كيف تتعامل مع غضبك بذكاء؟

4 دقائق
التواصل بمهارة ودون غضب

لطالما جمعت بين رائد وطارق علاقة طيبة. فقد عملا معاً على عدة مشاريع، وكانا بمثابة صديقين حميمين. لذلك عندما اكتشف رائد أن طارق قد عقد اجتماعاً لمناقشة الاستراتيجية دون أن يدعوه للحضور، شعر بالغدر والغضب. وعلى الفور أرسل إلى طارق رسالة يقول فيها: “لا أستطيع أن أصدق أنك لم تدعني إلى حضور ذلك الاجتماع!”.

كان طارق في منتصف اجتماعه مع أحد العملاء عندما رن هاتفه معلناً استقبال رسالة جديدة. وباستراق النظر إلى هاتفه، انتابت طارق مجموعة متخبطة من المشاعر، فانتابه القلق والغضب والارتباك والإحباط والتأهّب للدفاع عن نفسه. تسببت الرسالة بتشتيت ذهن طارق، ولم يجر اجتماعه على النحو الذي كان يأمله. تفاقم غضبه حين تذكر ما حصل في الاجتماع الذي عُقد في وقت سابق من الأسبوع، عندما لم يدعم رائد فكرة عرضها طارق على خلود، الرئيسة التنفيذية، على الرغم من أنه كان قد أعرب عن إعجابه بالفكرة قبل الاجتماع. لذلك، حالما انتهى طارق من اجتماعه مع العميل، توجه بجام غضبه للرد على رائد: “لا أستطيع أن أصدق كيف تركتني عالقاً أثناء اجتماعنا مع خلود”.

رسالتان قصيرتان، كل منهما عبارة عن جملة واحدة، تمكنتا من إفساد علاقة بقيت طيبة لسنوات. استغرق الأمر أسابيع إلى أن عاد رائد وطارق يتصرفان كزميلين، لكن حتى بعد ذلك، بقيت رواسب الخلاف موجودة.

يمكننا استخلاص العديد من الدروس والعبر من قصة تبادل الرسائل هذه التي تسببت في فساد العلاقة. بعضها يمثل دروساً بسيطة: لا ترسل رسالة لأحد وأنت غاضب. أبداً. بالأحرى، لا تتواصل مع أحد وأنت في فورة الغضب والمشاعر السلبية تسيطر عليك. على معظمنا ألا يستخدم أسلوب الكتابة للتعبير عن مشاعر الغضب أو الإحباط أو خيبة الأمل، فغالبا ما تضيع خفايا الشعور في النصوص المكتوبة أو الرسائل. وبالطبع، إياك أن تتفقد هاتفك وأنت في منتصف اجتماع ما.

التواصل بمهارة ودون غضب

لتتمكن من التواصل بمهارة، يتطلب الأمر الكثير من التفكير. جزء كبير من تواصلنا أصبح أشبه بعقد الصفقات، نطرح كلمة هنا وجملة هناك، متناسين أن الهدف من التواصل بجوهره هو بناء العلاقات.

قد يبدو الأمر بسيطاً، لكن في الواقع لا شيء يعتبر بسيطاً حول مسألة التواصل، على الأخص عندما تتدخل العواطف في الأمر. أنا على يقين أننا نرى، أنا وأنت، هذا النمط من التواصل طوال الوقت. وبشكل أو آخر، مررنا جميعاً بمواقف كنا فيها مكان طارق، ومواقف كنا فيها مكان رائد. يجب أن تشجعنا مواقف كهذه لكي نتراجع خطوة إلى الوراء، وأن نلتزم بأطر واضحة ومباشرة وسهلة الاتباع لعملية التواصل بقوة في أي موقف.

بالنسبة للمبتدئين، احرص دوماً على التخطيط لتواصلك. وبينما تفعل ذلك، تذكر دوماً أن الأمور في المؤسسات معقدة، وأن البشر بطبيعتهم يرتكبون الأخطاء، وأن ما قد يبدو طعنة من الخلف لربما يكون مجرد عملية مراقبة بسيطة. قد يساعدك في المواقف الصعبة أن تقوم بطرح السؤال بدلاً من الطلب، وأن تبدي اهتمامك دوماً وتبادر إلى فتح الحوار لا إلى إنهائه. وحاول أن تتعامل مع الطرف الآخر بحسن الظن.

الأسئلة الأربعة التي يجب أن تطرحها على نفسك قبل أن تقوم بالتواصل

ما النتيجة التي أرجو أن أحصل عليها؟ يبدو السؤال واضحاً، لكن في الحقيقة لا نسأل أنفسنا عادة هذا السؤال. فغالباً ما نتفاعل مع ما يقوله الآخرون، أو مع عواطفنا الخاصة، أو مع موقف معين. لكن ردود أفعالنا هذه تؤدي إلى نتائج عشوائية. ابدأ بالتفكير حول النتيجة التي تستهدفها، ومن ثم استجب للموقف بالطريقة التي تحقق هذه النتيجة. في الموقف الخاص برائد وطارق، كانت النتيجة التي رجاها كل منهما متشابهة للغاية، وهي أن يتواصل الطرف الآخر معه ويدعمه ويحتويه. لكن ردود أفعالهم قادتهما إلى تحقيق النقيض تماماً: أي الانفصال.

ما الذي يجب أن أتواصل به لأحقق تلك النتيجة؟ بمجرد أن تعرف النتيجة التي ترغب بها، يصبح تحديد ما تريد قوله أسهل بكثير. إذا أردت أن تكون مقرباً من أحدهم، فإن التعبير بقولك: “لقد آلمني أنك لم تدعُني إلى الحضور” هو بالتأكيد خيار أفضل من قولك “لا أستطيع أن أصدق أنك لم تدعُني إلى الحضور!”. هذا الاختلاف الصغير في الكلمة يمثل تحولاً كبيراً في المعنى. وبالطبع، من الأسهل عاطفياً للعديد منا أن يقول: “أنا غاضب” من أن يقول: “أنا متألم”. فالأولى تشعرك بالقوة، في حين تشعرك الثانية بالضعف. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الشجاعة العاطفية أمراً بالغ الأهمية لتكون متصلاً فعالاً وقائداً قوياً.

كيف عليّ أن أتواصل لأحقق تلك النتيجة؟ يكمن هدفك هنا في زيادة فرصك لتكون مسموعاً. لذلك، بدلاً من التفكير بطريقة التعبير بوضوح عن رأيك، فكر في الطريقة التي تستطيع بها استمالة الطرف الآخر للاستماع إليك. والمفارقة أنك لا تفعل ذلك عبر التحدث بتاتاً. فقط أنصت. أظهر الفضول واطرح الأسئلة. لخّص ما سمعته. ثم، وقبل أن تشارك بوجهة نظرك، تحقق من أنك فهمت وجهة نظر الآخر. فإن لم تكن قد فهمتها، فسأل عن النقطة التي فاتتك. فإذا رد عليك الآخر بالإيجاب، اسأله: “هل يمكنني الآن أن أطرح ما يجول في خاطري؟”. الإجابة بالقبول عن هذا السؤال الأخير تعني ضمنياً الموافقة على الاستماع لك. وبما أنك قدمت مثالاً رائعاً عن المستمع الجيد، فسيبدي الطرف الآخر استعداداً أكبر لرد الجميل.

متى يجب أن أتواصل لأحقق تلك النتيجة؟ بالنسبة للكثيرين منا، يعتبر التواصل مجرد رد فعل تلقائي مباشر. فرائد أطلق رسالته في اللحظة التي سمع أنه قد اُستبعد من الاجتماع. وطارق أجاب على الفور برد فعل سريع تجاه رسالة رائد. لم يتأنّ أي منهما أو يفكر متى عليه أن يتواصل مع الآخر. والقاعدة هنا بسيطة: لا تتواصل مع الغير لمجرد إحساسك أنك تريد ذلك. بل تواصل في الوقت الذي تشعر فيه على الأرجح أنه سيتم استقبال رأيك وتفهمك جيداً. اسأل نفسك متى تكون على الأرجح مستعداً للتواصل، ولديك قدر من حب الاستطلاع والتعاطف والوضوح، ومتى يكون الطرف الآخر على الأرجح يتّسم بصفات الكرم والهدوء.

إن المشكلة في معظم حالات التواصل أن عملية التواصل بحد ذاتها عملية سهلة. فبإمكان أي شخص دون تفكير أن يكتب نصاً يستغرق عشرين ثانية، أو يكتب رسالة في البريد الإلكتروني مؤلفة من ثلاث جمل. لكن التواصل في الحقيقة هو التوجه المباشر للتعامل مع شبكة معقدة من العواطف التي يمكنها أن تنفجر بسهولة. اكتشف رائد وطارق ذلك لاحقاً لكن بطريقة وعرة.

تذكر دوماً، يمكن تجنب الغضب وحدوث الانفجار فقط من خلال بضعة أسئلة بسيطة، لا تستهلك في معظم الأحيان سوى بضع لحظات للإجابة عنها.

*تم تغيير الأسماء وبعض التفاصيل الصغيرة حرصاً على هوية الأشخاص.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .