ما مدى استعداد قسم التسويق في مؤسستك للمرحلة القادمة؟

14 دقيقة
عملية التسويق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
إطار عمل للمواءمة بين استراتيجيات النمو والقدرات

لم يسبق أن كانت عملية التسويق معقدة فيما مضى بقدر تعقيدها اليوم. إذ أحدثت التطورات الهائلة في التكنولوجيا ثورة في القطاع وجزأته، في حين زادت القضايا المجتمعية من التوقعات بشأن الأداء الاجتماعي لخبراء التسويق، مثل جائحة “كوفيد-19” وأزمة المناخ. وأسفر ذلك المزيج من القوى المتنوعة عن تغيير النهج المتّبع في أداء عمليات التسويق، ليصبح نهجاً أكثر مرونة وترابطاً ويعتبر وحدة التسويق المحرك الرئيس لدفع عجلة النمو في الشركة.

وليس من المستغرب أن يشعر القادة بعدم اليقين إزاء دور وحدة التسويق وأن ينتابهم القلق بشأن أدائها. فقد أظهر استبيان أجريناه على مدراء التسويق في 493 شركة أن 20% فقط من العاملين في شركات تقليدية كبرى راضون عن فاعلية أقسامهم؛ وتزداد نسبة الرضا بصورة طفيفة فقط بين العاملين في الشركات الرقمية الأصلية. قضينا عامين في دراسة التغيير في مؤسسات التسويق، وذلك بدعم من شركة “موبايل ماركيتينغ أسوسييشن” (Mobile Marketing Association) وبالتعاون مع بيتر شيلستريت، نائب الرئيس العالمي السابق للأصول والتقنيات الرقمية في شركة “كوكاكولا”. وأجرينا مقابلات شخصية متعمقة مع 125 قائداً من كبار قادة التسويق في مختلف القطاعات لفهم المشكلة ومعرفة الأسلوب الذي اتبعوه في تكييف مؤسساتهم للمنافسة في هذه البيئة الجديدة. ووجدنا أن معظمهم اتبعوا نهجاً استراتيجياً في الاستثمار في أنشطة التسويق وتقنياته وهياكله بهدف الاستفادة من فرص النمو الجديدة.

ومع ذلك، اتصفت العديد من جهود أولئك القادة الهادفة إلى إجراء تحولات في مؤسسات التسويق بالتعقيد نتيجة عدم وجود منهجية منظمة. وتمثلت أول خطوة شرعنا بها لإعداد إطار عمل يمكن للشركات استخدامه في تحديد الطرق التي تمكّن وحدة التسويق من المساهمة في نمو الشركة، وهو ما قادنا إلى تحديد ستة مجالات عامة للقيمة. وقمنا بعد ذلك بإعداد قائمة ضمت 72 قدرة تسويقية شملت كلاً من المهام الجديدة والمهام الأساسية اللازمة لخلق تلك القيمة. ونعتقد أن تلك القائمة هي القائمة الأكثر شمولاً من نوعها بحسب معرفتنا. وقمنا بعد ذلك بتطوير العملية التحليلية المعروضة هنا مستفيدين من آراء لجنة توجيهية مكونة من 10 رؤساء تنفيذيين للتسويق في شركات رائدة. ويمكن استخدام تلك العملية لتحديد عرض القيمة التسويقية واختيار القدرات اللازمة وتصميم المهمة التسويقية التنافسية التالية. وقد قاد نموذجنا بالفعل جهود تحول وحدات التسويق في الشركات الرقمية من الأصل والشركات التقليدية في مختلف القطاعات، بما فيها شركات السلع الاستهلاكية المعبأة وشركات النقل والخدمات المالية وتجارة التجزئة.

تحديد عرض القيمة التسويقية

وجدنا أن قادة التسويق يواجهون صعوبة في تنفيذ جهود التحول لثلاثة أسباب رئيسية. أولاً، غالباً ما ينظر قادة التسويق إلى التحول بصفته ممارسة تنطوي على استبدال التقنيات أو إعادة تشكيل الهياكل بدلاً من إعادة التفكير في قدرة البيئة المتغيرة على تمكين وحدة التسويق من خلق أنواع جديدة من القيمة. ثانياً، عادة ما يعرّف قادة التسويق مشاريع التحول بأنها انتقال من حالة إلى أخرى، على سبيل المثال، من تسويق العلامة التجارية إلى تسويق الأداء، أو ببساطة من مشروع قديم إلى آخر جديد، إلا أن تبني تلك العقلية قد يُعيق أوجه التعاون بين ممارسات التسويق التقليدية والممارسات الحالية، ويُسفر عن تشتت الفرق، ويصرف الانتباه عن مهمة التركيز على الزبائن. ثالثاً، غالباً ما يسمح القادة لجهود التحديث بأن تتوزع عبر الفرق أو المجالات الوظيفية دون إطار عمل تشغيلي شامل. نتيجة لذلك، قد تسعى مجموعات مختلفة من الفرق إلى تنفيذ مبادرات تغيير متميزة لكنها غير منسقة، وهو ما يؤدي إلى تجزئة جهود عملية خلق القيمة وتقويض قدرة وحدة التسويق على دفع عجلة النمو.

ومن غير المرجح أن تُسفر التقنيات الجديدة والهياكل والعمليات عن تحسينات جوهرية في الأداء دون امتلاك وحدة التسويق هدفاً واضحاً قائماً على القيمة ودون وجود استراتيجية تحدد القدرات اللازمة لتحقيق ذلك الهدف. في المقابل، يوفر إطار عملنا كلاً من الهدف والاستراتيجية، ويقسم الأنواع الستة للقيمة المحددة إلى فئتين: قيمة للزبائن وقيمة للشركة. ويُعدّ فهم هذا التصنيف الخطوة الأولى في توضيح مفهوم عرض القيمة التسويقية ونقطة انطلاق مهمة لمواءمة أنشطة وحدة التسويق مع استراتيجية نمو الشركة.

أسفرت جائحة “كوفيد-19” وأزمة المناخ عن زيادة التوقعات بشأن الأداء الاجتماعي لخبراء التسويق. 

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

يواجه القادة صعوبة في التفكير في دور وحدة التسويق بوضوح وهم قلقون بشأن أدائها. وقد تعرقلت جهود تحويل عمليات التسويق التي نفذوها في بعض الأحيان بسبب الافتقار إلى منهجية واضحة لتحديد طبيعة مهام وحدة التسويق وتصميم أعمالها.

إطار العمل

يقدم المؤلفون إطاراً عملياً يهدف إلى توضيح أهمية وحدة التسويق في المساهمة في نمو الشركة من خلال تقديم أنواع مميزة من القيمة للزبائن والمؤسسة ذاتها.

النتيجة

طبقت الشركات في مختلف القطاعات إطار العمل هذا للكشف عن الفجوة بين المجالات التي تركز عليها في الوقت الحالي والمجالات اللازمة لتحقيق النمو، ولتحديد القدرات التي يجب تطويرها والقدرات التي يجب استدامتها عند مستواها الحالي والقدرات التي يجب خفض مواردها أو تعهيدها إلى مصادر خارجية أو أتمتتها؛ ولإعادة تصميم مهامها التسويقية لتقديم عرض جديد للقيمة.

خلق قيمة للزبائن

يمكن لفريق التسويق خلق قيمة للزبائن في محاولة لجذبهم والفوز بهم واستبقائهم في ثلاثة مجالات، ألا وهي قيمة المبادلة وقيمة الخبرة وقيمة التواصل.

قيمة المبادلة. يخلق خبراء التسويق هذا النوع من القيمة عندما يوائمون عروضهم بفاعلية مع احتياجات محددة للزبائن. ويتطلب ذلك إدراك ماهية المنتجات أو الخدمات التي يبحث عنها الزبائن، وفهم المشكلة التي يحاولون حلها، وتحديد طبيعة العروض التي تناسبهم بشكل آني، وهو ما يستدعي تطوير قدرات قوية في مجالات تحويل الزبائن وتخصيص احتياجاتهم وتوقعها.

وقد يستخدم خبراء التسويق تحليلات محوسبة معقدة وتقنيات تعلم الآلة لمعالجة كميات كبيرة من البيانات حول سلوك المستهلكين بهدف مضاعفة قيمة المبادلة. على سبيل المثال، تستهدف شركة “أول ستيت” (Allstate) مختلف أنواع الزبائن بمئات المنتجات والرسائل المخصصة التي طورتها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتعتمد شركة “علي بابا” على البيانات التي تحصل عليها بشكل آني وخوارزميات التعلم التي يجري تحسينها بشكل مستمر لتقديم عروض مخصصة لملايين الزبائن. وتستخدم شركة “إم تايلور” (MTailor) تطبيقاً مدعوماً بتقنية الذكاء الاصطناعي لتقييم مدى رشاقة الزبائن وتقديم ملابس مخصصة لهم؛ وتعتمد شركة “ستيتش فيكس” (Stitch Fix) على تقنيات تعلم الآلة للمساعدة في إضفاء طابع شخصي على توصيات الملابس.

وأظهر بحثنا لجوء مدراء التسويق الذين يركزون على قيمة المبادلة إلى تبني علوم الكمبيوتر والتأكيد على أهمية الذكاء الاصطناعي في رسم معالم نظام التسويق. وكما أفاد أحد أولئك المدراء: “إن لم تتمكن من إجراء محادثة حول وحدات البكسل أو نماذج الإسناد (attribution models)، فلا بد أنك لا تزال تتبع نهجاً قديماً عفا عليه الزمن”.

قيمة الخبرة. ركّز خبراء التسويق على خلق هذا النوع من القيمة للتخلص من المتاعب وتعزيز الرضا في رحلة الزبون. ويتطلب ذلك التركيز على تحسين إدارة تلك الرحلة وزيادة القيمة وتقديم تصميمات مختلفة لرحلة الزبون من خلال الابتكار المستمر.

على سبيل المثال، أصبحت شركة “دلتا للطيران” رائدة في توقع احتياجات المسافرين ومعالجتها برسائل مخصصة. وتعزز شركة الطيران منتجها الأساسي، ألا وهو رحلات الطيران، من خلال تسهيل تجربة الخدمة وتقديم المشورة والمعلومات حول حركة المرور من المطار وإليه وخيارات تناول الطعام على متن الطائرة وحالة الصعود إلى الطائرة وموقع الأمتعة وغير ذلك. ويحسّن مثل ذلك الإتقان في الخدمة في رحلة الزبون من رضا العملاء وولائهم.

وتخلق بعض الشركات في الصين أنواعاً جديدة من قيمة التجربة من خلال دمج تكنولوجيا الأجهزة المتنقلة مع البنية التحتية لخدمات التوصيل بشكل مبتكر. على سبيل المثال، تقبل متاجر “كيه إف سي” في شنغهاي الطلبات عبر تطبيقات الجوال وتقوم بتوصيل الطعام لركاب القطارات في رحلات المسافات الطويلة في المحطة التي يختارونها.

قيمة الارتباط. يعزّز هذا النوع من القيمة “معنى” عروض الشركة، أي نظرة الزبائن إلى العلامة التجارية وعلاقتهم بها. ويزداد خلق الشركات لهذا النوع من القيمة من خلال دمج التقنيات التقليدية، مثل رواية القصص والعلاقات العامة، مع أنظمة إدارة المحتوى الفاعلة التي تسهّل في بعض الأحيان إعداد الرسائل الفورية وتسليمها وتجعلها عملية مؤتمتة. وتنمي تلك القيمة الشعور بالانتماء إلى المجتمع بين المستخدمين وتتجاوز مهمة تحقيق الفوائد الوظيفية أو العاطفية التقليدية للمنتج لتحقق فوائد مجتمعية، كتبني مهمة بيئية أو اجتماعية. ويتطلب خلق قيمة الارتباط من خبراء التسويق تحديد الهدف وبناء المجتمعات وتحسين عمليات التواصل وتصميم القصص لتعزيز العلاقات مع الزبائن.

وقد تبنت العلامات التجارية في مختلف القطاعات النشاط الاجتماعي بعدة طرق تتمتع بالمصداقية. على سبيل المثال، ركّزت شركة “آر إي آي” (REI) على الإدارة الرشيدة للبيئة؛ والتزمت شركة “أولويز” (Always) بمهمة تعزيز تقدير الذات بين الشابات؛ في حين وُصفت شركة “دانون” بأنها الشركة الرائدة لإنتاج أطعمة أكثر استدامة، على سبيل المثال لا الحصر. ودعمت كل تلك العلامات التجارية عملية الارتباط النشطة للزبائن في جهودها الاجتماعية. كما عزز عملها معنى القيمة وأهميتها ووطد مشاعر الثقة وأسفر عن مستويات من الارتباط التي كان من الصعب تحقيقها من خلال الجهود التي تركز على المنتج وحده.

ويمكن لخبراء التسويق أيضاً زيادة قيمة الارتباط من خلال تشجيع الزبائن على التفاعل مع بعضهم البعض وطرح الأسئلة وتبادل المعارف والتعاون فيما بينهم. وتحقيقاً لتلك الغاية، أنشأت شركة “سيلز فورس” (Salesforce) مجتمع “تريل بليزر” (Trailblazer)، لتمكين الزبائن من الانضمام إلى العشرات من مجموعات المستخدمين في مختلف القطاعات لمشاركة تجاربهم حول منتجات الشركة. وبالمثل، لجأت علامة “غلوسير” (Glossier) التجارية لمنتجات التجميل التي تقدم منتجاتها إلى المستهلك بشكل مباشر إلى تسهيل الوصول إلى المجموعات المحلية التي تركز على الموضوعات التي تُعنى بخدماتها. وتساعد مجموعات المستخدمين تلك الشركات في فهم احتياجات الزبائن، وتعزيز استبقائهم، وخفض تكاليف الشراء، وتوليد أفكار جديدة للمنتجات وتسهيل تقديم الابتكارات. على سبيل المثال، تدرس شركة “غلوسير” مدى فاعلية التجارة الاجتماعية التي تشمل أعضاء المجتمع الذين يعملون كمؤثرين ويبيعون منتجاتها.

خلق قيمة الشركة

تساهم وحدة التسويق أيضاً في تعزيز النمو من خلال توليد قيمة داخلية للشركة في ثلاثة مجالات، ألا وهي القيمة الاستراتيجية والقيمة التشغيلية والقيمة المعرفية.

القيمة الاستراتيجية. تلجأ فرق التسويق في كثير من الأحيان إلى وضع أساليب لتوسيع عروضها الحالية وتوجيه مهمة تطوير العروض ونماذج الأعمال الجديدة. وهو ما يتطلب منها تطوير القدرة على اكتشاف فرص النمو وبناء المنصات والاستفادة من الأصول. لقد ركزت تلك الفرق في الماضي على تحديد فرص النمو بهدف تطوير خطوط الإنتاج ضمن فئة معينة من المنتجات. واليوم أتاحت التكنولوجيا لخبراء التسويق مساعدة الشركات في إدخال فئات منتجات جديدة والدخول في قطاعات جديدة لم تعهدها من قبل. تأمّل انتقال شركة “جوجل” إلى تطوير المركبات ذاتية القيادة. فقد وسعت الشركة من قدراتها وهدف علامتها التجارية بشكل مستمر، وهو ما مكّنها من التنافس في الأعمال التي قد تجعل منافستها السابقة في القطاع، شركة “ياهو”، تقبع تحت وطأة ضغوط شديدة لمحاولة تجربة تلك الأعمال. كما تجاوز مشروب الطاقة “ريد بول” أيضاً حدود الفئات، وذلك من خلال إنشاء منصة “ريد بول ميديا هاوس” (Red Bull Media House) المتخصصة في الرياضة وتعزيز نمط الحياة الصحي.

ويمكن لفرق التسويق أيضاً مساعدة الشركات في الحصول على تدفقات جديدة للإيرادات من الأصول أو الممارسات الحالية، مثل كسب الإيرادات من بيانات عمليات التسويق وأنشطته. على سبيل المثال، أعلنت وحدة الإعلان في شركة “أمازون” عن إيرادات قدرها 10 مليار دولار من رعاية المنتجات وعمليات التوظيف وإنشاء متاجر خاصة بالعلامات التجارية وغيرها من الجهود. وحققت شركة “تارغت” (Target) تدفقاً جديداً للإيرادات من خلال شبكة الوسائط التابعة لها “راوندل” (Roundel) بعد أن أعادت تسمية العلامة التجارية للشبكة مؤخراً، وتنطوي مهمة الشبكة اليوم على تطوير المحتوى والحملات التسويقية لعملاء علامتها التجارية ووكالتها باستخدام بيانات زبائنها. ووضعت شركة “كاتربيلر” (Caterpillar) مستشعرات في أكثر من مليون منتج لتوليد خدمات بيانات الاستخدام التي تساعد شركات الإنشاء والتعدين الكبيرة في تحسين صيانة معداتها واستخدامها.

ويمكن لقادة التسويق أيضاً أن يؤدوا دوراً مهماً في إعداد نماذج أعمال وتقنيات جديدة وتحديدها بهدف تحفيز طلبات الزبائن. على سبيل المثال، أنشأت العديد من الشركات الكبيرة، من بينها شركة “يونيليفر” (Unilever)، وحدات أعمال لإدارة الاستثمارات في الشركات الناشئة والمشاريع الجديدة في تكنولوجيا التسويق الناشئة أو خدمات الترفيه التي قد تساعد في تطوير المنتجات أو الخدمات أو جهود التسويق.

يمكن لوحدة التسويق أن تخلق قيمة معرفية من خلال التعاون مع فرق تكنولوجيا المعلومات وعلوم البيانات، ويعود سبب ذلك إلى دور وحدة التسويق في توليد البيانات واستخدامها.

القيمة التشغيلية. لقد أصبح دور وحدة التسويق في تعزيز الفاعلية التشغيلية للشركة أكثر أهمية من أي وقت مضى. ومع ذلك، يعاني العديد من قادة التسويق من انتشار الفرق المستقلة والمتخصصة التي تشارك في مجموعة واسعة من الأنشطة في المؤسسة. ونظراً لتبني تلك الفرق أساليب وآراء متباينة حول دور وحدة التسويق ومساهمتها في نمو الشركة، قد يكون من الصعب توحيد عملها. وكما أوضح أحد المسؤولين التنفيذيين في دراستنا، “لا توجد أي تقنية في العالم، ولا عملية تسويق رقمي ولا نموذج إسناد يمكنه معالجة مشكلة انعدام التنسيق بين فرق العمل في المؤسسة. فإذا كان أحد الفرق يقيس النجاح بطريقة ما وكان فريق آخر يقيسه بطريقة أخرى فلا تتوقع نجاحاً لهذا العمل”. ويكمن الحل هنا في القدرة على تحسين إدارة المواهب، وتعزيز الروابط التنظيمية ودعم أساليب التنفيذ وتقنياته.

تخلق وحدات التسويق قيمة تشغيلية لشركة ما من خلال جعل الفرق المختلفة تعمل وفق خطة نمو ونهج تسويقي واحد وزيادة سرعة تلك الفرق ورشاقتها وقدرتها على التعاون. ويتطلب ذلك تحديث تقنيات التسويق بشكل مستمر بهدف أتمتة العديد من جوانب إدارة علاقات الزبائن ودمجها على نطاق واسع وبشكل آني. ولاحظنا وجود ثلاث استراتيجيات لتحقيق تلك الغاية.

أولاً، يضع مدراء التسويق الفاعلون مجموعة واضحة من مبادئ التسويق وأساليبه تمثّل مخطط عمل لإنجاز المهمة. ويشمل ذلك المخطط تطوير فهم مشترك ووضع أطر عمل مشتركة، وفهم كيفية ارتباط مؤشرات الأداء الرئيسية ذات الصلة، ووضع معايير محاسبة مشتركة وعمليات اتخاذ قرارات مرنة.

ثانياً، يعزز مدراء التسويق من مهمة تطوير ثقافة مؤسسية تركز على احتياجات الزبائن وعمليات تواصل أكثر مرونة بين مجالات الخبرة. وتمثلت إحدى الأدوات التي وجدنا أنها حققت ذلك الغرض في “المؤشرات السلوكية الرئيسية”، مثل مستويات الثقة الشخصية والشفافية. وقد حازت تلك المؤشرات الأهمية ذاتها التي نالتها مؤشرات الأداء الرئيسية في تقييمات الأداء. فقد أخبرنا أحد مدراء التسويق أنه عندما ينخفض ​​الأداء في “المؤشرات السلوكية الرئيسية”، يزداد الوقت اللازم لتحقيق المواءمة والتنسيق، وهو ما يقلل من سرعة طرح المنتجات والخدمات في السوق.

ثالثاً، يتبنى مدراء التسويق التقنيات التي تساعد في تقليل تكاليف التنسيق والتعاون وتزيد الكفاءة والشفافية والثقة من خلال تمكين التفاعل بين الفرق. وتتضمن تلك التقنيات تطبيقات إدارة المشاريع مثل “سلاك” (Slack) ومنصات التواصل وأنظمة إدارة المعرفة والبث المباشر للاجتماعات عبر الويب لتعزيز الإدماج.

قيمة المعرفة. يمكن لوحدة التسويق خلق قيمة معرفية من خلال الاستخدام الذكي لعلوم البيانات بشكل أساسي، ويعود ذلك إلى أن دورها يمثّل “صوت الزبون”. وعلى الرغم من أهمية بعض أنشطة تحليل بيانات الزبائن التقليدية، مثل تقييمات احتياجات المستخدمين وتتبع الميول، تولّد التقنيات الحديثة مزيداً من الفرص. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة تحليلات البيانات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي أن تستخلص العلاقة السببية بين استثمارات التسويق ونتائج الأعمال، وهو ما يحسن من كفاءة عملية التسويق. ويعتمد نجاح مثل تلك المبادرات على تعزيز عملية توليد البيانات وإدارتها، والاستفادة من معلومات السوق والزبائن، وتعزيز تحليلات التسويق المحوسبة.

بالإضافة إلى ذلك، توفر التقنيات الجديدة طرقاً أكثر ابتكاراً للشركات تمكّنها من تحديد مؤشرات السوق واستخدام البيانات. على سبيل المثال، تتيح آلة البيع الذاتي التي ركّبتها شركة “كوكاكولا” في الآلاف من مطاعم الخدمة السريعة للزبائن الاختيار من بين العشرات من النكهات التي توّزع بشكل فردي. وتوفر الآلات بيانات دقيقة وآنية من الطرف الأول حول تفضيلات المستهلكين من خلال تتبع تلك الطلبات والإبلاغ عنها؛ وتمثّل تلك الآلات أحد الأصول ذات القيمة العالية لشركة لا تقدم خدماتها إلى المستهلكين بشكل مباشر. واستخدمت الشركة تلك البيانات لإثراء عمليات البحث والتطوير وطرح منتجات جديدة.

ونظراً لأن مهمة وحدة التسويق تنطوي على توليد البيانات واستخدامها، يمكن لفرق التسويق أيضاً خلق قيمة معرفية من خلال التعاون مع فرق تكنولوجيا المعلومات وعلوم البيانات لإنشاء مصدر واحد يمكّنها من استخلاص معلومات السوق، وابتكار طرق لتحديد مقاييس التسويق الرئيسية وتقييمها، وتطوير آليات لحماية معلومات الزبائن. ويعتبر المسؤولون التنفيذيون في شركة “أدوبي” أن إنشاء مثل ذلك “المصدر الوحيد للحقائق” نقطة تحول رئيسية في تسريع جهود التحول في الشركة.

حدد عرض القيمة التسويقية لشركتك

يُعتبر الفهم الواضح لتلك الأنواع الستة العامة من القيمة والقدرات اللازمة لخلقها خطوة مهمة تمكّن القادة من قياس أهمية كل نوع من أنواع القيمة بهدف تحقيق النمو المستقبلي. وسيمكّن إجراء ذلك التحليل وحدة التسويق من إعداد عرض القيمة التسويقية، أي بيان الغرض من عمليات التسويق.

ويتيح استخدام إطار العمل هذا لقادة التسويق والمسؤولين التنفيذيين المشاركة في سلسلة من الجلسات التي يقيّمون فيها بشكل منهجي أهمية النمو على مدار العامين أو الثلاثة أعوام القادمة لكل من القدرات البالغ عددها 72 قدرة والتي تدعم المجالات الستة للقيمة. على سبيل المثال، يمكن لقادة التسويق والمسؤولين التنفيذيين أن يسألوا أيضاً ضمن قيمة المبادلة عن مدى أهمية توقع توجهات النمو، وذلك على مقياس من 1 (منخفض) إلى 10 (مرتفع)، ويمكنهم التساؤل أيضاً عن مدى أهمية تخصيص المنتج، وأهمية أتمتة عملية التسويق، وغير ذلك.

ويمكن للفريق استخدام طريقة اختيار منفصلة لتحليل البيانات من مختلف أصحاب المصلحة بهدف تحديد الأهمية النسبية لأنواع القيمة، مثل التحليل الموحد أو نظرية “ماكس ديف” (MaxDiff). وتساعد تلك الخطوة القادة في التفكير بوضوح حول الفرق بين القيمة التي تخلقها عملية التسويق حالياً والقيمة التي يجب أن تخلقها وفقاً لقدرتها على زيادة المبيعات وتحقيق الأرباح وتعزيز نمو الشركة. على سبيل المثال، تُظهر تحليلاتنا في 10 قطاعات أن مزايا الراحة التي تدعمها التكنولوجيا هي أكثر أهمية لمشتري الخدمات من مشتري المنتجات. في المقابل، تُعدّ الفوائد المتعلقة بالغرض، مثل موقف العلامة التجارية من القضايا الاجتماعية، أكثر أهمية لمشتري السلع الاستهلاكية المعبأة من مشتري الخدمات.

لذلك، من المهم في أثناء إجراء ذلك التمرين أن تكون واضحاً بشأن ما هو مجد حقاً. لم نشهد بلوغ أي شركة إلى صفة “الأفضل في فئتها” في جميع المجالات الستة في وقت واحد؛ بل تجري كل مؤسسة اختيارات دقيقة بشأن المجالات التي ستركز عليها استناداً إلى أهداف النمو وظروف القطاع والبيئة التنافسية والعوامل الأخرى التي تؤثر على الاستراتيجية. ونظراً لامتلاك جميع الشركات قيوداً تتعلق بالشؤون المالية ومدى توفر البيانات وتقاليد وظائفها التسويقية، يكمن السر وراء تحسين عرض القيمة السوقية في تحديد المجموعة الفرعية من مجالات القيمة التي يمكن لعملية التسويق تطويرها بشكل أفضل، وذلك استناداً إلى موارد وحدة التسويق وقيودها.

قيّم مدى ملاءمة قدراتك

يكشف ذلك التمرين عن المجالات التي تكمن فيها أعظم فرص خلق القيمة وعن ماهية القدرات المحددة اللازمة لتحقيق تلك الغاية. ويمكن لفريق التسويق قياس مدى استعداد الوحدة لأداء مهامها من خلال تقييم أدائها الحالي في كل قدرة من القدرات البالغ عددها 72 قدرة. (راجع الشريط الجانبي “أداة التقييم الرقمية” للتعرف على كيفية الوصول إلى نسخة مبسطة من تقييمنا). وعند وضع تلك الدرجات على الرسم البياني، ستكشف الفجوات بين القدرات الحالية والاحتياجات المستقبلية التي يجب أن تتخذ فيها المؤسسة بعض الإجراءات.

ولن يُسفر ذلك التحليل عن أي تفويض بإجراء تغييرات محددة، وإنما سيوفر دليلاً تفصيلياً يوضح مجموعة متنوعة من المسارات التي يمكن للقادة اتباعها، وذلك مع مراعاة أولويات الشركة وقدراتها. وتختار الشركات عادة مجموعة فرعية من المجالات للاستثمار فيها، مع مراعاة مستوى الملاءمة المناسب الذي أظهره التحليل والجهود المطلوبة لتطوير تلك المجالات.

أداة التقييم الرقمية

يمكن إجراء التقييم المبين هنا بشكل يدوي. وللحصول على مقدمة سريعة لعملية التحليل المحوسبة الخاصة بنا، يمكن للقراء استخدام نسخة مبسطة من التقييم عبر الإنترنت الذي أعدته شركتنا، “مار كابس”، والذي يوفر درجة عامة حول مدى التوافق بين القدرات التسويقية الحالية والقدرات الضرورية للشركة، ويقارن أداء المؤسسة بالمؤسسات الأخرى التي استخدمت الأداة. التقييم متاح على موقع www.marcaps.com/research.

قد يُسفر إجراء تحليل على عملية التقييم التي طورناها عن دليل تفصيلي يضم مجموعة متنوعة من المسارات التي يمكن للقادة اتباعها استناداً إلى أولويات الشركة وقدراتها.

طوّر استراتيجية التغيير

قد يصبح من السهل تحديد ماهية القدرات التي يجب تطويرها، والقدرات التي يجب الحفاظ عليها عند مستواها الحالي، والقدرات التي يجب خفض مواردها، أو تعهيدها إلى مصادر خارجية أو أتمتتها بمجرد تحديد مجالات القوة والضعف في وحدة التسويق. وعادةً ما يتمثل الخيار الأسهل بالنسبة للقادة في إطلاق مبادرات جديدة أو حتى الحفاظ على الوضع الراهن بدلاً من خفض موارد الأنشطة الحالية. تحدّث الكثير من مدراء التسويق في مناقشاتنا معهم عن تحدي اتخاذ قرار بشأن الأمور التي لا يجب فعلها وأهمية اتخاذ ذلك القرار، لا سيما في المؤسسات الكبيرة التي تكون مواردها كبيرة والرغبة في الاستكشاف فيها هائلة.

نبذة حول العمل الفني: توثق سلسلة سام إسكوبار بعنوان “إنفازيفو” (Invasivo) شواطئ بورتو إسكونديدو التي تعج باللافتات وتعكس تأثير غزو الحضارة على العالم الطبيعي.

تأمّل الأسلوب الذي اتبعته الرئيسة التنفيذية للتسويق في شركة رائدة في مجال تكنولوجيا النقل في تطبيق إطار العمل المشار إليه، حيث شكلت في البداية فريق التحول التسويقي الذي شمل مدراء إدارة التسويق لكل منطقة جغرافية، وأعضاء مؤسسة التسويق العالمية وممثلين عن الموارد البشرية. وصنّف الفريق في سلسلة من جلسات العمل التي عُقدت على مدار 6 أسابيع أهمية نمو قدرات الشركة في كل مجال واتفقوا حول عرض القيمة الذي يركز على زيادة قيمة المبادلة والارتباط والقيمة التشغيلية والمعرفية.

ثم عملنا مع الفريق لتقييم المستوى الحالي لكل قدرة والمستوى المطلوب للمساعدة في تقديم عرض جديد للقيمة. واتخذ القادة في جلسة عمل نهائية خيارات محددة حول أولوياتهم التنظيمية للعام التالي والمجالات التي يجب عليهم الاستثمار فيها بهدف تحقيق تلك الأولويات. وتؤكد تلك العملية على دور التقييم بصفته شكلاً من أشكال التوجيه بدلاً من التفويض الصارم. وعلى الرغم من أن التحليل كشف عن فرص التحسين في كل فئة من فئات القيمة التي اختارها الفريق، قررت المجموعة عدم الاستثمار بشكل كبير آنذاك في تعزيز القيمة الاستراتيجية. ومن الواضح أن الرئيسة التنفيذية للتسويق وفريقها وجدوا فرصة لخلق ذلك النوع من القيمة من خلال إيجاد مصادر جديدة للإيرادات، لكن القيود التنظيمية المختلفة أشارت إلى إمكانية جني عائد أعلى على استثماراتهم من خلال تطوير القدرات في مجالات أخرى.

وتضمنت الأولويات التي اختاروها تطوير قدرات التوقع وإدارة معدلات تحويل الزبائن ورواية القصص وتخصيص المحتوى والاعتماد على معلومات السوق والزبائن وتمكين المواهب والروابط التنظيمية وعلوم البيانات والتحليلات المحوسبة وتكنولوجيا التسويق. وقد أسفر ذلك التركيز الجديد عن تشكيل العمليات التسويقية الأولى للشركة وتحديد وظائف القدرات وتشكيل فريق الترويج للعلامة التجارية ودمج أنشطة تسويق المنتجات والأداء في الفريق الذي يركز على توليد الطلب. وعلى نفس الأهمية، خلق العمل أهدافاً واضحة كانت بمثابة توجيه موحد وضروري لموظفي التسويق في الشركة.

وكما أفادت الرئيسة التنفيذية للتسويق: “تمكّنا من تحقيق المواءمة ضمن فريقنا ومع فريق المسؤولين التنفيذين بشأن المجالات التي نحتاج إلى تطويرها لنكون الأفضل في العالم، وحددنا طبيعة المجالات التي يجب علينا أن نبرع فيها، والمجالات التي يمكننا تعهيدها للآخرين”.

لقد أدرك قادة التسويق الحاجة إلى تغيير مؤسساتهم واتخذوا إجراءاتهم بناءً على ذلك، إلا أنهم واجهوا صعوبات في إحداث تغييرات تعزز الفاعلية التشغيلية للتسويق. إلا أن اتباع إطار العمل المبيّن هنا سيضفي وضوحاً على العملية ويقود مهمة تصميم وحدة التسويق بما يتناسب مع وقتنا الحالي، وهو تصميم يهدف إلى خلق القيمة ودفع عجلة النمو في الشركة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .