كيف تهيئ نفسك لخيبة أمل؟

7 دقائق
الاستعداد لتجاوز خيبات الأمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كيف تهيئ نفسك لأي خيبة أمل قد تكون كبيرة، بل وربما تقلب حياتك رأساً على عقب؟ هل يجدر بك التفكير في الأمر قبل وقوعه؟ أم أنك ستهدر طاقتك دون طائل وتتسبب لنفسك في هواجس لا داعي لها في حين أنك لن تعرف النتيجة النهائية على أي حال؟ إن أول ما يجب عليك القيام به هو تنمية اليقظة العقلية وأن تسأل نفسك ما إذا كان القلق مفيداً بحق، وإذا كان قلقك سيحفزك على اتخاذ إجراءات يمكن أن تؤثر على النتيجة المرتقبة، فقد يكون هذا القلق مفيداً. قد يدفعك القلق أيضاً إلى حشد الموارد، كالدعم الاجتماعي مثلاً، لمساعدتك على التحمل إذا ادلهمت الخطوب وتحقق أسوأ السيناريوهات، لكن يجب أن تخفف حدة آلام القلق ببعض الأمل لخلق حالة من التوازن النفسي، ما دمت غير واثق من أن الأمور ستسير كما تريد، واحذر أن تغرق نفسك في بحور البؤس، وإلا فلن تجني شيئاً سوى أن تدفع ضريبة الألم مسبقاً. وإذا وجدت صعوبة في إخماد الانفعالات السلبية غير المجدية، فحاول صرف انتباهك إلى شيء ممتع أو تأملي.

 

أتذكر أنني كنت أنتظر أخباراً مصيرية أكثر من مرة في حياتي وكنت أخشى ألا تسير الأمور في صالحي، وذلك حينما كنت أقدم طلبات الالتحاق بالجامعة أو التسجيل في برامج الدراسات العليا، وحينما كنت أنتظر نتائج مقابلات التوظيف، أو أنتظر الحصول على ترقية، أو أعرض خطة تأليف كتاب، بل وحينما كنت أنتظر نتائج الانتخابات.. أجل نتائج الانتخابات.

لم أكن أعرف أبداً أفضل طريقة لتجاوز فترات الانتظار هذه، ولطالما شعرت بآلامها، وتأرجح عقلي حينها بين تخيل أفضل النتائج الممكنة وتهيئة نفسي للأسوأ، وكثيراً ما تسببت في حرماني من النوم والأرق لساعات طوال، حتى إنني كنت أظل مستيقظاً ما بين الساعة 2:00 في منتصف الليل والساعة 4:00 فجراً تنتابني أفكار سوداوية حول ما قد يحمله لي المستقبل (ناهيك عن كل الأخطاء التي ارتكبتها خلال مشوار حياتي).

لم أجد بداً خلال هذه الفترات المشوبة بالقلق سوى التفكير في خيبة الأمل المحتملة باعتبارها إحدى أهم آليات التأقلم مع الوضع. أعلم أنني لست وحدي الذي يعاني من ذلك، وقد كان عام 2020 عاماً حافلاً بخيبات الأمل الخطيرة والمخيفة للكثير من الناس، بدايةً من فقدان الوظائف إلى إغلاق المدارس والإصابة بالأمراض، بل والوفاة أحياناً، وربما أن هناك المزيد من خيبات الأمل التي لم نرها بعد، حيث يتوقع بعض القادة إمكانية تسريح عدد أكبر من العمالة، ويشك أصحاب الشركات الصغيرة في قدرتهم على النجاة هذه المرة من فرض الإغلاق مرة أخرى، إلى جانب الآباء والأمهات الذين لا يعرفون كيف سيؤدون وظائفهم إذا أغلقت المدارس أبوابها.

فكيف تهيئ نفسك، إذاً، لخيبات الأمل التي قد تكون كبيرة، بل وربما تقلب حياتك رأساً على عقب؟ هل يجدر بك التفكير في الأمر قبل وقوعه؟ أم أنك ستهدر طاقتك دون طائل وتتسبب لنفسك في هواجس لا داعي لها في حين أنك لن تعرف النتيجة النهائية على أي حال؟

مجموعة نصائح لتجاوز خيبات الأمل الكبيرة

أردت أن أفهم بصورة أفضل كيف يمكن أن نهيئ أنفسنا للأخبار المصيرية، لذا طلبت من خبيرين تدارس الأمر وفحصه، وإليك نصائحهما:

سل نفسك ما إذا كان القلق مفيداً

تتلخص المسألة فيما يلي: يفيد القلق في بعض الأحيان، فقد يحفزك على الاستعداد بصورة أفضل، وهو ما يخفف حدة مخاوفك على المدى البعيد. يقول آرت ماركمان، أستاذ علم النفس بـ “جامعة تكساس” في أوستن ومؤلف كتاب “استخدم دماغك في العمل: استخدام العلوم المعرفية للحصول على وظيفة وإتقانها والتطور في حياتك المهنية” (Bring Your Brain to Work: Using Cognitive Science to Get a Job, Do it Well, and Advance Your Career): “إذا أردت النجاح وكنت تخشى احتمالية الفشل، فسوف تخلق الفجوة بين هاتين الحقيقتين الدافع لاتخاذ خطوة إيجابية”.  وإذا كنت تخشى فقدان وظيفتك بسبب الانكماش الاقتصادي، مثلاً، فقد تُقدِم على ترتيب شؤونك المالية أو تتواصل مع زملائك السابقين الذين قد يكونون على دراية بفرص العمل المتاحة، وهو ما يسمى “التشاؤم الدفاعي“.

ولكن إذا لم يعد هناك ما يسعك فعله للتأثير في النتيجة، أي أنك أجريت مقابلة العمل، مثلاً، وانتهى الأمر أو قدمت خطط مشروعك المرتقب للممول وتنتظر رأيه أو أدليت بصوتك في الانتخابات وقمت بالدعاية لمرشحك وتنتظر النتيجة، فلن يفيدك الشعور بالحسرة والألم حينها لا بقليل أو كثير. يقول ماركمان: “لن يؤدي القلق في مثل هذه المواقف سوى إلى توليد مزيد من الانفعال السلبي لأن النتيجة باتت خارج إرادتك تماماً، فبذل الجهد في الاتجاه الصحيح ينتج عملاً، أما بذل الجهد في الاتجاه غير الصحيح فينتج غضباً يعبر عن نفسه في صورة قلق وهواجس لا داعي لها”. لذا اسأل نفسك عما إذا كانت الانفعالات السلبية التي تشعر بها ستجبرك فعلياً على اتخاذ المزيد من الخطوات التي من شأنها أن تسهم في “تلافي النتائج السلبية”.

فكر ملياً فيما ستفعله في حال تحقق أسوأ السيناريوهات

يتمثل أحد الإجراءات التي يمكنك اتخاذها في حشد الموارد التي تحتاجها، مثلاً، لتجاوز خيبة الأمل. يقول ماركمان: “يفيد القلق أحياناً لأنه يجبرك على التفكير في الطوارئ وكيفية الاستعداد لها”.

ويمكنك تقديم الدعم النفسي لذاتك من خلال وضع تصور للنتائج السلبية المحتملة، حسبما أفادت زوي كينياس، الأستاذة المشاركة في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال “إنسياد” (INSEAD) والمتخصصة في تدريس كيفية اكتساب القدرة على التحمل. وتوضح قائلة إن التفكير في خيبة أملك قد يسهم في “تهدئة حدة القلق من المساوئ المرتقبة حالياً” لأنه سيساعدك على تخيل كيفية النجاة من أسوأ السيناريوهات. فإذا كنت تنتظر، مثلاً، أن تسمع خبراً عن قبولك في وظيفة جديدة، فإن كينياس تنصح بأن تقول لنفسك: “ستكون هناك فرص أخرى، وأمتلك المهارات والخبرات التي تؤهلني لترشيحي لشغل الوظيفة، وبالتالي إن لم أحصل على هذه الوظيفة، فسأواصل المحاولة أو سأتناول المشكلة بطريقة مختلفة أو أفعل شيئاً مختلفاً قليلاً في المرة القادمة”.

يوجد أيضاً الكثير من الطرق المدعومة بالأبحاث العلمية والتي يمكنك من خلالها تهيئة نفسك للنتائج السلبية، حيث تشير كينياس إلى أساليب تشجيع الذات التي تجعلك تفكر في قيمك الأساسية وكيفية تفعيلها من خلال تكوين علاقات صداقة متينة أو المشاركة في خدمة المجتمع، وهكذا تستطيع أن “تصقل القدرة على التحمل قبل التعرض لخيبة الأمل“، كما تنصح أيضاً بممارسة اليقظة الذهنية التي تركز فيها على تنفسك: “التنفس ببطء ووعي، مع الشهيق والزفير المصحوب بالتأمل البسيط والموجَّه”. وتوضح أن هذا يساعد على “التخلص من المشاعر السلبية والحسرة على ما فات”. يمكنك أيضاً التواصل مع الأشخاص الذين يشاركونك المخاوف نفسها أو الذين يمكنهم تقديم المساعدة إذا احتجت إليها. بمقدور أي من هذه الممارسات أن يجعلك أكثر قدرة على التحمل في مواجهة خيبة الأمل.

حقق التوازن بين الخوف والرجاء. (أجل.. لا بأس أن تتعلق بحبل الأمل)

أعتبر نفسي شخصاً يؤمن بالخرافات بشكل غير عقلاني، وكثيراً ما غالبت فكرة تخيل حدوث نتيجة إيجابية معتقداً أن ذلك سيتسبب في وقوع ما لا يحمد عقباه، وهذا محض هراء بكل تأكيد.

يقول ماركمان: “لا بأس بالتفكير في الأفكار الإيجابية، فهو أمر جيد، وقد يكون من المفيد أن تفكر في عدد معين من التخيلات حول ما ستفعله إذا وصلت إلى هدفك المنشود”.  قد تتخيل ما سترتديه في أول يوم لك في عملك الجديد، أو تفكر في الشخص الذي ستتصل به لإطلاعه على الأخبار السارة.

وتنصح كينياس بأن نتمثل كلمات مايا أنجيلو الواردة في كتاب “أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس” (I Know Why the Caged Bird Sings): “أتمنى الأفضل، وأستعد للأسوأ، ولا أُفاجأ بأي شيء بينهما”. وترى كينياس من واقع خبرتها أن القادة الناجحين يتمتعون بالقدرة على توقع الانتكاسات والتخطيط لها، ولكن هذا الأسلوب يؤتي ثماره بشكل أفضل “عندما يكون متوازناً بالإيجابية والقدرة على الاستمتاع ومعايشة اللحظة الحالية من خلال التفاؤل واليقظة الذهنية والدعم الاجتماعي”. وإذا أحسنّا التنظيم وتحلينا بالتفاؤل، فسوف يتحسن مستوى رفاهتنا وتزداد قدرتنا على التحمل إذا تحقق أسوأ السيناريوهات المحتملة.

خفف من ثقتك بنفسك

لا بأس في أن تتحلى بالتفاؤل ولكن احذر الثقة المفرطة بالنفس، فعدم تخيل إمكانية حدوث نتيجة سلبية يمكن أن يكون مدمراً على المستوى العاطفي. وقد قالت كينياس قبل فرز أصوات المجمع الانتخابي: “الخطر كل الخطر أن يصاب المرء بالصدمة بعد الثقة المفرطة بالنفس، كما حدث مع الكثير من مؤيدي هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 والذين كانوا يخططون بالفعل لكيفية الاحتفال”.

لا تستبق الأحداث وتعايش حياة البؤس

لن تقي نفسك مشاعر الألم إذا حاولت معايشتها قبل وقوع الأسوأ. وهو ما أعرب عنه ماركمان بقوله: “لن تجني شيئاً إذا دفعت ضريبة الألم مسبقاً”. وتوضح كينياس أن تعزيز المشاعر السلبية يمكن أن يسبب المزيد من الألم في الفترة التي تسبق وقوع خيبة الأمل وبعدها.

فلن تستفيد شيئاً إذا عايشت مشاعر البؤس قبل ظهور الخبر اليقين لأننا لا نجيد توقع الانفعالات المستقبلية، كما أوضح بحث موسع أُجري بواسطة دان غيلبرت وتيم ويلسون وجورج لوينشتاين ودانيال كانمان، أننا نميل إلى المبالغة في تقدير وطأة المشاعر السلبية، مثل الحزن والغضب والإحباط، ونعتقد أننا سنعايشها لفترة أطول مما يحدث بالفعل. ويطلق الباحثون على هذا السلوك مسمى “التوقّع الوجداني“، والحقيقة هي أن الأحداث السلبية عادةً ما تكون أقل حدة عاطفياً وأن المشاعر السلبية غالباً ما تكون عابرة بدرجة أكبر مما نتوقع.

أعد صياغة الألم المتوقع

تعني الرغبة الشديدة في شيء ما أنك مهتم به حقاً، وهذا شيء جيد في حد ذاته. يقول ماركمان: “ستحس بالألم إذا لم تحصل عليه، وغالباً ما سيتناسب هذا الألم طردياً مع مقدار ما استثمرته من جهود في سبيل تحقيقه”. لذا، إذا خشيت الشعور بالدمار الشديد، فذكّر نفسك بأن هذا هو ثمن الاهتمام.

ولا يمكن القول أن الهدف في الحياة هو تجنب كل المشاعر السلبية، لأنك إن فعلت ذلك، فلن تقدم على أي شيء أو تحاول الوصول إلى أهدافك المنشودة، ومن ثم يجب أن تفكر في الألم باعتباره شيئاً جيداً ولا بأس أن تسمح لنفسك ببعض الحزن إذا لم تسر الأمور كما تريد. يقول ماركمان: “إن إدراك إمكانية تحقق نتيجة سلبية يمكن أن يساعدك على حشد كل الموارد المتاحة أمامك، ولكن لا يزال من المحتمل أن تُمنى بخيبة الأمل وتحزن على أي شيء قد يحدث دماراً في أي من جوانب حياتك”.

وتذكر أن تضع هذا الحزن في نصابه الحقيقي، فإذا لم تحصل على النتيجة التي تريدها، فلن يضيع كل الجهد الذي بذلته في ذلك الحين وسيكون بمثابة استعداد للمحاولات المقبلة. يقول ماركمان: “إذا كنت تسعى باستمرار وراء تحقيق أهدافك، فإنك تعد نفسك للنجاح في المستقبل”. بعبارة أخرى: لا تعني خسارة جولة واحدة أنك خسرت المعركة كلها.

اصرف انتباهك في اتجاه آخر

قد يندرج الكثير من هذه النصائح تحت شعار “ما أسهل الكلام، وما أصعب الأفعال”، خاصة عندما تحدق إلى سقف منزلك في منتصف الليل، لذا يقول ماركمان إن بعض أفضل الأساليب لتقوية نفسك في أثناء انتظار النتائج يتضمن صرف انتباهك في اتجاه آخر، حيث يقترح مشاهدة فيلم كوميدي مضحك، وممارسة اليقظة الذهنية من خلال أخذ نفس عميق ومركّز، وتكرار هذه العملية عدة مرات، أو الجري أو أي شيء من شأنه أن “يقلل الطاقة السلبية”.

وسبق لي أن عملت بهذه النصيحة الأخيرة، وطبقتها بحذافيرها خلال الأيام القليلة الماضية، وأود أن أعبر هنا عن امتناني الشديد للموسم الجديد من البرنامج التلفزيوني “المسابقة البريطانية الكبرى للخبز” (Great British Baking Show). وإذا لم تفلح معي محاولات صرف انتباهي عن خيبة الأمل في اتجاه آخر، أو إذا أنهيت مشاهدة الحلقات الجديدة، فإنني أحاول تذكير نفسي بأنني قلق لأنني أهتم بشيء ما، ولا بأس أبداً أن أكون متفائلاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .