كيف يتحسن الأداء بوجود منافس؟

14 دقيقة
shutterstock.com/Vera Larina
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع آدم غرانت وهو متخصص في علم النفس التنظيمي في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania).

يقول آدم غرانت، إن الأفراد والشركات على حد سواء يمكنهم الاستفادة من وجود منافسين. وقد درس غرانت المنافسة في الرياضة والأعمال، ويعتقد أن لها تأثيراً أكبر من مجرد المنافسة التي يكون فيها الفوز على حساب الآخرين. يشرح غرانت كيف يمكننا العمل وامتلاك شعور أفضل من خلال المخاطرة بمعاملة منافسينا كما لو كانوا أصدقاء متنافسين.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” (HBR IdeaCast) المقدم من هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review). أنا كيرت نيكيش.

“مايكروسوفت” و”آبل”. “كوكا كولا” و”بيبسي”. “إيرباص” و”بوينغ”. تطول قائمة المنافسين وتستمر.

ولا يشكل المنافسون إحدى القوى الخمس لبورتر عبثاً. يظهر إطار العمل ذاك أنه إن كان لديك قليل من المنافسين، فأنت تمتلك قوة أكبر لترفع الأسعار. وتقل قوتك إذا كان لديك كثير من المنافسين يعرضون منتجات وخدمات منافسة. يضر المنافسون بصافي المبيعات لديك.

ولكن ضيفنا اليوم يقول إن امتلاك منافسين ليس بالضرورة أن يكون أمراً سيئاً على الإطلاق. ويبين عدد متزايد من الأبحاث أن ذلك من شأنه أن يعزز الأداء. على مستوى الفرد على الأقل، عندما يكون لديك أشخاص ناجحون تقارن نفسك بهم. ولكن في بعض الحالات، على المستوى التنظيمي.

كان آدم غرانت يدرس هذا. وهو متخصص في علم النفس التنظيمي في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania). وهو أيضاً مؤلف ومقدم بودكاست “وورك لايف” (WorkLife).

شكراً لوجودك معنا يا آدم.

آدم غرانت: شكراً لاستضافتكم لي.

كيرت نيكيش: أجريتُ استقصاء البحث أولاً على المنافسات وكيف تؤثر هذه المنافسات في الأداء، ثم خرجت إلى الميدان بنفسك وقابلت الجميع من بائعي شاحنات الأغذية في تكساس إلى فريق التزلج الوطني النرويجي. وبعد كل ذلك، ماذا الذي يمثل في رأيك أكبر سوء فهم لدينا حول المنافسات؟

آدم غرانت: أعتقد أن سوء الفهم البسيط هو أن منافسك يكون عدوك. اعتقدت ذلك نوعاً ما على مدار فترة طويلة من مسيرتي المهنية، وهو السبب الذي جعلني أحرص على ألا يكون لي منافسون. حاولت طرد المنافسة والقول “أريد أن أكون أفضل من ذلك، وأعلى من ذلك”.

وكنت مخطئاً بالكامل. أعتقد أن منافسك الأكبر يمكن أن يكون في واقع الأمر حليفك الأكبر. وثمة قيمة في النظر إلى تلك العلاقة على نحو مختلف تماماً مما افترضته بصورة غريزية.

كيرت نيكيش: ذلك مضحك جداً لأننا نسمع تلك العبارة كثيراً: لا تتدخل فيما لا يعنيك، اهتم بشؤونك. وأنت ببساطة تقول إن ذلك ليس صحيحاً إلى حد ما، ليس إذا أردت أن تقدِّم أفضل ما لديك.

آدم غرانت: نعم، هذا صحيح تماماً. أعتقد أن جزءاً من ذلك، إذا أردت أن تكون الأفضل، فعليك أن تتمرن مع الأفضل. فسواء كنت رياضياً أو صاحب عمل أو أي شيء بينهما، فهذا يعني أن منافسيك المباشرين في أحوال كثيرة هم أشخاص سيدفعونك بقوة كبيرة، وأنت تعلم أنهم يمتلكون الدافع والمعرفة والمهارة لرفع مستوى لعبتك.

كما كان من المذهل بالنسبة إليّ أنْ أكتشف أن شالاني فلاناغان، التي تُعد إحدى أروع عدّاءات المسافة الطويلة في التاريخ الأميركي، تدرِّب منافسيها، وهم يساعدون بعضهم بعضاً خلال السباقات.

لم أكن أتوقع ذلك أبداً، أليس كذلك؟ يفترض أن يكون الفوز في الجري على حساب الآخرين. وإذا كنت ستساعد أحد منافسيك، فهذا سيقلل فرصك في الوصول إلى الألعاب الأوليمبية أو الفوز بميدالية في الألعاب الأوليمبية. ومع ذلك، فإنهم يعتقدون حقاً أن هذه هي الطريقة الوحيدة لبلوغ التفوق.

كيرت نيكيش: وترى هذا في الفضاءات التجارية طوال الوقت، أليس كذلك؟

يمكنك القول إن الأمر سهل عندما لا تتنازل من خلال مساعدة أحد المنافسين. هل ينطبق هذا حقاً على الأماكن التي تحتدم فيها المنافسة؟

آدم غرانت: أظن ذلك. بالطبع، أعتقد أن عليك الحذر فيما إذا كنت تتعامل مع سوق مكتظة إلى حد كبير، حيث يوجد كثير من المنافسة ويبدو بوضوح أنها لا ترحم. ولكن هذه أيضاً تمثل الظروف التي يكون فيها لديك الكثير لتخسره من خلال التحالف مع منافسيك. وقد يكون لديك الكثير لتكسبه، حيث لا يتعاون الآخرون وكلهم أسرى، نوعاً ما، لعقلية التفاوض الاستقطاعي.

وأحد المجالات التي تدعوني للتفكير مباشرة بذلك هو صناعة الطيران. يتحدث الناس دائماً حول شركات الطيران على أنها ذات منافسة حادّة. ومن المعلوم أنه سوق يصعب البقاء فيها، وهذا ما دفع ريتشارد برانسون إلى القول إنك إن أردت أن تصبح مليونيراً في يوم ما، فهذا سهل حقاً: كن مليارديراً واشترِ شركة طيران أو ابدأ في إنشاء شركة طيران.

كيرت نيكيش: حسناً. وقال وارن بافيت منذ وقت طويل مقولته الشهيرة: “ذكروني إذا ارتكبت يوماً خطأ الاستثمار في الطيران مرة أخرى”.

آدم غرانت: بالضبط، هذا صحيح. إنها الطريق الأسهل للخسارة. ولكنك قد ترى بعض الأمثلة المثيرة للاهتمام لأشخاص في صناعة الطيران يبذلون جهداً إضافياً لدعم بعضهم بعضاً.

قابلت مؤخراً شخصاً مرحاً منهم. يوجد رائد أعمال اسمه ويد إيرلي، قرر أن ما تحتاجه صناعة الطيران كانت شركة طيران يمكنها مساعدتك في حالات التنقل في كاليفورنيا، للتحليق فقط فوق الزحام الفظيع. وبهذا بدأ شركة طيران صغيرة اسمها “سيرف إير” (Surf Air)، وكانت الصورة حرفياً أنك ستركب فوق الزحام في كاليفورنيا.

وضع حوالي مليون دولار على هيئة ودائع غير مستردة في أسطول من الطائرات. ثم بدأ بجمع المال، ولم يستطع جمع ما يكفي من المال للوفاء بالالتزام الذي تعهد به. وهذا رجل، أُخطِر مسبقاً بأن هذه صناعة فيها منافسة حادة، وهو أيضاً جاسوس سابق. كان يعمل في وزارة الدفاع الأميركية التي نشرت جنودها في العراق. وكذلك، من المنطقي أن تحذر من أعدائك، لكنه كان يائساً في هذه المرحلة.

اتصل بأحد أعضاء مجلس إدارة شركة “جيت سويت” (JetSuite)، وهي شركة منافسة. وأعتقد أن حوالي ساعة كانت كافية لقيادة عضو مجلس الإدارة ذلك إلى أحد مؤسسي جيت سويت، واسم هذا الشخص أليكس ويلكوكس. وفي أقل من أسبوع، مكّن أليكس ويد من توفير المال الذي احتاجه.

وعندما تحدثت مع ويد حول هذا، قال تخيّل ببساطة لو كانت شركة “وينديز” (Wendy’s) على وشك الإفلاس. وتقول شركة “ماكدونالدز”: لا، لا نريد لشركتكم أن تفلس. دعونا ننقذكم هنا، ونريد من مستثمرينا أن ينقذوكم. هذا جنوني.

ومع ذلك، فإنك تنظر إلى هذا النوع من الدعم، والفكرة هي انتظر دقيقة. نحن في قطاع يوجد فيه كثير من الأشخاص الذين يحاولون طعن بعضهم بعضاً من الخلف. لا نريد أن نحيا بتلك الطريقة. وإذا جمعنا مواردنا، ربما نستطيع مساعدة مجموعة من شركات الطيران المشاكسة الصغيرة في الانطلاق.

كيرت نيكيش: هل الدرس المستفاد هنا هو أنه حتى في صناعة تنافسية فعلاً، ثمة طرق للتعاون والتقدم للأمام؟ وإن لم تفعل ذلك، فسيفعله آخر أو شركة ناشئة، أو إنه لا تزال هناك قيمة هامة يمكن اكتسابها إذا توقفت عن محاولة القلق بشأن الأداء السيئ لمنافسيك وتحديد كيف يمكن لهم مساعدتك في العمل بشكل أفضل، هل هذا هو المسار؟

آدم غرانت: أعتقد ذلك. أعتقد أنه في كثير من الأحوال لا يبدأ الناس تلك المحادثة لأنهم مرعوبون من المخاطر.

كيرت نيكيش: حسناً. كيف تفسر ذلك لرئيسك؟

آدم غرانت: حسناً، بالضبط. مرحباً، لقد شاركت بعض الأسرار التجارية مع أحد أكبر منافسينا، هذه محادثة من الصعب إجراؤها. ولكنني أكتفي بالقول إن ثمة مخاطر أخرى لعدم المحاولة. أعتقد أن هذه التوقعات التي نمتلكها عن منافسينا تصبح في أغلب الأحيان أموراً مُسلّماً بها.

لذا إن افترضت أن كل واحد من منافسيك يحاول الإيقاع بك، عندها ستكون لديك علاقات عدائية مع هؤلاء المنافسين. ومن ناحية أخرى، إذا افترضت أن من الممكن أنهم يحاولون مساعدتك، أو على الأقل أن ثمة جوانب تتداخل فيها مصالحكم، أو ربما تكونون الأشخاص الوحيدين الذين يمكنهم مساعدة بعضهم بعضاً، ثم تتاح لكم أحياناً فرص غير متوقعة.

يمكنك دائماً جسّ النبض ومشاركة معلومة ما مع أحد المنافسين بحيث إنه إن أراد استغلالك فلن يؤثر فيك، وترى ما إذا فعل ذلك أو لم يفعل. ذلك لا يبدو كمخاطرة كبيرة نوعاً ما، ولكنه يمثل طريقة للاختبار وتحديد ما إذا كان من الآمن تجربة تكرار ذلك بتبادل معلومات أخطر قليلاً.

كيرت نيكيش: حسناً. ذلك أسهل بكثير من إنشاء مشروع مشترك، أليس كذلك؟ ابدأ بمعلومات قليلة، وابحث عن الثقة والمعاملة بالمثل، وحاول الانطلاق من تلك النقطة.

آدم غرانت: هذا صحيح تماماً. ولكنني سأقول يا كيرت إنني لا أعتقد أن عليك التحالف مع منافسيك لتحقيق مكاسب من المنافسة. فأحياناً يمثل وجود منافس ما دافعاً بالنسبة إليك. وأعلم أنك مطّلع على الدليل على ذلك، ولكنني صُعقت من بحث غافين كيلدوف حول مدى تأثير نجاح منافسيك في نجاحك.

وأعتقد أن هذا شيء يجب على الجميع الإلمام به. المثال الأول على مستوى الفريق هو أنك إذا نظرت إلى أي رياضة أساسية، في الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين (NBA) أو دوري كرة القاعدة الرئيس (MLB) أو دوري الهوكي الوطني (NHL)، أو الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية (NFL)، وهذا ينطبق أيضاً على كرة السلة في الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات (NCAA)، كلما كان أداء الفريق المنافس أفضل في دور الإقصاء في هذا العام، يزيد احتمال نجاحك في العام القادم.

فإذا أردت أن يفوز فريقك في مباراة ما في العام القادم، يتعين عليك تشجيع أكبر منافسيك في هذا العام. يبدو أن هذا يثير الحماس، عندما ترى جامعة كارولينا الشمالية (UNC) فوز جامعة “ديوك” (Duke) في بطولة ما، وعندما شاهد نادي “ليكرز” (Lakers) فوز فريق نادي “سيلتكس” (Celtics)، أصبحوا أكثر حماساً مما كانوا عليه. وهذا يحدث على الصعيد الشخصي أيضاً. يكتشف غافين كيلدوف أنك إن كنت عدّاءً وأكبر منافسيك موجود في مسابقة ما، فإنك تجري بسرعة أكبر بكثير.

كيرت نيكيش: قرأت منشوراً كتبه صاحب رأسمال مخاطر ذهب إلى إسطنبول وزار السوق ورأى عمل بائعي السجاد. وكانت لديه ملاحظات مدهشة حقاً حول المكان الذي تتوقع أن يكون الفوز فيه على حساب الآخرين، ستعتقد ذلك. ثمة عدد محدود من السياح الذين يأتون لشراء السجاد.

ولكنه كتب أن أحد الأشياء التي لن يفعلها أي بائع هو انتقاد سلعة غيره. كان لديهم نظام تطور على مدار فترة من الزمن، وكان لديهم ما هو أشبه بمدونة السلوك التي ساعدتهم في التنافس ومحاولة الوصول إلى المستوى نفسه من المبيعات، ولكن بطريقة لم تضر بسمعتهم كمكان يمكنك الحصول فيه على أجود الأشياء.

آدم غرانت: هذا مذهل. أعتقد أنه يحدث في كثير من الصناعات. أحياناً يكون نظاماً مكتوباً، ولكن الفهم الموجود في كثير من الصناعات أن عليك عدم التقليل من شأن منافسك. وعليك باللعب النظيف.

يبدو الأمر قليلاً مثل، أريد أن ألعب لعبة “ألتميت فريزبي” [القرص الطائر] (Ultimate Frisbee)، ولم يسبق لي أن لعبت هذا النوع من المباريات التي يوجد فيها حكم. ويتفق الجميع على اللعب حسب القواعد، وتسجيل مخالفاتهم أو الضربات خارج الملعب.

وكما تعلم، قلّما يوجد اختلاف، فالناس متحفزون للفوز. ولكنهم اتفقوا على اللعب وفقاً لمجموعة من القوانين التي يريد الجميع احترامها والالتزام بها. وأعتقد أن هذا صالح في كثير من مجالات العمل المختلفة.

رأيت ذلك باستمرار في قطاع التكنولوجيا، حيث يكاد يكون محظوراً عليك أن تترك صاحب عملك الحالي وتتخلى عنه بالعمل مع أحد منافسيه الكبار. والسبب في أنك لا تريد فعل ذلك هو شعورك بأنك لا ترغب في التسبب بضرر لشركتك الحالية. وأنت تريد منهم الحفاظ على المنافسة الوديّة التي تجمع بينهم في كلتا الشركتين.

كيرت نيكيش: دعنا نتحدث حول الموظفين في الشركات الذين يمتلكون منافسين داخل أقسام أخرى أو داخل أقسامهم لأن هذه قد تكون المقارنة الأقرب للرياضة. عند الحديث عن فريق التزلج الوطني النرويجي حيث يكون منافسك شخصاً آخر داخل فريقك، فإنكما في الحقيقة زملاء ومتنافسون في الوقت ذاته.

وبالطبع، في الرياضة يكون الأمر سهلاً جداً، الرياضة ممتعة جداً لأن نفسية كل متنافس تنكشف في المنافسة، فيكون معيار القياس واضحاً جداً. أنت تخسر بجزأين من مائة من الثانية مقابل منافسك، ويعلم الجميع أنك خسرت، بينما إذا حصل منافسك على ترقية في بيئة العمل، لا يكون واضحاً أنك تعلم أنه أفضل منك حقاً. لذا دعنا نتحدث عن كيف يمكن أن تكون المنافسات في مكان العمل أقل غموضاً ومن الصعب تنميتها وتقديرها.

آدم غرانت: حسناً. بالنسبة إليّ، فإن أحد أكبر التحديات التي نواجهها في حياتنا المهنية يتمثل في أنك تعمل مع أشخاص هم مساعدوك ومنافسوك في الوقت ذاته. وأنا أستمتع حقاً بالبحث الذي أنجزه مايكل جونسون وجون هولينبيك وزميلهما حول هذا الموضوع، الذي يبين أنك يمكن أن تطوِّر نمطاً من المنافسة الودية حيث يساعد بعضكما بعضاً أو ما يطلق عليه “التعاون القاتل”، ذلك الذي يُعد بمثابة نسخة من أنك تدّعي الانسجام مع الآخر، ولكنكما تطعنان بعضكما بعضاً من الخلف.

تحاول أن تكوّن أقل قدر ممكن من هذه العلاقات، ولكنّ الباحثين وجدوا أن الترتيب مهم حقاً، فإذا بدأت المنافسة مع شخص في شركتك، ثم حاولت إنشاء علاقة تعاونية بينكما، فمن الصعب التراجع عن نقطة الانطلاق التنافسية.

وهذه هي المرحلة التي تشهد فيها في أغلب الأحيان بروز علاقة تعاون صدامية. وإذا كان بوسعك بناء علاقة تعاونية ثم إضافة المنافسة، يزيد احتمال استمرار الأشخاص في تلك العلاقة من خلال القول: بعضنا يثق في نفوس بعض. لدينا احترام مشترك، هيا نتنافس ونحاول معرفة الأجدر بيننا. ولكن سيشتري الخاسر للفائز عشاءً وسنستمر في تشجيع بعضنا بعضاً ونكون سعداء بأن أحدنا فاز، بدلاً من أشخاص في شركة أخرى.

هذا هو النمط الذي تود الوصول إليه. وأعتقد أن ما يشير إليه هذا الدليل هو أن البدايات مهمة حقاً وهي ليست مستحيلة، ولكن من الصعب جداً التراجع عن شكل البداية لعلاقة ما.

كيرت نيكيش: ما الذي يحدد تلك البداية؟ لأنك تأتي ويكون لديك منافس قد سبقك بالعمل في هذا المكان قبل سنوات من مجيئك، وثقافة مكان العمل محددة قبل وصولك هناك. يبدو لي أن في وسعنا في عديد من المؤسسات تقديم الكثير بعضنا لبعض، ولكن يوجد إحساس بالمنافسة يؤدي إلى تقييد ذلك.

آدم غرانت: في واقع الأمر، أعتقد أن الهيكلية تؤثر في الثقافة هنا. إذا كانت لديك مؤسسة تقوم بالقياس والمكافأة والتعزيز بناءً على نتائج الفرد فحسب، فمن الصعب جداً أن ترى منافسيك كحلفاء محتملين. وعندما تعمل في مؤسسة تقول، إننا سنأخذ فكرة عدم الاهتمام بنتائج الفرد فقط على محمل الجد. وإننا نهتم بشأن أثر نتائجك في فريقك.

حين ذلك، يمكنك القول، حسناً، إذا كان منافسي ناجحاً وأنا كذلك ويمكننا أن نجعل الفريق أكثر نجاحاً، فهذا سيساعدنا في الأداء بشكل أفضل، ويخلق المزيد من فرص الترقية. والأشخاص الذين يحصلون على الترقية في نهاية المطاف هم الأشخاص الذين يجعلون فِرقهم أفضل ويحققون نتائج جماعية رائعة.

وأنت تزيل العوائق من أمام التعاون. لذا يكون من السهل جداً ضرب الأمثلة على الرياضة والمنافسة لأن لدينا كثيراً من الأمثلة الواقعية فيها. ولكن في كرة السلة، أحد الأشياء التي رأيتها مراراً وتكراراً مع مدربين وفِرق رائعين وينتهي بها الأمر بأن تكون استثنائية، هي أن المدربين يعثرون دائماً على طريقة لجعل إنجازات الفريق أكثر أهمية من الإنجازات الفردية.

إذا فكرت في شأن ما جعل فيل جاكسون مدرباً عبقرياً، فإنه عندما توجّه إلى نادي شيكاغو بولز (Bulls) وبدأ العمل مع مايكل جوردان، أنا متأكد من أنه كان يمتلك استراتيجية ذكية، ولكنني أعتقد أن أحد أكثر الأمور التي نفذها بفاعلية هو أنه أقنع مايكل جوردان بأن المقياس النهائي لم يكن عدد النقاط التي سجلها شخصياً في اللعبة، بل كان في قدرته على بناء فريق وقيادة فريق كان من شأنه الفوز في المباريات.

وأعتقد أن هذا بشكل أساسي ما عليك فعله عند محاولة بناء فريق أو مؤسسة ما، حيث ستصبح المنافسة تعاونية أو ودية، عليك أن تضع أداء الفريق على قدم المساواة مع الأداء الفردي أو فوقه.

كيرت نيكيش: أنت تقول أيضاً أنك لا تستطيع معرفة أن المنافسين جيدون لك فحسب، بل يتعين عليك أن تكون وديّاً معهم، وليس أن تراهم كمنافسين فقط تقيس نفسك بالمقارنة معهم طوال الوقت. ولكن لديك علاقة وديّة معهم أيضاً. لماذا هذا مهم؟

آدم غرانت: حسناً، أعتقد أنه مهم لأنه في المقام الأول ممتع بشكل أكبر، أليس كذلك؟ ففي نهاية المطاف، إذا كانت لديك منافسة وديّة، عندها إذا خسرت، فإنها فرصة لتشعر بالسعادة لشخص ما، وهي فرصة أخرى للشعور بالمتعة نفسها بعدئذٍ. الأمر أشبه بأن تكون قادراً على وضع رهانين مختلفين في السباق ينافس أحدهما الآخر.

ولكنني أعتقد أن النتيجة الأخرى لذلك تتمثل في إيجاد احتياطي من المشاعر الإيجابية والنية الطيبة التي تصبح جزءاً من العلاقة، وهي تشكل الفكرة الكاملة من التنافس أمام الآخر بحافز داخلي وليس كشيء تريد تجنبه لأنه يبدو إلى حد ما حاداً أو عدوانياً أو هداماً.

كيرت نيكيش: هل سبق أن سمعت أن هذا يأتي بنتائج عكسية على الجميع؟ يمكن أن يجعلك امتلاك منافس شخصاً أفضل، ولكنه يمكن أن يسبب لك أيضاً كثيراً من التوتر ويُبقيك مستيقظاً طوال الليل. ربما لا يتحلى الجميع بروح تنافسية كبيرة جداً كحال منافسيهم. لا أدري، هل ثمة أوقات يكون فيها عدم تدخلك فيما لا يعنيك، والاهتمام بشؤونك فقط خياراً أفضل من إيلاء الكثير من الاهتمام بالمنافس، سواء كنت وديّاً معه أو لا؟

آدم غرانت: أجل، أعتقد ذلك. أعتقد أن ثمة مواقف قليلة ينطبق فيها ذلك بالتأكيد. ويوجد على الأرجح عدد أكبر لم أفكر فيه، ولكن أول موقف بالنسبة إليّ هو أنني أفكر في هذا من منظور العمل الذي أديته حول المُعطين والآخذين. وأعتقد أن من المهم إذا كان منافسك المحتمل يمتلك سمعة أو تاريخاً من السلوك الأناني، ليس تجاهك فحسب، بل تجاه الأشخاص الآخرين أيضاً، ويبدو أن لديه ميلاً غريزياً نحو الأخذ بدلاً من العطاء، فهذا شخص عليك التزام الحذر أثناء التواصل معه، وقد لا ترغب في بدء علاقة تعاونية معه.

فربما تعرّض نفسك للخطر في هذه الحالة. بشكل عام، أعتقد أن من الصعب جداً الإبقاء على حماسك على المدى الطويل إذا كان هدفك الرئيس يتمثل في هزيمة شخص آخر فحسب، أو أن تقضي على المنافسة. أعتقد أنك إذا نظرت إلى الأدلة التي امتدت على مدى عشرات السنوات حول ما يديم التحفيز الداخلي، فإن ما تحتاجه هو إحساس أكبر بالهدف، ذلك أنك تضطلع بإنجاز شيء أكبر من نفسك، وينفع الآخرين. وهذا يعطيك إحساساً بالتفوق أو التميز الشخصي، بدلاً من الاكتفاء بالقول إنك تريد أن تكون أفضل من الآخرين.

وأعتقد أنه في حال كان هدفك الرئيس هو التغلب على الآخرين، فسينتهي الأمر بأن يصبح هذا الهدف فارغاً من معناه مع مرور الوقت. وهذا هو أحد الأسباب في أنك ترى كثيراً من الحاصلين على الميدالية الذهبية الأوليمبية الذين وصلوا نوعاً ما إلى ذروة مسارهم المهني ويتساءل الواحد منهم: حسناً، ماذا الآن؟ لم يبقَ لدي شيء لإثباته أو تحقيقه. وتعلم أن هذا يمكن أن يكون مساراً حزيناً جداً.

وأعتقد أنه في كثير من الحالات يكون الحاصلون على الميدالية الفضية هم الأكثر حماساً، ولكن مرة أخرى، هذا مصدر قصير الأجل للطاقة، على النقيض من مصدر طاقة سيقودك على مدى عديد من السنوات أو في عديد من المشاريع.

كيرت نيكيش: حسناً. يمكنك النظر مطولاً فقط إلى هذه الكؤوس التي في خزانة الجوائز.

آدم غرانت: هذا صحيح.

كيرت نيكيش: ماذا ستقول لشخص يستمع إلينا ليفكر في شأن ما إذا كان في هذه اللحظة يبحث في مكتبه ويقول “رائع، من هو منافسي؟ أو من هم الأشخاص الذين أنافسهم كي أعرفهم وأحدد طريقة للعمل بشكل أفضل؟”. كيف تقترح أن يتعامل شخص ما مع هذا الأمر في مكان العمل إن لم يفكر فيه بتأنٍّ أو وعي حتى الآن؟

آدم غرانت: حسناً، أعتقد أنه من المحتمل أنك تريد البدء بالنظر إلى الأشخاص الذين يمثلون المنافسين الأقوى لك، الذين ربما يعملون لتحقيق أهداف مشابهة، وربما يحققون مستويات مشابهة أو أفضل من ناحية الأداء. عليك الانتباه إلى ردة فعلك العاطفية عندما ينجح آخرون.

ثمة أوقات تشعر فيها بألم أكثر بقليل عندما يحقق شخص آخر نتيجة رائعة، أو عندما تلاحظ تواضعاً كاذباً أو منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص ما، وتسأل نفسك: “يا إلهي، ذلك الشخص مرة أخرى؟”

كيرت نيكيش: إذا كنت لا تزال تتابع حسابه، ربما تكون قد ألغيت متابعته بحلول هذا الوقت.

آدم غرانت: بالضبط. ربما تكون قد أجريت حظراً لحسابه بحلول هذا الوقت. ولكن أعتقد أنها أحياناً ردة فعل تعبر عن فكرة أن “ذلك الشخص يأخذ دائماً”، أو أن ثمة حالة من عدم الإنصاف هناك، وأن ذلك الشخص لم يستحق النجاح الذي حصل عليه. ولكن أحياناً تكون ردة الفعل: حسناً، هزيمة ذلك الشخص تمثل تحدياً حقيقياً بالنسبة إليّ. أو كما تعلم: أحسد ذلك الشخص لأنه أفضل مني في شيء ما.

وأعتقد أنك عندما تمتلك ردة الفعل تلك، فثمة فرصة للقول: “حسناً، هل هذا شخص يمكنني أن أتعلم منه؟ وهل هذا شخص يمكن أن أكون داعماً له أيضاً؟”

كيرت نيكيش: الآن، بما أنك تطرقت إلى المنافسة والسباق في الرياضة والتجارة، ما الدروس الأخرى الكبيرة التي تفكر فيها في الرياضة والتي يمكننا تطبيقها في العمل وفي فضاء التجارة التنافسي؟

آدم غرانت: أعتقد أن الإجابة البسيطة عن ذلك هي أنه يدهشني أنه لا يوجد أحد ممن يمارسون الرياضة حتى لو لم يكن جدّياً تماماً، يفعل ذلك دون مدرب. ومع ذلك، فإن معظمنا يفتقر إلى مدرب في حياته المهنية في العمل.

كيرت نيكيش: يمكنك القول إن وظيفة المدرب كما تعلم هي أنه مدير. وفي الحقيقة، في بعض فِرق كرة القدم الأوروبية، يشار إلى المدرب بكلمة “المدير”، وليس “المدرب”.

آدم غرانت: حسناً. وأعتقد يا كيرت أن كل مدير في مرحلة ما يضطلع بالتدريب. ولكن من الصعب أحياناً بالنسبة إلى المدير أن يكون مديراً فاعلاً جداً، ففي نهاية المطاف، المدير يحكم عليك، وهو من ضمَّك، وهو من بوسعه طردك.

كنت غوّاصاً في المدرسة الثانوية وفي الكلية، وكان لي مدرب رائع اسمه إيريك بيست. وأحد الأشياء التي ميزت علاقتنا كان أنني لم أشك يوماً خلال الأعوام الستة التي تدربت فيها مع إيريك أنه أراد أي شيء غير نجاحي. ومهما قال، كنت على يقين أن كل كلمة كانت موجهة لمحاولة مساعدتي في الوصول إلى إمكاناتي الكاملة أو التفوق على ما اعتقدت أنها إمكاناتي.

وأعتقد أن من الصعب إيجاد ذلك في كثير من العلاقات الإدارية لأن المدير تقع على عاتقه مسؤولية أيضاً تجاه المؤسسة، بينما وظيفة المدرب الكاملة تتمثل في أن يجعلك أفضل. وإذاً فإنني أرغب في رؤية المزيد من الأدلة المنهجية حول ماهية دروس التدريب التي تترجم من الرياضة إلى الأعمال، وكيف يتعين أن يحظى التدريب بالتقدير على نحو مختلف.

كيرت نيكيش: حسناً يا آدم، أتطلع إلى ذلك البحث أو تلك الحلقة أو ذلك الكتاب، وأياً كان ما سيأتي لاحقاً عن التدريب. شكراً جزيلاً على تخصيصك جزءاً من وقتك اليوم للحديث حول المنافسة، وكيف يمكننا التفكير فيها على نحو مختلف لمساعدتهم ومساعدتنا في أن نصبح أفضل في العمل.

آدم غرانت: هذا من دواعي سروري. كان ذلك ممتعاً.

كيرت نيكيش: كان ذلك آدم غرانت، أستاذ علم النفس في كلية وارتون بجامعة بنسيلفانيا. وهو أيضاً مؤلف ومقدم بودكاست “وورك لايف” (WorkLife).

إذا أعجبكم هذا البرنامج وتريدون الاستماع إلى المزيد من الحلقات المشابهة، يرجى الاشتراك حتى تتمكنوا من الحصول على الحلقة التالية تلقائياً.

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكهاردت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز.

شكراً لاستماعكم إلى برنامج آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .