كيف يمكننا سد فجوة المهارات المستقبلية؟

5 دقائق
سد فجوة المهارات المستقبلية
shutterstock.com/Alberto Andrei Rosu
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتطلب تطورات وتغيرات اليوم في البيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن تكون المؤسسة أكثر مرونة من أجل مواجهة تحديات البيئات المتغيرة بسرعة. إذ تتأثر المؤسسات العامة والخاصة، بالبيئات الخارجية والداخلية على حد سواء. وبسبب هذه المتغيرات المستمرة في سوق العمل ظهر مصطلح “فجوة المهارات” وخصوصاً المهارات المستقبلية. وتعرّف فجوة المهارات وفق الجمعية الأميركية لتنمية المواهب، بأنها الفجوة الكبيرة بين القدرات الحالية للمؤسسة والمهارات المطلوبة لقوتها العاملة بغرض تحقيق الأهداف المنشودة.

في مسح لشركة “ديلويت” لعام 2013 للمدراء التنفيذيين بالشركات الكبيرة، قال 39% من هؤلاء المدراء أنهم إما “يستطيعون بالكاد” أو هم “غير قادرين” على الوفاء باحتياجاتهم من المواهب. ووفقاً لنتائج استطلاع أجرته الجمعية الأميركية لتنمية المواهب والذي نشر تقريره عام 2018، فإن 83% من المشاركين أكدوا على وجود فجوة في المهارات داخل الشركات. وأن ما يقارب 50% من المشاركين في نفس الاستطلاع يتوقعون وجود فجوة في المهارات القيادية أو المستوى التنفيذي في مستقبل أعمالهم. إضافة الى ما سبق، صدر تقرير آخر بعنوان “الوظائف المفقودة والوظائف المكتسبة: تحولات القوى العاملة في وقت التشغيل الآلي”، حيثُ توصلت من خلاله شركة ماكنزي إلى أن 375 مليون موظف من القوى العاملة حول العالم سوف يحتاجون إلى تغيير وظائفهم وتحديث مهاراتهم، وذلك استجابة للمتغيرات التي سوف تطرأ على سوق العمل في العام 2030.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن فجوة المهارات تؤدي إلى تفاوت الأجور بين الموظفين في الشركات، حيث وجدت الدراسات أنّ ما يُسمى “علاوة المهارة” (التي تتمثل بأجر أعلى للعاملين الأكثر مهارة) كانت عاملاً هاماً بزيادة التفاوت في الأجور، وكانت التكنولوجيا هي سبب ارتفاع تلك العلاوة. ويكتسي هذا الأمر طابعاً ملحاً وذلك للاعتقاد بأنّ دور التكنولوجيا في سوق العمل سيزداد أهمية ووضوحاً نظراً لأن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يؤثران على أصحاب الوظائف الإدارية لمن يسمّون “ذوي الياقات البيضاء” بنفس الطريقة التي تؤثر بها الروبوتات على وظائف العمال أو “ذوي الياقات الزرقاء”.

وإذا ما نظرنا إلى التقارير الصادرة عن دولة الإمارات، لوجدنا أن البحث الصادر عن المجلس الثقافي البريطاني والذي أُعد من قبل عدد من روّاد الأعمال والمؤسسات ذات الشأن في الدولة، قد تطرق إلى  مدى أهمية المهارات المستقبلية، حيث أكد 75% من المشاركين في الاستطلاع على أن المؤهلات ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) تعتبر مؤهلات أساسية للمستقبل. وفي تقرير آخر صدر عن وزارة التغيير المناخي والبيئة في الإمارات، والذي يتحدث عن وظائف ومهارات التحول في “الاقتصاد الأخضر” (وهو ناتج تحسن الوضع الأقتصادي مع الحد من المخاطر البيئية وندرة الحياة البيئية. والذي يؤدي إلى تحسين المساواة بين الأشخاص والرفاه الاجتماعي)، أكد على أن عدد الوظائف الخضراء سترتفع من 49,250 في عام 2018 إلى ما يقارب 83,422 وظيفة بحلول العام 2030، ونظراً لأهمية هذا الأمر فإن التقرير يقترح ضرورة إيجاد سياسة واحدة تستهدف الترويج للوظائف الخضراء في الإمارات حتى لا تكون هنالك فجوة في المهارات المستقبلية. إذاً، فالرسالة واضحة وعليه فإن المؤسسات والأشخاص على حد سواء لديهم تحد كبير في تحديد المهارات المستقبلية وضرورة سد الفجوات اللازمة، والتي من خلال معرفتها يمكن أن تسهم في الفعالية التنظيمية للمؤسسات. ولذلك يمكن أن يتم طرح التساؤلات التالية: كيف يمكننا معرفة فجوة المهارات الخاصة بنا؟ وكيف يمكننا سد هذه الفجوة؟

وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة نستعرض ما قامت به دولة الإمارات من استراتيجيات وطنية تمكن الآخرين وخصوصاً فئة الشباب من تطوير مهاراتهم المستقبلية، حيث حث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد إمارة أبوظبي عند حضوره حلقة شبابية تحت عنوان: “دور شباب الإمارات عالمياً” على أهمية اكتساب المزيد من المهارات الحديثة التي تتيح للشباب التعامل مع المتطلبات المستقبلية. هذا بالإضافة إلى أن الدولة أطلقت مجموعة من البرامج الوطنية الداعمة لهذا الأمر. منها البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي وبرنامج مهارات الإمارات الذي يساهم في رفع مستوى الوعي بالمهن التي تستند إلى التعليم التقني والمهني بين الشباب الإماراتيين وكذلك استراتيجية المهارات المتقدمة التي تهدف إلى تنمية وتطوير رأس المال البشري. على الرغم من هذه الاستراتيجيات الواضحة والمعلنة، إلا أن أكبر تحدي تواجهه الدولة في سد فجوة المهارات، هي الربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل وذلك وفق ما توصل إليه التقرير الصادر من المجلس الثقافي البريطاني. إلا أن هذا التحدي هو الذي جعل دولة الإمارات تقوم بدور استباقي وفاعل في تبني بعض من أكثر الحلول إبداعا وتقدماً في علم الإدارة، وكان هذا الأمر واضحاً وجلياً في المبادرات التي تم الإعلان عنها من قبل الحكومة.

فعلى الرغم من وجود عدد من الدراسات والتقارير العالمية بخصوص معرفة فجوة المهارات والتي قد تكون كخارطة طريق يمكن الاعتماد عليها، إلا أن التغلب على هذه التحديات والخاصة بسد فجوة المهارات المستقبلية يكمن في عمل التحليل اللازم للمهارات، حيثُ أشارت نيكوليتا بايكا في مقال لها إلى أنه يمكنك إجراء تحليل الفجوة في المهارات على مستويين رئيسيين أحدهما شخصي والأخر مؤسسي. فعلى المستوى الشخصي تُحلل المهارات التي تتطلبها الوظيفة الحالية وتُقارن بمستوى المهارات الفعلي الذي لدى الموظف. وبالعادة يتم عمل هذا التحليل عندما يكون تقييم الأداء الوظيفي للموظف ضعيف أو عند تكليفه بمهام وظيفية جديدة. أما على المستوى المؤسسي فيمكن عمل تحليل وجود فجوة في المهارات لدى الموظفين عندما يكون هنالك مشروع قادم أو عندما يكون هنالك تغيير في استراتيجية المؤسسة. نتيجة لهذه التغييرات والأهداف الجديدة، تجد المؤسسة نفسها أمام بعض التحديات في تحقيق أهدافها الرئيسة. وخلاصة الأمر أنه عند الرغبة في عمل تحليل فجوة المهارات لا بد من التخطيط لنوع التحليل المراد القيام به، هل هو على المستوى الفردي أم على المستوى المؤسسي، مع أهمية الأخذ في الاعتبار الأسئلة التالية عند التخطيط في سد فجوة المهارات:

  • من المسؤول عن تحليل سد فجوة المهارات؟
  • متى يتم عمل تحليل فجوة المهارات؟
  • ما هي المهارات التي يجب التعامل معها أولاً؟
  • كيف يمكننا الاستجابة لنتيجة تحليل فجوة المهارات؟

على الرغم مما سبق ذكره، يبقى هنالك شيء مهم ولا بد من التطرق إليه، وهو كيف يمكننا سد فجوة المهارات التي لدينا بغرض الاستعداد للمتطلبات المستقبلية؟ وفق التقارير السابقة الذكر، يكمن الحل في التدريب. إلا أنّ عدداً من الخبراء شددوا على أهمية الاعتماد على منهجيات موجهة لسد فجوة المهارات المستقبلية والتي تحاول تحقيق التوازن ما بين احتياجات الأسواق وقدرات الموظفين وخريجي الجامعات، وكان ذلك خلال القمة العالمية للحكومات والتي عقدت في دبي خلال هذا العام . فوفق التقرير الصادر عن القمة الحكومية والذي كان تحت عنوان “مهارات المستقبل: 6 أساليب لسد فجوة المهارات” والذي أعدته شركة ماكنزي، أنه لسد فجوة المهارات المستقبلية يجب القيام بالآتي:

  1. إطلاق منصة إلكترونية أساسية بحيث تكون تفاعلية، وتتيح للآخرين قياس مهاراتهم المستقبلية.
  2. طرح مبادرات ومواد تعليمية للمهارات التكنولوجية موجهه للقطاع التعليمي بشكل خاص.
  3. طرح قواعد تعليم متعددة التخصصات في المدارس والجامعات، بحيث تكون قائمة على المهارات المستقبلية.
  4. إنشاء مراكز لأبحاث خاصة بالمهارات المستقبلية تكون ذات تأثير مهم في التعاملات الرقمية مع المؤسسات والأشخاص.
  5. توفير تدريب إضافي للموظفين خلال ساعات العمل بشكل دوري.
  6. توفير التحفيز المالي من خلال تشجيع الموظفين الذين تجاوزت أعمارهم 30 عاماً بدلات تدريب سنوية تساعدهم على الدخول في برامج متعددة للمهارات المستقبلية.

وبالنظر إلى كل ما سبق، فسد فجوة المهارات التي لدينا بغاية الاستعداد للمستقبل تكمن في أن لها جوانب إيجابية كثيره. حيثُ أنها قد:

  • تساعد في خلق بيئة يمكن أن تنافس بها المؤسسات الأخرى.
  • تساعد الموظفين في تحسين إنتاجيتهم ومنتجاتهم وخدماتهم.
  • تساعد في زيادة الوعي الذاتي وتحسين الثقة.
  • تساعد في تحمل الموظفين مسؤوليات جديدة.

على الرغم من أن إجراء تحليل فجوة المهارات قد يستغرق وقتاً طويلاً، إلا أن انعكاس هذا الأمر له فوائد عديدة فمعرفة المهارات التي تحتاج إليها المؤسسة للنمو، سيساعدها كثيراً في توظيف الأشخاص المناسبين والاحتفاظ بهم. إذاً لا بد من اتخاذ خطوات استراتيجية ومدروسة من قبل المؤسسات والأشخاص أنفسهم، لتقليص الفجوة بين القدرات الحالية للمؤسسة والمهارات المطلوبة بهدف تحقيق الأهداف المرجوة. وينبغي على الشركات توخي الحذر في كيفية الانتقال بالقوى العاملة إلى اكتساب مجموعة جديدة من المهارات. فعندما يتطلب إنجاز مهمة ما مهارات جديدة، تسود حالة من القلق والغموض والارتباك. ولكن فرق الإدارة التي تشرح بوضوح هدف المؤسسة ستحقق أفضل النتائج رفقة موظفيها.

يتعين على الشركات بذل جهود للاستثمار بالموظفين بعناية، فهو أمر لا بد من تطبيقه. كما تلعب الحكومة دوراً، إلا أنه لا يمكن للشركات ترك هذه المهمة برمتها على عاتق القطاع العام وحده.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .