قصة انهيار شركة إيرليفت: عندما تصبح جولات التمويل المليونية نقمة وليست نعمة

5 دقائق
شركة إيرليفت
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في نهاية عام 2021، جمعت شركة إيرليفت، وهي شركة ناشئة للتوصيل السريع للبقالة وعمرها 3 سنوات، 85 مليون دولار في أكبر جولة تمويل شهدتها باكستان على الإطلاق، لتصل قيمتها إلى 275 مليون دولار، وتكون بذلك الشركة الناشئة الأكثر تمويلاً في باكستان، إذ إنها كانت تتوسع بوتيرة سريعة للغاية، فبالإضافة إلى إطلاق نشاطها في 8 مدن باكستانية، امتدت أيضاً عبر 3 مدن في جنوب إفريقيا هي: كيب تاون وجوهانسبرغ وبريتوريا.

كانت الشركة تتميّز بثقافة مشابهة لثقافة الشركات الناشئة من “وادي السيليكون“، إذ كان المقر مصمماً على ذوق أبناء الجيل زد من حيث الإضاءة والألوان، وكانت الطاولات المشتركة مع الكراسي المريحة منتشرة في كل مكان، وغرف الاجتماعات ذات جدران زجاجية، وماكينة لصنع القهوة متوفرة مع الكثير من الوجبات الخفيفة للجميع، لذلك فقد كانت بيئة العمل جذابة لأفضل خريجي الجامعات في باكستان، كما كانت مرشحة بقوة لتصير أول شركة “يونيكورن” في باكستان، لكنها وخلال أقل من عام واحد، وفي 12 يوليو/تموز من عام 2022 تحديداً، تسببت إيرليفت في صدمة كبيرة لمجتمع الشركات الناشئة الباكستاني عندما أعلنت أنها ستغلق أبوابها نهائياً وأصبح ما يقرب من 300 موظف بالشركة وآلاف من موظفي المستودعات والتوصيل عاطلين عن العمل بين عشية وضحاها، فما الذي جرى وأين ذهبت عشرات الملايين المحصّلة من جولات التمويل؟

وفرة الموارد المالية مع إدارة تفتقر للكفاءة

يُظهر العديد من المصادر أن المسؤولين عن تحقيق طموحات إيرليفت كانوا قليلي الخبرة، إذ كانوا غارقين في الفوضى بسبب سوء إدارة المخزون وأوجه القصور في التسعير وحالات الاحتيال، كما أن ثقافة العمل السائدة كانت تتسم بالتسلسلات الهرمية الصارمة والحالة المزاجية التي يسودها الكسل والبيروقراطية. أضف إلى ذلك جانب التعويضات السخية ووجبات الغداء المجانية، والحرية في العمل وفق مواعيد مرنة، كلّ حسب مزاجه؛ على سبيل المثال، من أجل إجراء محادثة مدتها 10 دقائق فقط، كان على الموظف أولاً إرسال دعوات عبر تقويم جوجل لطلب ذلك حتى لا يزعِج أو يُزعَج.

وفقاً لمصادر أخرى، فإنّ وجود ملايين في البنك سمح للشركة بمنح العاملين القدرة على اتخاذ قرارات مالية كبيرة بمفردهم، حيث أكّد أحد الموظفين السابقين ذلك بقوله: “كان من السهل للغاية الحصول على اشتراكات جديدة عبر الإنترنت وإبرام عقود مع شركات أخرى. فقد بدا أن للشركة سيطرة ضئيلة أو معدومة على مواردها المالية. تم منحنا صلاحية كبيرة لاتخاذ القرارات؛ على سبيل المثال، عقدت صفقة بمبلغ 100 ألف دولار وكل ما كان عليّ فعله هو إرسال بريد إلكتروني إلى الإدارة”. أضف إلى ذلك وجود فجوة شاسعة بين موظفي الشركة الذين يعملون في مقرات الشركة الفاخرة وعمال المستودعات، حيث كانت الزيارات الميدانية شبه معدومة وأُلقي كلّ العبء على فريق العمليات المباشرة.

تأثير كبد الإوز المسمّن

يصف خبراء التمويل هذا “التسيّب الإداري” الذي وقعت فيه شركة إيرليفت بـ “تأثير كبد الإوز المسمّن” (Foie Gras Effect)، وهو مصطلح يُستخدم في مجال تمويل الشركات الناشئة، ويُقصد به التمويل المفرط الذي تحصل عليه الشركات الناشئة حديثاً من أجل تسريع نموها، ويكون ذلك جراء الضغط المُمارس من المستثمرين أصحاب رأس المال المخاطر الذين يؤمّنون هذا التمويل على أمل تحويلها لشركة ناشئة أحادية القرن. يؤدي التمويل المفرط في معظم الأحيان إلى نتائج عكسية، إذ إن الشركات الناشئة تكون غير جاهزة لنطاق التوسع الهائل، وتُصبح معتمدة كلياً على جولات التمويل في حل المشاكل التي تواجهها، بدلاً من التعلم من أخطائها وتحدي الأوضاع السائدة.

توسّع غير مدروس

أسس عثمان غول و5 شركاء له شركة إيرليفت في عام 2019 كخدمة نقل جماعي، وفي أوائل عام 2020، مع تفشي جائحة كوفيد-19، حوّلت الشركة تركيزها إلى نموذج قائم على التوصيل الفوري للبقالة. وبناءً على النجاح الذي حققه نموذج التوصيل الفوري في الأسواق الأخرى، بما في ذلك جارة باكستان الهند، دخلت إيرليفت غمار جولات التمويل المليونية، ونجحت في جمع أموال وفيرة ثم سرعان ما وسّعت نطاق شبكة التوصيل وفتحت العديد من المستودعات الجديدة في كل مدينة تقريباً. كان هذا أمراً بالغ الأهمية لنموذجها القائم على توصيل البقالة في غضون 30 دقيقة، لكنّ تكلفة هذا التوسع السريع كانت باهظة ولم يتم تنفيذه على نحو صحيح، ما أسهم في نهاية المطاف في انهيار الشركة.

يصف الباحث غيرالد أدولف نموذج التوسّع الذي اعتمدته إيرليفت بـ “النهج التقليدي”، ففي مقال له بعنوان “النمو يجب أن يكون نتاجاً لجهود الشركة بأكملها” عدّد 3 أسئلة رئيسة توجّه هذا النمو هي:

  • أين يجب أن ننمو؟
  • أين هي الأسواق ذات الفرص المتاحة؟
  • ماذا يقدّمون لنا؟

وهي أسئلة واضحة بالتأكيد وأهميتها جلية. إنها تقودك إلى إيرادات جديدة -في البداية- لكن النتائج النهائية غالباً ما تكون عكسية. يمكن أن يؤدي السعي لتحقيق النمو بهذه الطريقة إلى ممارسة ضغوط هائلة على مؤسستك للتوسع في أسواق جديدة قد تبدو مربحة لكن شركتك لا تمتلك أي قدرات للنجاح فيها. من المحتمل أن تكتشف مع الوقت، أنك تفتقر إلى القدرات التي تحتاج إليها، ويجب عليك بناؤها من الصفر، وهذا صعب ومكلّف، خاصة إذا كانت تلك القدرات تتطلب تطويرها بسرعة.

وهذا بالضبط ما حصل مع إيرليفت، إذ كان التوسّع “خاطفاً” على مدى أشهر معدودة فقط، ففي غضون 3 أشهر، تم إنشاء 23 مستودعاً في مدينة لاهور وحدها، أي أن كلّ مستودع جديد يستغرق ما يقرب من 8 أيام فقط لإنشائه، وفي كل مستودع كانت هناك سلع يتراوح عددها من 20 إلى 30 مليون سلعة، ليكتشف بعدها المسؤولون افتقارهم إلى الكثير من المهارات والقدرات الملائمة للحجم الجديد لنطاق العمليات، فعلى سبيل المثال، كان هناك الكثير من الاختلالات المفاجئة في حجم المخزون الناتجة عن عدم تحكّم المسؤولين في الأنظمة المؤتمتة، فالكثير من الطلبيات كانت تأتي في غير وقتها وبكميات هائلة، ما يؤدي إلى تكدسها وعدم القدرة على بيعها قبل حلول تاريخ صلاحيتها، وهو ما أدى إلى إهدار شحنات كبيرة، هذا بالإضافة إلى الصراعات الدائمة بين عمال المستودعات وفريق المبيعات بسبب غياب التنسيق والجدولة الصحيحة.

أضف إلى ذلك عدم التحكّم في النظام الأمني الداخلي، فعدد المستودعات الضخم أدى إلى ظهور الكثير من حالات السرقة التي لم تستطع الشركة التعامل معها لنقص خبرتها، ونتج عن ذلك خسارة بعشرات آلاف الدولارات، وحتى نظام الحماية الخارجي لم يكن مُتحكماً فيه، إذ كان تجار التجزئة يخترقون أنظمة الطلبيات ويتلاعبون بها للحصول على المنتجات بأسعار متدنية على أن يعيدوا بيعها في متاجرهم بأسعار مرتفعة.

يوجد مثال آخر عن شركة مشابهة لإيرليفت، وهو انهيار صن إديسون (SunEdison). في عام 2015، كانت واحدة من أكثر شركات الطاقة البديلة المفضلة في وول ستريت، لكن في أبريل/نيسان 2016، تقدمَت بطلب لإعلان إفلاسها. وفقاً لمجلة فورتشن، “تنبع محنة هذه الشركة من الإفراط في الطموح، والرغبة الشديدة في تحقيق النمو، وبسرعة فائقة، وفي العديد من الاتجاهات”. تتوافق قدراتها بالطبع كشركة منتجة لأشباه الموصلات مع مجال الخلايا الكهروضوئية، لكن ذلك لم يمتد تلقائياً إلى أعمالها الجديدة في مجال طاقة الرياح، والبطاريات، وأعمال البناء والتركيب. على الرغم من أن هذه القطاعات تعدّ أيضاً “طاقة نظيفة”، فقد كانت القدرات المطلوبة متنوعة للغاية بحيث لم تتمكن الشركة من إدارتها.

هل كان من الممكن تجنب هذا “الانفلات” المصاحب للنمو؟

الإجابة وفقاً للخبراء نعم، والأمثلة كثيرة عن شركات نجحت في تحقيق توسّع هائل ومدروس ومُتحكم فيه. يؤكد غيرالد أدولف أنّ نموذج التوسّع الصحيح أو ما أسماه بـ “نهج محرك النمو” يجب أن يكون موجهاً بهذه الأسئلة الجوهرية:

  • ما هي ميزتنا الفريدة؟
  • كيف نضيف قيمة بطرق لا يفعلها الآخرون؟
  • ماذا الذي نفعله على نحو أفضل من منافسينا بحيث يسمح لنا بإضافة قيمة؟
  • كيف يمكننا بناء هذا النوع من القدرات التي تدفعنا إلى الأمام، مرة بعد مرة؟

أورد مؤسس شركة ليفت عثمان غول في أحد المنشورات على مدونته اقتباساً من السيرة الذاتية لرائد الأعمال سام والتون: “كانت هذه أسوأ مرحلة في حياتي. شعرت بألم في معدتي، فقد بنيت أفضل متجر متنوع الأصناف في المنطقة بأكملها وعملت بجد في المجتمع. وقد فعلت كل شيء بشكل صحيح، والآن يتم طردي خارج المدينة”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .