كيف تقنع فريقك بقبول التغيير؟

5 دقائق
قبول التغيير
shutterstock.com/fran_kie
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كيف يقنع القادة الموظفين بالقيام بأشياء لا يفضلون القيام بها؟ يحدد المؤلف أسلوبين مختلفين جداً للإقناع بناء على علم الاجتماع، هما أسلوب “منع إغلاق الباب” وأسلوب “إغلاق الباب في الوجه”. لكل من هذين الأسلوبين مواقف تناسبه، على الرغم من صعوبة نقل أي منهما بالكامل من برج أبحاث علم الاجتماع العاجي إلى واقع الحياة المؤسسية المشوش. يمكن أن يساعد كلا الأسلوبين القادة على توضيح الجهد الكبير المبذول لإحداث تغييرات كبيرة وما يتطلبه تخطي ما يحب واضعو النظريات الإدارية تسميته “القصور الذاتي النشط”؛ أي نزعة الموظفين والمؤسسات للبحث عن راحة أساليب العمل القديمة على الرغم من أن (أو لا سيما أن) العالم من حولهم يتغير بدرجة كبيرة.

 

تتعلق القيادة بأمور كثيرة، بعضها في غاية السمو؛ مثل تحديد التوجه الاستراتيجي وإنشاء إحساس مشترك بالغاية وتمثيل نموذج عن السلوكيات التي ترجو أن يتبعها الآخرون. ولكن القيادة الفعالة تتلخص عادة بأمر أدنى؛ دفع الموظفين للقيام بأشياء لا يفضلون القيام بها. ربما كان أحد هذه الأشياء هو العودة إلى العمل من المقرّ المكتبي 3 أيام في الأسبوع بعد العمل عن بُعد مدة طويلة، أو إعادة ابتكار مراجعات الأداء، أو طرح منتج جديد يزعزع المنتج المفضل القديم. إن كان عمل القيادة هو عمل التغيير فمن الضروري أن يكون التغلب على النزعة الطبيعية لمقاومة التغيير على رأس أولويات أي قائد.

قبل أكثر من 150 عاماً، أنشأ هرمان ميلفيل واحدة من أبرز شخصيات الأعمال التي لا تنسى (والمثيرة للغضب) في الأدبيات الأميركية، قدم ميلفيل في قصته القصيرة شخصية بارتلبي النساخ، موظف بسيط بشركة محاماة في وول ستريت كان يرد على أي طلب لأداء أبسط مهمة أو إحداث أصغر تغيير على روتينه اليومي بجملة: “أفضّل ألا أقوم بذلك”. لا أقول إن زملاءك يمثلون نسخة معاصرة عن بارتلبي، ولكن فيما يتعلق بدفعهم إلى المشاركة بطرق العمل الجديدة أو الابتكار ستواجه الحقيقة الصعبة المتمثلة في أن كثيراً من الموظفين “يفضلون ألا يقوموا بذلك”.

إذن، كيف يقنع القادة الموظفين بأن يقوموا بالأشياء التي لا يفضلون القيام بها؟ يسعى علماء الاجتماع للتوصل إلى جواب هذا السؤال منذ عقود، وأجروا كثيراً من التجارب التي ساعدتهم في تحديد أسلوبين مختلفين بدرجة كبيرة للإقناع. لكل من هذين الأسلوبين مواقف تناسبه وينجح فيها على الرغم من صعوبة نقل أي منهما بالكامل من برج أبحاث علم الاجتماع العاجي إلى واقع الحياة المؤسسية المشوش، ولكن يمكن لكليهما مساعدة القادة لتوضيح الجهد الكبير المبذول من أجل إحداث تغييرات كبيرة وما يتطلبه تخطي ما يحب واضعو النظريات الإدارية تسميته “القصور الذاتي النشط”؛ نزعة الموظفين والمؤسسات للبحث عن راحة أساليب العمل القديمة على الرغم من أن (أو وبخاصة أن) العالم من حولهم يتغير بدرجة كبيرة.

أسلوب “الخطوة الأولى”

يتمثل أحد الأجوبة بما يسميه علماء النفس أسلوب “الخطوة الأولى” (foot-in-the-door)؛ أفضل طريقة لدفع الموظفين لإحداث تغيير كبير أو القيام بعمل صعب هي مطالبتهم أولاً بإحداث تغيير صغير أو القيام بعمل سهل. بالموافقة على الطلب ثم تلبيته، يطور الموظفون روح الالتزام والثقة التي تزيد حماستهم للموافقة على الطلب التالي (الأكبر). بعبارة أخرى، يمكننا أن نمهد الطريق للتغيير الكبير بكثير من الخطوات والمشاريع الصغيرة التي يعتمد كل منها على ما قبله.

في المقال المرجعي حول أسلوب الخطوة الأولى الذي ألفه الأستاذان في جامعة ستانفورد، جوناثان فريدمان وسكوت فريزر، نوه الكاتبان إلى أنه في معظم المجتمعات والمؤسسات “يصعب إلى حدّ ما أحياناً رفض طلب منطقي”، لذلك فالبدء بطلبات صغيرة يجعل رفضها صعباً على الموظفين. ولكن “ما أن يوافق الموظف على أداء أي عمل مهما كان صغيراً فسيشعر بالالتزام بدرجة أكبر” بالمسألة، وبالتالي ستزداد احتمالات أن يوافق على القيام بعمل أكبر. تتمثل فعالية هذا الأسلوب في أنه يؤدي إلى “الامتثال من دون ضغط”، إذ تتم دعوة الموظفين للقيام بعمل جديد بدلاً من إرغامهم عليه. تقوم هذه المقولة المعروفة على منطق أنك إذا أقنعت الموظفين بالتحرك بمقدار بوصة واحدة فسيقطعون مسافة ميل كامل في نهاية المطاف.

لقد شهدت نجاح أسلوب الخطوة الأولى، حتى وإن لم يستخدم القادة الذين يتبنونه المصطلح ذاته. خذ مثلاً نهوض شركة “ميغا باص” (Megabus) المتطورة في قطاع مقيد بالتقاليد، التي ترقى إلى مستوى دراسة حالة شركة حول قوة الإقناع التي يتمتع بها أسلوب الخطوة الأولى. اليوم، تبدو شركة “ميغا باص” كشركة مزعزعة نموذجية؛ شركة رشيقة ملونة ومعترف بها على نطاق واسع تقوم بنقل طلاب الجامعات والمهنيين اليافعين وسياح عطل نهاية الأسبوع بين مراكز المدن في البلاد. بوصفها شركة وعلامة تجارية، تعتبر “ميغا باص” شركة ذات أداء غير مسبوق تتميز في نفس الوقت بجميع ميزات الشركة الناشئة التي ما زالت في بداياتها.

ولكن شركة “ميغا باص” أُنشئت ضمن أحد أكبر تكتلات شركات النقل في العالم يبلغ من العمر 40 عاماً ومقره في اسكوتلندا، وعمل على إنشائها بعض مهنيي الشركة القدامى المحنكين الذين لا يمكن الخلط بينهم وبين المهنيين اليافعين في وادي السيليكون. كان قادة شركة “ميغا باص” قادرين على إحداث هذا النوع من التغييرات الكبيرة لأنهم أقنعوا زملاءهم بالتفكير في سلسلة من التغييرات الصغيرة والعمل عليها: ماذا لو استخدمنا نوعاً جديداً من الحافلات؟ ماذا لو ألغينا الوقوف على المحطات واكتفينا بالنقل السريع فقط؟ ماذا لو كانت مسارات حافلاتنا تصل بين المدن الصغيرة المتقاربة بدلاً من المدن الكبيرة المتباعدة؟ ماذا لو جربنا نظام البطاقات غير الورقية؟

واجه كل من هذه التغييرات الصغيرة بعض المشككين، ولكن عندما رأى الموظفون أنها ناجحة أصبحوا يتقبلون مزيداً منها. أخبرني الرئيس التنفيذي لشركة “ميغا باص” في الولايات المتحدة: “كان الأمر اختباراً ومبادرة ورهاناً صغيراً على مستقبل السفر. لم يكن لدينا معلم يقول ’هذا هو مستقبل السفر بالحافلات‘”. كما أخبرني أحد خبراء التكنولوجيا الذين دعموا إطلاق الشركة أن الشركة بدأت “كتجربة صغيرة جداً” تطورت إلى “جزء مهم” من الشركة الأم، “ستيدج كوتش” (Stagecoach).

عن طريق طرح عدد من أسئلة “ماذا لو” الصغيرة والطلب من الزملاء المشاركة في سلسلة من الخطوات المتواضعة، تمكن قادة شركة “ميغا باص” من منع إغلاق باب فتمكنوا بذلك من فتح باب الشركة على مصراعيه.

أسلوب الاستدراج بطلب كبير أو “إغلاق الباب في الوجه”

ثمة جواب آخر لمسألة طريقة دفع الموظفين للقيام بأشياء لا يفضلون القيام بها؛ الإصرار على أن يقوموا بشيء أكبر وأهم مما تفكر فيه فعلاً، وإن رفضوا ذلك أو قاوموه فستبدو أهدافك الحقيقية متواضعة بالمقارنة مع الطلب الأول. يسمي علماء النفس هذا الأسلوب “إغلاق الباب في الوجه” (door-in-the-face). في مقال مرجعي آخر، طرح الباحثون السؤال التالي: “ماذا ستكون نتيجة تقديم طلب أولي مبالغ فيه سيتم رفضه بصورة مؤكدة، ثم تقديم طلب ثان أكثر تواضعاً؟” تبين أن الجواب هو أنه من المرجح أن يحظى الطلب الثاني بالموافقة.

فيما يتعلق بالحياة في المؤسسات، يعتبر أسلوب إغلاق الباب في الوجه (“Door-in-the-Face”) مجازاً لأسلوب إقناع موضوعي. هذا لا يعني أن تقدم بوصفك قائداً طلبات تعلم أن الموظفين لن يقبلوا بها أو لا يستطيعون قبولها بصورة روتينية، أو أنه من المقبول أن تخدع زملاءك بأهداف زائفة من أجل تحقيق الأهداف التي ترغب فيها حقاً؛ وإنما تكمن الفكرة في أنك عندما تحدد طموحات تتعلق بالأداء والتغيير تبدو مبالغ فيها أو غير منطقية، لا سيما في المؤسسات التي تعاني من القصور الذاتي النشط، ستتمكن من إقناع الموظفين بالتفكير في الابتكارات التي لن يفكروا فيها بأي حال آخر. هذا ما يسميه الأستاذ في كلية وارتن، جيري ويند، “قوة التفكير المستحيل”، وهو قادر على جعل التغيير الكبير ممكناً بدرجة أكبر بكثير.

عندما فكرت في القادة الأفراد الذين أتقنوا اتباع أسلوب “إغلاق الباب في الوجه” تذكرت الإنجازات الرائعة التي عرف بها فينس لومباردي، المدرب الأسطورة لفريق كرة القدم “غرين باي باكرز” (Green Bay Packers) وأعظم مدرب على الإطلاق في رياضة كرة القدم الأميركية. عندما تسلم لومباردي تدريب فريق غرين باي، كان الفريق يعاني أسوأ موسم في تاريخه، وفي فترة وجيزة تمكن من قيادته للفوز في 3 بطولات متتالية و5 بطولات لاتحاد كرة القدم الأميركي. تمثل أحد أسباب نجاح لومباردي الباهر في أنه كان غير منطقي في توقعاته المتعلقة بأداء لاعبيه وتحسينهم، فأصر على ألا يرتكبوا أي خطأ وأن تكون تحركاتهم سلسة وأن يقوموا بها وفق توقيت دقيق في كل مباراة خاضها الفريق.

عندما سؤل عن سبب وضع هذه المعايير المستحيلة على الرغم من أنها ولّدت مقاومة ورفضاً، قال مجيباً: “لا يمكن تحقيق الكمال، ولكن إذا سعينا لتحقيقه فسنتفوق”. أدت عقلية “إغلاق الباب في الوجه” التي دفعت لومباردي للإصرار على أهداف كان يعلم أن لاعبيه لن يتمكنوا من تحقيقها إلى إقناعهم بالوصول إلى مستويات من الأداء ما كانوا سيصلون إليها بأي حال آخر.

بوصفك قائداً مسؤولاً عن العمل على إجراء تغيير كبير وصعب، أي الأسلوبين تختار لإقناع فريقك بـ “قبول التغيير”، أسلوب “الخطوة الأولى” أم أسلوب “إغلاق الباب في الوجه”؟ يعتمد ذلك على أسلوبك الشخصي وأنواع التحديات التي تواجهها مؤسستك والثقافة التي بنيتها والموظفين الذين عينتهم. في النهاية، ليس لدينا طريقة موحدة لقيادة التغيير وإطلاق العنان للأداء الاستثنائي، ولكن ثمة تحدّ يواجهه الجميع يتمثل في إقناع الموظفين بالقيام بالأشياء التي يفضلون ألا يقوموا بها، مثل بارتلبي النساخ تماماً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .