عملية إعداد الموظفين الجدد لا تكفي

14 دقيقة
عملية إعداد الموظفين الجدد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان أحد المسؤولين التنفيذيين، ولنسمه لوكاس جيكوبسن، يستعدّ لمواجهة تحدٍّ جديد؛ بعد أن قضى أكثر من عقد من الزمن في العمل مع إحدى شركات التصنيع المتنوع المدرجة ضمن قوائم “فورتشن 100” حيث وصل إلى قيادة عملية تطوير المنتجات في قسم أنظمة الطاقة، قرر الانتقال إلى شركة جديدة وقبل عرضاً لتولي رئاسة قسم البحث والتطوير في شركة “إنرجيكس” (Energix) سريعة النمو التي تعمل في مجال تصنيع معدات أنظمة الطاقة. ولكن خبرته السابقة لم تؤهله للعمل في شركة أصغر بهذه الدرجة تعتمد ثقافة قائمة على صنع القرار بالإجماع، إلى جانب أن شركة “إنرجيكس” لم تقدم أي برنامج لعملية إعداد الموظفين الجدد ودعم اندماجهم. وبعد أن أدخل كلٌّ من قسمي الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات بياناته على أنظمة الشركة، وعرَّفه المدير على فريق العمل وقدم له لمحة موجزة عن دوره، كان من المتوقع أن يتمكن جيكوبسن من معرفة طرق العمل الفعلية من تلقاء نفسه. ولكن الأمر كان صعباً للغاية؛ إذ أدى أسلوبه الحازم في القيادة، إلى جانب بعض التصورات الخاطئة لدى الآخرين بشأن توليه هذا المنصب، إلى مواجهة بعض الصعوبات في التعامل مع زملائه الجدد ثم رحيله في نهاية المطاف.

 

تظن شركات كثيرة أنها تبلي حسناً باستقدام مسؤولين تنفيذيين جدد، مثل جيكوبسن، إلا أن هذا ليس حقيقياً؛ فكل الشركات الكبيرة تقريباً بارعة في الأساسيات الإدارية لتسجيل القادة الجدد، ولكن هذا المستوى من إعداد الموظفين الجدد لا يفيد في الحول دون وقوع المشكلات التي يمكن أن تظهر عندما يبدؤون العمل مع زملائهم الجدد ومصارعة القواعد الثقافية والتوقعات غير المألوفة بالنسبة لهم، كما تتباين الشركات بصورة ملحوظة فيما يتعلق بمقدار الجهود المبذولة من أجل إدماج الموظفين الجدد، وهو ما يترتب عليه عواقب وخيمة فيما يتعلق بالوقت والأداء وفشل الأمر برمته (من خلال الفصل من العمل أو تقديم الاستقالة) واستبقاء المواهب.

 

لا تنطوي عملية “إعداد الموظفين الجدد” على أكثر من إدخال المسؤول التنفيذي إلى الشركة بأمان

ولمساعدة الشركات على فهم ما ينبغي للمسؤولين التنفيذيين فعله كي يعملوا بفعالية في مناصبهم الجديدة، والطريقة التي يمكنها الاستعانة بها لمساعدتهم على تحقيق هذه الغاية بسرعة أكبر، أعددنا إطار عمل تقييمياً. في هذا النموذج يمثل “ما ينبغي لهم القيام به” مجموعة من المهام الانتقالية الأساسية للموظفين الجدد، بينما تنقسم فيه “طريقة مساعدتهم” إلى مستويات متباينة من الدعم الذي يمكن أن تقدمه الشركات. ولكن قبل أن نخوض في تلك التفاصيل، لنلقِ نظرة فاحصة على المواضع التي لا تبذل فيها غالبية المؤسسات الجهد المطلوب فيما يخص عملية إعداد الموظفين الجدد، والفوائد التي يمكنها جنيها بتغيير ممارساتها.

من إعداد الموظفين الجدد إلى دمجهم

إن مصطلح “إعداد الموظفين الجدد” مناسب لوصف الطريقة التي تدعم بها شركات كثيرة عمليات انتقال القادة الجدد؛ لا تنطوي هذه العملية على أكثر من مجرد إدخال المسؤول التنفيذي إلى الشركة بأمان، وبعد ذلك يُتوقع منه أن يكون على علم بما ينبغي له فعله، أو أن يدبر أموره بأقل قدر من التوجيه أو من دونه تماماً. ولذلك لم نعد نستخدم مصطلح “إعداد الموظفين الجدد” في وصف عملنا مع الشركات التي تسعى إلى دعم موظفيها الجدد، وصرنا نستخدم بدلاً منه مصطلح “الدمج”.

إذ تنم كلمة “الدمج” عن هدف أكثر طموحاً؛ فعل ما يلزم لجعل الموظف الجديد عضواً فاعلاً في الفريق بأقصى سرعة وبأكبر قدر ممكن من السلاسة. ولكن هذه الممارسة غير منتشرة بكل أسف، كما لاحظنا في الدراسة الاستقصائية التي أجرتها شركة “إيغون زيندر” (Egon Zehnder) عبر الإنترنت وشارك فيها 588 مسؤولاً تنفيذياً من مستوى نائب الرئيس وما فوقه ممن التحقوا بشركات جديدة في السنوات القليلة الماضية، وهم يمثلون شركات مساهمة عامة وشركات خاصة في مختلف أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية وأميركا اللاتينية وآسيا ويشغل ثلثهم مناصب تنفيذية عليا. قال نحو 60% منهم إنهم تمكنوا من أداء مهام مناصبهم الجديدة على أكمل وجه بعد 6 أشهر، في حين قال 20% منهم إنهم تمكنوا من ذلك بعد أكثر من 9 أشهر، وقال أقل من ثلث المشاركين إنهم تلقوا دعماً ملموساً في المرحلة الانتقالية، وهذه مشكلة كبيرة لأن أكثر من 80% من هذه الأقلية المحظوظة رأوا أن هذا الدعم أوقع أثراً كبيراً في مستوى أدائهم في فترات عملهم الأولى.

أكبر عقبة تقف في وجه القادة الجدد

وفقاً لدراسة استقصائية عالمية شملت 588 مسؤولاً تنفيذياً كبيراً ممن تقلدوا مناصب جديدة مؤخراً، فإن الثقافة المؤسسية وسياسات العمل تشكل الأسباب الرئيسية للفشل، وليس الافتقار إلى الكفاءة أو المهارات الإدارية، إذ أشار نحو 70% من المشاركين في الدراسة إلى عدم الإلمام بالقواعد والممارسات، كما أشارت نسبة مساوية لها تقريباً إلى عدم التأقلم مع ثقافة المؤسسة. وعندما سئلوا عما يُمكن أن يقلل من معدلات الفشل، أكدوا أهمية التقييم البنَّاء والمساعدة في التعامل مع الشبكات الداخلية والتعرف على الديناميات ضمن المؤسسة وضمن فرق العمل.

المواضع التي تقدم فيها الشركات الدعم، والتي لا تقدم فيها الدعم

في دراسة استقصائية عالمية، قيَّم 198 رئيساً لقسم الموارد البشرية جهود إعداد الموظفين الجدد في مؤسساتهم، ورأى معظمهم أن شركاتهم قد أبلت بلاءً حسناً فيما يخص التوجه الأساسي والإجراءات الشكلية والقانونية لتعيين الموظفين الجدد، لكن ما يقرب من نصفهم فقط قالوا إن مؤسساتهم كانت ناجحة في تسهيل التنسيق بين القادة وأفراد فرقهم، بينما قال أقل من ثلثهم إن شركاتهم قدمت مساعدات ملموسة لمسؤوليها التنفيذيين للتأقلم مع مناخها الثقافي وسياسة العمل بها.

يستطيع المسؤولون التنفيذيون المندمجون بصورة جيدة بناء الزخم اللازم في وقت مبكر بدلاً من الصعود بصعوبة على منحنيات التعلم، وتبيّن دراساتنا أنه بالإمكان خفض متوسط الوقت اللازم للوصول إلى قمة الأداء (اتخاذ قرارات حاسمة بناء على المعلومات الصحيحة المتاحة ووضع الموظفين المناسبين في المكان المناسب للمساعدة في التنفيذ) إلى الثلث؛ أي من 6 أشهر إلى 4 أشهر.

يترك نهج “إما النجاح وإما الفشل” نسبة كبيرة من الأمور للمصادفة، وفي المناصب التنفيذية التي تتمتع بأهمية استراتيجية حيوية في جميع أقسام الشركة، يؤدي بطء العمليات الانتقالية إلى تكبد خسائر باهظة، وعدا عن الخسائر المالية سوف تتضرر “العلامة التجارية” للمسؤولين التنفيذيين الجدد والموظفين التابعين لهم بدرجة كبيرة. [لمزيد من الأفكار حول تحديات تعاقب الرؤساء التنفيذيين بصفة خاصة، يمكنك الاطلاع على مقال “بعد المصافحة” (After the Handshake) تأليف دان تشامبا على موقع هارفارد بزنس ريفيو، ديسمبر 2016).

تعتقد غالبية المؤسسات حتى التي تتبع معايير منخفضة للغاية أنها تقوم بعمل جيد في دمج مسؤوليها التنفيذيين الجدد، وعندما سألنا قادة الموارد البشرية في الشركات العالمية عما إذا كانوا يطبقون نظاماً لعملية إعداد الموظفين الجدد كانت إجابتهم “نعم بكل تأكيد”، ومع ذلك عندما سألناهم عما فعلوه لتسريع عملية دمج المسؤولين التنفيذيين في مناصبهم الجديدة لاحظنا أن الدعم الحقيقي تفاوت بدرجة كبيرة بين تقديم دعم شامل وعدم تقديم دعم على الإطلاق. وما يزيد الأمر سوءاً هو أن مصطلح “إعداد الموظفين الجدد” غير محدد أو غير مفهوم، إذ يشير بصورة أساسية في العديد من الشركات إلى استكمال المستندات المطلوبة، وتخصيص المساحات والموارد، وتوفير برامج التدريب الإلزامي التي تختص عادة بالجوانب الفنية كالامتثال. ومثل هذه الأمور لا تُكلِّف الإدارة العليا أي وقت ولا تفيد في مساعدة القادة على إزالة أكبر العقبات التي سيواجهونها في أدوارهم الجديدة؛ التحديات الثقافية والسياسية.

وفي المقابل، لا بد أن ننظر إلى الشركات التي تخصص موارد هائلة لمساعدة المسؤولين التنفيذيين الجدد على الاندماج التام. على سبيل المثال، تحرص إحدى شركات الاتصالات والخدمات الرقمية العالمية الكبرى على تطوير مدرائها العامين من خلال انتدابهم بصورة متكررة للعمل في مختلف الدول، حيث يلقى قادة جميع فروع الشركة تشجيعاً كبيراً للانضمام إلى برنامج منظم للاندماج، ويقبل جميعهم تقريباً هذا الدعم، وهذا يدل على شعور القادة براحة أكبر تجاه تلقي المساعدة في مؤسسة تركز على التعلم في جميع المستويات. وفي بعض الأحيان يكون هذا البرنامج مسبوقاً بتقييم للمهارات الشخصية “الناعمة” الأساسية التي يرى معظم المسؤولين التنفيذيين صعوبة في إتقانها بادئ الأمر، وإحدى الأدوات المستخدمة في هذا التقييم هو إجراء دراسة استقصائية بشأن الثقافة تقارن بين سياسات العمل في الشركة (أو الوحدة أو البلد) التي كان المسؤول التنفيذي يعمل فيها سابقاً والسياسات المتبعة في البيئة الجديدة، مع الإشارة إلى المشكلات المحتملة.

والمشكلة التي تقع غالباً هي أن غالبية الشركات الفرعية التابعة لشركة الاتصالات هذه تتبنى ثقافة ريادة الأعمال، ولكن الموظفين الجدد يأتون غالباً من شركات منافِسة كبيرة بيئاتها متشابكة بدرجة كبيرة، لذلك ربما تعتبر البيئة الجديدة المشاورات المتأنية التي اعتادوها مع زملائهم السابقين بطئاً في صنع القرار أو افتقاراً إلى الثقة وروح المبادرة. كما أن الاختلافات الثقافية الإقليمية تكون كبيرة جداً بالتأكيد بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين الذين ينتقلون من دولة إلى أخرى، وأدت دراسة هذه الاختلافات وآثارها المحتملة على نحو منهجي إلى الحدّ من مخاطر الانحراف عن المسار الصحيح بدرجة كبيرة وتقليل الوقت الذي يستغرقه القادة للعمل في بيئاتهم الجديدة بفعالية.

إذ يضع المسؤولون التنفيذيون قائمة بأصحاب المصلحة ويجرون مناقشات موسعة حول مَن ينبغي إعطاؤه الأولوية لعقد اجتماعات مبكرة معه، والأسلوب الأمثل للتعامل مع كل فرد بعينه وما إلى ذلك، كما يتم تشجيعهم على إعداد كلمة مقتضبة يلقونها قبل البدء بالعمل في مهام مناصبهم الجديدة، يلخصون فيها أسباب انضمامهم إلى الشركة وما يأملون تقديمه لها. يقول القادة الجدد إن هذا الإجراء يمنحهم وسيلة قوية لبلورة رسائلهم الرئيسية التي يمكنهم البدء بمشاركتها لحظة دخولهم إلى الشركة، كما لاحظت الشركة أن هذا الأمر يمنح قادتها الجدد القدرة على توضيح أهدافهم أكثر لفرقهم وزملائهم في الأسابيع الأولى من العمل.

أسهمت الجهود المكثفة التي قامت بها هذه المؤسسة لإدماج القادة الجدد في مساعدة المسؤولين التنفيذيين على تجنب المزالق الشائعة وتحقيق إنجازات أكثر في وقت مبكر، وحققت هذه المكاسب الفردية فوائد جماعية لا يستهان بها، إذ أدى الحدّ من سلبيات المراحل الانتقالية إلى زيادة ثقة الموظفين بقدرة الشركة على وضع خطط لتعاقب الموظفين ما أدى إلى تسهيل إقناع المرشحين الداخليين بإقرارها. ونتيجة لذلك كُتب النجاح لبرنامج تناوب الموظفين الطموح الذي أشرنا إليه آنفاً (والضروري لخطط نمو الشركة)، وتمكَّن القادة الجدد من التأقلم مع مهام مناصبهم الجديدة بصورة أسرع.

كما اكتشفت شركة الاتصالات أن جهودها في دمج المرشحين للإدارة العامة قد زادت وعي الموظفين بمخاطر المراحل الانتقالية، وهي تبذل جهداً أكبر الآن لتلبية احتياجات المدراء الجدد الذين يشغلون مناصب أدنى من المستويين الأول والثاني، بتكلفة أقل وباستخدام أدوات موحَّدة أكثر للاستثمار في تطويرهم، ومن ثم أصبح دعم عملية الدمج جزءاً من ثقافة الشركة.

المهام الخمس

بناء على بحثنا وخبراتنا الممتدة على مدى عقود من العمل مع المسؤولين التنفيذيين، حددنا 5 مهام رئيسة يتعين على القادة القيام بها في الأشهر القليلة الأولى الحرجة من العمل في مناصبهم الجديدة، وهي تمثل المجالات التي يحتاجون فيها إلى أكبر قدر من الدعم لعملية دمجهم:

  1. تولي القيادة التشغيلية

حتى مع اتباع أفضل أسلوب ممكن لتبادل المعلومات في أثناء عملية التوظيف، ستتشكل لدى أي قائد يتولى منصباً جديداً (لا سيما إن كان من خارج المؤسسة) صورة غير مكتملة عن العمل، مثل مواطن الضعف ومكامن القوة والفرص المتاحة والمخاطر الماثلة، لذا يبني القائد الجديد مصداقيته بإظهار وعيه بالقضايا التشغيلية المهمة والتوصل إلى حلول سريعة للمشكلات العاجلة وتحديد المكاسب السريعة وتحقيقها، كما أن اتخاذ قرارات صائبة في وقت مبكر على أرض الواقع له تأثير ملموس في سمعته بوصفه قائداً كفؤاً.

لا بد للقائد الجديد من إبداء اهتمامه ببناء العلاقات كأولوية مقدمة على سواها

  1. تولي مسؤولية الفريق

يركز القائد الجديد بشكل تلقائي على مرؤوسيه المباشرين في البداية، فهو يعرف أن عليه إقرار بنية الفريق وأهدافه أو تعديلها، ويكون من السهل عليه غالباً اختيار الحفاظ على بنية الفريق أو تغييرها في البداية لأنها لن تعتبر من الخيارات المتاحة له بعد ذلك، ولكنه يفقد هذه الإمكانية سريعاً ويصبح التركيز والانضباط ضروريين لجمع المعلومات اللازمة من أجل اتخاذ قرارات ذكية. لذا من المجدي أن يطلع القائد الجديد على المواهب المتاحة من دون محاولة التأثير على نظرته إليها مسبقاً، ولكن من المهم أيضاً وبنفس الدرجة مشاركة الأفكار والرؤى معه بشفافية حول أداء أفراد الفريق وظروف تطورهم، ويقتضي تحقيق التوازن السليم بين هذا وذاك تخطيطاً دقيقاً وتنسيقاً مع قسم الموارد البشرية وعقد جلسة تمهيدية أو أكثر بين المسؤول التنفيذي والفريق في الأسابيع القليلة الأولى، وذلك بهدف إنشاء بيئة آمنة لكلا الطرفين تتيح تقديم الملاحظات والتقييمات البناءة في الوقت المناسب وطرح الأسئلة التي قد تبدو غريبة في بداية العلاقة بين الطرفين. بهذه الطريقة يمكن ملاحظة أي التباس حول كلام القائد أو إجراءاته أو قراراته الأولية وتوضيحه قبل أن تستفحل مشاعر انعدام الثقة أو الشك تجاه قيمه وإمكاناته، يتيح اكتساب ثقة أفراد الفريق في وقت مبكر للقائد الجديد اتخاذ قرارات حاسمة وهو واثق بأن الموظفين سوف يعملون على تنفيذها.

  1. التواؤم مع أصحاب المصلحة

يحتاج القائد الجديد أيضاً إلى دعم الأشخاص الذين لا يمتلكون سلطة مباشرة عليه، كرؤسائه ونظرائه وزملائه، وبما أنه يدخل إلى مؤسسة ليس له فيها علاقات سابقة، فلا بد له من استثمار طاقته في بناء العلاقات، مع الإشارة بوضوح إلى معرفته بأنها مسألة ذات أولوية. وبعد تحديد أهم أصحاب المصالح خارج فريقه، يتعين عليه أخذ الوقت اللازم لفهم توقعات زملائه ووضع خطة لطريقة تواصله مع الموظفين والوقت المناسب له، وهذا يعني معرفة الطريقة المتبعة في صناعة القرارات وأصحاب السلطة فيها ومراكز القوى في المؤسسة.

  1. الاندماج مع الثقافة

لا بد أيضاً من التعرف بسرعة على القيم والقواعد والافتراضات التوجيهية التي تحدد السلوك المقبول في المؤسسة الجديدة، إذ من الممكن أن يوقع عدم الانتباه إلى هذه الإشارات في وقت مبكر أثراً سلبياً على نظرة الآخرين إلى مقاصد القائد الجديد وإمكاناته. كما يجب على المسؤول التنفيذي تحقيق توازن دقيق بين العمل في ظل ثقافة المؤسسة والسعي لتغييرها.

  1. تحديد المقصد الاستراتيجي

وأخيراً، يجب على القائد الجديد البدء بوضع استراتيجيته، ففي بعض الأحيان يتم تعيين المسؤول التنفيذي بناء على خبرته في العمل وفق نهج معين، وفي أحيان أخرى يتم اختياره لقدرته على تطوير استراتيجية جديدة تماماً وتنفيذها. إذا طُلب منه وضع استراتيجية جديدة، فلا بد من تغيير العناصر المقابلة في المؤسسة، أي هيكلها التنظيمي وعمليات إدارة المواهب وقياس الأداء، من أجل تنفيذ الاستراتيجية الجديدة. وفي كلتا الحالتين، يتعين على القائد الجديد أن يوضح المسار الذي سيسلكه.

تمثل هذه المهام الانتقالية الخمس معاً تحدياً هائلاً، إذ قد يؤدي التعثر في أي واحدة منها إلى مشكلات خطيرة أو ربما انحراف تام في المسار، وتزداد فرصة نجاح عملية الدمج عندما يفهم القادة قبل بدء العمل في مهام مناصبهم الجديدة مدى التقدم الذي يجب إحرازه في كل مجال في الأشهر القليلة الأولى، وبهذه الطريقة يمكنهم ترتيب أولويات عملهم بفعالية.

مستويات الدعم

بالنظر إلى أهمية المهام الخمس لنجاح القائد الجديد، يجدر بك تقييم برنامج الدمج المعتمد في شركتك بدراسة فاعلية ما تقدمه من دعم إلى المسؤولين التنفيذيين في كل جانب. ويأتي الدعم في 4 مستويات:

إما النجاح وإما الفشل

نسمي هذا المستوى “المستوى صفر”، ولا تفعل الشركات فيه أكثر من تزويد المسؤول التنفيذي الجديد بالإمكانات والموارد الأساسية، مثل التكنولوجيا والمساعدين. ويشير بحثنا إلى أن نحو 5% من الشركات العالمية تقدم هذا الحد الأدنى من الدعم.

التوجه الأساسي

نسمي هذا المستوى “المستوى الأول”، وهو يتضمن مشاركة المعلومات بشأن سياسات الشركة وتقييمات أعضاء فريق العمل، والهيكل التنظيمي والاستراتيجية ونتائج الأعمال. توفر الشركة بصفة أساسية البيانات الأولية للقائد الجديد الذي يدرسها ويفسرها على نحو مستقل، وإذا حصل على بيانات نوعية بدرجة أكبر لا تكون مدعومة بما يضمن أن يفهم أهميتها جيداً. أثبت بحثنا أن نحو ثلثي الشركات العالمية لا تزال تتبع هذا النهج.

الاندماج النشط

هذا هو “المستوى الثاني”، وفيه تعقد الشركة اجتماعات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين للتعجيل بنقل معرفة أعمق بشأن طبيعة الأعمال وفريق العمل وثقافة الشركة وأولوياتها الاستراتيجية، ويشير بحثنا إلى أن نسبة لا تتعدى 25% من الشركات العالمية استثمرت في هذا المستوى من الدعم. وعلى الرغم من أنه يتجاوز الحد الأدنى، فمن دون التوصل إلى فهم مشترك للاختلافات الجوهرية بين السياق الذي اعتاد المسؤول التنفيذي العمل ضمنه وسياق عمله الجديد سيكون من الصعب معرفة مقدار الوقت اللازم للاجتماع، ومن دون تقديم المعلومات اللازمة بصورة مسبقة من الممكن أن يغفل المسؤول التنفيذي عن القضايا المؤسسية الحساسة التي يتعين عليه التعامل معها.

الدمج السريع

هذا هو “المستوى الثالث” المثالي، وتجري الشركة فيه تجارب مصممة خصيصاً لتمكين القائد الجديد من الاندماج بصورة كاملة وبسرعة، وقد تتضمن ورش عمل لبناء الفرق ومناقشات متعمقة حول الاستراتيجية، كما تساعد المؤسسة المسؤول التنفيذي الجديد على تحديد بعض التحديات الثقافية التي لا بد من التغلب عليها، مثلما فعلت شركة الاتصالات العالمية مع الاستبانة التي أجرتها للتعرف على أساليب العمل السابقة. وعلى الرغم من القيمة الواضحة التي يمكن تحقيقها في هذا المستوى، يشير بحثنا إلى أن نسبة الشركات العالمية التي تطبق هذا الدمج على نحو منهجي لا تتجاوز 2%.

لاحظنا أن الدعم يتباين من مهمة انتقالية إلى أخرى في الواقع العملي، مثلاً، قد تعقد إحدى الشركات اجتماعات (المستوى الثاني) لمساعدة المسؤول التنفيذي الجديد على تولي القيادة التشغيلية والتنسيق مع أصحاب المصلحة، ولكنها لا توفر إلا المعلومات الأساسية لدعم تولي مسؤولية الفريق (المستوى الأول) ولا تقدم أي شيء تقريباً (المستوى صفر) لمساعدة المسؤول التنفيذي على التعامل مع ثقافة الشركة أو تحديد الهدف الاستراتيجي. يكشف التقييم الشامل عن مكامن القوة ومواطن الضعف في المهام الخمس الأساسية.

تقييم فاعلية إعداد الموظفين الجدد في شركتك

ستساعدك هذه الأداة في تقييم مؤسستك على أساس التوجيه الأساسي (تعيين موظفين جدد وتوضيح طبيعة الأدوار والهيكل التنظيمي)، والاندماج النشط (بذل جهود متواضعة لمساعدة الموظفين على فهم الثقافة المؤسسية وسياسات العمل بها)، والدمج السريع (استثمار الموارد في رفع مستوى الموظفين بأقصى سرعة).

 

وإليك الطريقة التي تعمل بها:

  1. في كل عمود، ضع علامة أمام العناصر التي تشكل جزءاً من عملية إعداد الموظفين الجدد الخاصة بك.
  2. اجمع العلامات الموجودة في كل عمود لترى النقاط التي حققتها شركتك في كلّ من التوجه الأساسي والاندماج النشط والدمج السريع، وقارن نقاطك بمتوسط أرقام الشركات التي درسناها.
  3. والآن، اجمع العلامات الموجودة في كل صف كي تحدد النقاط التي تحققها شركتك في دعم كل من المهام الخمس، وقارن مجموع تلك الأرقام بمتوسط الأرقام الموجودة في بحثنا.
  4. اجمع إجمالي أرقام الصفوف لحساب إجمالي نقاط شركتك (وبما أنك تضيف قيماً إلى المصفوفة، فسيكون مجموع الصفوف هو نفسه مجموع الأعمدة).
  5. إذا كانت نقاط شركتك قليلة أو معدومة فاعلم أنها تتبع نهج “إما النجاح وإما الفشل” في إعداد الموظفين الجدد.

ملامح التقدم

إذا بدأت الشركات بدمج مسؤوليها التنفيذيين بفعالية أكبر، يتمثل السبب غالباً في مزيج من العوامل الداخلية والخارجية التي اضطرتها إليه اضطراراً، خذ المثال التالي:

على مدى السنوات السبع الماضية، كثفت إحدى شركات السلع الاستهلاكية التي تعمل في مختلف دول أوروبا وآسيا وإفريقيا جهودها في عملية الدمج، منتقلة من المستوى الأول إلى المستوى الثاني أو الثالث في معظم المجالات. على مدى عدة سنوات قبل الأزمة المالية في عام 2008، كانت الإدارة العليا قد أنشأت ثقافة تمنح الأولوية لتطوير المواهب الداخلية وعززتها، فاستخدمت الشركة فكرة العمل متعدد الاختصاصات لتعزيز قدرات موظفيها، كي تتمكن من ترقية القادة من الداخل، وبالتالي تمكَّن معظم المسؤولين التنفيذيين الذين أصبحوا مدراء عامين من بناء مساراتهم المهنية داخل الشركة. ونظراً لتنوع الأسواق التي تعمل فيها الشركة (في الأنظمة الاقتصادية المتقدمة والنامية) ونهجها القائم على الإجماع في عملية صنع القرار، فقد رأى مدراء الموارد البشرية والمدراء المباشرين أن الشركة بحاجة إلى توجه أساسي. وتمثلت نقطة البداية في مساعدة المسؤولين التنفيذيين المعينين حديثاً على التأقلم من خلال مشاركتهم المعلومات حول الأعمال التجارية المحلية وتحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين، ومنهم أفراد الفريق، وهو ما مكَّن القادة من تحديد مواعيد الاجتماعات في الأيام الأولى (المستوى الأول).

ولكن بعد الأزمة المالية عام 2008، تبنت الإدارة العليا نموذجاً تشغيلياً جديداً يستلزم مؤسسةً أكثر تشابكاً، ومع إقرارها بالحاجة إلى قدرات جديدة للنجاح في تسيير مهام العمل، أعادت الشركة تصميم برامجها في إعداد المواهب، وفي الوقت نفسه قرر الرئيس التنفيذي وكبار المسؤولين التنفيذيين أنه من الضروري المسارعة بتعيين عدد من الموظفين الخارجيين كخطوة استراتيجية من أجل استقدام مدراء عامين يمتلكون المهارات اللازمة.

وسرعان ما اتضحت لهم الصعوبة التي يعانيها الموظفون القادمون من خارج الشركة في فهم طبيعة العمل عندما تم تخويلهم باتخاذ القرارات على المستوى المحلي وعندما كان التوصل إلى الإجماع مع المقر الرئيسي مهماً، لذا بدأت الشركة بعقد دورات تدريبية حول صناعة القرار والتعامل مع أصحاب المصلحة وطلبت من المدراء المباشرين المساهمة في هذا المجهود. وعندما عيّن الرئيس التنفيذي أحد مرؤوسيه المباشرين من خارج الشركة (الأمر الذي لا يزال نادراً نسبياً)، استثمر بصورة كبيرة في دعم اندماج المسؤول التنفيذي الجديد وتحدى الآخرين في فريق الإدارة العليا من أجل رفع مستواهم في هذا الجانب. وعمل عن كثب مع القائد الجديد مستعيناً بطرف ثالث من أجل التعرف على المشكلات المحتملة والتصدي لها بانفتاح.

ستتيح الخبرات المصممة لتلبية احتياجات معينة اندماج القائد بسرعة أكبر

مثلت هذه العملية علامة فارقة بكل تأكيد، فقد وصل دعم مهام انتقالية معينة إلى المستوى الثاني نتيجة ضغط القيادة، واكتسب المزيد من القادة الجدد الشجاعة على عقد ورش عمل لفرقهم في وقت مبكر، كما قُدِّمت لهم إفادات بشأن أولويات أصحاب المصلحة وقيودهم في المؤسسة المتشابكة، ولكن بقيت الجهود متباينة بدرجة ملحوظة وكانت النتائج مختلطة في جميع أقسام الشركة، فنجح بعض الموظفين الجدد الذين تم تعيينهم من خارج الشركة في حين لم يكن البعض الآخر موفقاً على الرغم من اتخاذهم خطوات فعالة في مكان آخر.

استجابةً لهذا القرار العاجل، درس قادة قسم الموارد البشرية مع الإدارة العليا الصعوبات التي واجهها الموظفون الجدد، لا سيما تحديات الأسواق الجديدة، وقرروا تبني أفضل الممارسات التي وضعها الرئيس التنفيذي على نطاق أوسع، وقدموا دعماً لاندماج المدراء العامين الجدد ومنهم الذين ينتقلون داخلياً من سوق إلى أخرى، كما راجعوا الحالات الناجحة، التي أشار فيها تقويم الأداء بطريقة 360 درجة إلى أن المسؤول التنفيذي قد وصل إلى المستوى الكامل من الفعالية في نصف الوقت المعتاد، لمعرفة كيف تم تقليل مخاطر الدمج وتحدياته. كان هذا الدعم المنهجي استثماراً، لكن عائده كان سريعاً للغاية، لذا عززت الشركة برامجها الداخلية بصورة أكبر واستقدمت مدربين متمرسين من الخارج.

تتناول هذه البرامج مجتمعة المهام الانتقالية الخمس كلها في الشركة، وتتحدد كثافة الدعم في كل قطاع عند المستوى الثاني أو الثالث حسب احتياجات المسؤول التنفيذي المعني، ويتلقى كل قائد جديد المساعدة في تطوير خطة تعلم شخصية وعقد ورش عمل للفريق في الأسابيع الأربعة أو الثمانية الأولى، كما يُزود بمعلومات خاصة عن بعض أصحاب المصلحة والجوانب التي قد تنطوي على تحديات في ثقافة الشركة.

وهكذا بات الدمج ممارسة معتادة في المؤسسة. وبمساعدة قسم الموارد البشرية تحدد اللجنة التنفيذية مستوى الدعم الذي ينبغي تقديمه في كل حالة، وكل شهرين تراجع اللجنة 30 حالة وسطياً من خلال فحص تقارير تقدم القادة (بناءً على المعلومات التي يقدمها المدربون وغيرهم من المراقبين)، وتحديد الإجراءات التي ينبغي اتخاذها.

تم تبني هذه الجهود داخلياً وأصبح القادة الجدد والطامحون يرون قيمتها بوضوح، وكذلك الموظفون الذين يعملون مع المسؤولين التنفيذيين ويعتمدون عليهم، ويدرك أصحاب المصلحة الأدوار التي يجب أن يؤدوها في المراحل الانتقالية للقادة الجدد. وعلى الرغم من الضغط المستمر على الميزانيات، ترى الإدارة العليا أن دعم الدمج استثمار ضروري في تطوير المواهب التي تحقق نتائج ملموسة تصبّ في مصلحة الشركة والمسؤولين التنفيذيين على حد سواء.

وعلى الرغم من أن فوائد الدمج تبدو واضحة في هذه الشركة وغيرها من الشركات التي تناولناها بالدراسة، فإن مثل هذه القصص نادرة للغاية، وربما يعزى ذلك إلى مبالغة المؤسسات في التركيز على اختيار القادة المناسبين في المناصب الرئيسية وتجاهل الحاجة إلى تقديم يد العون لهم في المراحل الانتقالية، أو عدم تخصيص الموارد اللازمة لذلك، ولكن تطبيق الدمج بوصفه أداة أساسية في تنمية المواهب يتيح للمؤسسات الاستفادة من إمكانات القادة بصورة أسرع وجني الثمار في وقت أقرب بكثير.

 

نُشرت نسخة من هذه المقالة في عدد مايو/أيار – يونيو/حزيران 2017 (ص 78 – 86) بمجلة “هارفارد بزنس ريفيو”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .