3 استراتيجيات لتجنب فخ الاعتماد على معلومة واحدة عند اتخاذ القرارات

5 دقائق
فخ الارتساء
طاقم هارفارد بزنس ريفيو/ماستر1305/جير إس تي دي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: حتى صناع القرار الخبراء قد يقعون في فخ الارتساء، رغم أنهم الأجدر بمعرفة سوء الأمر. هذا هو التحيز المعرفي حيث تخصص عقولنا قدراً كبيراً جداً من الأهمية للمعلومات التي يسهل الوصول إليها ولكنها لا صلة لها بالموضوع لسوء الحظ. وقد يكون الارتساء مكلفاً في المفاوضات أو في أثناء اتخاذ القرارات المالية المهمة. لكن الاستراتيجيات مثل التفكير النقدي ووضع الميزانية من الصفر، قد تساعدنا على التفكير بشكل واقعي وأكثر عقلانية. كما أنه من الممكن فهم تحيز الارتساء لدى الآخرين وتوظيفه لمصلحتك في المفاوضات.

 

يحدث الأمر كلما ذهبت إلى مطعم بصحبة ابنتي. أفتح قائمة الطعام وأطّلع على الخيارات التي أمامي. ثم ألقي نظرة سريعة على قائمة الأطعمة المخصصة للأطفال. في معظم الأوقات، تكون القوائم متشابهة للغاية، مع نفس الطبق بالمعكرونة ومرق الطماطم. إلا أن الأطباق المخصصة للأطفال تكون أقل تكلفة في العادة، وأفكر بيني وبين نفسي: يا لها من صفقة جيدة.

إذا فكرت في الأمر للحظة، لوجدت أن الصفقة ليست صفقة حقيقية. ففي نهاية الأمر، لقد قارنتها مع تكلفة طبق المعكرونة في قائمة طعام البالغين، وليس مع التكلفة الحقيقية لصناعة معكرونة على شكل عقدة فراشية وتقديمها مع صلصة حمراء.

وإن منطقي المغلوط هذا ليس إلا نتيجة الارتساء، وهو تحيز معرفي يمكن أن يثبط التفكير النقدي لدينا. ووفقاً للباحثين، الارتساء هو اعتماد الأشخاص على وقائع غير ذات صلة لكن يسهل الوصول إليها في صناعة الأحكام. حيث تمنح عقولنا ثقلاً زائداً للانطباعات الأولية أو الأرقام التي تؤثر في أفكارنا اللاحقة. وفي حالتي، تسببت أسعار الأطباق في قائمة طعام البالغين في تشكيل -أو ارتساء – أحكامي حول قيمة الأطباق في قائمة طعام الأطفال.

في سبعينيات القرن الماضي، أوضح العالمان النفسيان أموس تفيرسكي ودانيال كانيمان قوة تأثير الارتساء. وفي دراسة بارزة، وجد الباحثان أن تدوير عجلة الثروة أمام المشاركين وارتساء أفكارهم بأرقام عشوائية أثر في إجاباتهم على أسئلة بسيطة، مثل “ما هي النسبة المئوية لدول الأمم المتحدة في إفريقيا؟”.

كما أظهرت الدراسات أن تأثيرات الارتساء تدوم مهما كانت الصلة ضعيفة بين عامل الارتساء والقرار الفعلي. حيث وجدت إحدى الدراسات أن “تقييمات أداء رياضي ما كانت تتأثر بالرقم الظاهر على قميصه“. وبكلمات أخرى، اعتقد الأشخاص أن الرياضي الذي يظهر على قميصه الرقم الأعلى كان أفضل من الرياضي ذي الرقم الأدنى، وما عدا ذلك فهما متساويان.

يؤثر الارتساء في كافة أنواع القرارات، حتى تلك التي يتخذها خبراء من الأجدر بهم ألا يفعلوا ذلك. وعلى وجه التحديد، تظهر دراسة حديثة أن الارتساء منتشر في العالم المالي أكثر مما كان معتقداً في السابق، مع تأثيرات ارتساء كبيرة تؤثر على الأداء في سوق الأسهم. وأظهرت الدراسة التي قادها فريق من جامعة خنت أن المستثمرين قدّروا الشركات بقيمة أكبر إذا كانت أسعار أسهمها أعلى. حدث هذا حتى بعد التحكم في عوامل مثل عدد الأسهم المتاحة وغيرها من قضايا حوكمة الشركات.

لذا، إذا امتلكت شركتان ملفات مالية تعريفية متماثلة باستثناء أن الشركة س تمتلك أسهماً أقل بسعر أعلى من الشركة ع، فإن أسهم الشركة س ستحقق مبيعات أفضل من أسهم الشركة ع على المدى الطويل. لماذا؟ لأن سعر السهم -عامل الارتساء- يحسن من القيمة المُدركة للشركة. في حين أن الارتساء يمكن أن يؤدي إلى أخطاء جسيمة ومُكلفة، فإن هناك طرقاً لاستخدام التحيز لصالحك. إليكم ثلاث استراتيجيات يمكن أن تساعدكم على التأكد من أن تفكيركم صاف وعقلاني وغير خاضع لأثر الارتساء.

لا تدع عامل الارتساء يجرّك نحوه

الارتساء منتشر في كل مكان في عالمنا الحالي المعتمد على البيع بالتجزئة. فهو طريقة لجعل الزبائن يشعرون كأنهم يحصلون على صفقة جيدة. إحدى الأمثلة المفضلة لدي هي متاجر التجزئة الكبيرة التي ستقدم “حسومات” ضخمة على الأسعار “الأصلية” المتضخمة بشكل كبير والتي لا علاقة لها بالقيمة الفعلية للمادة أو المنتج.

على سبيل المثال، أريكة منخفضة التكلفة بسعر 800 دولار “في الأصل” تم تخفيضه إلى 200 دولار لجعل الأريكة تبدو وكأنها صفقة رائعة. وغالباً ما تقوم الشركات بمثل “تخفيضات الأسعار” هذه، على الرغم من عدم وجود سبب ليكون سعر الأريكة 800 دولاراً في المقام الأول.

هناك طرق للتغلب على الارتساء. والخطوة الأولى هي استيضاح المعلومات المتعلقة بالبيانات. فعندما نعلم الأدلة بوضوح أكبر، من غير المرجح أن يتم خداعنا. وعندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات المهمة مثلاً، غالباً ما أدوّن كل العوامل المتعلقة به. حيث تساعدني كتابة المعلومات على تقييم موثوقيتها وإقصاء عوامل الارتساء غير ذات الصلة.

التحدث والنقاش حول القرارات له الفائدة نفسها أيضاً. أجد أنني عندما أسعى للحصول على مشورة أصدقائي وزملائي وأجبر نفسي على التحدث بشفافية بشأن تفكيري المنطقي، يمكن أن يساعد ذلك في كشف عامل الارتساء. والسؤال الرئيسي الذي تجب الإجابة عنه: ما هي المعلومات التي أستخدمها لاتخاذ هذا القرار أو إطلاق هذا الحكم؟

هل هي دقيقة أو متعلقة بالموضوع؟ هل أولي لها الأهمية المناسبة التي تستحقها؟ إذا وجدت نفسك تفتقر إلى الأدلة الجيدة، فهذا دليل على أنك قد تكون تقوم بالارتساء. كما أنها علامة على احتياجك إلى إجراء المزيد من البحث، ما يصل بنا إلى النقطة التالية.

قم بالبحث لتتجنب التحيّز

عملت مرة كاستشاري مع شركة شارك (Shark)، وهي شركة فرنسية تبتكر خوذاً فخمة للدراجات النارية. كانت الشركة تنظر في نقل خط إنتاجها من البرتغال إلى تايلاند. وللوهلة الأولى، بدا أن الانتقال سيكون خطوة تجارية جيدة. ففي نهاية المطاف، تكاليف الإنتاج منخفضة أكثر في تايلاند.

لكن فريقي أدرك وجود مشكلة ارتساء. نظر فريق شارك في تكلفة إنتاج التصميم الموحد للخوذة، لكن عرض منتجات الشركة كان عادةً يتعلق بإنتاج الخوذ المخصصة. أي أن فريق شارك اعتمد على تكلفة إنتاج نوع واحد من الخوذ، عوضاً عن تكلفة تخصيص كل خوذة.

لذلك قمنا بتشكيل مجموعة مع ساعات توقيت لمعرفة تكلفة الإنتاج الدقيقة لفئات مختلفة من الخوذ. وأظهرت النتائج أنه من الأفضل في الواقع إبقاء أكثر من 70% من الإنتاج في البرتغال.

الارتساء مثل الذي حدث في شارك هو دائماً ناتج عن نقص المعلومات أو المعلومات المضلّلة. ففي كثير من الأحيان، يقف الدماغ البشري عند معلومات قديمة أو غير ذات صلة ويفشل في رؤية الأشياء بوضوح.

لهذا السبب، غالباً ما أنصح بوضع الميزانيات من الصفر، الذي يجبر الشركات على تقييم التكاليف من جديد ومن منظور جديد. كجزء من عملية وضع الميزانية من الصفر، يجب على الشركة إلغاء الميزانيات السابقة واحتساب كافة التكاليف من جديد. وهذه العملية تجبر الأعمال التجارية على ترك عوامل ارتسائها وبالتالي إيجاد فرص جديدة للتوفير والنمو. وهذا شديد الأهمية بالنسبة للمشاكل الحالية في سلاسل التوريد والتضخم. قد لا يكون من الممكن دائماً الحصول على مساعدة خارجية، ولكن يمكنك دائماً إجراء المزيد من البحث. إذا كنت تشك في أن رقماً ما أو جزءاً من المعلومات قد يكون بمثابة عامل ارتساء، حاول دحضه أو تأكيده من خلال البحث عن مصادر أخرى. واجمع آراء زملائك الذين لم يقعوا في فخ الارتساء بعد. وأجرِ المقابلات مع الخبراء الذين يستطيعون تقديم معلومات حول أهمية عامل الارتساء أو عدمها.

استغل عوامل الارتساء لصالحك

يدرك صديقي أليكس كلافيل، رئيس استراتيجية المؤسسة في سوفت بنك (Softbank)، فائدة الارتساء في المفاوضات. ويشجع فريقه على “استخدام الارتساء بشكل فعال لإقناع أطراف المفاوضات الأخرى أن عامل ارتسائنا يجب أن يكون أساس النقاش بشكل أو بآخر”. وإذا نجح نوع الارتساء هذا، يمكن أن “يبقي النقاش وفقاً لشروطك قدر الإمكان”، ما يزيد من احتمال حصولك على نتيجة إيجابية.

وعلى النقيض، من المهم للغاية أن تقاوم هذا النوع من الارتساء عندما يحاول الجانب الآخر توظيفه لصالحه. حيث أخبرني أليكس أنه عمل مؤخراً على التخلص من عامل الارتساء لدى الطرف المقابل الذي كان يعاني من تناقص في قيمة شركته بسبب مشاكل متعلقة بـ “الفحص النافي للجهالة“. فقد أصر الطرف المقابل على الإشارة إلى التقييم الأولي البالغ 500 مليون دولار في المفاوضات. لكن أليكس قام بتذكيره بأن الرقم لم يعد قائماً الآن ولا يمكن استخدامه كأساس في المفاوضات.

بشكل مماثل، أستخدم أحياناً عامل الارتساء لتحويل المفاوضات إلى صالحي. فعلى سبيل المثال، خلال جلسة مفاوضات، قد أبدأ بالتحدث حول جزء من العقد تم الاتفاق عليه بالفعل لصالح الطرف الآخر. ومع وضع هذا “الفوز” في عقولهم، قد يكون من الأرجح أن يقدموا تنازلات بمجرد انتقالنا إلى البنود التي لم يتم الاتفاق عليها بعد. وكما تقول سيسيل فيري دافييز، المديرة الإدارية في بيمكو (Pimco)، “يمكن أن يؤثر الارتساء في كثير من الأحيان على سياق العملية التجارية أكثر من التحليل التفصيلي”.

في النهاية، تُبين ظاهرة الارتساء أننا بينما نفكر في أنفسنا ككائنات عقلانية ومنطقية، يمكن أن يكون للتفاصيل الخارجية تأثير كبير على تفكيرنا. والحل الأفضل هو مزيج من اليقظة والتواضع وتحسين مهارات التفكير النقدي لدينا. وإلا قد نقع ضحية الارتساء، حيث ننساق خلف تحيزنا، سواء لاحظنا ذلك أم لا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .