كيف استطاعت بعض الشركات زيادة إنتاجية موظفيها خلال الجائحة بينما فشلت أخرى؟

6 دقائق
فجوة القدرة الإنتاجية للشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يستعرض هذا المقال أثر الجائحة في اتساع الفجوة الإنتاجية بين الشركات الأفضل أداءً وبقية الشركات من حيث العوامل الرئيسية الثلاثة للإنتاجية: وقت العاملين ومواهبهم وطاقتهم، استناداً إلى البحث الذي أجرته شركة “بين آند كومباني” (Bain & Company) الاستشارية.

 

اعتمدت معظم الشركات طرقاً جديدة للعمل خلال جائحة “كوفيد-19″، وعمل الكثير من الموظفين عن بُعد، وصاروا يستخدمون الطرق الافتراضية في التفاعل مع العملاء وزملاء العمل، فيما يواصل الآخرون الذهاب إلى مكان عملهم كل يوم، لكنهم باتوا يؤدون وظائفهم بصورة مختلفة تماماً. يبذل الجميع قصارى جهدهم، ولكن ما مدى القدرة الإنتاجية الفعلية للشركات خلال الجائحة قياساً إلى ما كانت عليه قبل “كوفيد-19″؟ وهل اتسعت فجوة القدرة الإنتاجية للشركات بسبب هذه الجائحة؟

اتساع فجوة القدرة الإنتاجية لدى الشركات

الإجابة باختصار هي: يعتمد الأمر على الشركة ذاتها، فقد حافظت بعض الشركات على قدرتها الإنتاجية بصورة ملحوظة في زمن كورونا، مستفيدة من أحدث التقنيات للتعاون بفاعلية وكفاءة. ولكن معظمها بات أقل إنتاجية الآن مما كان عليه قبل 12 شهراً. ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين أفضل الشركات وغيرها في مدى نجاحها في إدارة الموارد الشحيحة من الوقت والمواهب وطاقة قوة العمل لديها قبل اندلاع أزمة “كوفيد-19”. استمر تألق الشركات التي كانت متميزة قبل الجائحة، أما الشركات التي تعاني قصوراً في الأداء فقد عانت بشدة.

وللمزيد من التوضيح، فقد أشرنا في كتابنا الصادر عام 2017 تحت عنوان “الوقت والموهبة والطاقة: التغلب على العوائق التنظيمية وإطلاق العنان للطاقة الإنتاجية لفريقك” (Time, Talent, Energy: Overcome Organizational Drag and Unleash Your Team’s Productive Power) إلى أن هناك 3 عوامل تفسر الإنتاجية النسبية للمؤسسات الكبيرة:

  • الوقت الذي يجب على كل موظف تكريسه للعمل الإنتاجي يومياً، دون التعرض للإلهاءات الناجمة عن الإفراط في التواصل الإلكتروني أو الاجتماعات غير الضرورية أو العمليات والإجراءات البيروقراطية.
  • الموهبة التي يمكن أن يجلبها كل موظف إلى عمله، والأهم من ذلك، كيفية تسخير أفضل المواهب في المؤسسة ودمجها في فريق العمل وإدارتها.
  • الطاقة الإضافية التي يحب كل موظف أن يستثمرها في عمله ويكرسها في سبيل نجاح الشركة وخدمة عملائها وغيرهم من أصحاب المصلحة.

يشار في هذا السياق إلى أن أكثر الشركات قدرة على إدارة الموارد الشحيحة من الوقت والمواهب وطاقة قوة العمل -تلك الشركات التي تقع في المتوسط في الربع الأعلى من الشركات التي شملها بحثنا- هي أكثر إنتاجية بنسبة 40% من باقي الشركات (التي تقع في المتوسط في الشرائح الثلاث المتبقية). وتعتبر هذه الفجوة الهائلة في الإنتاجية مصدراً رئيسياً للميزة التنافسية لأفضل الشركات.

كيف تعاملت أفضل الشركات مع مشكلة الفجوة الإنتاجية؟

لقد أثرت جائحة “كوفيد-19” على كل العوامل الثلاثة لإنتاجية القوى العاملة، ممثلة في الوقت والموهبة والطاقة، لكن أفضل الشركات تأثرت بها بصورة مختلفة تماماً عن بقية الشركات.

عملت أفضل الشركات على تقليل الوقت الضائع وحافظت على تركيز الموظفين، على عكس باقي الشركات

لوحظ أن الشركات التي كانت تجيد التعاون بصورة فاعلة وتعمل بصورة مثمرة قبل الجائحة حافظت على قدرتها الإنتاجية خلال عمليات الإغلاق وغيرها من الاضطرابات المزعزعة. فقد أدت أوامر الالتزام بالحجر المنزلي إلى توفير الوقت الذي كان يضيع سابقاً في التنقل وأضفت المرونة على جداول مواعيد العمل، ما مكّن الكثير من الموظفين من تخصيص وقت إضافي لأعمالهم. وأثبتت دراسة أُجريت مؤخراً بواسطة رافاييلا سادون وجيفري بولزر وآخرين، والتي تضمنت تحليل رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات لنحو 3.1 مليون موظف في 16 مدينة على مستوى العالم، أن متوسط ​​طول يوم العمل زاد بمقدار 48.5 دقيقة خلال فترة الإغلاق في الأسابيع الأولى من الجائحة. واستفاد الموظفون في المؤسسات عالية الإنتاجية من التقنيات الجديدة للحفاظ على التواصل مع العملاء وزملاء العمل خلال هذه الفترة. وتشير تقديراتنا إلى أن أفضل المؤسسات شهدت زيادة في الوقت الإنتاجي بنسبة 5% أو أكثر.

أما الشركات التي كانت تجد صعوبة في التعاون بصورة مثمرة قبل الجائحة، فلم تنفعها أوامر العمل من المنزل في شيء سوى أن زادت الطين بلة. فقد ضاع الوقت بداية في الاجتماعات الافتراضية، حيث وجد عدد من الباحثين في “كلية هارفارد للأعمال” و”جامعة نيويورك” أن عدد الاجتماعات زاد خلال الجائحة بنسبة 12.9% في المتوسط، وأن عدد الحاضرين في كل اجتماع زاد بنسبة 13.5%. وزاد إجمالي الوقت المستغرق في الاجتماعات زيادة كبيرة، على الرغم من انخفاض متوسط مدة الاجتماعات. ولم يسفر هذا الاستثمار في الوقت الإضافي للأسف عن شيء يُذكر في معظم المؤسسات. وتتوافق بيانات “كلية هارفارد للأعمال” و”جامعة نيويورك” مع ما لاحظناه في الكثير من الشركات، حيث أدى ضعف التعاون وممارسات العمل غير الفاعلة إلى تقليل الوقت الإنتاجي بنسبة تتراوح ما بين 2% إلى 3% في معظم المؤسسات.

استفادت أفضل الشركات من تغيير أنماط العمل في الوصول إلى المواهب التي تصنع الفارق

تشكل الموهبة الاستثنائية مورداً نادراً لا يقدّر بثمن يتوافر في الموظفين الذين يمتلكون القدرة على جلب الإبداع والابتكار في عملهم. ويشير بحثنا إلى أن أفضل الشركات هي أعلى إنتاجية بنسبة 20% من بقية الشركات بسبب طريقتها في استقطاب المواهب النادرة التي تصنع الفارق وتطويرها ودمجها وإدارتها.

وهكذا، كانت للجائحة آثار إيجابية وأخرى سلبية على الموهبة كمصدر للإنتاجية. فقد أدى العمل عن بُعد إلى إتاحة الفرص أمام المؤسسات للوصول إلى المواهب التي ربما كانت بعيدة المنال قبل اندلاع أزمة “كوفيد-19”. إذ لم يعد قرب الموقع الجغرافي من العمل عنصراً أساسياً في تحديد شبكة مرشحي الوظائف المتاحة أمام معظم الشركات. وبات بالإمكان تطوير البرامج أو تحليلات البيانات الضخمة بصورة فاعلة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة من مدينة سيدار رابيدز كما في مدينة سان خوسيه. وصار بمقدور أفضل الشركات الاستفادة من المصادر الجديدة والمختلفة للمواهب من أجل بناء القدرات التي ستحتاج إليها للنجاح في المستقبل.

كما أن العمل عن بُعد مكّن أمهر الموظفين في المؤسسة من المشاركة بصورة افتراضية في نطاق أوسع من المبادرات والفرق أكثر مما كان يحدث على أرض الواقع في الماضي، وهو ما يضاعف تأثير هؤلاء الأفراد على الأداء. إذ تشير تقديراتنا إلى أن “كوفيد-19” ربما كان له أثر إيجابي طفيف على الإنتاجية في أفضل الشركات.

وقد كافحت معظم الشركات للحفاظ على مكانتها خلال الجائحة، حيث أدت ندرة الطلب على المنتجات والخدمات إلى خروجها من سوق العمل وعدم قدرتها على الاستفادة من الفرص المتاحة لاستقطاب مواهب جديدة. وواجه موظفوهم الحاليون في تلك الأثناء ضغوطاً متزايدة في منازلهم وهم يحاولون التوفيق بين التزامات العمل والتزاماتهم الأسرية. وشهدت بعض المؤسسات نتيجة لذلك خروج الكثير من الموظفين المتميزين من قوة العمل لديها، مؤقتاً على الأقل، ما أدى إلى خفض معدلات الإنتاجية العامة. ومن هنا، تشير تقديراتنا إلى أن “كوفيد-19” كان له أثر سلبي طفيف على قدرة معظم الشركات على جذب أفضل الموظفين والاحتفاظ بهم وإدارتهم، ما أدى بدوره إلى تراجع طفيف في معدلات الإنتاجية العامة.

وجدت أفضل الشركات طرقاً لإدماج موظفيها وإلهامهم

يعتبر اندماج الموظف وإلهامه مسألة غاية في الأهمية. فقد توصل بحثنا إلى أن الموظف المندمج أكثر إنتاجية بنسبة 45% من الموظف الذي يشعر بالرضا فحسب، والموظف الملهَم، أي الذي تربطه علاقة شخصية متينة بعمله أو شركته، أكثر إنتاجية بنسبة 55% من الموظف المندمج، أو أكثر من ضعف إنتاجية العامل الذي يشعر بالرضا. وكلما زادت قدرة المؤسسة على إدماج موظفيها وإلهامهم، كان أداؤها أفضل.

وكانت جائحة “كوفيد-19” أكثر عوامل الإنتاجية الثلاثة إضراراً بالطاقة، حيث تشير الأبحاث التي أجراها “معهد أتشيفرز وركفورس” (Achievers Workforce Institute) إلى أن معظم المؤسسات وجدت صعوبة في إدماج موظفيها خلال الجائحة. ربما كان من المنطقي أن تنخفض القدرة الإنتاجية بنسبة كبيرة في معظم الشركات.

لكن لم تشهد كل المؤسسات تراجع مستويات طاقة الموظفين، فقد أخبرنا مسؤولون تنفيذيون من شركة “أدوبي”، على سبيل المثال، بأنهم توصلوا إلى طرق للحفاظ على اندماج الموظفين خلال الجائحة. كانت الشركة من أوائل الشركات التي أصدرت “تعهداً بعدم تسريح العاملين”، ما أدى إلى تخفيف حدة مخاوف الموظفين وإرسال إشارة تفيد التزام الشركة الثابت تجاه قوة العمل لديها، وبدأت القيادة العليا في شهر مارس/ آذار، أي بعد أيام فقط من فرض الحجر المنزلي، في إجراء اجتماعات افتراضية مفتوحة من منازلهم لإطلاع الموظفين على آخر المستجدات بخصوص انتشار “كوفيد-19” واستجابة “أدوبي” تجاهه. ثم أصدرت الشركة بعد ذلك بوقت قصير سلسلة فيديوهات أسبوعية بعنوان “خمسة من فضلك” (Take Five) لمساعدة موظفيها على مواكبة آخر وأهم المستجدات بخصوص “كوفيد-19” والعمل، إلى جانب بعض النصائح من زملائهم الموظفين (مثل قيام كبير الطهاة في كافتيريا الشركة بمشاركة بعض الأفكار حول كيفية طهي وجبات رائعة باستخدام أغذية معلبة في متناول اليد).

وقد كشفت استقصاءات التعرف على الرأي التي كانت تُجرى بانتظام، في ظل استمرار “كوفيد-19” وأوامر العمل من المنزل، أن الموظفين كانوا متعبين من محاولات تحقيق التوازن بين الواقع الجديد للعمل وحياتهم المنزلية. فما كان من “أدوبي” إلا أن منحت جميع موظفيها يوماً إضافياً -الجمعة الثالثة من كل شهر- استجابة لذلك من أجل إعادة شحن طاقتهم. وقد أتاحت هذه الجهود، وغيرها من الجهود الأخرى، لشركة “أدوبي” إمكانية الاستفادة من الطاقة الإضافية لقوتها العاملة خلال أزمة “كوفيد-19”. وشهدت مستويات الاندماج ارتفاعاً ملحوظاً في واقع الأمر في “أدوبي” منذ بداية الجائحة، وفقاً للشركة.

وخلاصة القول، لقد اتسعت فجوة الإنتاجية بين أفضل الشركات وبقية الشركات خلال هذه الجائحة. وتشير تقديراتنا إلى أن أفضل الشركات، تلك التي كانت ناجحة في الأساس في إدارة الوقت والموهبة والطاقة في فرقها، كانت أكثر بنسبة 5% إلى 8% خلال الـ 12 شهراً الماضية، حيث أدى وقت العمل الإضافي والقدرة على الوصول إلى المواهب الجديدة المتميزة والتواصل المستمر إلى تعزيز القدرة الإنتاجية في هذه الشركات. بيد أن معظم المؤسسات شهدت انخفاضاً في القدرة الإنتاجية بنسبة 3% إلى 6% (أو أكثر) بسبب ضعف التعاون وطرق العمل المهدِرة للوقت والتراجع العام في مستوى اندماج الموظفين.

تؤدي هذه الفجوة الآخذة في الاتساع إلى آثار خطيرة، فإذا كانت أفضل الشركات أكثر إنتاجية بنسبة 40% من بقية الشركات قبل الجائحة (حسبما أشار بحثنا في عام 2017)، فقد تكون الآن أكثر إنتاجية بنسبة 50%. ولا بد أن هذا الحافز سيؤدي إلى تمكين هذه المؤسسات من تعزيز قدرات فرق العمل والابتكار والنمو والتفوق على منافسيها لسنوات عدة من أجل تجنب اتساع فجوة القدرة الإنتاجية للشركات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .