كيف توجّه موظفاً ذا ميول تلاعبية؟

7 دقائق
إدارة وتوجيه الموظف صاحب السلوكيات التلاعبية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعاني الكثير من القادة مع الموظفين الذين يطمسون الخط الفاصل بين الإقناع والتلاعب عندما تكون المخاطر كبيرة، وعلى الرغم من أنه لا ينبغي أبداً التسامح مع سوء الأخلاق والموظف ذا الميول التلاعبية، فبإمكان الخبراء الموهوبين أن يتمتعوا بمسيرة مهنية طويلة ناجحة إذا تدربوا على تعلم أساليب أفضل للتأثير والإقناع والإرشاد والتوجيه.

تقول بيث، رئيسة وحدة عمل تُقدر قيمتها بنحو 7 مليارات دولار وإحدى عميلاتي: “لقد وصل الأمر إلى درجة أنني لا أستطيع الوثوق بأي شيء تقوله غيل، حيث يأتيني البعض ليقصّوا عليّ ما تفعله غيل من تجميل للحقائق وما تقدمه لي من معلومات انتقائية”.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: أهمية التوجيه الإداري

كانت غيل تعمل تحت الإشراف المباشر لبيث، وكانت تقود مبادرة إصلاح عملية تطوير المنتج داخل القطاع. كانت المبادرة محفوفة بالمخاطر السياسية والمالية، إلا أنها كانت تنطوي على فرص كبيرة لتحقيق نمو هائل، ورأى مدراء غيل أنها خير من يمكنه قيادة هذه المبادرة نظراً لما تتمتع به من براعة وحيوية وإصرار وسجل حافل بالإنجازات المشهودة، إلا أن هذه المبادرة كانت الأكبر في مسيرتها، بالإضافة إلى فشل محاولتين سابقتين في تغيير العملية، ولا شك أن أي محاولة أخرى للتغيير ستكون محفوفة بالاضطرابات والكثير من الصعوبات.

استطردت بيث غاضبة: “إنها تحاول دائماً استغلال اسمي عند رؤسائها، وتثني علانية على أولئك الذين يعطونها ما تريده، وتظل تتحدث إلى أن يستسلم الطرف الآخر لمطالبها، فهي تمتلك شخصية كاريزمية في إلقاء العروض التقديمية وتدافع عن قضاياها بكل شغف، لكنها تترك خلفها عدداً من الأمور التي تزعزع الثقة بها”.

أثبتت العلوم السلوكية أن السلوكيات التلاعبية، كالضلوع في النقد المفرط وتقديم الإطراء الزائف وتحريف المعلومات والتظاهر بالعجز والتسبب في شعور الطرف الآخر بالذنب، غالباً ما تكون عبارة عن آليات للبقاء والصمود، خاصة في ظل بيئات العمل الصعبة والتنافسية، كما تكون هذه الآليات جذابة بشكل خاص عندما يشعر الموظف بأنه يفتقر إلى ما يكفي من القوة والسيطرة. وللأسف بات التلاعب في العديد من المؤسسات بديلاً مقبولاً لأشكال التأثير والإقناع الإيجابية، بل الأسوأ من ذلك أن النظم والثقافات المؤسسية أصبحت تعمل على تعزيز التلاعب في كثير من الأحيان، وقد أثبت بحثي الخاص هذا الأمر، فعندما تفتقر عملية صناعة القرار إلى الشفافية، يغدو الموظفون أكثر ميلاً إلى تجميل الحقيقة وتزيينها بمقدار ثلاثة أضعاف ونصف.

كيف يمكنك، إذن، تدريب الموظف الذي يعتمد –سواء بقصد أو غير قصد– على السلوكيات التلاعبية ومساعدته على إيجاد طرق أكثر جدوى للتأثير في الآخرين؟ لن تتمكن من ذلك في بعض الأحيان، فربما تكون طبائع الناس متأصلة فيهم لدرجة أنك تعجز عن تغييرها، ولكن إذا كنت تعمل مع موظف ترى أن لديه قابلية للتغيير، فالجأ إلى الأساليب التالية التي استخدمتها بيث لمساعدة غيل على تحقيق النجاح.

انظر إلى العوامل التنظيمية بعين الاعتبار

قبل أن تتواصل مع غيل، طلبتُ من بيث أن تفكر في الجوانب التنظيمية التي ربما تشجع غيل على انتهاج مثل هذا السلوك، لاسيما أن ثقافة الشركة كانت تشدد بالفعل على أهمية الأداء الممتاز للموظفين وغالباً ما تبدو بيئتها شديدة التنافسية، فقد كانت هذه المؤسسة القائمة على التسلسل الهرمي الصارم أكثر ميلاً للتأثر بآراء المسؤولين من طبقة نواب رئيس مجلس الإدارة مقارنة بغيرهم من مسؤولي الشركة، وقد كانت غيل من كبار المدراء، أي الطبقة الأدنى من طبقة نواب الرئيس، ما جعل التحدي المتمثل في “إحداث التأثير” أكثر صعوبة، بالإضافة إلى أنها امرأة ملونة البشرة في مؤسسة يهيمن عليها الرجال، وهو ما شكَّل لها تحدياً أكبر، كما كانت المواعيد النهائية التي أُبلغت بها بورصة وول ستريت للكشف عن العملية الجديدة طموحة للغاية، وهو ما جعل المحللين يراقبونها عن كثب.

فكرت بيث في كل هذه العوامل وأدركت أن الضغوط المحيطة بمبادرة غيل من شأنها بطبيعة الحال أن تجعل أي شخص حريصاً على الإقناع بصورة مبالغ فيها، على الرغم من أن “الإقناع” و”التلاعب” قد تداخلا في هذه الحالة وشكّلا خللاً.

وتشمل العوامل التنظيمية الأخرى التي قد تعزز السلوكيات التلاعبية كلاً مما يلي:

  • أنظمة الحوافز التي تكافئ النتائج شديدة الفردية
  • الثقافات التي تقدِّر السرية وتجعل الوصول إلى المعلومات صعباً أو التي يؤدي فيها العدوان السلبي إلى تدمير الصراع الصحي
  • أنظمة التقييم مع التوزيع القسري في فئات أداء ضيقة
  • الهياكل الإدارية التي تقوم على عقلية الصومعة وتهدف إلى حماية ولاء فرق العمل
  • تضارب الأهداف أو عدم وضوحها بما يجعل استغلال الغموض هو السبيل الوحيد لنيل التقدير على ما تحقق من نتائج

إذا كانت مثل هذه العوامل هي المتبعة في مؤسستك، فاعلم أنها ستقضي على التأثير المتبادل الحقيقي، وهو ما سيجعل التلاعب هو الأسلوب الافتراضي لإنجاز الأمور بكفاءة. وسيساعدك إجراء هذا التحليل قبل تدريب أي موظف على إدراك أن العديد من الموظفين لا يتلاعبون بطبيعتهم، بل ربما يكونون متأثرين فقط بالبيئة والظروف المحيطة بهم.

اعرض البيانات

لا شك أن مواجهة الموظفين الذين يمارسون السلوكيات التلاعبية أمر صعب بطبيعة الحال لأنهم في الغالب ماهرون في إقناع الآخرين بدوافعهم، حتى لو كان ذلك يعني تحريف القصة، وعندما تواجههم، ربما يصبحون دفاعيين، فيصدرون تصريحات لا تخلو من التبجح والتهكم، مثل :”آسف لو كان الآخرون يسيئون تفسير نيتي، لكني أبذل قصارى جهدي لتقديم هذه النتائج في ظل ظروف صعبة، لكن مهلاً، إذا كنتُ الشخص غير المناسب لهذه المهمة، فلا مانع لدي من السماح لشخص آخر بالمحاولة”، ومن ثم فإن أفضل أسلوب في التعامل معهم هو أن تكون صريحاً وملتزماً بالحقائق.

شجعتُ بيث على الوصول إلى هذه النقطة سريعاً بأن تقول: “غيل، نحن في حاجة إلى التحدث بشأن الطرق التي تؤثرين بها على المؤسسة وأنت تقودين عملية تطوير المنتج الجديد، حيث تلقيت العديد من المخاوف القوية بشأن الطرق التي تستخدمين بها البيانات في دعم توصياتك، والكيفية التي توائمين بها بين وجهات نظرك، وما يشعر به بعض أصحاب المصلحة المهمين من أنك لم ترحبي بتعليقاتهم وملاحظاتهم، وإليك ثلاثة أمثلة على ذلك”.

وبعد ضرب بعض الأمثلة المحددة، من المهم أن تعزز من هدفك بقولك: “لا أقصد التشكيك في دوافعك أو شخصيتك، بل أريد مساعدتك في التعرف على آراء الآخرين في أسلوبك القيادي وعلى إيجاد أساليب بديلة لتنفيذ هذه المبادرة المهمة التي لن تضر بمسيرتك المهنية”.

لعل هذه المحادثة تبدو كأنها نزع لضمادة الجروح، لذا لا بد من استخدام نبرة توحي بأنك حليف، ومن الإفصاح المتكرر عن نيتك في مساعدة الطرف الآخر على تحقيق النجاح، فغالباً ما يخفي هذا القناع من الثقة الذي يرتديه الموظفون الذين يتصرفون بطريقة متلاعبة قدراً كبيراً من الهشاشة، فربما يشعرون بالخزي عندما يدركون الكيفية التي تفسر بها سلوكياتهم، ولكنك لا تريد أن يشعروا بالإحباط، فذرهم يقدمون تفسيراتهم، وأنصت إليهم باهتمام، فلعلك تكتشف جانباً من القصة لم تكن تضعه في اعتبارك من قبل.

سمعت بيث من غيل أشياء من قبيل: “ماذا كان يُفترض بي أن أفعل؟ لم يكن لدي سوى 20 دقيقة في جدول الأعمال، ولم أتمكن من عرض شرائح العرض البالغ عددها 50 شريحة، كما كان جون عنيداً بشكل غير معقول بشأن تغيير الجزء الخاص به من التصميم، فكان تجاوزه هو الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها الوفاء بالموعد النهائي”.

عملت بيث على مساعدة غيل في التراجع والنظر في الكيفية التي فسر بها من هم على الجانب الآخر كل خيار من خياراتها. وفي النهاية، تمكنت غيل من معرفة لماذا سحب الآخرون ثقتهم منها.

اكتشف ديناميات التهميش

غالباً ما يخفي التلاعب المزمن شعوراً دفيناً بالتهميش، فقد عانى الكثير من الموظفين الذين لديهم عادات تلاعبية من التجاهل أو الرفض أو الاستبعاد من المحادثات المهمة، فعندما يرغب الموظف بشدة في إثبات جدارته من أجل إيقاف ألم الشعور بالتهميش، يبدو التلاعب أداة موثوقة.

ولا شك أن الشعور بالإقصاء أو عدم الأهمية لا يبرر التلاعب، لكنه يقدم تفسيراً مهماً: وهو أن الموظفين الذين يشعرون بالتهميش يتوقعون الإقصاء وربما يتصرفون بطرق غير واعية تؤدي إليه. وتتمثل مهمة القائد في تهيئة بيئة تستوعب الجميع لا يتطلب الظفر بالقبول فيها أي سلوك غير مجد. ولكي نكون واضحين، لا يلجأ جميع الموظفين الذين يشعرون بالتهميش إلى التلاعب، ولا يتعرض كل الموظفين المتلاعبين للتهميش، لكن العلاقة الترابطية المحتملة توفر منظوراً مهماً يمكن من خلاله فحص سلوك الموظف إذا كنت ترغب في تقديم تدريب فاعل.

وفي أفضل الأحوال لا بد من التفكير في هذه العوامل قبل بدء محادثة التدريب حتى تتمكن من توجيه دفة الحوار بتعاطف أكبر. وفي حالة بيث، فقد فشلت في مراعاة بعض العقبات التي تواجهها غيل.

أسرَّت غيل إلى بيث قائلة: “لعلك تعلمين ما يعنيه أن تكوني امرأة في هذه المؤسسة ومدى صعوبة أنه يتعين علينا أن نكافح حتى يُسمع صوتنا ونلقى الاحترام الواجب، لاسيما عندما لا تكونين نائبة للرئيس، علاوة على أنني امرأة ملونة البشرة، لذا أشعر فعلاً في بعض الأحيان بأنه يتعين عليَّ أن أكون حازمة على نحو مفرط أو ألا أخبر الآخرين إلا بما أرى أنهم في حاجة إلى سماعه من أجل إحراز التقدم، وآسفة لو أنني تجاوزت في بعض الأحيان، لكن طاقتي قد نفدت بسبب الشعور بأنني أصعد جبلاً وفوق ظهري صخرة أحملها وحدي”.

لقد فتح ما تشعر به غيل من هشاشة الباب أمام إجراء محادثة مهمة بين المرأتين عن النوع والعرق والمناصب والشمول في مؤسستهما، وأعربت بيث عن تقديرها العميق لأمانة غيل وعن تعاطفها مع ما تعانيه، وقد أخذت على عاتقها مسؤولية عدم التفكير في هذه العوامل مقدماً، مع الاستمرار في توقع أداء مرتفع من غيل.

وردت بيث قائلة: “آسفة لاضطرارك إلى مواجهة تلك التحديات، وآسفة كذلك لما شعرت به من وحدة في مواجهتها، فمن الواضح أنني فشلت في مهمة قيادتك ورعايتك، وكان ينبغي لي أن أكون أكثر تناغماً معك وأن أبادر على نحو أسرع إلى التحقق من ذلك، وأعدك بأن أجعل دعمك في هذا الأمر أولوية عندي، وأريدك أن تحسني من أدائك في طريقة عملك مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، إذ أريد أن يروا منك أفضل أداء أعرفه عنك، وإذا استغرق تحقيق ذلك وقتاً أطول مما ننشده، فدعي الأمر لي، ولا تجعلي أي مواعيد نهائية تضغط عليك لتسوية العلاقات الحرجة”.

إذا كنت تدرب موظفاً تعرض للإهمال أو التهميش بطريقة ما، سواء في حياته الشخصية أو في مؤسستك، فاستكشف كيف يمكن لهذه التجربة أن تشكل خياراته، واطرح أسئلة مثل:

  • هل أنت قلق من أن يرى الآخرون أنك لا تتسم بالمصداقية؟
  • هل جعلتك أنا أو أي شخص آخر تشعر بأن إسهاماتك لا أهمية لها؟
  • هل تعاني من أجل الشعور بالثقة في وجاهة آرائك؟
  • هل تخشى كثيراً أن يرفضك أولئك الذين تحاول الحصول على دعمهم؟

ربما تشير الإجابة بنعم إلى أن هذا الموظف يشعر بأنه غريب، فإذا كان الأمر على هذا النحو، فاحرص على أن تفعل كل ما في وسعك من أجل أن تغرس فيه الشعور بالانتماء، ودربه على كيفية بناء العلاقات داخل المؤسسة، وتحقق بشكل منتظم للتأكد من أنه يجري اتصالات إيجابية مع الآخرين ويشعر بأنه يلقى معاملة محترمة.

أظهر دعمك واتفق على الالتزامات

من المهم أن تحافظ على إظهار تعاطفك في أثناء هذه المحادثة وبعدها، إذ سينصرف عنك الموظف الذي تتعامل مع سلوكه وفي نفسه شيء من القلق حيال مكانته لديك، لذا احرص على مراعاة الوضوح عند تأكيد التزامك بنجاحه تماماً كما تفعل عند تحديد ملامح التغيير، فلا بد أن يعتقد هذا الموظف أنك تقف في صفه ومستعد لمساعدته.

فإذا اكتشفت، على سبيل المثال، ثغرات مهارية فيما يخص قدرة هذا الموظف على التأثير، فوافق على تقديم التطوير اللازم، حيث التزمت بيث بتعيين مدرب تنفيذي لغيل ليدربها على الإقناع باستخدام البيانات، واتفقت بيث مع غيل على استخدام أساليب أفضل للتأثير والإقناع داخل المؤسسة، والتزمت غيل بالعودة إلى أساليب محددة للتأثير على أصحاب المصلحة الرئيسيين، مع الإشارة إلى الأماكن التي احتاجت فيها إلى مساعدة بيث، ووافقت بيث على تقديم ملاحظات مباشرة وصريحة إلى زملائها من المسؤولين التنفيذيين بشأن الانحيازات غير الإرادية التي قد تظهر في تعاملهم مع غيل، على أن تطلب منهم مضاعفة جهودهم ليكونوا أكثر ترحيباً ودعماً لها.

لعلك تشعر بالإهانة والغضب لأنك الطرف الذي يتأثر بالسلوكيات التلاعبية، وقد تستنتج أن تدريب موظف ذا ميول تلاعبية على الابتعاد عن هذه السلوكيات قضية خاسرة، أو أنه بذلك قضى على فرصه في الإصلاح والتغيير، ولكن كما حدث مع بيث وغيل فإذا كنت مستعداً لاتباع نهج عاطفي والوصول إلى السبب الجذري للجوء موظفك للتلاعب، فربما تتمكن من وضعه على الطريق الصحيح لتحقيق أعظم إسهاماته على الإطلاق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .