لماذا على قادة الشركات أن يقرؤوا المزيد من قصص الخيال العلمي؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في نهاية القرن التاسع عشر، فاحت رائحة كريهة من مدينة نيويورك. وما حدث أن 150 ألفاً من الخيل نقلت الناس والبضائع عبر شوارع مانهاتن، مُنتجة بذلك 45 ألف طن (نعم طن!) من السماد في الشهر. وبالنتيجة، تراكم هذا السماد في الشوارع والأراضي غير المأهولة. وفي عام 1898، عقد المخطّطون الحضريون من جميع أنحاء العالم اجتماعاً لطرح أفكار لحل هذه الأزمة الوشيكة، ولكنهم فشلوا في التوصل إلى أي حل، غير متخيّلين إمكانية النقل من دون خيول.

وبعد مرور 14 عاماً، فاقت أعداد السيارات أعداد الخيول في مدينة نيويورك، وبهذا تم نسيان الأفكار المريرة حول تراكم السماد.

ولو افترضنا تمكّن المخطّطون الحضريّون في القرن التاسع عشر من الوصول إلى البيانات الكبيرة وتقنيات تعلّم الآلة ونظريات الإدارة الجديدة، لم تكن هذه الأدوات لتساعدهم في أي شيء، بل كانوا سيستمرون في مخاوفهم الشاغلة. ولا شك أن الاستناد إلى الاتجاهات السابقة هو أمرٌ مفيد ولكنه محدود في عالم من التغير التكنولوجي المتسارع.

لكن يمكن أن يكون الخيال العلمي مفيداً، فعلى الرغم من أنك ربما تربطه بالمركبات والمخلوقات الفضائية، يقدّم الخيال العلمي ما هو أكثر من مجرد الهروب من الواقع. فعبر تقديم بدائل واقعية معقولة، تمكّننا قصص الخيال العلمي من مواجهة ليس ما نفكر فيه فحسب، بل كيف نفكر فيه؟ ولماذا نفكر فيه؟ وتكشف أيضاً عدم ثبات الوضع الراهن، ومدى المرونة التي يمكن أن يتمتّع بها المستقبل.

تصف رواية دانيال سواريز، التي تحمل عنوان “رائد التغيير” (Change Agent)، مستقبلاً قريباً تُعيد فيه البيولوجيا التركيبية إعادةَ تشكيل جميع الصناعات. إذ تجاوزت سنغافورة وادي السيليكون كمركز ابتكار العالم بعد تشجيع “إدارة الغذاء والدواء” (FDA) لهجرة ذوي الكفاءات من كاليفورنيا. حيث تلتهم الشخصيات في هذه الرواية اللحوم المصنّعة في المعامل ويركبون مركبات ذاتية التحكم ومصنَّعة من مواد كيتينية. وأيضاً تتحدث عن إنجاب الأطفال باستخدام تقنية كريسبر (CRISPR-enhanced babies) باعتبارها القضية الاجتماعية الساخنة الجديدة. وتُعدّ مثالاً على أن آثار التقدم في البيولوجيا التركيبية لن تقتصر على التكنولوجيا الحيوية، تماماً كما لم يتوقف الإنترنت عند إحداث ثورة في مجال الكمبيوتر.

وكذلك تستكشف رواية إنفورموكراسي (Informocracy)، لباحث الحوكمة مالكا أولدر (Malka Older)، كيف يمكن للبرمجيات أن تغير مؤسساتنا العامة من خلال الهندسة الاجتماعية والتقنية للانتخابات. وبذوبان الحاجز بين هياكل القوتين السياسية والاجتماعية، يُثير الكتاب تساؤلات حول الشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة التي تفوق ميزانيتها ميزانية الدول الصغرى ورؤسائها التنفيذيين الذين يملكون أدواراً كبيرة كأدوار السياسيين.

ويحكي كتاب كيم ستانلي روبينسون، الذي يحمل عنوان “نيويورك 2140” (New York 2140)، عن مدينة مانهاتن التي غرقت بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، ما دفع مدراء صناديق التحوط ومستثمري العقارات إلى إنشاء مؤشر متحرك للسوق. ومع التغير المتسارع للمناخ وبتركيز الاقتصاد العالمي على المدن الكبرى أكثر من أي وقت مضى، تُصبح إعادة النظر في البُنى التحتية أولوية ملحة. كما ينسج ألكسندر واينستاين (Alexander Weinstein) في كتابه “أطفال العالم الجديد” (Children of the New World) من مجموعة مقالات قصيرة ملهمة رؤية مقنعة حول تغيير وسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا. وأما كتابي الجديد الذي سيصدر قريباً، فهو يحتوي على الإثارة والرعب وسيحمل عنوان “كومولوس” (Cumulus)، وسيتحدث عن الرقابة وعدم المساواة واقتصاد الإنترنت الذي يعتمد مبدأ الكسب المُطلق. حيث يتصارع فيه الأبطال مع آثار ترسيخ التقنية وانتهاك البيانات ونظرية المسؤولية الاجتماعية للشركات وممارساتها.

كما وضع ويليام غيبسون (William Gibson) مصطلح الفضاء الإلكتروني (cyberspace) الشهير في كتابه الرائع “نيورمانسر” (Neuromancer) الذي صدر عام 1984. إلى جانب ذلك، ألهم كتاب نيل ستيفينسون (Neal Stephenson) “عصر الألماس” (Diamond Age) جيف بيزوس (Jeff Bezos) لابتكار جهاز “كيندل” (Kindle). وكذلك كان كتابه الآخر الأكثر شهرة “تحطم الثلج” (Snow Crash) ذا تأثير كبير على سيرجي برين (Sergey Brin) بسبب أفكاره حول الواقع الافتراضي. ومع أن جهاز الاتصال الخيالي في مسلسل “ستار تريك” (Star Trek) التلفزيوني حفّز اختراع الهاتف الخليوي، فلن أجادل في ضرورة قراءة المدراء التنفيذيين للخيال العلمي لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.

وعلى الرغم من أننا نميل إلى الافتراض بأن الخيال العلمي يتعلق بالمستقبل، فإنه في الواقع يتعلق بالحاضر تماماً. على سبيل المثال، كانت رواية “1984” لجورج أورويل (George Orwell)، التي انضمّت مؤخراً إلى قائمة أفضل المبيعات، تتحدث عن عام 1984 فعلاً، وهو العام الذي أنهى فيه أورويل كتابة هذه الرواية. حيث يشعر الكثير من القراء أنها تتحدث عن عام 2017 وتقدم دليلاً على نظرة أورويل حيال الطبيعة البشرية والعلاقة دائمة التطور بين التقنية والقوة والمجتمع.

ما يجدر ذكره أن الخيال العلمي لا تعود فائدته لكونه يقدّم تنبؤات، بل لأنه يُعيد تشكيل نظرتنا حيال العالم. فكما تفعل الرحلات العالمية أو التأمل، يعطينا الخيال العلمي مساحة لاختبار افتراضاتنا. التي جعلت أفضل عقول القرن الـ 19 تعتقد بأنه حُكم على المدن بالغرق في سماد الخيول. تلك الافتراضات التي أطاحت “بكوداك” على الرغم من أن مهندسيها طوّروا أول كاميرا رقمية عام 1975. إذ تُعتبر الافتراضات ترف حقيقي يعجز القادة عن تحمّله.

ويصعب التراجع عن هذه الافتراضات لسبب قوي جداً: لأنها مفيدة، فهي تزوّدنا باختصارات معرفية لإدراك العالم من حولنا، وتجعلنا أكثر كفاءة وإنتاجية. لكن مشكلتها أنه لا يمكن تحديثها عندما يتغير العالم وتقف في طريقنا عندما نكون قادرين على تغيير العالَم.

ولهذا يُعدّ الخيال العلمي ثميناً جداً لطموحنا، ويُعتبر السبب الذي دفع الشركات المهمة مثل “جوجل” و”مايكروسوفت” و”آبل” إلى الاستعانة بكتّاب الخيال العلمي كمستشارين. فاستكشاف العوالم المستقبلية الخيالية يُحرّر تفكيرنا من القيود الزائفة. ويتحدانا فيما إذا كنا نطرح الأسئلة الصحيحة بالأساس، ويجبرنا على إدراك حقيقة أن الخيال يكون أحياناً أهم من التحليل. لذلك عليك التفكير جدياً في ترك أحدث الأوراق البيضاء والملخّصات التحليلية لقطاع ما والنصائح الإدارية في المكتب والتخطيط لاقتناء كتاب من قسم الخيال العلمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .