لكن من المضحك والمثير للاهتمام أن هاوشوفر أثار الجدل في عالم تويتر عندما نشر “سيرة الفشل الذاتية” التي تضم قائمة طويلة بجميع “برامج الدرجات العلمية التي لم ألتحق بها”، و”المناصب الأكاديمية والزمالات التي لم أحصل عليها”، و”الأوراق البحثية المرفوضة من قبل المجلات الأكاديمية”، ففي عالم يبحث فيه معظمنا عن الاهتمام والإشادة بالإنجازات، شارك هاوشوفر مع العالم ملخصاً تفصيلياً لفشله وإخفاقاته.

ويشير هاوشوفر في مقدمة السيرة الذاتية غير العادية تلك إلى أنه لم يكن أول من توصّل إلى تلك الفكرة، حيث كتبت الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech)، ميلاني ستيفان، مقالاً في مجلة نيتشر (Nature) بعنوان “سيرة الفشل الذاتية” بعد أن رُفضت في زمالة تقدمت إليها سابقاً. كانت ميلاني، مثل هاوشوفر، شخصاً حقق إنجازات هائلة، لكنها أدركت أنه مقابل كل ساعة تقضيها في العمل على إنجاز ناجح، كانت تقضي نحو 6 ساعات في العمل على إنجاز فاشل.

وخلُصت إلى أن تجاهل هذه الإخفاقات يؤدي إلى تصورات خاطئة عن معنى النجاح، وكتبت: “عادة ما يكتب العلماء قصص نجاحهم بشكل يجعل إخفاقاتهم غير مرئية لأنفسهم وللآخرين. وقد نفترض أحياناً أن مهن العلماء الآخرين عبارة عن سلسلة ثابتة ومتواصلة من الانتصارات، لكن ذلك يجعلهم يشعرون بالوحدة والاكتئاب عندما يُخفقون”.

وللفكرة أساس في عالم المنطق العام، فضلاً عن أنها تنطوي على قدر عالٍ من الصدق والشفافية، إذ تبدو فكرة أن أي شخص قادر على تحقيق نجاح هادف دون التعرض للفشل وخيبات الأمل فكرة غير صادقة في عالم قائم على المنافسة والضغط الشديد، ويتطلب تحقيق الإنجازات التجارية غير المسبوقة والتقدم الوظيفي فيه قدرة على تحمّل المخاطر وتحدي التقاليد، فتأريخ الإخفاقات يولّد داخلنا قدرة على التحمل تتيح لنا تجاوزها.

وتنطبق هذه الفكرة على الشركات والأفراد على حد سواء. على سبيل المثال، حققت شركة بيسيمر فنتشر بارتنرز (Bessemer Venture Partners)، وهي إحدى أقدم شركات رأس المال المغامر (الجريء) العديد من الإنجازات من خلال تمويل بعض الشركات الناشئة الناجحة، ولعلّ أحدثها شركات مثل لينكد إن ويلب (Yelp) وبنترست وبلو أبرون (Blue Apron). لكنها اتخذت على مر السنين عدة قرارات بعدم الاستثمار في صفقات كان من شأنها أن تولّد لها عوائد هائلة، بما فيها شركات آبل وإيباي وفيديكس (FedEx)، التي رفضتها 7 مرات.

ويتعامل معظم شركات رأس المال المغامر (الجريء) مع هذه الفرص الضائعة على أنها أسرار دفينة، لكنها بيانات متاحة للعموم في قائمة مشاريع شركة بيسيمر الفاشلة التي تمثّل سيرة فشل ذاتية لشركائها.

وإليكم سبب عدم استثمارها في شركة باي بال: “رفض ديفيد كوان سلسلة الجولة الأولى، فالفريق كان مبتدئاً وسيئ التنظيم، لكن بعد 4 سنوات، استحوذت شركة إيباي عليها بقيمة 1.5 مليار دولار”.

وفيما يلي سبب عدم الاستثمار في شركتَي لوتس (Lotus) وكومباك كومبيوتر (Compaq Computer): “عرض [صاحب رؤوس الأموال المغامرة الأسطوري] بين روسن على فيلدا هارديمون فرصة الاستثمار في كل من شركتي لوتس وكومباك في اليوم نفسه، ويقول هارديمون: ‘لم تكن قيمة شركة لوتس مُثبتة بعد، ولم أكن واثقاً من قدرتها على النجاح. أما بالنسبة إلى شركة كومباك، فقد أخبرته أن لا مستقبل لأجهزة الكمبيوتر القابلة للنقل لأن شركة آي بي إم مختصّة بها بالفعل'”.

وإليكم سبب عدم الاستثمار في فيسبوك: “أمضى جيريمي ليفين عطلة نهاية الأسبوع في معتكف للشركات صيف عام 2004 محاولاً التهرّب من الطالب في جامعة هارفارد، إدواردو سافرين، الذي يلح عليه بفكرته الخرافية. أخيراً قدّم جيريمي له بعض النصائح الحكيمة في أثناء الانتظار في طابور الغداء قائلاً: ‘ألم تسمع عن موقع فريندستر (Friendster) يا بُني؟ لا تُفكّر في الأمر، قراري نهائي!'”.

لا أعرف من مِنا على استعداد ليحسب (ولو على سبيل الدعابة) أخطاءه أو فرصه الضائعة بصراحة ومشاركتها مع العالم حتى. لكن ما أعرفه حق المعرفة هو أن الكثير منا يحمل أفكاراً مبسطة للغاية حول معنى النجاح وأن تلك الروايات الخاطئة هي ما تقف في طريق النجاح الفعلي.

قال المؤرخ الشهير آرنولد توينبي ساخراً: “الاعتماد المفرط على النجاح سيخذلك”. ولعلنا نعيش اليوم في عالم يقدّر الإخفاقات، لا سيما إذا كنا صادقين بشأنها. وفي الواقع، آخر معلومة في قائمة الإخفاقات التي كتبها يوهانس هاوشوفر هي ما أسماها بالفشل المحوري قائلاً: “حظيت سيرة الفشل الذاتية هذه باهتمام أكبر بكثير من مُجمل عملي الأكاديمي”. لذلك لا تعتمد على نجاحك، بل انطلق واكتب سيرة فشلك الذاتية.