كيف يختار المدراء الناجحون المواهب وكيف يطوّرونها؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عادة ما يكون المدراء العظماء خبراء في مجالاتهم ويمتلكون سجلاً حافلاً بالأداء القوي ويولون اهتماماً بتولّي المسؤولية، ولكنّهم كي يستطيعوا القيادة بفعالية يحتاجون إلى تطوير مهارة أخرى غالباً ما يُتغاضى عنها، وهي: إدارة المواهب.

لبناء فريق ممتاز من الضروري أن يمتلك القادة القدرة على رصد الموهبة قبل الآخرين (داخلياً وخارجياً)، وإطلاق العنان للإمكانات البشرية، ووضع الموظف المناسب في المكان المناسب وكذلك إيجاد الوظيفة المناسبة للموظف المناسب. باختصار، المدراء العظماء هم الذين يكونون وكلاء مواهب عظماء أيضاً.

ليس من السهل دائماً أن تصبح وكيل مواهب ناجح، فهذا يتطلب منا كقادة أن نكون منفتحين وأن نستغني عن أساليب التوظيف البالية حتى وإن كانت شائعة. يبحث الكثير منا عن المواهب في الأماكن القديمة (والخاطئة) نفسها، أو يتبع التوجه الفكري الرائج بأن “أفضل توظيف هو ما يتناسب أكثر مع ثقافة الشركة”. تؤدي هذه المقاربات إلى تقويض الجهود المبذولة لتعزيز التنوع (ديموغرافياً ومعرفياً) وتفضي في النهاية إلى عرقلة الإبداع والابتكار.
في حين لا توجد طريقة “فضلى” لتوظيف المواهب، ثمة بالتأكيد مقاربات أفضل من تلك التي كنا نعتمدها في الماضي. بعد تمحيص الأداء الذي يجعل المدير كفؤاً أو غير كفؤ، توصلت وزملائي إلى سبع توصيات تستند إلى العلم لمساعدتك على تحديث أساليبك في التوظيف وتطوير إدارة المواهب لديك في الوقت نفسه.

1) فكّر في المستقبل.

من الغريب أن يُسأل الموظفون المرتقبون خلال مقابلات التوظيف عن تطلعاتهم الوظيفية خلال خمس سنوات أو أين يرون أنفسهم بعد خمس سنوات، في حين أن عدداً قليلاً فقط من المدراء يسألون أنفسهم عن استراتيجيتهم للمواهب لخمس سنوات. يعرف معظم القادة نوع المواهب الذي يبحثون عنه في الوقت الراهن، ولكن القليل منهم يفكر في المستقبل لمعرفة ما إذا كان الموظف الجديد يمتلك مهارات تتواءم مع استراتيجيتهم طويلة الأمد. ولذلك، إذا كنت تعرف أين تريد أن تذهب، ركّز جهودك على توظيف شخص يتمتع بالمهارات والقدرات والخبرات التي ستحتاجها للمضي قدُماً. بالإضافة إلى ذلك، لا تفترض أن كل الموظفين الذين يعملون معك اليوم سيبقون إلى الأبد، ولهذا عليك أن تفكر على المدى الطويل في الوقت الذي تنفذ فيه أهدافك للمدى المنظور.

2) ركّز على السمات الصحيحة.

أكبر خطأين يرتكبهما المدراء عند تقييم أداء الموظفين هما: التركيز كثيراً على أداء الموظفين السابق (حتى عندما يفتقرون إلى مؤشرات أداء مناسبة)، والمبالغة في تقدير أهمية سيرهم الذاتية ومهاراتهم التقنية وخبراتهم الفنية. توقع “المنتدى الاقتصادي العالمي” اختفاء 65% من الوظائف الموجودة اليوم في غضون 15 عاماً، وهذا يعني أن القادة لا يمكنهم الإفراط في التركيز على المناهج التعليمية الحالية المصممة أساساً لإعداد الموظفين للوظائف الحالية وليس المستقبلية. قد لا نستطيع تخمين ماهية هذه الوظائف المستقبلية، ولكن يمكن أن نرى بوضوح أن الموظفين سيكونون قادرين على توليها إذا امتلكوا بعض المهارات الشخصية مثل الذكاء العاطفي والدافع وقابلية التعلم. هذه هي السمات الرئيسية التي تحدد اكتساب أي مهارة أو معرفة جديدة، كما يُرجّح أن تصبح هذه الجوانب الأساسية في المواهب أكثر أهمية مع صعود الذكاء الاصطناعي.

3) لا تبحث في خارج الشركة بينما يمكنك الاستعانة بموظفيك.

عادة ما توظف الشركات أشخاصاً من الخارج بينما يمكنها الاستعانة بأفضل المواهب من موظفيها. تظهر مجلات علمية أن الموظفين الجدد القادمين من خارج الشركة يستغرقون وقتاً أطول في الغالب للتأقلم، وأن لديهم معدلات أعلى لترك العمل بشكل طوعي أو غير طوعي، إضافة إلى أنهم يتقاضون في الغالب تعويضات أكبر من تلك التي يتقاضاها المرشحون من داخل الشركة. ولهذا، من المهم أن تبحث عن المواهب داخل شركتك قبل أن تفعل ذلك خارجها. يميل الموظفون من داخل الشركة إلى امتلاك مستويات تأقلم ومعدلات نجاح أعلى من تلك التي تكون لدى الموظفين من خارجها، لأسباب ليس أقلّها أنهم أفضل في فهم ثقافة المؤسسة والتعامل مع سياساتها، كما يكونون أكثر ولاءً والتزاماً تجاه شركتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن ترقية المرشحين من داخل الشركة تعزز مشاركة الموظفين الآخرين.

4) فكّر بطريقة شاملة.

يميل معظم المدراء إلى توظيف أشخاص يذكرونهم بأنفسهم، ما يضر بالتنوع ويكبح أداء الفريق. عندما نوظف أشخاصاً يشبهوننا فإننا نقلل من احتمالية إنشاء فرق يمتلك أعضاؤها مجموعة مهارات متكاملة بفضل خلفياتهم المختلفة وحتى المتعارضة. أما الطريقة الوحيدة للتفكير بالمواهب على نحو شامل فتتمثل في قبول أشخاص مختلفين عنك وعن الآخرين الموجودين في فريقك حالياً. كما نقترح عليك أن تخطو خطوة إضافية وترحب بالموظفين الذين يتحدّون الأعراف التقليدية، فالتغيير هو ما يحرّك التقدم، ومن غير المرجح أن يحدث أي تغيير في حال كنت توظف أشخاصاً يبقون على الوضع الراهن كما هو. بالإضافة إلى ذلك، نعرف جميعنا أن الشركات التي تمتلك خطوط إمداد بالمواهب متنوعة تميل إلى تحقيق نتائج مالية أفضل.

5) استند إلى البيانات.

كل البشر، بما فيهم المدراء، يتخذون قرارات خاطئة بين وقت وآخر، ولكن قلة منهم يعترف بذلك، وهذا أحد أسباب انتشار التحيز في عمليات التوظيف. تظهر الأبحاث في الواقع أن مدراء التوظيف يفضلون تعظيم درجات تقييم الأداء بدلاً من الاعتراف بأنهم وظفوا الشخص الخطأ. ولذلك، ينبغي لمن يتبوؤون مناصب أعلى أن يمارسوا النقد الذاتي أكثر وأن يختبروا نتائج قراراتهم أكثر. على سبيل المثال، عندما توظف أحداً ما، حدد أهداف أداء واضحة يمكن للآخرين أن يقيموها بسهولة، وانظر فيما إذا كانت رؤيتك لأدائه تتماشى مع ما يراه الآخرون ويفكرون به. كذلك، قبل أن ترشح أحداً كموظف ذي إمكانات عالية، تسلّح ببيانات وأدلة قوية لكي تضمن أن يكون قرارك عادلاً وعقلانياً حتى لو أثبت المستقبل أنك مخطئ. تحديد المواهب هي عملية تجربة وخطأ مستمرة، والهدف منها ليس إنجازها على نحو جيد بل إيجاد طرق أفضل للخطأ.

6) فكّر بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد.

نعيش في عالم يغلب عليه تمجيد النزعة الفردية والتحسّر على الروح الجماعية، مع أن كل ما هو قيّم تقريباً هو نتيجة لجهد إنساني جماعي، مثل عندما يجتمع أشخاص من خلفيات مختلفة لتحويل مواهبهم الفريدة إلى تآزر فعّال. وبالتالي، عندما تفكر في خط إمداد المواهب الخاص بك، قلل من التركيز على الأفراد وركز أكثر على عملية تشكيل الفريق: هل سيحسن أعضاء الفريق العمل مع بعضهم البعض؟ هل يُرجح أن يكمّلوا بعضهم البعض؟ هل تتلاءم أدوارهم الوظيفية والنفسية مع ما يحتاجه الفريق؟ في الفرق الجيدة، يكون كل فرد عضواً أساسياً يتولى مسؤولية تنفيذ وظيفة محددة، ما يجعل كل جزء مختلفاً عن سواه ويجعل النظام أكبر من مجموع وحداته. كما يعرف وكلاء المواهب أن نجاح الفرق يقوم على تبني أفرادها ذهنية الجماعة.

7) اعمل على تحسين الموظفين.

المدراء العظماء هم الذين يدركون الإمكانات، حيث يعجز الآخرون، وكذلك هم وكلاء المواهب العظماء. مهما كان مستوى المهارة الذي يتمتع به موظفوك، ينبغي لك أن تساعدهم على النمو بطرق جديدة. ومهما كان مستوى الصعوبات التي يواجهها الموظف، من مسؤوليتك أن تحاول مساعدته لإيجاد مكانه المناسب. يقول الأستاذان هيرمينيا إيبارا وآن سكولار في مقالة نُشرت حديثاً إن “دور المدراء باختصار أصبح يشبه دور المدرّب”، وهذا يعني ضرورة احتراف فن تقديم الملاحظات الهامة، بما في ذلك القدرة على إجراء محادثات صعبة ومعالجة الأداء الضعيف، كما يعني أيضاً ضرورة التنبؤ باحتياجاتك المستقبلية من المواهب لكي تكون مواكباً للطلب ولكي يبقى الموظفون في فريقك مناسبين للدور الذي يلعبونه ويبقوا كذلك من الأصول القيمة للسنوات المقبلة. وكما أظهر بحثنا مع شركة التوظيف “مان باور غروب” (ManpowerGroup) والذي استطلع نحو 40,000 مؤسسة في 43 بلداً، فإن نصف الموظفين تقريباً يقولون إنهم لا يستطيعون إيجاد المهارات التي يحتاجونها، ما يدل على أن استراتيجيات التخطيط للمواهب الخاصة بهم ليست فعالة بما يكفي.

بالمختصر المفيد، يتوقف الأمر لكي تكون مديراً عظيماً في جزء كبير منه على أن تكون خبيراً في شؤون المواهب. ومن حسن الحظ أن هناك عالماً قائماً بحد ذاته لإدارة المواهب يستند إلى عقود من الأبحاث القطاعية والتنظيمية والإدارية. ولكن هذا العلم لن يكون مفيداً في حال كنت تجهل كيفية تطبيقه، والجزء الأهم في هذه العملية هو ألا تتوقف عن التفكير في إمكانات موظفيك ومواهبهم. أما العوامل الأخرى، فلا يُرجح أن تحدث فرقاً كبيراً فيما يتعلق ببناء فريق عالي الأداء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .