بحث: لن يساعدك تقدير وجهات النظر على فهم ما يريده الآخرون

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أدرك مؤسس شركة إيكيا، إنغفار كامبراد، أن القائد الجيد يجب أن يكون قارئ أفكار جيد. قال في مقابلة لمجلة فوربس: “أعتبر أن مهمتي هي خدمة غالبية الناس. ولكن السؤال هو: كيف ستعرف ما يريدونه؟”.

يبدو أن الإجابة واضحة بالنسبة لكثير من قادة الشركات الذين يرغبون بفهم عقول موظفيهم أو زبانهم أو منافسيهم، وهي القيام بتقدير وجهات النظر. أي أن تبذل قصارى جهدك لمحاولة رؤية الأمور من منظور الآخرين، وأن تضع نفسك مكانهم. 

يصف ديل كارنيغي مبدأً أساسياً في كتابه “كيف تكتسب الأصدقاء وتؤثر في الناس” (How to Win Friends and Influence People)، وهو: “حاول بصدق أن ترى الأمور من وجهة نظر الشخص الآخر”. قال كارنيغي أن هذا هو أهمّ مبدأ في كتابه كله، قال: “إن أخذت أمراً واحداً بعد قراءة هذا الكتاب، وهو قدرة متزايدة على التفكير دائماً من جانب وجهة نظر الآخرين ورؤية الأشياء من زاويتهم، قد يثبت ذلك بسهولة أن هذا المبدأ يشكل حجر زاوية لمسيرتك المهنية”.

استعرضت أبحاث نفسية اجتماعية فوائد عديدة لتقدير وجهات النظر، أي الإيثار أكثر ونمطية أقل وروابط اجتماعية أقوى مع الشخص الآخر. ولكن يكاد لا يكون هناك أي بحث قام بدراسة ما إن كان تقدير وجهة نظر الشخص الآخر تزيد فهمك لتفكيره وشعوره ورغباته فعلياً.

قمنا مؤخراً باستكشاف ذلك من خلال سلسلة تجارب مكونة من 25 تجربة شملت بمجملها 2,816 شخصاً (طلاب جامعيين وطلاب شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وعمال من موقع ميكانيكال تورك Mechanical Turk)، بالإضافة إلى غيرهم من الموظفين البالغين من الولايات المتحدة. حيث طلبنا منهم توقع الأفكار والمشاعر والتفضيلات لدى أشخاص آخرين تراوحوا بين الغرباء تماماً والأزواج. ووجدنا أن أثر تقدير وجهات النظر لم يكن كالمتوقع. 

قيّمت السلسلة الأولى من تجاربنا حكم الغرباء. نظر المشاركون في بعض التجارب إلى صور أشخاص آخرين وقيموا مشاعرهم بناء على نظراتهم وتعابير وجوههم ووضعيات أجسامهم. وفي تجارب أخرى راقب المشاركون أشخاصاً في مقاطع فيديو مسجلة وحكموا بصدق تعابيرهم أو زيفها وبمدى صحة أقوالهم. كما طلب من إحدى مجموعات المشاركين تقدير وجهات النظر، أي “محاولة رؤية الأشياء من وجهة نظر الشخص الآخر، وكأنك أنت هو”. أما المشاركين في مجموعة الضبط فقد أجابوا عن الأسئلة ببساطة. 

على عكس الفكرة البديهية الشائعة التي تقول أن تقدير وجهات النظر يزيد الفهم، فقد وجدنا أن الأشخاص ضمن تجارب تقدير وجهات النظر التي أجريناها كانوا أقل دقة بنسبة ضئيلة في حكمهم من المشاركين ضمن مجموعة الضبط. مثلاً، في التجارب التي نظر المشاركون فيها إلى صور أشخاص يعبرون عن مشاعر مختلفة، خمّن الأشخاص الذين طلب منهم تقدير وجهة نظر الشخص في الصورة مشاعره بدقة أقل وسطياً من المشاركين في مجموعة الضبط. إذن، لم يكن تقدير وجهات النظر مفيداً في زيادة الدقة، بل كان ضاراً بها.

بالطبع كانت هذه أحكام على غرباء قد يصعب تقييم وجهات نظرهم. ربما يكون تقدير وجهات النظر أكثر فائدة عندما تكون معرفتك بالشخص الآخر ووجهة نظره جيدة، كصديق أو زوج أو إن كنت ضمن سياق يمكّنك من معرفة وجهة نظر الآخر بصورة أفضل. 

طلبنا في سلسلة التجارب التالية من المشاركين التنبؤ بالآراء والتفضيلات لأشخاص غرباء التقوا بهم للتو أو لأزواجهم. بما في ذلك التنبؤ بمدى حب الشخص لنشاط معين أو دعابات أو مقاطع فيديو أو ما إن كان يوافق على آراء معينة. ومرة ثانية، كان أداء المشاركين الذين طلب منهم تقدير وجهات نظر الآخرين أسوأ بقليل من المشاركين الذين لم تفرض عليهم توجيهات محددة. 

مثلاً، في إحدى التجارب التي تنبأ فيها المشاركون بمدى حب أو كره أزواجهم لنشاط معين (كالخروج إلى مقهى أو ممارسة رياضة التنس)، كان تخمين المشاركين الذين طلب منهم تقدير وجهة نظر الآخر للإجابات أقلّ صحة وسطياً من إجابات المشاركين في مجموعة الضبط. قد يكون تقدير وجهات النظر ناجحاً جداً فعلياً في بعض الأمور ولكن لا يبدو أن زيادة فهم تفكير الآخر من بينها. 

ما الذي يمكنك فعله لفهم الآخرين بصورة أفضل إن لم يساعدك تقدير وجهات النظر في ذلك؟ يشير بحثنا إلى أنك تستطيع فهم الآخر فقط عندما تكتسب معلومات جديدة منه. لذلك، بدلاً من تقدير وجهات النظر عليك أن تستمع إليها. 

قمنا باختبار هذه الفكرة في تجربة أخيرة تضمنت ثلاثة أنواع من المجموعات: مجموعة الضبط ومجموعة تقدير وجهات النظر ومجموعة الاستماع لوجهات النظر. وطلبنا من 20 شخصاً في مجموعة الاستماع إلى وجهات النظر أن يسألوا أزواجهم عن آرائهم بشأن مواضيع متنوعة (“أود قضاء عام في باريس أو لندن”، “لدي عادات وأذواق ذات طراز قديم نوعاً ما”) قبل أن يخمّنوا تقييم الزوج لها. ووجدنا أن الاستماع لوجهات النظر هذا زاد الدقة بصورة كبيرة مقارنة مع مجموعة تقدير وجهات النظر ومجموعة الضبط. ربما كانت أفضل طريقة لمعرفة ما يفكر به شخص آخر بشأن موضوع ما هي سؤاله عنه فحسب. 

قد يبدو ذلك بديهياً من الناحية النظرية، ولكنه لم يكن بديهياً جداً بالنسبة للمشاركين في هذه التجربة. وعلى الرغم من أن سؤال الزوج عن رأيه أدى إلى دقة عالية إلا أن ثقة المشاركين بحكمهم لم يتغير في جميع المجموعات. لم يعتقد المشاركون الذين أجروا مقابلات مع أزواجهم أنهم تمكنوا من معرفة الإجابات بصورة صحيحة أكثر من المشاركين في المجموعات الأخرى. بدا المشاركون غير مدركين لمدى فعالية استراتيجيتهم في فهم الشخص الآخر. 

لم يضيّع إنغفار كامبراد، صاحب شركة إيكيا، قوة الاستماع إلى وجهة النظر لفهم الزبائن. ففي حملة إيكيا بعنوان “أول 59 دقيقة”، تواصل ممثلو الشركة مع الزبائن لسؤالهم عن الصعوبات التي يواجهونها في روتينهم الصباحي. واكتشفوا أن 75% من المشاركين قالوا أنهم لم يتبعوا روتيناً صباحياً منتظماً، و49% من الآباء قالوا أن إعداد أطفالهم الصغار ليومهم سبب لهم معظم الضغط، و72% قالوا أن الصباح المليء بالتوتر يؤثر ببقية اليوم. كانت خطوة إيكيا التالية في الحملة هي تقديم استشارات اختصاصية لزبائنهم، مستعينين بمنتجات إيكيا للمساعدة على إيجاد حلول للمشاكل التي تحدث عنها الزبائن أنفسهم. مثلاً، هناك نصيحتان لمساعدتك على “التحكم بصباحك”، وهما إعداد صندوق غداء الأطفال ليلاً باستخدام صندوق الطعام من إيكيا، واستخدام “علبة كن مستعداً”، وهي علبة بلاستيكية تحتوي أدوات النظافة الأساسية يمكن للطفل أخذها معه إلى الحمام. 

تتناغم استراتيجية إيكيا مع نتائج بحثنا. لن تستفيد في محاولة فهم تفكير شخص آخر، سواء كان غريباً أو زوجاً أو زبوناً، من تخيل نفسك في مكان الآخر وتخمين ما يشعر أو يرغب به. بل يتطلب الفهم الدقيق للآخرين الاستماع إلى وجهات نظرهم وليس مجرد تقديرها. ولكي تفهم تفكير شخص آخر، يجب علينا الاعتماد على الأذن أكثر من اعتمادنا على الحدس.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .