$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7011 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(6606)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(12) "34.228.7.237"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7008 (44) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(125) "/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%86%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%9F/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(12) "34.228.7.237"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "866aa7fa29cc586c-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(12) "34.228.7.237"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.5" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(13) "162.158.95.22" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "46758" ["REDIRECT_URL"]=> string(45) "/كيف-نصنع-رياضي-الشركات؟/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1710821882.014428) ["REQUEST_TIME"]=> int(1710821882) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(4) "paid" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7067 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7065 (2) { ["content_id"]=> int(6606) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

كيف نصنع أبطال الشركات؟

20 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ربما تكون إحدى أكثر الخصائص التي يرغب الرؤساء التنفيذيون في امتلاكها هم وموظفوهم هي الأداء المتميز المستدام في مواجهة الضغط المتزايد باستمرار والتغيير السريع، إلا أنه من الصعب، بل وربما من المستحيل، تحقيق ذلك. كان ذلك السبب وراء سعي الباحثين في مجال علوم الإدارة منذ سنوات طويلة في محاولة التعرف بدقة على الأسباب التي تجعل البعض يُبدعون تحت الضغط في حين يتراجع أداء البقية. ولم يتوصل الباحثون إلى الإجابة الكاملة، لكنهم حددوا أنها تتألف من مكافآت مادية غنية، وثقافة صحيحة والإدارة وفقاً للأهداف.

كانت المشاكل الكامنة في تلك الآليات برأينا تتمثل بتعاملها مع القضية بشكل سطحي، حيث كانت تربط الأداء المرتفع في المقام الأول بالقدرة المعرفية. إذ شهدنا في السنوات الأخيرة تركيزاً متزايداً على العلاقة بين الذكاء العاطفي والأداء المرتفع، في نفس الوقت، تطرق عدد قليل من الباحثين إلى الجانب الروحي، حيث نظروا كيف تؤثر القيم الأعمق والشعور بالهدف على الأداء. لم يوجه أي أحد تقريباً اهتمامه للدور الذي تؤديه القدرات البدنية، إلا أننا بدورنا وجدنا أنه للوصول إلى آلية ناجحة تحقق أداء عال ومستدام، يجب أن نجمع كل العناصر السابقة معاً وننظر إلى الشخص ككل. بالتالي، تتناول نظرتنا المتكاملة لإدارة الأداء كلاً من الجسد والعواطف والعقل والروح. وندعو هذا التسلسل الهرمي بـ”هرم الأداء”(performance pyramid)، إذ يؤثر كل مستوى من مستوياته بشكل عميق على الآخرين، كما أنه في الوقت نفسه، يؤدي الفشل في معالجة أي واحد من تلك المستويات إلى الإضرار بالأداء.

كان نهجنا في التعامل مع الموضوع عائداً إلى الأبحاث التي جرت في العقدين الأخيرين على يدي جيم لوهر (Jim Loehr) وزملاؤه في “إل جي إي” (LGE) والذين عملوا مع رياضيين محترفين من الطراز العالمي. بدورنا، قام اثنان منّا قبل عدة سنوات بتطوير نسخة أكثر شمولاً من هذه التقنيات للرؤساء التنفيذيين الذين يواجهون مطالب غير مسبوقة في مكان العمل. حقيقة، أدركنا أنّ هؤلاء الرؤساء التنفيذيون هم من يمكن التعبير عنهم بمصطلح “رياضيو الشركات” (corporate athletes). بمعنى آخر، إذا أرادوا تقديم أداء مرتفع المستوى لفترة طويلة المدى، عليهم أن يتدربوا بذات الأسلوب الذي يتدرب به الرياضيون المحترفون أصحاب المستوى العالي، والذين يتدربون وفق منهجية متعددة المستويات. اختبرنا الآن نموذجنا على آلاف الرؤساء التنفيذيين، إذ برهن تحسن أداءهم وصحتهم على صواب فرضيتنا. وستتحدث الأسطر القادمة بشكل تفصيلي عن نهجنا الذي استخدمناه لتحقيق ذلك.

حالة الأداء المثالي

لا نركز في العادة خلال تدريبنا الرياضيين على مهاراتهم الأساسية، مثل تسجيل هدف أو ضرب كرة الغولف أو رمي كرة السلة. وبشكل مشابه، لا نعالج الكفاءات الأساسية في الأعمال التجارية مثل الخطابة والتفاوض أو تحليل الميزانية العمومية.

تهدف جهودنا بدلاً من ذلك إلى مساعدة الرؤساء التنفيذيين في بناء قدراتهم ضمن مجال يمكن دعوته الكفاءات الداعمة أو الثانوية والتي تتضمن عدداً من الأمور مثل التحمل والقوة والمرونة وضبط النفس والتركيز، والتي تسمح بزيادة قدرة الرياضيين والرؤساء التنفيذيين على حد سواء في جميع المجالات وتسمح لكلا الفئتين معاً بتطوير المواهب والمهارات إلى أقصى حد والحفاظ على أداء عال ومثالي طوال الوقت. ندعو تلك الحالة بـ”حالة الأداء المثالي” (the Ideal Performance State).

نعرف كلنا أنّ الرؤساء التنفيذيين قادرون على تقديم أداء عال حتى لو كانوا يدخنون ويشربون ويملكون وزناً زائداً، وحتى إن كانوا يفتقرون إلى المهارات العاطفية أو إدراك الغاية العليا من عملهم، لكن في الوقت نفسه غير قادرين على الاستفادة من كامل إمكانياتهم أو تقديم أداء مرتفع دون أن يدفعوا الثمن لاحقاً. ونعني “بالثمن” إنجاز ذلك على حساب أنفسهم أو أسرهم أو شركاتهم. ببساطة، لتقديم أفضل أداء على المدى الطويل، يجب الاستفادة من الطاقة الإيجابية على كافة طبقات مستويات هرم الأداء الذي تحدثنا عنه سابقاً.

أكدت الأبحاث الواسعة التي جرت في مجال العلوم الرياضية أنّ القدرة على حشد الطاقة عند الطلب هي العامل الأساسي للوصول إلى حالة الأداء المثالي، كما أثبت عملنا أنّ الإدارة الفعالة للطاقة تتألف من شقين رئيسيين: الأول هو الحركة الإيقاعية بين بذل الطاقة (الإجهاد) وتجديدها (التعافي) (دعوناه “التأرجح”). وتعلمنا خلال عملنا مع الرياضيين أنّ العدو الحقيقي للأداء العالي ليس الإجهاد، بل هو حافز النمو والتطوير على عكس ما يتوقعه الجميع. إذ يُعتبر عدو الأداء الحقيقي هو غياب التعافي المؤقت بشكل صحيح، حيث يؤدي الإجهاد المزمن، من دون فترات التعافي هذه، إلى استنفاذ احتياطيات الطاقة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الإرهاق والانهيار، ويقضي على الأداء. أما الشق الثاني فهو الطقوس التي تُعزز التأرجح بين حالتي الإجهاد والتعافي، والتي إن حدثت بتواتر منتظم، ستصبح ضمن الوعي وتُعتبر أمراً يحدث تلقائياً بعد فترة.

يستخدم الرياضيون أصحاب الأداء الرفيع عالمياً ذات الأسلوب للوصول إلى حالة الأداء المثلى تحت الضغط. ويمكن لرجال الأعمال تطبيق ذات الأسلوب برأينا، كما أنه يعتبر ذي أهمية بالغة للرؤساء التنفيذيين نظراً أنّ عليهم تقديم أداء مرتفع كل يوم على مدار السنة، وهو ما لا يقوم به الرياضي في العادة والذي يتدرب لتقديم أداء متميز ضمن مناسبات رياضية معدودة سنوياً. على سبيل المثال: يقضي معظم الرياضيين أغلب وقتهم في التدريب والجزء الصغير المتبقي في التنافس (والذي قد يستمر بضع ساعات فحسب). أما المدراء في الشركات، فلا يكرسون أي وقت للتدريب وعليهم دائماً المنافسة على أعلى مستوى ولفترة 10 أو 12 أو 14 ساعة في اليوم أو أكثر. إلى جانب ذلك، يتمتع الرياضيون بفترات راحة لا توجد فيها منافسات، يقضونها كإجازة أو يسترخون. في الوقت نفسه، سيكون الرئيس التنفيذي محظوظاً للغاية إذا حصل على ثلاثة أو أربعة أسابيع كعطلة في السنة. كما تمتد السيرة المهنية للرياضي المحترف في المتوسط 7 سنوات، في حين تكون للرئيس التنفيذي 40 إلى 50 سنة.

بطبيعة الحال، حتى رياضيو الشركات الذين يتدربون على أعلى المستويات يواجهون أياماً سيئة وتحديات لا يمكنهم التغلب عليها، ويعانون من أيام صعبة وقلة الوقت التي تعقد من حياتهم وعملهم أكثر وأكثر. إلا أنّ دراستنا هذه تهدف إلى معالجة ذاك الموضوع بالتحديد. إذ ندرك أننا غير قادرين على تغيير الظروف الخارجية التي يصادفها أولئك الموظفون والمدراء، لكن نعمل على إدارة حالتهم الداخلية ومساعدتهم في الاستفادة الكاملة من قدراتهم للتألق حتى في أصعب الظروف ومحاولة الخروج من فترات الإجهاد أقوى وأكثر صحة وتوقاً لمواجهة التحدي القادم.

القدرات البدنية

يمكن تعريف الطاقة بكل بساطة أنها القدرة على القيام بالعمل. تبدأ عملية التدريب الخاصة بنا على المستوى الجسدي نظراً إلى أنّ الجسم هو المصدر الأساسي للطاقة، وأساس هرم الأداء. إذ يمكننا تشبيه بناء القدرات الجسدية، بشكل أو بآخر، برفع الأثقال وكمال الأجسام، حيث أثبتت البحوث العلمية الرياضية الممتدة على سنوات أنّ أساس زيادة القوة البدنية ظاهرة تُعرف باسم “التركيب الخارق” (super compensation) والتي هي أساساً إنشاء توازن بين نسب الراحة ونسب الجهد. وبالعودة إلى مثال رفع الأثقال، نرى أنّ العضلات تعمل بجهد حتى تصل النقطة التي تبدأ فيها ألياف العضلات فعلياً في الانهيار، لكن مع تقديم فترة تعاف كافية، (والتي يجب ألا تقل عن 48 ساعة)، ستشفى العضلة وتُصبح أقوى. في الوقت نفسه، يؤدي  الضغط المستمر على العضلة دون إراحتها إلى أضرار وإصابات حادة ومزمنة. وبشكل معاكس، سيؤدي ترك العضلة من دون تدريب إلى إضعافها وضمورها (انظر إلى عضلات يدك بعد أسابيع من عدم التدريب وستعرف الفرق). في كلتا الحالتين، لا يُعتبر الإجهاد العدو، بل عدم الموازنة بشكل كاف بين مرحلتي بذل الجهد والتعافي.

قمنا أولاً بفهم أهمية الانتقال من بذل الجهد الكبير إلى التعافي فوراً عبر مراقبتنا لاعبي كرة المضرب (التنس) المحترفين خلال مباراة للتنس. إذ اكتشفنا من خلال مراقبتنا استخدام أولئك اللاعبين لطقوس تعاف فترتها 15 إلى 20 ثانية بين تسجيل النقاط، والتي يقومون بها أحياناً من دون أن يبينوا أنهم حتى يقومون بذلك. فتشمل التصرفات التي يقومون بها في العادة التركيز على شد أوتار مضاربهم للحفاظ على تركيزهم، أو الوقوف بوضعية واثقة، أو تصور كيف يريدون تسجيل النقطة التالية التي سيلعبون لأجلها. إذ تقدم هذه التصرفات الروتينية البسيطة آثاراً فيزيولوجية مذهلة. وعندما وضعنا اللاعبين على شاشات ترصد معدلات نبضات قلبهم خلال مبارياتهم، أظهر المنافسون أصحاب الطقوس المتسقة هذه، فترات تأرجح “راحة ـ إجهاد” أكثر حدة، حيث ارتفعت معدلات ضربات القلب بسرعة خلال اللعب لتنخفض بنسبة 15% إلى 20% بين النقاط.

تُعتبر التأثيرات النفسية والعاطفية للطقوس الروتينية الدقيقة هذه بين تسجيل النقاط مهمة للغاية، وذلك لأنها تجعل اللاعبين يتجنبون المشاعر السلبية، ويستعيدوا تركيزهم، ويستعدوا للنقطة التالية. وعلى النقيض، يواجه اللاعبون الذين يفتقرون إلى ممارسة هذه الطقوس بين النقاط، أو الذين يمارسونها بشكل غير متسق، فترة يصبحون فيها مرهقين نظراً لبذلهم الكثير من الجهد من دون تعاف كاف. وسيصبح هؤلاء الرياضيون، بغض النظر عن مواهبهم أو مستوى لياقتهم البدنية، أكثر عرضة للإحباط والقلق وفقدان التركيز وأكثر احتمالاً للانهيار والمعاناة تحت الضغط.

ذات الأمر ينطبق على رياضيي الشركات الذين نعمل على تدريبهم. فلم تكن مشكلتهم، كما سنوضح لاحقاً، أنّ حياتهم أكثر إجهاداَ، بكل كانت افتقادهم إلى فترات تعاف. إذ كانوا يقومون بدفع أنفسهم إلى أقصى حد عاطفياً وعقلياً وحتى جسدياً، لكن مع عدم اتخاذ أي فترة للراحة أو الاسترخاء، ما أدى في نهاية المطاف إلى تقويض أدائهم بشكل كبير.

عندما بدأنا العمل مع ماريلين كلارك، العضو المنتدب في “سالومون سميث بارني” (Salomon Smith Barney)، لم يكن لديها أي تأرجح تقريباً في حياتها. كانت كلارك، في أواخر الثلاثينيات من عمرها، تدير مكتب الشركة في كليفلاند، وكانت أماً لثلاثة أطفال صغار. في نفس الوقت، كان زوجها مسؤولاً تنفيذياً رفيع المستوى في شركة أُخرى. في الظاهر، كانت كلارك تعيش حياة تُحسد عليها، وكان عليها ألا تشكو من أي شيء. لكن أسلوب حياتها المحموم هذا كان ذي تكلفة مرتفعة وبات أكثر وضوحاً بعد بعض عمليات التقصي التي قمنا بها. فتبدأ كلارك صباحها بكل حيوية ونشاط بعد تناولها الكعك والقهوة، لكن بعد ذلك، وعند وصولها إلى فترة العصر، تتداعى طاقتها وتبدأ في إكمال يومها بإرهاق شديد. أما فترة الغداء، والتي يجب أن تكون فترة تعاف واسترخاء، تقضيها في معالجة مشاكل الموظفين الذين يأتون إليها ويصطفون أمام مكتبها طلباً للنصح والدعم. لم يكن لدى كلارك أي وقت لنفسها وذلك بين مطالب عملها وزملائها وأسرتها، ما أدى إلى نمو إحباطها بشكل تدريجي.

بدأنا عملنا مع كلارك خلال تقييم قدرتها البدنية. إذ كانت كلارك خلال فترة المراهقة رياضية جامعية ومارست رياضة اللاكروس ضمن المدرسة والجامعة. في نفس الوقت، كانت تمريناتها الرياضية في السنوات الأخيرة مقتصرة على بضع حركات رياضية بسيطة تقوم بها أحياناً قبل شروعها في النوم. عندما شرحنا لها العلاقة بين الطاقة والأداء العالي، وافقت كلارك على العمل لاستعادة لياقتها الجسدية، حيث أرادت أن تشعر أنها في حال أفضل جسدياً، وكانت تعرف من ماضيها أنّ مزاجها سيتحسن إذا أدرجت تدريبات رياضية في جدولها الزمني.

ومع إدراكنا لصعوبة استبدال العادات القديمة بأُخرى أفضل، حاولنا مساعدة كلارك على إنشاء طقوس إيجابية لتحل محل تلك القديمة، حيث عملنا على محاولة خلق بيئة داعمة تشجعها على تغيير تلك العادات. فساهم زملاء كلارك، التي قامت بتدريبهم، في تشجيعها وحتى الإلحاح عليها للمثابرة والتدريب، كما قامت في الوقت بإنشاء روتين حياة جديد لم تكن تتخيله قبل بضع أسابيع. إذ التزمت كلارك بالتدريب في صالة رياضية قريبة ثلاثة أيام أسبوعياً، وتحديداً الساعة 1:00 ظهراً، كما طلبت رعاية أطفالها خلال دروس اللياقة البدنية الخاصة بها يومي السبت والأحد.

ساعدت التدريبات البدنية كلارك على إنشاء حدود واضحة بين العمل والحياة، كما ساهمت في استعادة شعورها كرياضية. إذ باتت كلارك الآن تعود إلى مكتبها منتعشة من التمرين الرياضي وأكثر قدرة على التركيز بدل الإحساس بالتعب والضعف والرغبة في تناول الحلويات. لم يتسبب التعافي البدني في زيادة قدرتها على التحمل فحسب، بل ساهم أيضاً في تعافيها عاطفياً وعقلياً، فوجدت أنّ في إمكانها العمل لساعات أقل مع إنجاز المزيد من العمل. أخيراً، باتت تشعر أنها أصبحت مديراً أفضل نظراً لأنها لم تعد تشعر بالضغوطات المزمنة، وتضيف: “أشعر وكأن جسدي استيقظ بعد سبات. أنا الآن أكثر استرخاء بكثير، كما أشعر أنّ الضغوطات علي أقل مما كانت”.

ألهم تصرف كلارك أعضاء آخرين من شركتها للاشتراك في نوادي صحة ولياقة بدينة. إذ قامت كلارك وزملائها بدورهم بدعم الموظفين غير القادرين على تحمل تكاليف الاشتراك بسهولة. تقول كلارك: “نحن لا نتحدث مع بعضنا فقط عن الجوانب التجارية والمسؤوليات، بل أيضاً عن نوع التدريبات الرياضية التي قمنا بها ومدى تحسن تعافينا. نحن نتشارك الآن أمراً صحياً، وهو ما جعلنا أكثر قرباً”.

لا يبني رياضيو الشركات أساساً جسدياً قوياً خلال ممارسة التمارين الرياضية وحدها، بل يجب عليهم بطبيعة الحال إقرانها بأمور أُخرى مثل النوم الجيد وتناول الطعام الصحي أيضاً. عندما التقينا لأول مرة رودي بورنيو (Rudy Borneo)، نائب رئيس “مايسيز ويست” (Macy’s West)، كان يشتكي من مستويات طاقة غير منتظمة، وتقلبات هائلة في مزاجه وصعوبة في التركيز. كما كان يعاني أيضاً من زيادة في الوزن، كحال العديد من الرؤساء التنفيذيين، ومعظم الأميركيين، نظراً لعاداته الغذائية السيئة. كان عادة ما يبدأ أيامه الطويلة التي تكتظ بالسفر بتخطي الإفطار، أي ما يعادل السفر من مدينة إلى أُخرى بخزان وقود شبه فارغ. أما الغداء، فكان يتناول ما يمكنه تناوله، وكان بورنيو أيضاً يتناول وجبات خفيفة سكرية عصرياً لمحاربة الجوع الذي يصيبه بشكل دائم بعد الظهر، ما كان يرفع مستويات السكر في دمه ليحصل على دفقة طاقة كبيرة تتلاشى لاحقاً بسرعة. أما العشاء، فقد كان في كثير من الأحيان وجبة غنية دسمة في وقت متأخر من المساء، كانت تصيبه باضطرابات في النوم نظراً لمحاولة جسده هضم كميات الطعام تلك. وفي صباح اليوم التالي، يستيقظ بورنيو وهو يعاني من الإرهاق والتعب ليبدأ يومه الجديد بنفس الروتين والوتيرة. هل يبدو هذا مألوفاً؟، كما فعلنا مع كلارك، ساعدنا بورنيو على استبدال عاداته السيئة بطقوس إيجابية. فبدأنا العمل أولاً على طريقة تناوله لطعامه، حيث أوضحنا أنّ عليه تناول طعام أقل ولكن بتواتر أكثر للحفاظ على مستوى طاقة مستقر. إذ بات بورنيو الآن يتناول وجبة الإفطار كل يوم، والتي تتكون عادة من مشروب عالي البروتين، بدل القهوة والكعك. وأظهرنا له أيضاً أنّ أبحاث العلماء أثبتت بأنّ الجسم بحاجة إلى التعافي مرة كل 90 إلى 120 دقيقة، ما أدى إلى جدولة فترات تناوله للطعام وفقاً لذلك. وقام أيضاً بجلب ثلاجة صغيرة إلى مكتبة لتناول خمس أو ست وجبات صغيرة لكن مغذية. كما قام أيضاً بشرب الكثير من الماء، وانتقل من القيام بتدريب جسدي مكثف إلى فترات تدريب أقل وأكثر راحة، ما زاد من قدرة تحمله وسرعة تعافيه.

ساهم كل ما سبق بفقدانه لوزنه وإشعاره بشعور أفضل، كما أثرت طقوس بورنيو الغذائية واللياقة البدنية على باقي جوانب حياته، يقول: “أقوم الآن بتدريب ذهني بنفس الطريقة التي أقوم بها بتدريب جسدي. عمري الآن 59 سنة، لكن لدي طاقة أكبر من أي وقت مضى، ويمكنني الحفاظ عليها لفترة زمنية أطول. بالنسبة لي، كانت هذه الطقوس أمراً سحرياً أثر على كل حياتي وساهم في خلق توازن جعلني أكثر إيجابية وقدرة على التعامل مع قضايا الموارد البشرية الصعبة ومواجهة التغيير والتعامل مع الناس بشكل أفضل. أعتقد حقاً أنه عندما تتعلم كيفية رعاية نفسك، ستتمكن من تحرير الطاقة والحماس اللازمين لك لرعاية الآخرين بشكل أكبر”.

القدرة العاطفية

أما اللبنة التالية من حالة الأداء المثلى فهي القدرة العاطفية، بمعنى آخر، المناخ الداخلي الذي يدعم الأداء المتفوق. خلال بحثنا المبكر، طلبنا من مئات الرياضيين وصف شعورهم عندما كانوا يؤدون أفضل حالاتهم. وكانت الإجابات دائماً على غرار “الهدوء” و”التحدي” و “المشاركة” و”التركيز” و”التفاؤل” و”الثقة”. وكما تقول العداءة ماريون جونز (Marion Jones) بعد وقت قصير من فوزها بميدالية ذهبية ضمن دورة الألعاب الأولمبية في سيدني: “أنا هنا أستمتع بوقتي وكأنني في حفلة. لا أرى ما يحدث أمراً مرهقاً في حياتي”. حتى عندما سألنا في وقت لاحق نفس السؤال لضباط القانون والعسكريين والجراحين والرؤساء التنفيذيين للشركات، استخدموا لغة مماثلة بشكل ملحوظ لوصف حالة الأداء المثالي.

كما تؤدي المشاعر الإيجابية إلى قدح زناد الطاقة الذي يدفع إلى الأداء العالي، حيث تستنزف المشاعر السلبية والإحباط وقلة الصبر والغضب والخوف والاستياء من الطاقة. كما يمكن لهذه المشاعر مع مرور الوقت أن تكون سامة حرفياً، حيث يمكنها أن ترفع معدل ضربات القلب وضغط الدم وتزيد حتى من التوتر العضلي، وتضعف الرؤية والأداء الكلي في نهاية المطاف. ربما تصيب هكذا مشاعر الرياضيين وتمنعهم حتى من تقديم الأداء المثالي، في حين يقلل الغضب والإحباط من قدرتهما على التركيز الهدوء.

يكون تأثير المشاعر السلبية على أداء الأعمال أقل سطوعاً، لكنه أيضاً مدمر في ذات الوقت. يسافر أمين، وهو مدير تنفيذي ضمن شركة استثمارية، في كثير من الأحيان، ويشرف على ستة مكاتب في جميع أنحاء البلاد. كان زملائه ومرؤوسيه يرونه مثالي ومدير منتقد في كثير من الأحيان يغلي أحياناً من الإحباط وليس صبوراً على الممارسات الخاطئة. ركز عملنا على مساعدة أمين لإيجاد طرق من أجل إدارة عواطفه بشكل أكثر فعالية، حيث أوضحنا أنّ غضبه كان ردة فعل عاطفية واستجابة قتالية أو لحظية لحالات كان يراها على أنها تهديد. كان عليه تحويل شعوره بالتهديد داخلياً تحت الضغط إلى تحد، وذلك من أجل إدارة هذا الشعور بشكل أكثر فعالية.

أدى قيام أمين ببناء نظام تدريبات جسدية منتظم إلى زيادة قدرته على التحمل وأعطاه وسيلة لحرق التوتر، إلا أنّ جدول أعماله الحافل وقف عقبة في طريق قيامه بتلك التدريبات. وقمنا أيضاً في الوقت ذاته على تطوير طقوس دقيقة من خمس خطوات لاحتواء مشاعره السلبية كلما كانت على وشك الانفجار. وكان أبرز تحدي له أن يكون أكثر وعياً للإشارات التي يُظهرها جسده وتقول أنه على وشك الوصول إلى حالة التوتر الجسدي، وتزايد دقات القلب وضيق في الصدر. حالما كان يشعر باقتراب قدوم تلك الأحاسيس، كانت الخطوة الأولى متمثلة بإغلاق عينيه واتخاذ عدة أنفاس عميقة. بعد ذلك، عليه العمل على جعل عضلات وجهه أكثر استرخاء ثم بذل جهد لتخفيف صوته والتحدث ببطء أكثر. بعد ذلك، كان عليه محاولة وضع نفسه في موضع ذاك الشخص الذي تسبب في غضبه ومحاولة التخيل ما هو شعور ذاك الشخص. وأخيراً. كان عليه التركيز على تأطير رده بلغة إيجابية.

تأسيس هذه الطقوس جعل أمين يشعر بالإحراج في البداية، وأكثر من مرة عاد إلى سلوكه القديم. لكن في غضون عدة أسابيع، أصبحت طقوس الخطوات الخمس (وسيلة موثوق بها للغاية لقصر دائرة تفاعله). وذكر العديد من الموظفين أنه أصبح أكثر موضوعية، وأكثر ود، وأقل مخيفة. يقول أمين نفسه أن أصبح مديراً أكثر فعالية بكثير.

من خلال عملنا مع الرياضيين، تعلمنا عدداً من الطقوس الأُخرى التي تساعد على تعويض مشاعر التوتر واستعادة الطاقة الإيجابية. ليس من قبيل الصدفة، على سبيل المثال، يرتدي العديد من الرياضيين سماعات الرأس أثناء الاستعداد للمنافسة. فالموسيقى لديها آثار فيزيولوجية وعاطفية قوية. يمكن أن يدفع التحول في النشاط العقلي من نصف الأيسر للدماغ إلى النصف الأيمن بشكل أكثر سهولة. كما أنها توفر الإغاثة من التفكير المقلق. وأخيراً، يمكن للموسيقى أن تكون وسيلة لتنظيم رفع الطاقة عندما يحين الوقت للأداء وخفض الطاقة عندما يكون الوضع أكثر ملاءمة لضغط معين.

تؤثر أيضاً لغة الجسد على المشاعر، ففي إحدى التجارب المعروفة، طُلب من الممثلين تصوير الغضب، ثم تعرضوا لفحوصات فيزيولوجية عديدة، بما في ذلك معدل ضربات القلب وضغط الدم ودرجة الحرارة الأساسية واستجابة الجلد الجلفاني ومستويات الهرمونات. بعد ذلك، تعرض الممثلون لحالة جعلتهم غاضبين حقاً، واتُخذت نفس القياسات. ولم تختلف النتائج تقريباً بين الحالتين، حيث أنتج التمثيل نفس ردود الفعل والعلامات الفيزيولوجية كما الموقف الحقيقي تماماً.

يفهم كل الرياضيون العظماء هذا الأمر بشكل غريزي، حيث يدركون أنهم إذا تصرفوا بثقة فسيبدؤون في نهاية المطاف بالشعور بالثقة حتى في المواقف شديدة التوتر. يعود هذا إلى سبب تدريب عملاء الشركات لدينا على “التصرف كما لو”، والعمل بشكل واع لخلق نظرة على الخارج يريدون خلالها أن يشعروا بها في داخلهم. قال أرسطو: “أنت ما تفعله مراراً وتكراراً. التميز ليس عملاً فريداً، بل عادة”.

ولعل العلاقات الوثيقة هي أقوى وسيلة لدفع المشاعر الإيجابية والتعافي الفعال، إذ يعرف شخص يتمتع بلم شمل أسرة سعيد أو بأمسية مع الأصدقاء الحميمين معنى الإحساس العميق بالسعادة الذي تفرزه هكذا علاقات. وترتبط هذه المشاعر ارتباطاً وثيقاً بحالة الأداء المثالية. لسوء الحظ، يؤمن العديد من رياضيو الشركات الذين ندربهم بأنه من أجل تحقيق التوقعات في العمل، لا خيار لديهم إلا التضحية بوقتهم مع أحبائهم، ونحن بدورنا نحاول إعادة صياغة المشكلة. فنقول لعملائنا بأنه لكي يتمكنوا من الحصول الارتياح اللازم لأداء أفضل في العمل، عليهم تكريس المزيد من الوقت لعلاقاتهم، ووضع حدود أكثر وضوحاً بين العمل والمنزل.

القدرات العقلية

أما المستوى الثالث من هرم الأداء، فهو الإدراك والذي يستهدفه بشكل عام معظم التدريب التقليدي لتعزيز الأداء. إذ تميل الآليات التقليدية إلى التركيز على تحسين الكفاءات باستخدام تقنيات مثل إعادة هيكلة طريقة التفكير وإدارة المعرفة أو من خلال تعلم استخدام تقنيات أكثر تطوراً، حيث يهدف تدريبنا بدوره إلى تعزيز قدرات عملائنا المعرفية خصوصاً القدرات المتصلة بالتركيز وإدارة الوقت ومهارات التفكير الإيجابي والنقدي.

يعني التركيز ببساطة: أنّ الطاقة موجهة بالكامل لتحقيق هدف معين، وأي شيء يتعارض مع هذا التوجيه يؤدي إلى تبدد الطاقة. إذ يمكن للتأمل، والذي ننظر إليه عادة على أنه ممارسة روحية، أن يكون بمثابة وسيلة عملية للغاية لتطوير توجيه الاهتمام وتعزيز التعافي. وضمن هذا المستوى، لا يوجد حاجة إلى توجيه من المعلم. وتتضمن تقنية التأمل المثالية الجلوس بهدوء والتنفس بعمق، وعد كل زفير، والبدء من جديد عند الوصول إلى عشرة. أو يمكنك بشكل بديل اختيار كلمة لتكرارها في كل مرة تأخذ فيها نفساً.

يؤدي التأمل، عندما يُمارس بانتظام، إلى تهدئة العقل والعواطف والجسم وتعزيز التعافي، إذ أظهرت العديد من الدراسات مثلاً حاجة المتأملين ذوي الخبرة مثلاً إلى ساعات نوم أقل بكثير مقارنة بمن لا يمارسون التأمل. يمكن أيضاً للتأمل وباقي الممارسات المماثلة إبطاء نشاط موجات الدماغ وتحفيز التحول في النشاط العقلي من النصف الأيسر إلى الأيمين في الدماغ. هل سبق لك أن وجدت فجأة حلاً لمشكلة محيرة خلال قيامك بشيء “عديم الجدوى” مثل الركض أو العمل في الحديقة أو الغناء في الحمام؟، إنّ هذا أبرز مثال على انتقال التفكير في الدماغ من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن.

تركز الكثير من تدريباتنا في هذا المستوى على مساعدة رياضي الشركات في إدارة وقتهم وطاقتهم بشكل واع، وتعليمهم كيفية التأرجح بين فترات التوتر وفترات التعافي فضلاً عن تعريفهم بكيفية تنظيمهم لعملهم بما يتفق مع حاجة الجسم لفواصل كل 90 إلى 120 دقيقة وهو ما يشكل تحدياً لمدمني العمل ومحبي الإنجاز. كان جيفري سكلار (Jeffrey Sklar)، صاحب الـ39 عاماً، المدير الإداري للمبيعات المؤسسية في شركة غرونتال آند كومباني (Gruntal & Company) في نيويورك، واعتاد منذ فترة طويلة التفوق على منافسيه بالعمل الشاق والجاهد والتقدم على حساب كل من يحاول منافسته بفارق كبير. وقام بمساعدتنا ببناء مجموعة من الطقوس التي ضمنت تعاف منتظم له، ومكنته من أداء مهامه بشكل أفضل مع قضاء ساعات أقل في العمل.

كان سكلار يقوم مرة صباحاً ومرة مساء بالجلوس في مكان هادئ مدة 15 دقيقة. كما بات يغادر مكتبه ليتناول طعام الغداء في الخارج، وهو شيء لم يكن يتخيل قط أن يقوم به. كما كان يمشي في الهواء الطلق مدة 15 دقيقة على الأقل، ويتدرب في الصالة الرياضية 5 أو 6 مرات أسبوعياً بعد العمل. أما في المنزل، فقد تعاهد هو وزوجته شيري، والتي كانت بدورها أيضاً رئيسة تنفيذية، ألا يتحدثا عن العمل أبداً بعد الساعة 8 مساء. كما تعاهدا أيضاً على قضاء عطلة نهاية أسبوع في أماكن مختلفة. قام سكلار بالقيام بذلك طوال فترة عامين فيها زادت أرباحه أكثر من 65%.

أعاد جيم كونور (Jim Connor)، الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة فوتجوي (FootJoy) ترتيب أولويات وقته ليس فقط لإدارة طاقته بشكل أفضل، بل لخلق المزيد من التوازن في حياته وإحياء شعوره بالشغف أيضاً. جاء كونور إلينا قائلاً أنه عالق في فجوة عميقة، ويضيف: “قمت بكتم مشاعري لأتمكن من التعامل مع الألم العاطفي الذي تسببه الحياة. لقد قمت بتسوية جميع التقلبات في حياتي بالأرض إلى حد بات التأرجح أمراً صعب التحقيق. لم أكن أشعر بالحياة، بل كنت أعيشها بشكل روتيني”.

فرض كونور على نفسه أن يكون أول من يصل إلى المكتب كل يوم وآخر من يغادره. لكن في الواقع، كما أخبرنا هو بلسانه، لم يكن هناك أي مشكلة لدى أي أحد إذا وصل متأخراً قليلاً أو غادر مبكراً خلال أيام العمل. أدرك أنه من المنطقي له أيضاً قضاء يوم أو يومين في الأسبوع في محطة الأقمار الصناعية والأقرب إلى منزله بمسافة 45 دقيقة مقارنة بالمكتب الرئيسي، حيث كانت فائدة القيام بذلك متمثلة في قيامه برفع معنويات العاملين ضمن المحطة من ناحية، ومن ناحية أُخرى اختصار وقت تنقله من وإلى العمل بمقدار 90 دقيقة يومياً.

قام كونور، بعدما بدأنا بتدريبه، العمل على أن يكون له مكتب في مصنع الأقمار الصناعية، حيث بات يقضي هناك يوماً واحداً على الأقل في الأسبوع فيه، ما دفع الموظفين هناك إلى الشعور بالرضا لوجوده المتزايد هناك. كما بدأ بتلقي دروس في رياضة الغولف مرة صباحاً كل أسبوع، ما سمح له بمزيد من الراحة أثناء قيادته سيارته إلى مكتبه الرئيسي، حيث كان يذهب إلى مكتبه بعد ساعات الذروة والتي كان يقضيها في التدريب على ممارسة الغولف. إضافة إلى ما سبق، وضع تقليداً يقوم على السفر مرة شهرياً على الأقل، وكان غالباً ما يترك مكتبة مبكراً لقضاء وقت أكثر مع عائلته.

كما قام كونور أيضاً ببناء نظام دقيق للتعافي خلال أيام العمل حيث يقول: “يا للفرق الذي تحدثه الفاكهة والماء. وضعت منبهاً يرن كل 90 دقيقة لمنع الانتكاسات، لكني أحاول جعل الروتين متأصلاً بشكل غريزي في حياتي وأنا أحب ذلك. أنا حالياً أكثر إنتاجية بسبب ذلك، ونوعية تفكيري باتت أفضل. أنا الآن أنجز الكثير من الأعمال الكبيرة ولا أتأثر بالتفاصيل. أقضي وقتاً أطول للتفكير وأنال وقت راحة أكثر”.

تزيد الطقوس التي تشجع التفكير الإيجابي أيضاً من احتمال الوصول إلى حالة الأداء المثالية، حيث قمنا بتعليم كبار الرياضيين قوة خلق طقوس عقلية محددة للحفاظ على الطاقة الإيجابية. كان جاك نيكلاوس (Jack Nicklaus)، أحد أعظم المؤدين تحت الضغط في تاريخ الغولف يفهم بشكل بديهي أهمية كل من التأرجح والطقوس، حيث كتب في مجلة “غولف دايجست” (Golf Digest) معلقاً على هذا بالقول، “لقد وضعت نظاماً يسمح لي الانتقال من قمم التركيز إلى وديان الاسترخاء والعودة بعد ذلك حسب الضرورة. بات تركيزي أكثر حدة، وبت قادراً على القيام بشحذ أفكاري وزيادة تواتر التفكير حتى أصل إلى الذروة، ثم أعود وانحدر إلى وادي فيه الهدوء والاسترخاء وذلك إما من خلال محادثة عارضة مع زميل منافس أو عبر السماح لذهني بالبحث عن السكينة تجاه كل ما يحدث فيه”.

يعتبر التصور (Visualization) أحد الطقوس الأُخرى التي تُنتج طاقة إيجابية ولها نتائج واضحة على الأداء. مثلاً، علّم إيرل وودز (Earl Woods) ابنه تايجر كيف يشكل صورة ذهنية لسقوط الكرة في الحفرة قبل ضربها، حيث تؤدي هذه العملية إلى شعور غامض بالتفاؤل والرفاه. كما وجد عالم الأعصاب أيان روبرتسون من كلية ترينيتي (Trinity) في دبلن، ومؤلف “نحت العقل” (Mind Sculpture) أنّ التصور يمكن أن يؤدي حرفياً إلى زيادة عمل الدوائر العصبية في الدماغ، وتحسين الأداء بشكل مباشر.

من الصعب أن نتصور مثالاً أفضل عن هذا مما قامت به السباحة لورا ويلكينسون (Laura Wilkinson). إذ كسرت لورا ثلاثاً من أصابع قدمها قبل 6 أشهر من دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في سيدني أثناء التدريب، ولم تعد قادرة على الغوص في الماء بسبب جبيرتها. قالت إنها قامت بدلاً من ذلك بقضاء الكثير من الوقت يومياً على منصة الغوص تتصور كيفية قيامها بالغطس. لم يكن لديها إلا بضعة أسابيع فقط للتدرب فعلياً قبل دورة الألعاب الأولمبية، إلا أنها قدمت أداء مميزاً جعلها تفوز بالميدالية الذهبية للقفز من ارتفاع 10 أمتار.

يقدم التصور أيضاً فائدة كبيرة في المكاتب. كان لدى شيري سكلار أيضاً طقوساً تحضرها قبل أي حدث كبير في حياتها العملية، حيث تضيف: “دائماً ما كنت أقضي وقتاً وأنا جالسة في مكان هادئ أفكر فيما أريده حقاً من الاجتماع، ثم أتصور نفسي أحقق تلك النتيجة لاحقاً”. في الواقع، عملت سكلار على بناء قدراتها العقلية بشكل كبير عبر زيادة قدرتها على التحمل والمرونة، حيث قالت إنه من خلال قيامها بذلك، تمكنت من طرد الأفكار السلبية تحت الضغط، وتضيف: “لقد جعلتني أكثر استرخاء وثقة عند ذهابي إلى العروض التقديمية”.
القدرة الروحية

لدى معظم الرؤساء التنفيذيين حذر كبير من التعامل مع المستوى الروحي في هرم الأداء ضمن مجال عملهم، حيث تعني كلمة “روحية” في قاموسهم عواطف متضاربة وبعيدة الصلة عن الأداء المرتفع. لنحاول أن نكون واضحين: من خلال القدرة الروحية، نقوم ببساطة بإطلاق العنان للطاقة عبر الاستفادة من أعمق القيم ووضع تعريف يتعلق بغاية كل ما نقوم به. لقد وجدنا أنّ القدرة الروحية تمثل الزاد الذي يُعيننا على مواجهة الشدائد والمصدر القوي للحصول على الدافع والتركيز والتصميم والصمود.

لننظر في حالة أماني، وهي مسؤولة تنفيذية رفيعة المستوى في شركة مستحضرات تجميل كبيرة. حاولت أماني دون جدوى الإقلاع عن التدخين ملقية باللوم على ذلك إلى عدم انضباطها. بدوره أثّر التدخين على صحتها وإنتاجيتها في العمل، ما أدى إلى انخفاض قدرتها على التحمل بسبب معاناتها من ضيق في التنفس. كما زاد من أيام الإجازة المرضية لها مقارنة بزملائها، وشتت تفكيرها خلال الاجتماعات الطويلة بسبب رغبتها الملحة بالتدخين.

قبل أربع سنوات، عندما أصبحت أماني حاملاً، تمكنت الإقلاع عن التدخين فوراً، ولم تلمس سيجارة حتى يوم إنجابها لطفلها. بعد ذلك، عادت للتدخين ثانية. بعدها بعام، أصبحت أماني حاملاً للمرة الثانية، وتوقفت عن التدخين من جديد دون رغبة بتدخين أي شيء. وكما حدث أول مرة، عادت إلى التدخين حال إنجابها طفلها الثاني. تقول مصدومة: “لا أفهم حقاً سبب ذلك”.

قدمنا لها شرحاً بسيطاً حول هذا، مفاده أنّ سبب نجاحها في الانقطاع عن التدخين كان ربطه بهدف أعمق. كانت صحة جنينها أمراً كاف لجعلها تتوقف عن التدخين، حيث قامت بما ندعوه “التكيف القائم على القيم”. إلا أنه حال تحقيق الهدف العميق، عادت أماني إلى التدخين، إذ كان ذاك التكيف قصير المدى، في نفس الوقت الذي يقدم فيه التدخين لها متعة حسية فضلاً عن كونه وسيلة لتهدئة قلقها وإدارة إجهادها الناتج عما كانت تعرف في داخلها أنه غير صحي، وكانت تشعر بالذنب على المستوى العاطفي، وحتى معاناتها الجسدية من آثاره لم تكن كافية لتغيير سلوكها. كانت أماني تحتاج إلى مصدر حافز أكثر ديمومة لتحقيق النجاح اللازم.

وجدنا أنّ إجراء هكذا رابط يتطلب الخروج من تلك الحلقة المفرغة من المواعيد النهائية والالتزامات التي تستغرق وقتاً للتفكير. كان الرؤساء التنفيذيون يميلون إلى العيش في حالة دائمة من الفرز، ثم التصرف تجاه الأمور الأكثر إلحاحاً دون النظر إلى الصورة الأكبر.

كانت الطقوس التي تعطي الناس فرصة للتوقف والتفكير تشمل التأمل وكتابة اليوميات والصلاة وخدمة للآخرين والتي يمكن لها كلها أن تكون مصدراً للاستشفاء، ووسيلة لكسر النمط الخطي من الحركة الموجهة نحو الأنشطة التي تتم بلا رحمة بهدف الوصول إلى هدف محدد.

يمكن أن يكون قضاء الوقت الكافي للوصول إلى أعمق القيم أمراً مجز للغاية، ويمكن أن يكون مؤلماً أيضاً كما اكتشف عملينا الذي سندعوه باسم رشيد. كان رشيد يعمل في مجال الأسواق المالية في نيويورك ويعيش ضمن ضاحية بعيدة مع زوجته ربة المنزل وأطفالهم الثلاثة الصغار. كان رشيد يقضي وقتاً قليلاً مع عائلته بسبب تنقله اليومي الطويل من وإلى العمل فضلاً عن ساعات عمله الطويلة. إذ كان يغادر منزله الساعة 7:30 صباحاً، كحال باقي عملائنا، متوجهاً نحو عمله وذلك قبل استيقاظ أطفاله، ويعود الساعة 7:30 مساء بعد أن يكونوا قد ناموا. كان يعود إلى المنزل شاعراً بالإنهاك وغير راغب في الحديث مع أحد. لم يكن سعيدا بحالته، لكنه لم ير أي حلولاً سهلة. مع الوقت، بدأت تعاسته تؤثر على عمله أكثر، ما جعله أكثر سلبية عند عودته إلى المنزل ليبدأ الدخول في حلقة مفرغة.

في إحدى الأمسيات، وأثناء عودته إلى البيت من العمل، وجد رشيد نفسه يشعر بالكآبة من حياته. كان في حالة كآبة بالغة عندما أوقف سيارته قرب حديقة تقع على مسافة قريبة من منزله ليبدأ بالبكاء بسبب مشاعر الإحباط. كان حزيناً لما وصل إليه حاله ومتشوقاً للعودة إلى أسرته. بعد 10 دقائق، كان كل ما يريده هو العودة إلى المنزل ومعانقة زوجته وأطفاله. شعر أبناؤه بالحيرة الشديدة من تصرف والدهم نظراً إلى أنهم اعتادوا تجنبه عندما كان يعود إلى المنزل، لكنه هذه المرة عاد والدموع في عينيه ليعانقهم بشدة. عندما عادت زوجته إلى المنزل، كانت تعتقد بشدة أنه طُرد من عمله.

في اليوم التالي، شعر رشيد مرة أُخرى بأنه مضطر إلى التوقف في الحديقة القريبة من منزله. انهمرت الدموع ثانية، وكذلك مشاعر الشوق. من جديد، هرع إلى منزله ليحتضن عائلته. خلال العامين التاليين، كان رشيد قادراً على عد الأيام التي لم يتوقف فيها أمام نفس الحديقة للبكاء عشر دقائق على الأقل. تراجع جيشان العواطف مع مرور الوقت، لكن شعوره بأنه يخسر كل ما هو جميل في حياته كان أقوى من أي وقت.

عثر رشيد بالمصادفة على طقوس سمحت له بفك ارتباطه بالعمل من ناحية، وإيجاد غاية عميقة ومعنى لحياته من ناحية أُخرى، والتي كانت عائلته. في هذا السياق، لم يعد الذهاب إلى المنزل عبئاً عليه بعد يوم طويل، بل أصبح بدلاً من ذلك مصدراً للتعافي والانتعاش. في نفس الوقت، تقلص إلهاء رشيد في العمل، وأصبح أكثر تركيزاً وإيجابية وإنتاجية لدرجة أن تمكن من خفض ساعات عمله. أما على المستوى العملي، فقد تمكن من خلق توازن أفضل بين التوتر والتعافي، كما أنه من خلال وصوله إلى شعور الغاية، وجد مصدراً جديداً قوياً للطاقة لكل من عمله وأسرته.

يعتبر الأداء مرتفع النسق والمستمر في بيئة الشركات التي تتغير بسرعة أمراً أكثر صعوبة وأكثر ضرورة من أي وقت مضى. أما الإصلاحات البسيطة فلم تعد تكفي حيث لم يعد من الممكن للشركات التعامل مع القدرات المعرفية لموظفيها دون النظر إلى رفاههم الجسدي والعاطفي والروحي. سواء في الملاعب أم في قاعات مجالس الإدارة، إذ يعتمد الأداء العالي على كيفية تجديد الناس واستردادهم لطاقتهم بنفس أهمية كيفية إنفاقهم لتلك الطاقة. كما من المهم معرفة كيفية إدارة الناس لحياتهم بقدر ما هو مهم معرفة كيفية إدارتهم لعملهم.

عندما يشعر الناس بالقوة والهدوء الداخلي (جسدياً وعقلياً وعاطفياً وروحياً) سيتمكنون من تقديم أداء أفضل وبشغف أكثر ولفترة أطول. كنتيجة لهذا، سيربحون، وستربح أسرهم وستربح الشركات التي توظفهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!