كيف يمكنك إتقان مهارات جديدة؟ (مع أمثلة حقيقية)

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جمعنا نريد أن نصبح الأفضل في أمر ما. فتطوير الذات أمر حيوي من أجل التقدم ضمن بيئة العمل في نهاية المطاف. لكن وعلى فرض أنك أصبحت تعرف ما تريد أن تصبح الأفضل فيه (الخطابة أو وسائل التواصل الاجتماعي أو تحليل البيانات) فمن أين تبدأ؟ تختلف بالطبع تقنيات التعلم باختلاف الشخص والمهارة، لكن هناك بعض القواعد العامة التي يمكنك اتباعها.

ماذا يقول الخبراء؟

لم يعد إتقان مهارة جديدة أمراً اختيارياً في بيئة العمل اليوم. تقول هايدي غرانت هالفرسون، عالمة نفس التحفيز ومؤلفة كتاب “تسعة أشياء يقوم بها الناجحون بصورة مختلفة (Nine Things Successful People Do Differently) في هارفارد بزنس ريفيو: “ضمن عالم تنافسي تدور عجلته سريعاً، تعتبر قدرتك على تعلم مهارة جديدة أمراً حيوياً للنجاح. لا يكفي أن تكون ذكياً، بل عليك أن تصبح أذكى دوماً”. يتفق معها في هذا جوزيف وينتراوب، أستاذ السلوك التنظيمي والإدارة في كلية “بابسون” والمؤلف المشارك في كتاب “المدير المدرب: تطوير أفضل الموهوبين في الأعمال” (The Coaching Manager: Developing Top Talent in Business) الذي يقول: “نحن بحاجة لأن نبحث دوماً عن فرص للضغط على أنفسنا بطرق لا تكون دوماً مريحة لنا في البداية. التحسين المستمر أمر ضروري للتطور”. لذلك نورد هنا بعض المبادئ التي عليك اتباعها في سعيك لتطوير الذات:

تحقق من جاهزيتك

عند العمل على مهارة أو تخصص جديد، عليك أن تسأل نفسك سؤالين. أولاً، هل هدفك قابل للتحقيق؟، “هناك حدود لما يمكنك تعلمه”، يشرح وينتراوب. “مثلاً، تود أن تصبح جراح دماغ، لكن ينقصك التناسق المطلوب بين اليد والعين”. ثانياً، كم من الوقت والهمّة يمكنك تخصيصهما للمشروع؟، يقول وينترواب: “ليس الأمر كالذهاب إلى الصيدلية لصرف وصفة طبية”. فتحسين الذات أمر صعب. وتوافقه في ذلك هالفرسون: “لدى كثير من الأشخاص اعتقاد ضمني خاطئ أنّ الشخص الذي يحتاج لجهد كبير من أجل القيام بعمل ما يكون شخصاً تعوزه البراعة. لا منطق في هذا”. عليك أن تدرك عوضاً عن ذلك أنّ تعلم مهارة جديدة يتطلب التزاماً شديداً. ما لم يكن هدفك قابلاً للتحقيق وكنت مستعداً للكدّ من أجله، فلن تتمكن من المضي فيه.

احرص على أنّ المهارة مطلوبة

يقترح عليك وينتراوب أن تحرص على أن تكون المهارة التي تريد تعلمها مرتبطة بمسيرتك المهنية أو مؤسستك أو كليهما. ربما تكون متحمساً لتعلم التحدث أمام جمع غفير من الناس، لكن هل يقدّر مديرك هذه المهارة؟، ما لم تكن هناك حاجة مؤكدَّة لتلك المهارة في عملك أو لمنصب مستقبلي فمن غير المحتمل أن تحصل على المال أو الدعم اللازمين للتدريب من مديرك. تذكر أنّ اكتساب مهارة جديدة هو استثمار، وعليك أن تعرف مسبقاً ما سوف يكون العائد عليك منها.

اعرف طريقتك المفضلة للتعلم

يتعلم بعض الناس بالنظر إلى الرسوم أو بالقراءة. هناك آخرون يفضلون مشاهدة توضيحات عملية أو أن يتم الشرح على مسامعهم. وهناك آخرون يحبون أن يعملوا بأيديهم كي يتعلموا. تقول هالفرسون: “بإمكانك معرفة أسلوبك المفضل للتعلم بالعودة قليلاً للوراء. فكر في بعض تجارب التعلم السابقة التي خضتها، وضع قائمة بالتجارب الجيدة وقائمة بالتجارب السيئة”، كما تقول أيضاً: “ما كانت أوجه الشبه بين التجارب الجيدة والفعالة؟، وماذا عن السيئة منها؟، سيعينك تحديد هذه السمات المشتركة على تحديد بيئة التعلم الأنسب لك”.

احصل على المساعدة المناسبة

التماس الدعم من الآخرين يزيد كثيراً من التعلم. اعثر على شخص تثق به يتقن مهارة تحاول اكتسابها. انظر إلى أبعد من مديرك المباشرة المسؤول عن تقييمك. فيقترح وينتراوب عليك أن تسأل نفسك: “من في مؤسستي، غير مديري، سيلاحظ التغييرات ويعطيني تقييماً صادقاً؟”، ثم تواصل مع ذلك الشخص وقل له مثلاً: “أنت جيد جداً في (مهارة)، في حين أنني لا أجيدها كثيراً. أنا أحاول فعلاً العمل على تحسينها وأود لو أستطيع قضاء بعض الوقت معك لأتعلم منك وأحصل على تقييمك”. إذا لم تجد مرشداً داخل مؤسستك، فابحث عن أشخاص ضمن صناعتك أو شبكة معارفك. تقول هالفرسون: “في نهاية المطاف أنت تريد اختيار أفضل معلم، إن وجدت في مؤسستك شخصاً قادراً ولديه الرغبة لتقديم إرشاد جيد، فذلك خير. وإلا فاطلب مساعدة من الخارج”.

ابدأ بخطوة صغيرة

تحسين الذات أمر مرهق. يقول وينتراوب: “لا يمكنك الانكباب على تعلم كل شيء، وإلا فلن تحقق شيئاً”. اختر بدل ذلك مهارة أو اثنتين للتركيز عليهما في كل مرة، ومن ثم قسّم المهارة إلى أهداف يمكن إدارتها. مثلاً، إذا كنت تحاول أن تصبح أكثر حزماً، يمكنك التركيز على رفع صوتك بالتحدث مرات أكثر في الاجتماعات بدفع نفسك للتحدث خلال الدقائق الخمس الأولى.

فكر فيما تتعلمه

لتنتقل من التجريب إلى الإتقان، أنت بحاجة لأن تفكر في ما تتعلمه، وإلا فإن المهارة الجديدة لن تعلق. تقترح هالفرسون إضافة إلى وينتراوب أنّ عليك التحدث إلى الآخرين. تقول هالفرسون: “شارك دوماً أهدافك مع أشخاص يمكنهم توفير دعم معلوماتي أو عاطفي بينما تتعلم”، ويقول وينتراوب: “حتى لو لم يكن لدى الشخص الإجابة، يظل بإمكانه مساعدتك ومصارحتك بمدى التقدم الذي تحرزه”. يساعد الحديث عن التطور في الحصول على رأي تقويمي مفيد ويُبقي حس المسؤولية لديك ويرسّخ التغيير.
تحدّ نفسك لتعلم الآخرين

من الطرق الأسرع لتعلم شيء جديد والتدرب عليه أن تقوم بتعليمه للآخرين. لذا شارك ما تتعلمه مع فريقك أو مديرك أو مع زملائك في العمل. يمكنك إجبار نفسك على فعل ذلك بوضع تاريخ للبدء “بالتدريس” في روزنامة مواعيدك أو الموافقة على قيادة جلسة تدريب رسمية بعد بضعة أشهر من بدئك التعلم. سيكون تعلمك أكثر تركيزاً وعملياً بوجود أهداف كهذه.

تحلّ بالصبر

تقول هالفرسون: “نحن نتعامل في كثير من الأحيان مع المهارة الجديدة بعقلية أنّ علينا التمكن منها على الفور”. لكنها في الواقع تتطلب وقتاً أطول بكثير. “لن يحدث الأمر بين ليلة وضحاها. يتطلب الأمر أحياناً ستة أشهر أو أكثر لتطوير مهارة جديدة”، بحسب وينتراوب. كما يحتاج الآخرون وقتاً أكثر حتى يلاحظوها ويقدروها. يقول وينتراوب: “لن يلاحظ المحيطون بك إلا 10% من كل 100% تغيير تقوم به”.

مبادئ عليك تذكرها

افعل

  • اختر مهارة تقدّرها مؤسستك ويقدرها مديرك.
  • قسّم المهارة إلى مهام أصغر قابلة للإدارة.
  • راجع ما تتعلمه وما لا زلت بحاجة لإنجازه.

لا تفعل

  • أن تحاول التعلم وحدك، بل اطلب من الآخرين الإرشاد والتقييم.
  • أن تعتمد فقط على نصيحة مديرك، ربما يكون عليك إشراك شخص غير مسؤول عن تقييمك.
  • افتراضك أنّ التعلم سوف يحصل بين يوم وليلة، يتطلب الأمر ستة أشهر على الأقل كي تطور مهارة جديدة.

دراسة حالة رقم 1: تعلم بالخطأ والتجريب

كانت لدى جيمي بيتكانيكس معرفة عامة ببرنامج “إكسل” عندما بدأت عملها الأول بعد الجامعة. لم يكن تحليل البيانات من بين المهارات المطلوبة منها عندما بدأت العمل في قسم التوظيف ضمن شركة “جيه بي مورغان” (J P Morgan)، لكن بعد قضاء بضعة أشهر في العمل أصبحت مطالبة ببناء نموذج “إكسل” لتعقب معدلات نجاح جهود التوظيف وإصدار تقارير عنها. تقول جيمي: “كنت في وضع لا أحسد عليه أبداً.  فبرنامج “إكسل” لم يكن جزءاً أساسياً من مهام عملي في التوظيف. كان تركيزي على تجنيد الأشخاص وهو الأساس الذي سيتم تقييمي عليه”. لكن كان لديها اهتمام بالتحليل (وكان ذلك السبب الذي جعلها تختار العمل بالتجنيد في مصرف استثماري)، وأرادت أن تثبت نفسها باعتبارها قادماً جديداً.

بدأت تتعلم قدر ما تستطيع لوحدها. وجدت بعض المواد التعليمية في “جوجل”، وشاهدت فيديوهات تدريبية على “يوتيوب”. لكن ذلك لم يقلل من معاناتها مع البرنامج. تقول جيمي: “عندما كنت أصل إلى طريق مسدود، كنت أسأل المصرفيين، فقد كانوا يبنون نماذج في كل يوم، وكنت قادرة على استخدام معارفي والعثور على أشخاص لديهم المهارة الصحيحة”. أخيراً تمكنت جيمي من تطوير نموذجها الأول بعد العمل عليه لأسبوعين. “لم يكن متقناً تماماً من المرة الأولى. كانت هناك بعض الأخطاء في الصيغ وكان الآخرون يجدون أخطاء فيه”، كما تبين. لكنها تابعت وحسنته. وبسبب نجاحها، طلب منها الآخرون العمل على مشاريع مشابهة. تقول جيمي: “حالما علم الناس أنّ بإمكاني استخلاص البيانات سريعاً وفهمها بدأت أتلقى الكثير من الطلبات”.

تعترف جيمي أنّ أسلوب التجريب والخطأ هذا لم يكن الطريقة الأكثر فعالية لتعلم “إكسل” لكن بالأخذ بالاعتبار أنها كانت في حاجة ملحة، فقد كان ذلك ضرورياً. مرت الأيام، وتركت جيمي عملها بعد حوالي ثلاث سنوات، وكانت تحليلات “إكسل” والبيانات نقاط قوة ساعدتها في الحصول على المنصب التالي.

دراسة حالة رقم 2: جرب أساليب مختلفة

تُعتبر صفية سيد، مراقب مالي إقليمي في شركة تعاقد خارجي عالمية، لاحظت أنّ كل مقترحاتها لتحسين نظام مالي أو تقني، كانت تقابل بالاعتراض من زملائها. كانت أفكارها تخضع لجولات عديدة من التدقيق ولاستجواب كبير. قررت صفية أنّ أسلوبها في التواصل يعرقلها، وأنها بحاجة لإحداث تغيير. تقول: “وُجِّهت لي مراراً تقييمات تقول بأنني كنت عنيدة جداً”.

بدأت صفية قراءة كتب حول كيفية إقناع الناس بصورة فعالة وانضمت إلى مؤسسة التعليم غير الربحية، “توست ماسترز” (Toastmasters). تعلمت من ذلك البرنامج كيف تتواصل مع الأطراف المؤثرة وكيفية تقديم الأفكار بطريقة تجعلها جذابة أكثر. تصادف في نفس الوقت أن كانت رئيسة الشركة تجري مقابلات مع أهم الموظفين كي تفهم بشكل أفضل ما يحبونه وما لا يحبونه في عملهم. وفّر هذا لصفية فرصة مثالية. شرحت لرئيستها رغبتها في رؤية أفكارها تُحدث أثراً أكبر، ونصحتها الرئيسة بأن تركز أقل على السبب الذي يجعل التغيير ضرورياً وتركز أكثر على الطريقة التي سيحدث بها ذلك التغيير، بما في ذلك ما يمكنها فعله لتحقيقه.

أدركت صفية أنّ زملاءها، على عكس ما كانت تعتقد، لم يكونوا يفهمون ماهية المشاكل التي تطرحها وكيفية إصلاحهم. لقد كانت تسلط الضوء على ما يجب القيام به، وتترك الأمر عند ذلك الحد. الآن، ومع هذا الفهم الجديد، أصبحت قادرة على تجريب أسلوب مختلف: كانت تشرح عملية ما بالتفصيل وتشير إلى جذور المسببات. ساعد هذا جمهورها على فهم أين يمكنهم التغيير وكيف بالضبط يمكنها المساعدة.

لاحظت صفية فرقاً كبيراً في كيفية استجابة زملائها لاقتراحاتها: هم الآن أكثر انفتاحاً على الاستماع، ومستعدون للعمل معها من أجل تنفيذ هذه المقترحات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .