كيف تتعامل مع تعدد المدراء؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في فيلم “حيز المكتب” (Office Space) كوميديا تدور أحداثها ضمن فترة التسعينيات، حول الحياة العملية في شركة برمجيات نموذجية. كان لدى بطل الفيلم ثمانية مدراء مختلفين. وجميعهم على ما يبدو لا يعرفون شيئاً عن بعضهم البعض. كانوا يمرون بمكتب البطل، ويملون عليه ما يفعل. في حين يعتبر البعض الفيلم محض سخرية، إنما هو ليس ببعيد عن الواقع. فالعديد من الأشخاص يقدمون تقاريرهم لأكثر من مدير، لذلك يعتبر تعلم التعامل مع تعدد المدراء، مهارة أساسية في الشركات ذات البنية المعقدة اليوم.

ما يقوله الخبراء

وفقاً لروبرت سوتون (Robert Sutton) أستاذ في علم الإدارة والهندسة ضمن جامعة ستانفورد ومؤلف كتاب “المدير الجيد والمدير السيئ” (Good Boss, Bad Boss) فإنه من الرائج جداً هذه الأيام أن تحظى بأكثر من مدير واحد. يقول سوتون: “إذا عملت في مؤسسة بهيكلية مصفوفية، يمكن ببساطة أن يكون مسؤولاً عنك من مشرف واحد إلى سبعة مشرفين مباشرين”. يتفق معه في الرأي آدم غرانت (Adam Grant) أستاذ مساعد في كلية وارتون، التابعة لجامعة بنسلفانيا، ومؤلف مساعد لكتاب “المزايا الخفية للمدراء الهادئين” (The Hidden Advantages of Quiet Bosses) فيقول: “تستمر الشركات بتمهيد العمل، وتنظيمه ليخدم مشاريع محددة، كما تستخدم فرق عمل مؤقتة لإتمام المشاريع، فيجد الموظفين أنفسهم يقدمون تقاريراً لعدة مدراء”. في الوقت الذي يحتمل فيه حدوث ذلك ضمن المؤسسات الأكبر، والأكثر تعقيداً، فإنه أمر رائج في الشركات الناشئة، والمملوكة من قبل عائلة واحدة، فيقول غرانت: “تكون هيكلية السلطة في الشركات المملوكة من قبل عائلة واحدة، ضبابية، وكثيراً ما تتداخل فيها الأدوار، وبالتالي، يمكن أن يجد الموظفون أنفسهم، يقدّمون تقاريراً لعدة أعضاء من العائلة نفسها”.

ويُعتبر الحصول على عدة مدراء أمراً معقداً كما يقول غرانت الذي عمل لدى أكثر من مدير في مرحلتين مختلفتين من حياته المهنية: “إن لم تكن حذراً، فيمكن أن تخذل جميع مدراءك في النهاية”. ويمكن القول هنا أنّ الخطوة الأولى هي معرفة الصعوبات التي أنت بصدد مواجهتها، لذا يمكنك اتباع عدة خطوات لتخفف المخاطر، وتقوم بعملك، وبعمل مدراءك بسهولة”.

إدراك التحديات

يتفق غرانت وسوتون على وجود تحديات هائلة، للعمل تحت إمرة أكثر من شخص واحد. من جهة أُخرى، يوجد ثلاث مشاكل رئيسية أنت بحاجة للاطلاع عليها:

1ضغط العمل الزائد: عندما يُكلفك أكثر من شخص بالعمل، فإنّ واحدة من أكبر المخاطر، هي ببساطة أن يكون لديك الكثير من العمل لتقوم به. يقول غرانت: “عندما تقدم تقاريراً للمدراء العديدين الذين يشرفون على جهودك في مهام، ومشاريع مختلفة، فإنه من السهل جداً بالنسبة لكل مدير، أن يعاملك وكأن ليس لديك أي مسؤوليات أُخرى سواه”.

2الرسائل المتضاربة: يقول سوتون: “كلما زاد عدد مدراءك، وصلتك رسائل متضاربة أكثر”. فيشير بأنّ ذلك يحدث أحياناً نتيجة للجهل، كأن لا يعرف مدراءك ما يخبرك به بعضهم البعض أو لأنّ مدراءك يكلفونك بجداول أعمالهم. يقول غرانت: “لدى المدراء المختلفين، توقعات مختلفة غالباً، وما يعجب أحدهم، ربما يُحبط الآخر”. ويشارك غرانت تجربته قائلاً: “عندما قُدت وكالة للإعلانات، كان لدي فكرة لتوسيع بصمة (امتياز) الوكالة إلى وسيلة إعلام جديدة، فوضعتها بين يدي مدرائي الاثنين، فأحب أحدهما الفكرة، وكرهها الآخر”.

3– الولاء: يقول غرانت: “يريد بعض المدراء أن يعرفوا بأنهم من أهم أولوياتك، فإذا كان أكثر من مدير لك، يفكر بهذه الطريقة، فستتعرض بكل بساطة للضغط”. إنّ تقديم تقارير لأكثر من شخص واحد، يتطلب أن تتفاوض بين المطالبات المتنافسة لكسب ولائك.

ليس بالضرورة أن تواجه التحديات الثلاثة جميعها في آن معاً، لكن معرفة أكثرهم شيوعاً، يمكن أن يساعدك في تحديد الأمور، التي أنت على وشك التعرض لها.

معرفة هوية مديرك الرئيسي

في الوقت الذي تخضع فيه لعدة مدراء، وتتلقى منهم التوجيهات، فإنّ معظم الأشخاص لديهم مدير واحد مسؤول بشكل أساسي عن مهنتهم. لذا عندما تكون في وضع تعمل فيه لحساب أكثر من شخص واحد، تأكد من أن تطرح الأسئلة حول هيكلية تقديم التقارير، واكتشف هوية الشخص الذي يتمم مراجعاتك، ومن يساهم فيهم، واسأل عن من يتخذ القرار حول تعويضاتك وترقياتك في العمل، وغيرها. يعقب سوتون بأنّ معرفة من لديه السلطة الأقوى، سيساعدك في اتخاذ القرارات حول كيفية التصرف، وربما يبدو ذلك جشعاً، لكنه مهم لتعي منذ البداية، من بإمكانه مساعدتك، ومن بإمكانه الإساءة لمهنتك.

كن سباقاً بما يتعلق بضغط العمل الزائد

تأكد بأنّ مدراءك يعرفون المهام الموكلة إليك، مع أن التفاوض بين مدراءك، ليس مدرج ضمن مهامك في العمل، لكنه أمر ينبغي القيام به. يقول غرانت: “سأرتكب الخطأ إذا قمت إلى جانب عملي الأساسي، بأخذ زمام المبادرة للتنسيق بين المدراء، لكن البحوث تؤكد أنّ معظم المدراء يُفضّلون الموظف السباق”، فيمكنك إنشاء مستند مشترك تضع فيه قائمة بمهامك ومشاريعك الجارية، أو يمكنك مناقشة هذه النقاط معهم في اجتماع المراجعة الأسبوعي.

ادفع مدراءك للتواصل فيما بينهم

يُقدّر معظم المدراء أن تأتيهم بحلول أكثر من المشاكل، لكن يُعد هذا الأمر معقداً عندما يكون لديك أكثر من مدير واحد. سواء كنت بحاجة لحل مشكلة توجيهات متناقضة، أو تخفيف ضغط العمل لديك، أو فهم متطلبات متعارضة، فإنّ أفضل طريقة هي دفع مدراءك للتحدث مع بعضهم البعض، عوضاً عن استعراض جدول أعمال كل منهم للآخر. يقول سوتون: “ابدأ بافتراض الأفضل، وحاول دعوة مدرائك لمناقشة الخلافات، واطرحها أمامهم”. اجمع مدراءك معاً في نفس المكان ضمن قاعة المؤتمرات، أو على نفس سلسلة البريد الإلكتروني، وفسر لهم نوع الخلاف. شجعهم على حل المشكلة كل بدوره، وحثهم على العمل بشفافية. يقول غرانت: “إذا طلبت من مدراءك نصيحة حول كيفية التعامل مع الخلاف، فمن المحتمل أن يأخذوا برأيك، ويروا التحديات من وجهة نظرك”.

قم بوضع الحدود

يقول غرانت: “أهم مهارة يجب التمتع بها لتحافظ على سلامتك العقلية، في الوقت الذي تقدم فيه التقارير لعدة مدراء، هي القدرة على وضع الحدود”، حيث يشير غرانت إلى بحث قامت به الأستاذة ليزلي بيرلو في كلية هارفارد للأعمال، الذي يُظهر قيمة وضع الحدود. وجدت بيرلو أنّ المهندسين في شركة فورتشن 500 (Fortune 500)، يتعرضون باستمرار للمقاطعة من قبل مدراءهم، وزملائهم، فساعدتهم على وضع معايير للحصول على أوقات هادئة وكانت كالتالي: ثلاثة أيام في الأسبوع، لن يكون فيها مقاطعات قبل الظهيرة، وهكذا، يركزون على العمل، وقدم المهندسون تقريراً بأنّ هذه الحدود عززت إنتاجيتهم. لذلك، إذا كان مدراءك المتعددون يقصدونك باستمرار مع أسئلة، أو يقصدونك ليتحققوا من مشاريعهم، قم بتحديد وقت محمي خاص بك، حيث يمكنك العمل فيه بدون مقاطعة.

كن ماكراً إذا تطلب الأمر ذلك

جميع  النصائح السابقة تعمل بأفضل أشكالها في مؤسسة سليمة، لكن يعقب سوتون سريعاً، ويؤكد بأنّ معظم المؤسسات غير عملية، وربما لا تكافئك مؤسستك لشفافيتك ولكونك سباقاً، وعند وقوع الخلافات بين مدراءك، ربما تجدهم غير مستجيبين، أو غير راغبين بالاجتماع بك لحل تلك الخلافات، وهذا ما يتطلب طريقة مختلفة، فيقول سوتون: “إذا كنت في بيئة مبنية على الخوف، عليك إيجاد طريقة لحماية نفسك، فكلما ساءت البيئة في مؤسستك، احتجت أن تكون ماكراً بشكل أكبر”. ويقترح عليك سوتون أن تكتشف أي المدراء الذين تعمل معهم لديه السلطة الأقوى، واجعل مهماته ضمن أولوياتك. يقول سوتون: “الموظف الذكي لا يطرح الأسئلة، وعوضاً عن ذلك، قم بحساباتك اللازمة لتعرف من هو صاحب السلطة الأقوى، ومن يملك أدنى قدرة على الإساءة إليك”. إلى جانب ذلك، افهم السياسات بين مدراءك، ثم خذ قراراً مدروساً حول من يمكنك تجاهل تساؤلاته، ومتطلباته.

لا تأخذ الأمر على محمل شخصي

يشير سوتون إلى أنه من السهل رسم تصورات مريضة، حول محاولة  مدراءك معاقبتك، لكن في واقع الأمر، هذا ليس صحيحاً، فالاحتمال الأكبر هو أنهم يكلفونك بجدول أعمالهم فقط، وتشعر أنت على إثرها بالضغط. حاول أن لا تشعر بالاضطهاد، وحدد الخلافات بشكل مسبق، وسارع لحلها.

في واقع الأمر، أن يكون لديك أكثر من مدير واحد، أمر له فوائد أيضاً. يقول سوتون: “من المحتمل أن تحظى باستقلالية أكبر، مما إذا كنت تعمل لدى شخص واحد”، ويمكنك إيجاد طرق لجعل عملك شخصياً. يقول سوتون: “مثل طفل يلعب مع والديه كل على حدة، اطرح الأسئلة على شخص تعرف أنه سيعطيك الإجابة التي تريدها”.

مبادئ عليك تذكرها

قم بالخطوات الآتية:

– اطلع على أكثر التحديات شيوعاً، والتي تصادفك عند عملك لعدة مدراء، وبذلك يمكنك التعامل معها مسبقاً.

– حافظ على السلوك الإيجابي، وتذكر أنّ معظم الخلافات نتيجة للحالة الراهنة في المؤسسة، وليس بسببك.

– اكتشف أي مدير من مدرائك، مسؤول عن اتخاذ القرار الذي يؤثر على مهنتك.

تجنب الخطوات الآتية:

– محاولة التحدث نيابة عن أحد المدراء مع الآخر، حاول جعلهم يتحدثون مع بعضهم البعض إن أمكن.

– الإبقاء على ضغط العمل الزائد لديك، وقائمة مهامك، سراً عن مدرائك.

– تشجيع الشفافية في الوقت الذي لا تكافئ مؤسستك عليها.

دراسة حالة رقم 1: صباح الاثنين لوضع قائمة بالأعمال

كان لكوثر 15 عاماً في مجال المحاسبة، عندما بدأت العمل كمحاسبة للموظفين في مؤسسة جديدة. كان للمؤسسة ثلاثة شركاء، وكُلفت كوثر بالعمل لحساب أحدهم مبدئياً، لكن لاحقاً طُلب منها العمل لحساب ذلك الشريك، ومساعدة واحد آخر من الشركاء الثلاثة. تقول كوثر: “كان الأمر الأصعب في العمل لدى شريكين، هو أنّ كلاهما اعتبروا المشاريع التي لديهما مستعجلة، وهذا جعلني في وضع مزعج”. كان على كوثر أن تقرر على أي المشاريع تعمل أولاً، عندما طلبت النصيحة من أحد مدرائها، أجابها بأنه يريد أن تنجز له مشروعه أولاً. وكان من المألوف أيضاً أن يكلفها أحد الشركاء بشيء مستعجل، بينما كانت تعمل على مشروع للشريك الآخر بموعد تسليم قريب. ولتساعد على التنسيق بين الشريكين، خصصت صباح كل اثنين لوضع قائمة بالأعمال، وأعطت الأولوية تبعاً لمواعيد التسليم، وشاركته مع المدراء. تقول كوثر: “ذلك سمح لكل شريك بأن يعي ما لدي من مهام للقيام بها”.

كما تعلمت كوثر أن تراقب جدول مواعيد مدراءها، بمساعدة السكرتيرة غالباً. فإذا قيل لها أنّ المشروع مستعجل، كانت تقيس السرعة التي تستطيع فيها إنجاز المشروع معتمدة على التوقيت الذي يعود فيه الشريك إلى مكتبه، لأنها أيقنت أنها إذا وضعت المشروع على مكتبه قبل عودته، فهي في وضع جيد. تقول كوثر: “إنّ التواصل، والمؤسسة أمران حاسمان”، كما تقول بأنّ السلوك الإيجابي ساعدها على تجاوز الخلافات.

دراسة حالة رقم 2: تحقيق التوازن

في وظيفته الأخيرة، كان باسم يقدم التقارير لشخصين، أحدهما سوزان مديرة خطه المباشرة، والأُخرى رنا مديرة الخط الفرعي. وبما أنه كان مدير المشروع الرقمي، فقد كان وقته كاملاً مخصصاً للمشروع المملوك من قبل رنا، وعلى الرغم من ذلك كانت سوزان تكمل مراجعاته، مع معلومات تزودها بها رنا. كانت سوزان تكلف باسم بعمل إضافي من حين إلى آخر، لذا كان عليه أن يجد طريقة للتعامل مع الأولويات، وإنجاز جميع الأعمال. شعر باسم بالمسؤولية تجاه كلا المديرتين، وبقي تدريجياً لوقت لاحق في العمل، ليتحمل عبء العمل المتزايد، ولم يكن يرغب بأن يخذل أحداً منهما، لذا شعر بأنّ الأمر استحق التضحية بذلك الوقت الإضافي.

عمل باسم أيضاً على توطيد العلاقة مع كلا المديرتين، وبذلك استطاع الذهاب إليهما فيما إذا طرأ خلاف ما. في بداية المشروع، كانت هناك مشكلة مع أحد الباعة، وكان لدى باسم ورنا وجهات نظر مختلفة، حول كيفية التعامل مع المشكلة، فقام باسم بإيجاد حل يدمج ما أراده هو، وما أرادته رنا، وشمل جميع من في المؤسسة ليقرروا مسار تقدمها. طيلة ذلك الوقت، كان باسم يبقي سوزان على اطلاع بالوضع كاملاً، لأنه عرف طالما أنها مسؤولة عن مراجعاته، مع معلومات من قبل رنا، كان عليه جعلهم راضيتين. أشادت رنا لتأثيره على قرار سوزان، بينما يدعم وظيفة رنا في الوقت نفسه. يقول باسم : “إنّ أهم شيء علينا تذكره هو من يكمل التقييم، ومن يؤثر فيه، بمجرد أن تعرف ذلك، فقد عرفت إلى من تذهب للحصول على المساعدة والدعم، وباقي ما تبقى هو تحقيق التوازن”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .