4 مفاهيم خاطئة حول العمل وجهاً لوجه وكيفية تبديدها

7 دقائق
التعلم وجهاً لوجه
خوان مويانو/ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أصبحت القدرة على العمل عن بُعد أكثر قيمة من أي وقت مضى، وهذه القيمة لن تتلاشى لا سيما فيما بين العاملين الأصغر سناً. غالباً ما يرغب القادة في تعزيز روح التعاون تزامناً مع عودة فعاليات التعلم وجهاً لوجه، حتى في المؤسسات التي لا تزال ملتزمة بإتاحة العمل عن بُعد أو العمل الهجين للموظفين. يسمع المؤلفان، كمتخصصين في التعلم، العديد من المفاهيم الخاطئة حول ما يمكن أن يحققه التعلم وجهاً لوجه أو تجربة التفاعل وجهاً لوجه بشكل عام. وسيبددان في هذه المقالة المفاهيم الخاطئة التي كثيراً ما يسمعونها، وسيوضحان لك كيف يمكن أن تزيد علاقاتك من خلال فعاليات التعلم التي تُعقد وجهاً لوجه.

 

وصل معدل اندماج الموظفين إلى أدنى مستوياته في جميع القطاعات تقريباً لدرجة مثيرة للرعب، ما جعل القادة يشعرون بقلق بالغ ويبحثون عن إجابات للتغلب على “موجة التعديل الكبير”. بدأت كل هذه المشكلات، كما يقول المنطق غالباً، عندما أجبرت الجائحة الكثيرين على العمل عن بُعد ولم نعد نتمكن من الوجود معاً في مكان واحد. من المؤكد أن إعادة الموظفين إلى العمل جنباً إلى جنب والعودة إلى اللقاءات التي تُعقد وجهاً لوجه مثل فعاليات التعلم هما الحل السحري، أليس كذلك؟

ليس تماماً. تُظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن الموظفين يبحثون عن مزيد من المرونة والحرية في اختيار مكان عملهم، ولا يقبلون بأقل من ذلك. فقد أصبحت القدرة على العمل عن بُعد أكثر قيمة من أي وقت مضى، وهذه القيمة لن تتلاشى لا سيما بالنظر إلى أن هذه التوجهات أقوى بكثير فيما بين العاملين الأصغر سناً.

غالباً ما يرغب القادة في تعزيز روح التعاون تزامناً مع عودة فعاليات التعلم وجهاً لوجه، حتى في المؤسسات التي لا تزال ملتزمة بإتاحة العمل عن بُعد أو العمل الهجين للموظفين.

لكننا بصفتنا متخصصين في التعلّم، نسمع العديد من المفاهيم الخاطئة حول ما يمكن أن يحققه التعلم وجهاً لوجه أو تجربة التفاعل وجهاً لوجه بشكل عام. سوف نبدد في هذه المقالة المفاهيم الخاطئة التي نسمعها كثيراً، ونوضح لك كيف يمكن أن تزيد علاقاتك من خلال فعاليات التعلّم التي تُعقد وجهاً لوجه.

المفهوم الأول #1: التعلم وجهاً لوجه أكثر فعالية

هناك شيء خادع حول هذا المفهوم. إذا كان معظم الأشخاص الذين يكررون هذا المفهوم الخاطئ صادقين فهم لا يهتمون كثيراً بفعالية التعلم؛ بل يريدون فقط أن يكون الأشخاص موجودين معاً في المكان نفسه، ويبدو أن “التعلم” مبرِّر قوي. ولكن فكرة أن التعلم يكون أكثر فعالية وجهاً لوجه هي فكرة خاطئة بوضوح. في الواقع، نظراً إلى أن التعلم وجهاً لوجه نادراً ما يوفر فرصاً للممارسة الهادفة والحصول على تعليقات، فإنه غالباً ما يكون أقل تأثيراً من التعلم المباشر الافتراضي والتعلم الإلكتروني المصممين على نحو جيد.

المفهوم الثاني #2: الفعاليات التي تُعقَد وجهاً لوجه تساعد على بناء الثقافة (أو تعزيزها)

نسمع القادة على نحو متزايد يجادلون في أن فعاليات التعلم التي تُجرى وجهاً لوجه ضرورية لأنها تُسهم بصورة كبيرة في إرساء الثقافة المؤسسية. وهنا من الجدير أن نفكر للحظة إن كان هذا صحيحاً. فالثقافة هي المعتقدات والقيم والأعراف والعادات المشتركة التي نتمسك بها ونمارسها بانتظام. وهي تتعلق بطريقة عملنا معاً، والطريقة التي يُتوقع منا أن نتصرف بها بعضنا مع بعض، والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها بشكل جماعي، والطريقة التي نواجه بها التحديات والنكسات. بعبارة أخرى، الثقافة هي ما نمرُّ به طوال كل يوم عمل في شركة معينة، وليست بالتأكيد ما نمرُّ به عندما نبتعد عن الروتين “المعتاد” لمختلف ورش العمل والخطابات الرئيسية التي تُقدَّم فيها وجبات عشاء ومشروبات لذيذة.

غالباً ما يسترجع الأشخاص الذكريات الجميلة عن حضور الفعاليات الاجتماعية والمجتمعية بعيداً عن مكاتبهم، لكنهم يقعون ضحية نوع من “تأثير الهالة”، معتقدين أنه نظراً إلى أن التجربة كانت ممتعة ومجزية، فيجب أن تكون أيضاً مؤثرة بعدة طرق أخرى. بالطبع يمكن أن تكون مثل هذه الفعاليات فرصاً واضحة ومميزة للاحتفاء بالثقافة، ولكنها بالتأكيد ليست المكان الذي تُبنى فيه الثقافة.

المفهوم الثالث #3: الموظفون يحتاجون إلى استراحة من شاشة الكمبيوتر

لا شك في أن الموظفين يشعرون بالإنهاك والإجهاد. والتحديق في شاشاتنا طوال اليوم وحضور اجتماعات افتراضية متتالية لن يساعد في القضاء على هذا الشعور. ولكن فكرة أنه يمكننا تحقيق التوازن المهم بين العمل والحياة الشخصية وإيجاد حلول لمشكلات الصحة النفسية التي يواجهها الموظفون بإرسالهم إلى مركز مؤتمرات لمدة 3 أيام للجلوس في قاعة ومعرفة المزيد عن “الحضور التنفيذي” هي فكرة سخيفة بصراحة. إذا كان الموظفون يقضون وقتاً طويلاً للغاية في التحديق في شاشاتهم كل يوم، فعليك تشجيعهم على الابتعاد عنها أكثر من مرة خلال يوم العمل. في الواقع، عند حضور برامج وفعاليات التعلم التي تمتد لعدة أيام، يعاني العديد من الأشخاص ضغوطاً أكبر بسبب تراكم المهمات ورسائل البريد الإلكتروني. لذا، يجب أن يتمثل الحل في اتباع نهج طويل الأمد لرفاهة الموظف، وليس في حضور ورش عمل وجهاً لوجه.

المفهوم الرابع #4: لا يمكن أن يتم التعارف وبناء العلاقات إلا وجهاً لوجه

هذا المفهوم الخاطئ هو النتيجة المباشرة لنوع خاص من تفادي المخاطرة: إذا كنت لا أعرف كيفية فعل شيء ما، فمن الأسهل قول إنه شيء لا يمكن فعله. عندما كنا نؤدي أغلب عملنا وجهاً لوجه، كانت لدينا قواعد واضحة ومخططات معرفية زودتنا بـ “سيناريوهات” ضمنية حول كيفية التفاعل مع أشخاص لم نكن نعرفهم معرفة جيدة. وقد شاهدنا طوال حياتنا أشخاصاً آخرين يفعلون ذلك، واستوعبنا هذه المعلومات. ومن المعروف أن في الأيام الأولى للجائحة بدت محاولة التعرف على الأشخاص عن بُعد شيئاً غريباً للغاية بالنسبة إلى هؤلاء الذين كانوا يقومون بذلك لأول مرة. فقد شعرنا بالضياع؛ هل يجب أن أفتح كاميرتي؟ هل من المفترض أن أنظر إلى الشخص الذي يتحدث؟ وهل سيلاحظ إذا لم أنظر إليه؟ كيف أستأذن وأغادر إذا أصبحت المحادثة مربِكة؟ هل يجب أن أرفع “يدي” لأتحدث، أم أنه من المقبول أن أفتح الصوت في جهازي وأتحدث مباشرة؟ هل من المقبول أن يركض طفلي حولي ويظهر في الخلفية؟

لا يزال التعارف وتوطيد العلاقات الجديدة عن بُعد أمراً غريباً للكثيرين منا، على الرغم من أن الذعر المبدئي الذي كنا نشعر به تجاه كل ما هو غير مألوف يبدو أنه تلاشى. قضى كلانا سنوات عديدة في العمل عن بُعد فقط تقريباً، وقد بنينا العديد من الصداقات الدائمة والوثيقة مع الزملاء خلال مسيرتنا. ومع الوقت والكثير من الممارسة، سنفعل ما كان يفعله البشر دائماً عندما تظهر طرق جديدة للتواصل (فكر في الهاتف والبريد الإلكتروني والرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي): سوف نعتاد على الأمر.

متى يكون من المهم أن نعمل معاً في مكان واحد؟

على الرغم من كل ما سبق ذكره، يريد الأشخاص بالتأكيد فرصاً للتواصل وجهاً لوجه. فقد أظهر استقصاء أُجري مؤخراً أن ثلثي الموظفين يريدون القيام ببعض العمل وجهاً لوجه أو بعض الفرص للتعاون وجهاً لوجه بعد الجائحة. وأظهر أيضاً أنهم يريدون أن يكونوا جزءاً من ثقافة قوامها الاهتمام، وأن التعبيرات العفوية عن الود والتعاطف يمكن أن تكون أوضح وأقوى عندما نكون في مكان واحد معاً، وهذا لتوافر جميع إشارات التواصل: الكلمات ونبرة الصوت وتعبيرات الوجه والإيماءات ولغة الجسد. حتى إنه يكون من الممكن أن نتصافح ونتعانق (إذا كان ذلك ملائماً ومرحباً به).

لتحقيق أقصى استفادة من فرص التواصل وجهاً لوجه، يجب أن نجعلها اختيارية واستراتيجية ومتعمَّدة.

الفرص الاختيارية

قد تعتقد أنك تعرف ما هو الأفضل لموظفيك، ولكن لا تجبرهم على الاجتماع معاً إذا كانوا لا يريدون ذلك. احترم ما يعتقدون أنه الأفضل لهم واسمح لهم بتحديد متى سيعودون إلى العمل معاً وجهاً لوجه بناءً على مستوى راحتهم وظروفهم. لطالما كانت الاستقلالية وحرية الاختيار من المحفزات الأساسية المعترف بها، ويمكن للشركات التي تقدم المزيد منها التمتع بميزة في المنافسة على استقطاب المواهب. ومن واقع تجربتنا مع متعلمينا بعد الجائحة تَبين أن نصفهم تقريباً أو أكثر لا يرغبون في العودة إلى التعلم وجهاً لوجه إذا أُتيحت لهم الفرصة. لذا، ينبغي للقائد أن يسأل نفسه: هل أنا متأكد تماماً من أن الحضور الشخصي هو ما نحتاج إليه؟ وهل أنا على استعداد للمخاطرة بإغضاب نصف قوتي العاملة؟

الفرص الاستراتيجية

الأشخاص الذين لديهم القليل من القواسم المشتركة خارج نطاق الشركة التي يعملون بها لا يتواصلون كثيراً مع الأشخاص الجدد في الفعاليات والمناسبات. وما يفعلونه في الغالب هو البقاء بجوار الأشخاص الذين يعرفونهم بالفعل. بالطبع يمكن بناء علاقات جديدة عندما تجتمع مجموعات من الأشخاص لا يعرف بعضهم بعضاً في تجارب قصيرة وخاطفة. ولكن من واقع خبرتنا، عادة ما تكون هذه التفاعلات ودية ولكنها تظل منقوصة.

تكمن القيمة الحقيقية للفعاليات التي تُعقد وجهاً لوجه في أنها تساعد على توطيد العلاقات القائمة، خاصة للأشخاص الذين يعملون معاً. وهنا يمكن تعزيز فرصة إرسال “إشارات اجتماعية” (الإشارات التي تعبر عن احترامنا وإعجابنا وتعاطفنا مع الآخرين) من خلال الحضور الشخصي (على سبيل المثال، من خلال الابتسامات والتواصل المستمر بالعين والإيماءات، وما إلى ذلك). فهذه الإشارات أكثر أهمية للأشخاص الذين يُعد تواصلهم معاً ضرورياً؛ أي الذين لديهم أشياء مشتركة ذات معنى أو الذين يعملون معاً كثيراً أو الذين لديهم أهداف مشتركة.

الفرص المتعمَّدة

لا تتحقق فوائد التواصل وجهاً لوجه من تلقاء نفسها؛ إذ يجب تهيئة الظروف التي تشجع على القيام بما يتجاوز المحادثات السطحية والجانبية، بطرق منظَّمة وغير منظَّمة. حددت بحوث أُجريت على مدار عقود أنواع الأنشطة التي عادة ما تعزز الترابط الاجتماعي، وهي تشمل:

  • الألعاب وحل المشكلات بطريقة إبداعية: تخلق هذه الأنشطة فرصاً للتعاون والتنسيق والعمل بشكل متزامن. إذ تُظهر البحوث الحديثة أن الفِرق تكون أكثر إبداعاً عندما يكون الأعضاء موجودين معاً في مكان واحد لأن التركيز المعرفي الضيق نسبياً الناجم عن تكنولوجيا مؤتمرات الفيديو يكبح توليد الأفكار الإبداعية.
  • رواية القصص وتبادل وجهات النظر: يسمح هذا النوع من الأنشطة بالتعبير عن الذات واكتشاف الخبرات المشتركة، كما أنه فرصة للتشجيع والتعاطف.
  • المشاركة في أداء الشعائر: يخلق هذا النوع من الأنشطة فرصة للتعرض لسلوكيات هادفة تعبر عن هوية مشتركة أو انتماء إلى جماعة.
  • الاستمتاع: الفكاهة والضحك والموسيقى والحركات الطبيعية (مثل الرقص) والقصص الخيالية والأمل والمفاجأة وبالطبع المأكولات والمشروبات اللذيذة هي مصادر المتعة عموماً. فنحن نشعر أننا أكثر ارتباطاً بهؤلاء الذين نشاركهم لحظات الفرح والبهجة.

تجدر الإشارة إلى أنه بينما يمكن أن يؤدي الوجود معاً في مكان واحد إلى مضاعفة تأثير هذه الأنشطة، فبالتأكيد لا يزال بإمكانك الاستفادة منها عن بُعد وإحداث تأثير قوي. غالباً ما يتمثل التحدي في العثور على الأنشطة المناسبة للبيئات الافتراضية. في شركة إرنست آند يونغ إل إل بي (Ernst & Young LLP)، أنشأنا مؤخراً “مستودعاً” عبر الإنترنت يضم عشرات من الألعاب الممتعة التي يمكن لأعضاء الفِرق لعبها معاً عن بُعد أو وجهاً لوجه لتعزيز الترابط بينهم. ويمكن فلترة الألعاب حسب الوقت وحجم الفريق وسهولة التنفيذ لمساعدة الفِرق على إيجاد النشاط الذي يناسب احتياجاتهم.

تغيرت طرق عملنا جذرياً، ولن نعود إلى الطرق القديمة، وهذا ليس بالأمر السيئ على الإطلاق. وبالتأكيد علينا اكتشاف بعض الأمور. فبناء مستقبل أفضل يتطلب: أن نكون على استعداد للتشكيك في افتراضاتنا حول ما يحتاج إليه الأشخاص ليكونوا مندمجين في العمل وراضين ومنتجين؛ وألا نحاول التشبث بما تبدو إجابات “سهلة”، بل يجب أن نتقبل التغيير والخيارات الصعبة التي تصاحبه أحياناً؛ والاستماع إلى موظفينا والثقة بحكمهم واستخدام علم السلوك البشري لتهيئة الظروف المثلى التي تساعدهم على التواصل معاً وتحقيق النجاح. ولا تقلق، سوف نعتاد على الأمر.

الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة آراء شركة إرنست آند يونغ إل إل بي ( Ernst & Young LLP) أو الشركات الأخرى ضمن مجموعة إرنست آند يونغ العالمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .