هي في واقع الأمر عمليات تُفضي إلى التعلم والتحسّن، وستحقق مكاسب كبيرة للشركة تتخطى أي تكلفة قد يتكبدها الفرد خلال التزامه بها. أنا أيضاً مبهورة بفكرة دراسة مقاومة الأفراد في الشركات لهذا، وأرغب في معرفة كيفية نشوئها وكيفية التغلب عليها كذلك.

سارة غرين كارمايكل: هل تعملين أي أبحاث متصلة بموضوع مقاومة التغيير حالياً؟

رافاييلا سادون: أجل. في الواقع، واجهنا هذا ضمن قطاع الرعاية الصحية في إحدى البلدان النامية التي نعمل فيها. كنا نعمل مع مجموعة مؤلفة من 50 مستشفى، وبشكل أكثر تحديداً، وحدات العناية المركّزة لحديثي الولادة فيها. لاحظنا عدم قيام الكادر هناك بأمور أساسية للغاية مثل غسل اليدين، حيث كانت نسبته أقل من 10%، وهو أمر سيء لوحدة مهمة كهذه. لاحظنا أيضاً أنّ معدل الوفيات كان مرتفعاً جداً فيها. إذن، ما أدركناه من عملنا مع هذه المشافي أنّ درجة تنفيذ الأشخاص للبروتوكولات الطبية يعتمد بشكل كبير على درجة تنفيذ رؤسائهم لها. بمعنى آخر، كانت الممرضات تتبنى ما كان يقوم به رؤساء أقسامهن والأطباء المشرفين عليهن. كان بعضهم جيداً جداً في إنشاء علاقة إيجابية مع الممرضات، حيث كان يجتمع معهن بشكل منتظم ويتحدث معهن حول كيفية القيام بالأشياء، ويستمع إلى ملاحظاتهن وإن كان لديهن أي أسئلة. في الوقت نفسه، كان هناك آخرون منفصلون تماماً عن الممرضات، ولم يكونوا متواصلين معهن. لذا، نحاول الآن العمل من أجل القيام بتدخل على المستوى الإداري نقوم فيه بتعليم رؤساء الأقسام كيف يمكنهم أن يكونوا مدراء أفضل. يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تحسين الجودة السريرية وبالتالي انخفاض معدلات انتقال العدوى للأطفال. هذا أحد الأمثلة التي أؤمن بأنّ للإدارة فيها تأثير قوي. من المهم دراسة ما إذا كان هذا صحيحاً، وتوثيقه والتحقق منه أيضاً.

سارة غرين كارمايكل: ما هي بعض الأنماط التي شاهدتها حتى الآن والتي تختلف ما بين بلد وآخر وما بين شركة وأُخرى؟

رافاييلا سادون: كان الأمر ساحراً. كان مستوى الاختلافات التي رأيناها بين بلد وآخر كبيرة جداً. كان هذا أمراً له أهميته. كما تعرفين، أنا خبيرة اقتصاد، وقررت العمل على هذا البحث لأنني أردت معرفة سبب نمو بعض البلدان أكثر من غيرها، وإن كان بإمكاننا ربط هذا النمو بالشركات. كان هذا أمراً مهماً، فإن قمت بالنظر إلى البيانات المتصلة بالإدارة، ستجدين فرقاً كبيراً جداً بين البلدان. بمعنى آخر، سترين أنّ النمو في البلدان المتقدمة، كما هو متوقع، أكثر احترافيه بكثير مقارنة بشركات البلدان النامية. يمثّل هذا أحد الاكتشافات المهمة التي توصلنا إليها كونه يخبرنا بأنّ أحد أسباب هذا الاختلاف يُعزى إلى مستويات التنمية والذي يمكننا أن نعزوه إلى الشركات نفسها. لا يمكننا مثلاً إرجاع الأمر على عدم نجاعة الحكومة أو إخفاق نظام التعليم في تلك البلاد. بل يتعلق بالشركات، وبالأشخاص أنفسهم كالمدراء مثلاً. كان هذا المستوى الأول من الاختلاف. بعد ذلك، أظن أنّ ما أدهشنا حقاً، كما أدهش الآخرين، هو مستوى الاختلاف وعدم التجانس المختلف، حتى داخل البلدان وداخل نفس الصناعات ضمن كل بلد. فإذا نظرت مثلاً إلى الولايات المتحدة، والتي تعتبر أكثر البلدان نمواً، ستجدين أنّ فيها أيضاً بعض الشركات تُدار بشكل جيد حقاً وأُخرى لا تقوم بتنفيذ حتى الأساسيات.

ساره غرين كارمايكل: هلّا قدمت لنا برأيك بعض الأمثلة حول الأساسيات الإدارية؟

رافاييلا سادون: أجل. اسمحي لي أن أقدّم لكم أحد الأمثلة المفضلة لدي بشكل مفصّل، حيث سأتحدث عن قضية الاجتماعات ضمن الشركة.

سارة غرين كارمايكل: هلّا بدأنا.

رافاييلا سادون: لا أقصد هنا تواتر أو طول الاجتماعات فحسب، إنما الطريقة المتبعة داخل الاجتماعات. بمعنى آخر، هل لديك جدول أعمال يتم مناقشته؟ هل لديك خطة متابعة؟ هل يتم استخدام البيانات، أم أنك فقط تخبرين الناس ما يقوله حدسك؟ هل تأمرين الناس بالقيام بما تريدين؟ أعتقد أنّ موضوع الاجتماعات من المواضيع المهمة جداً، لأنه في حال تمكنت من العمل عليه بشكل جيد، يمكنك عندها إنجاز الكثير وتعلم الكثير. يمكنك التعلم من تجارب المشاركين، ويمكنك التفكير بطرق جديدة للقيام بالأشياء، ويمكنك تخصيص المسؤوليات وإنشاء المساءلة. كما تعلمين، إذا لم يتم إدارة الاجتماع بشكل جيد، سيكون مضيعة للوقت. بالتالي ما يثير الاهتمام هنا هو أنّ هناك بالفعل بعض الإجراءات المعروفة المتصلة بكيفية إجراء اجتماعات ناجحة، ونقوم بدورنا بمحاولة سبرها.

نسأل المدراء إن كان لديهم جدول أعمال، ونسألهم إن كانت لديهم خطة للمتابعة. ونحاول فهم كيف تجري التفاعلات في هذه الاجتماعات. لذا، نجد برأينا أنّ الاجتماعات يمكن النظر إليها على أنها مثال مهم لكيفية أداء الشركة وما يميز شركة عن أُخرى.

سارة غرين كارمايكل: كانت إحدى أهم النتائج التي توصلت إليها على ما يبدو هي أنّ أسوأ الشركات إدارة تلك التي كان يديرها المؤسس أو تلك الشركات العائلية. لماذا يحدث هذا برأيك؟

رافاييلا سادون: كان أكثر ما شد انتباهي خلال دراستنا للنتائج، هو الشركات العائلية. بالتأكيد كانت تلك الشركات تسعى، كما البقية، للنمو والحفاظ على الربحية على المدى الطويل، إلا أنها امتلكت أيضاً أهدافاً متفرقة كما اكتشفنا. أحد تلك الأهداف كان كسب المال طبعاً، لكن كان هناك أيضاً أمور أُخرى مثل رغبة أحد أفراد العائلة في أن يكون المدير، أو رغبة آخر في أن يعمل أبناؤه معه في الشركة. طبعاً نُدرك أنّ الأبناء ليسوا دائماً مدراء شركات جيدين. كما أنه حالما يبدأ المزج بين العمل والأسرة، ينتهي الأمر باتخاذ قرارات تكون ضيقة الأفق أو محدودة النتائج مثل أن تكون الرئيس بنفسك أو أن تمنح ابنك وظيفة إدارية دون امتلاكه ما يكفي من الخبرة. باختصار، هناك بعض القرارات التي لا تكون الأفضل للشركة أو لإدارتها أو حتى لصالح الموظفين الذين يعملون فيها.

سارة غرين كارمايكل: يؤمن الناس أنهم يؤدون بشكل جيد، ويظنون أنهم يقومون بإنجاز المهام بطريقة موحدة بين الموظفين. هل وجدت تفسيراً حول سبب اعتقاد الأشخاص ذلك، وعدم تنفيذهم له؟ أعني أنه ليس علم صواريخ، بالتالي يمكن للناس معرفة إذا كانوا يقومون بالعمل الصائب أم لا، صحيح؟

اقرأ أيضاً: لماذا يفشل المسؤول التنفيذي في تنفيذ الاستراتيجية رغم أنه يعمل بجهد؟

رافاييلا سادون: أجل، وأعتقد أنه يعود حقاً إلى حقيقة أنّ اليد الواحدة لا تصفق. بمعنى آخر، إذا كان هناك شخص واحد يعمل بشكل صحيح في الشركة، لن يتمكن من تقديم هذا التأثير القوي على الأداء التنظيمي. ولإنجاح العمل، تحتاجين إلى أن تعمل مختلف الأقسام في الشركة مع بعضها البعض بشكل متناغم ومتجانس. عندما يحدث ذلك، يمكن أن تكون المكاسب كبيرة حقاً، لكن يُعتبر الوصول إلى تلك النقطة أمراً مكلفاً جداً. ربما يكون لدينا الكثير من الشركات التي قررت بدء هذا المسار الصعب. كم عدد تلك الشركات التي لديها مبادرات قادرة على تحقيق تلك النتيجة؟ طبعاً الإجابة هي أنّ هناك الكثير، ولكن ماذا يحدث لدى التطبيق العملي؟ في الواقع، سنرى أنّ قسم التصنيع متحمس جداً للموضوع، في حين يكره قسما المبيعات والتسويق ذلك. لذا، ماذا يحدث بعد ذلك؟ حسناً، سنجد أنه مع المرور الوقت سيتم تجاهل تلك المبادرات ونبذها لعدم وجود إجماع عليها ولكونها مختلفة عن ثقافة الشركة.
سارة غرين كارمايكل: هل يهم نوعية الرئيس التنفيذي؟ هل يهم إن كان مديراً عظيماً؟ هل يمكن أن يشكّل القوة الدافعة لتغيير الشركة، أم أنّ قدرته على تحقيق هذا التأثير ليست كبيرة هكذا؟

رافاييلا سادون: أعتقد أنه يمكن للرئيس التنفيذي أن يكون صاحب تأثير قوي جداً على الممارسات الإدارية. وأعتقد أنّ الأمر المثير للاهتمام حقاً، أنه إذا كانت لديك عمليات قوية، لن يحتاج الرئيس التنفيذي للتحقق باستمرار والتأكد مما يفعله الموظفون. يمكن أن يكون للرئيس التنفيذي تأثير قوي طالما أنه قادر على توصيل فكرته والقول بأنّ على كل أقسام الشركة العمل معاً لتحقيقها. بمعنى آخر، يتوجب عليه العمل للحصول على الإجماع. هذا هو المكان الذي أرى فيه دور الرئيس التنفيذي دوراً مهماً حقاً في تحول الشركة تجاه العمليات والتأكد من أنّ هناك قبول قوي بين الموظفين لتنفيذ ما هو مطلوب بالشكل المناسب. يمكننا القول أنّ جوهر الأمر هو العمل المشترك بين الجميع. بالتالي على الرؤساء التنفيذيين إدراك أنّ عليهم القيام بتفويض كبير لإنجاح ذلك. كما يتوجب عليهم ألا يكونوا مسؤولين عن العمليات نظراً لقيامهم بإنشاء آليات تسمح للآخرين للقيام بذلك بشكل فعال.

لذلك، وعندما ننظر في فعالية الرئيس التنفيذي، سنجد أنها يمكن أن تكون فعالة جداً. وبالنتيجة، يتوجب عليه أن يرى نفسه وفق منظور جديد وألا يعمل على الأمور الصغيرة أو الجوانب الدقيقة، بل على التنسيق العام وإقناع الآخرين بجدوى ما يتم اقتراحه.

سارة غرين كارمايكل: أتساءل عمّا إذا كنت قد رأيت مثالاً فيه تمكّن الرئيس التنفيذي أو الفريق الرئيسي من تحويل تفكير الشركة بالفعل وقاموا بتحسين إدارة شركاتهم حقاً.

رافاييلا سادون: كما هو واضح من لهجتي، فأنا إيطالية. كانت إحدى الشركات الإيطالية التي عملنا معها وهي شركة “مولسكين” (Moleskin) لديها قصة مثيرة للاهتمام حقاً. كانت “مولسكين” شركة صغيرة نسبياً عندما قرروا فيها أنهم يريدون إضفاء الطابع المهني على ما كانوا يقومون به وعيّنوا مديراً مختصاً لتحقيق ذلك. ما سحرني هو رؤية كيف غيّر المدير المختص الطريقة التي تُدار بها العمليات داخل “مولسكين”، بما فيها العمليات التي كانت غريبة عن الشركة حتى تلك الفترة نظراً لعدم قيام مؤسس الشركة باستكشافها أو العمل عليها. استغرق التحول بعض الوقت لاكتماله، وكان يتم بشراكة قوية مع المؤسسين أنفسهم، وهو أمر كنت أراه مهماً. تخيلي أنهم كانوا مدعومين من شركة أسهم خاصة. تخيلي آلية مختلفة لدرجة أنك تدخلين الشركة لتجدينهم يقومون بطريقة عمل جديدة مختلفة كلياً عمّا اعتادوا القيام به. ما هي احتمالات النجاح في هذه الحالة؟ من خلال الشراكة، كان المدير قادراً حقاً على فهم ما كان الموظفون يعرفونه، وما كان المؤسسون يعرفونه، ثم العمل على توسيع نطاق تلك المعرفة لتشمل الكثير من الناس على مختلف المستويات والأقسام في الشركة.

اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك

ساره غرين كارمايكل: ذكرت في مقالتك قصة “جنرال موتورز” وكيف حاولت تبني نظام إنتاج “تويوتا” وفشلت. كيف يمكن لشركة نقل هكذا تجارب بنجاح؟ وما هي العبرة المستخلصة من تجربة شركة “جنرال موتورز” التي قالت: “مهلاً، إنها طريقة عظيمة، وسنحاول القيام بها”. لكن بعد ذلك فشلت في تطبيقها؟

رافاييلا سادون: أنت تعرفين قصة “جنرال موتورز”. أعتقد أنها مثال رائع لأنّ تفسيري لما حدث هو أنه كان يجب وضع نوع من الاتفاق الضمني بين كل من قمة الشركة والمستوى الإداري فيها وبين القوى العاملة المنفذة لهذه العمليات من أجل تبنيها بشكل كامل. في حالة “جنرال موتورز”، كانت هناك علاقة ثقة بين القوة العاملة والإدارة. بالتالي ليس من السهل إدخال عمليات تؤدي إلى زيادة الإنتاجية من دون طمأنة العاملين أولاً. كان العاملون يظنون أنه في حال تم تطبيق طريقة تؤدي إلى إنتاجية أعلى، سيؤدي ذلك بالشركة إلى الاستغناء عنهم، أو على الأقل عن جزء منهم. كان ذلك التفكير يمثّل مشكلة رئيسية فعلاً لأن عليك إقناع الناس للقيام بالأشياء بطريقة مختلفة، وإقناع العمال بأنّ زيادة إنتاجية الشركة لن تؤدي إلى طردهم منها. لم يكن ما سبق مشكلة تعاني منها شركة “جنرال موتورز” فحسب، بل مجرد مثال حول لم يُعتبر تطبيق العمليات الإدارية أمراً صعباً.

تعرفين أنّ ذلك يُعتبر من أحد المخاوف. بالتالي، أعتقد أننا نعود مرة أُخرى إلى فكرة أننا نميل إلى تطبيق العمليات دون شرح. نحن نطلب فقط من الناس تنفيذ الأمور بشكل معين وبطريقة مختلفة من دون المزيد من الشرح. إذا أردت من موظفيك تنفيذ ما تريدين، عليك أن تشرحي لهم وتفسري لهم أهمية ذلك. عليك أن تشرحي لهم أنّ تغيير العمليات لن يقدّم لك الفائدة فحسب، بل أيضاً سيقدم فائدة لهم.

سارة غرين كارمايكل: تبدو الشركات التي تحل في أعلى الترتيب أنها من نوعية شركات الأسهم الخاصة. أشعر بالفضول حول هذا لأنه عادة عندما تقوم شركة أسهم خاصة بشراء شركة ما، يقول الموظفون بأنه سيُطردون. هل يمكنك تفسير كيف نجح ذلك؟ كيف يمكن لشركات الأسهم الخاصة إنجاح ذلك مع وجود ثقة قليلة، أو حتى عدم ثقة بالمرة فيها؟

رافاييلا سادون: ليس عليك إعادة بناء الثقة من الصفر. أنت تنطلقين من افتراض أنّ هناك حداً أدنى من الثقة على الأقل بين مجموعة مختارة من القوى العاملة. كما أنّ هناك بعض الشركات في الواقع تقوم بتغييرات إدارية كبيرة. الكل يعلم أنه في حال كنت ترغبين بتغيير الطريقة التي تتم فيها الأمور، عليك العمل مع أشخاص يؤمنون بما تفعلينه، ما يؤدي بالفعل إلى خلق نوع أكثر تجانساً لدى معتقدات من يعملون. ثم أنّ هناك المساءلة. فإذا تمكنت من بناء المساءلة بشكل صحيح، والتي يمكن بناؤها بطرق مثل الحوافز النقدية أو عبر مكافأة الأداء الناجح، بالتالي يمكنك تحقيق الكثير. ما أفهمه هو أنه إذا كانت هناك طريقة للقيام بذلك بشكل منهجي من أعلى إلى أسفل، سيساعد ذلك على خلق مجموعة مفاهيم مشتركة بين الجميع حول كيفية سير الأمور إلى الأمام.

سارة غرين كارمايكل: هناك نقاشات حول أي الأمرين يأتي أولاً: هل إن كانت لديك ثقافة عظيمة وثقافة ثقة، سيكون لديك تميّز تشغيلي؟ أم أنّ التميز التشغيلي هو الذي يخلق نوعاً من الثقافة العظيمة وثقافة الثقة؟ يشابه هذا السؤال الخالد: من جاء أولاً: الدجاجة أم البيضة؟

رافاييلا سادون: تملك الإجابة جذوراً تاريخية قوية. على سبيل المثال، قمنا بقياس مدى تفويض المدراء لأشخاص آخرين ويمكنك رؤية اختلاف أنماط التفويض كثيراً بحسب المنطقة الجغرافية، بل وحتى ضمن المحافظات ذاتها. اسمحي لي أن أقدّم لك مثالاً مستمداً من إيطاليا. تميل الشركات في الشمال إلى تفويض أكثر بكثير للقوى العاملة مقارنة بتلك الموجودة في الجنوب. تُعتبر إيطاليا إحدى تلك البلدان والتي فيها الثقة معممة مع بعض الاستثناءات. تميل الشركات في الشمال إلى أن تكون أكثر ثقة مقارنة بالجنوب، لكن الثقة منتشرة بشكل عام هناك. بالتالي وإلى حد ما، تكون الثقة أمراً نسبياً ويعتمد على معرفتك بموقع شركتك وتاريخها وأنماط العلاقات التي لديك مع موظفيك. نعود هنا لنتذكر مثالنا حول شركة “جنرال موتورز” السالف ذكره. في الوقت نفسه، الثقة هي عامل يمكن تغييره. أعود إلى فكرة أنّ قمة الشركة يمكن أن تلعب دوراً هاماً في بناء الثقة.

لكن إذا كنت تريدين شركة تتبع مبادئ الإدارة، عليك كرئيس تنفيذي التأكد من معرفتك التامة بمن تحاولين إقناعهم.

سارة غرين كارمايكل: برأيك ما هو الدور المناسب لأماكن مثل كليات إدارة الأعمال والبرامج التدريبية؟ لأنه يبدو أنّ هناك الكثير من البرامج باهظة الثمن والمرموقة، والتي تعلّم المدراء الكثير من الأمور، لكن هل يتعلمون الأشياء التي من شأنها أن تساعدهم على معالجة هذه القضية تحديداً؟

رافاييلا سادون: أجل. أعتقد أنك تعرفين أنّ لدي خبرة ناتجة عن تدريسي للطلاب في كلية إدارة الأعمال في هارفارد. عندما نناقش الحالات التي فيها من الواضح أنّ ما يميز الشركة هو استخدامها العمليات لكن عبر جميع أنحاء التسلسل الهرمي، كما تحدثنا سابقاً، يكون السؤال هو عمّا إذا كان ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق ميزة تنافسية؟ لا يمكنهم الإيمان بأنّ هذه الأشياء الأساسية جداً والمعروفة يمكن أن تكون في الواقع مصدراً لأوجه التباين في الأداء. بالتالي، أعتقد أنّ الجانب الذي أريد أن أراه ربما هو تعرض الطلاب لخبرة عملية حول القيام بهذه الأعمال المتعلقة بموضوع الكفاءة الاستراتيجية ضمن الشركات. ربما يمكنك أن تجعلينهم يتدربون في الشركة وينالوا فرصة معرفة إذا كانت تُدار بشكل جيد أو سيء. يمكنهم اكتساب خبرات كبيرة مثل: ما رأيك في ذلك؟ وما هو دورك؟ كيف يمكنك تغيير كيفية القيام بالأشياء؟ يماثل هذا المتدربين في المجال الإداري والذين تأتيهم تلك اللحظة التي يدركون أنّ بإمكانهم فعل شيء بشكل مختلف. إذا أتى شخص واحد فقط من شركة وتعرض لتلك العملية وعاد ولم يكن هناك التزام من القيادة بدعمه، سيكون تغيير هذا الشخص لأي شيء صعباً للغاية. بالتالي عندما تفكرين ببرنامج تدريبي، أعتقد أنه من المهم التفكير بشكل استباقي. بمعنى أخر، طرح أسئلة على غرار: كيف سأتمكن من التكيّف؟ كيف سأستخدم هذا عندما أعود؟

اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .