دراسة حالة: هل أحافظ على فخامة العلامة التجارية أم أضيف منتجات متدنية التكلفة؟

14 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصوغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص مشكلات يواجهها القادة في شركات حقيقية وتقدم لها حلولاً من الخبراء. تستند دراسة الحالة هذه إلى دراسة حالة بعنوان “تسويق علامة شاتو مارغو التجارية” (Marketing Château Margaux) (الحالة رقم 507-033)، تأليف جون ديتون وفنسنت ديسان وليلاند بيت ودانييلا بايرسدورفر وأندرز شومن. وهي متاحة على موقع هارفارد بزنس ريفيو hbr.org.

 

خرج غاسبار دو سوفتير الذي يبلغ من العمر 75 عاماً، مالك شركة “شاتو دو فالوا” (Château de Vallois) الشهيرة لصناعة المشروبات في منطقة بوردو الفرنسية، من بوابة قصره الجانبية، فشعر برعشة تسري في جسده، على الرغم من أن أيام شهر سبتمبر/أيلول الأخيرة لا تزال دافئة، فقد شعر باقتراب الخريف وشعر بحماس مألوف. لقد خطط لهذا الموسم مع فريقه عاماً كاملاً، وأصبح يوم القطاف وشيكاً. سار بخطى متسارعة في الممر الطويل المحمي وخرج من البوابات الحديدية ليبدأ طقسه اليومي المفضل؛ المشي بين كروم العنب.

كان يعشق هذه الساعة من اليوم، حين تغمر أشعة الشمس الأولى ضباب الفجر الممتد على الكروم وتصبغه باللونين الأصفر والرمادي. قاطعت النسمات الهادئة المنعشة الأفكار التي تدور في رأسه منذ اقتحمت عليه حفيدته غرفة مكتبه في الأمس وطرحت عليه اقتراحاً جريئاً.

ترعرعت حفيدته كلير دو فالوبير في المزرعة وانتقلت إلى باريس منذ 7 أعوام عقب وفاة والدتها، ابنة غاسبار، المفاجئة. وبعد تخرجها في واحدة من جامعات النخبة الفرنسية عملت لدى واحدة من أهم الشركات الاستشارية قبل الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال “إنسياد”. توقع غاسبار أن تعود في موعد موسم القطاف، فهي لم تغب عنه قطّ، ولكنه فوجئ بعزمها على الانضمام إلى الشركة العائلية القائمة منذ قرون طويلة وإحداث تغيير جذري فيها.

وضّحت كلير لجدها فكرتها بأبسط صورة ممكنة، فهي ترى أن أسعار المشروبات الفرنسية الفخمة مرتفعة ولا تناسب عشاقه اليافعين، وعلى الرغم من أنها تعرف أن شركة “دو فالوا” تجني أرباحاً ثابتة منذ ثمانينيات القرن الماضي، فهي قلقة مما قد يحدث إذا سمحت لشركات صنع المشروبات الأرخص ثمناً وأقلّ جودة، لا سيما التي تعمل خارج مناطق صناعة المشروبات الأوروبية التقليدية، باجتذاب الجيل التالي من العملاء والحفاظ عليه. لذلك أرادت أن تدخل شركة “دو فالوا” إلى سوق “الرفاهية الميسورة التكلفة” وتبيع منتجاتها للزبائن مباشرة كما فعلت أهم الشركات التقليدية الأخرى في منطقة بوردو.

وفي المساء، أخبر غاسبار ابنه الرئيس التنفيذي للشركة، فرانسوا دو سوفتير، عن حديثه مع كلير، فرفع حاجبيه على الفور مشككاً، ولكنه وافق على منح ابنة أخته فرصة ليسمع عرضها، فهي وريثة والدتها وتملك 25% من الشركة، أي أنها تملك حصة مساوية لحصته. يملك غاسبار الحصة المتبقية، 50%، وعلى الرغم من أن فرانسوا أصبح مسؤولاً عن العمليات اليومية منذ 5 أعوام، يتمتع كبير عائلة سوفتير بنفوذ كبير في إقرار أي تغيير على الاستراتيجية، لا سيما إن كان تغييراً كبيراً كالذي تقترحه كلير.

منتج نادر

عندما عاد غاسبار إلى الكروم، رأى مدير الشركة، جان بول أودينو، منحنياً إلى جانب كرمة يفحص ثمارها بدقة. عين غاسبار المهندس الزراعي الشاب، جان بول، قبل 30 عاماً بعد أن اشترى مزرعة “شاتو دو فالوا”.

كانت أرباح المزرعة تشهد تراجعاً في عهد مالكها السابق، فعمل غاسبار وجان بول معاً على استعادة مجدها. المكون الأساسي حاضر دائماً؛ التربة الخصبة والمناخ المحلي المثاليان، وهما العاملان اللذان يقول الفرنسيون إنهما يحددان نوعية المشروبات. في تصنيف لمزارع المشروبات في بوردو يحتسب سجل إنجازاتها طويل الأمد فيما يتعلق بالجودة والسمعة، حصلت شركة “دو فالوا” في عام 1855 على تصنيف “برميير غراند كرو” (Premier Grand Cru)، ما سمح لها بفرض أعلى الأسعار لمشروباتها.

جدد غاسبار وجان بول الكروم وحسنا آليات التصريف وأجريا تعديلاً بسيطاً على المزيج، ومع مرور الوقت أنتجت الشركة ما يمكن اعتباره أعظم 5 أنواع حصلت على تصنيف “غراند كرو”. وباعت كل عام حتى اليوم قرابة 150 ألف زجاجة من مشروبها الفاخر “غراند فان” (Grand Vin) الذي يُصنع من مزيج ثمار 4 أنواع من العنب الفرنسي الممتاز المنتقاة بعناية، في حين تنتقي الشركة أفضل ما يبقى من العنب لإنتاج نوع ثان من المشروبات هو “بوينيه” (Puiné) الذي تصل مبيعاته السنوية إلى 200 ألف زجاجة وسطياً، وتبيع ما يبقى من العنب لشركات أخرى بشرط عدم الكشف عن مصدره. كان العمل على هذا النحو جيداً ومريحاً لأولاده، ولكنه يشعر بالقلق أحياناً بشأن قدرته على الاستمرار بنفس المستوى في عهد أجيال عائلة سوفتير المستقبلية.

قال جان بول حين اقترب منه غاسبار: “أعتقد أن موعد القطاف أصبح وشيكاً، انظر إلى هذه العناقيد! سيكون هذا العام أفضل حتى من عام 2005”.

لم يكن ذلك مفاجئاً لغاسبار، فالطقس كان دافئاً وجافاً نسبياً طوال الصيف. تابع جان بول قائلاً: “يمكننا بدء القطاف في يوم الجمعة، ولكني أفضل انتظار انقضاء عطلة نهاية الأسبوع، فتوقعات الطقس تقول إن أمطاراً خفيفة ستهطل وستنخفض درجات الحرارة قليلاً، وأعتقد أن ذلك سينعش الكروم قليلاً”. وافقه غاسبار وهو يقطف بضع حبات من العنب بيده.

تذوق طعمها الحلو وسأل جان بول عما إن كان قد رأى كلير، فقال جان بول مبتسماً: “ليس بعد، ولكني سأراها بالتأكيد. لم تأت إلى هنا طوال الصيف، لذا ستتفقد كل زاوية من الكروم لتعوض عن غيابها الطويل”.

أجابه غاسبار: “إذاً يفضل أن تهيئ نفسك، فهي ترغب في صنع مشروب تجاري وبيعه إلى المستهلكين مباشرة”.

“الكروم مثل الأطفال، تحتاج إلى عناية فائقة”.تنهد جان بول قائلاً:

 “تعرف ما سأقوله لها. الكروم مثل الأطفال، تحتاج إلى عناية فائقة، وكذلك الأمر بالنسبة لاختيار الثمار وخلطها، ومن دون تكريس جهدك بالكامل للتفوق في ذلك لن تتمكن من صنع مشروب مميز. ونحن ننتج نوعين بالفعل، أليس ذلك كافياً؟”

الاتكال على التقاليد

في وقت لاحق من ذاك الصباح، حمل غاسبار مجموعة مفاتيح قديمة ونزل إلى سراديب القصر، ودخل إلى قسم “السنة الأولى” المقبب حيث كان المشروبات المصنوعة من أفضل محاصيل العام الماضي تتعتّق في براميل من خشب السنديان تحمل شعار الشركة ومرتبة بأناقة، كانت الشركة قد باعت بالفعل نحو 70% من هذا المشروبات التي لم تنضج بعد للتجار المختصين وفقاً لاتفاق أبرم قبل قرن من الزمن يهدف لإبعاد النبلاء عن تجارة المشروبات. يشتري هؤلاء التجار المشروبات قبل سنة من تعبئتها في الزجاجات التي يبيعونها للموزعين والمستوردين بعد استلامها، ولذلك يتفاجأ الزوار دوماً بأنه ليس بإمكانهم شراء زجاجة مشروب من القصر مباشرة.

تتقلب أسعار المشروبات الفاخر بدرجة كبيرة بناء على جودتها وسمعة الشركة المنتجة والتجار والطلب المتوقع، وتتأثر بدرجة متزايدة بنقد الخبراء. تتقاضى شركة “شاتو دو فالوا” ما يتراوح بين 100 يورو و450 يورو على شكل دفعات مقدمة من ثمن زجاجة المشروبات الفاخرة التي سيدفع الزبون الأميركي مثلاً 999 دولاراً اليوم ليستلمها بعد سنة. يشتكي بعض مالكي شركات المشروبات الفاخرة الحاصلة على تصنيف “غراند كرو” من هوامش أرباح التجار الكبيرة، ولكن غاسبار يقبلها بصدر رحب، فهو يعلم أنه بإمكانه الاعتماد على هؤلاء التجار لشراء كامل إنتاجه من المشروبات الفاخرة وحتى في الأعوام التي يكون المحصول فيها سيئاً من أجل الحفاظ على العلاقات بينهم. وبما أن مزارع الكروم تتقاضى أجورها مقدماً أصبح تمويل الإنتاج أسهل بكثير بفضل إيرادات البيع.

فتح غاسبار قفل باب السرداب الخاص الذي يحتوي على قوارير من كل ما أنتجته الشركة تقريباً على مدى تاريخها، وسار بين الأرفف التي تصل إلى السقف حتى وصل إلى الرف الذي يحمل آخر زجاجتين من إنتاج عام 1848مكسوتين بغبار السنين الطويلة.

دخل فرانسوا السرداب قائلاً: “عرفت أني سأعثر عليك هنا يا أبتِ، أريد أن أتحدث إليك على انفراد. فكرة كلير لن تنجح، ففي العام الذي يكون المحصول فيه جيداً لا يبقى لدينا الكثير من العنب لصنع نوع ثالث من المشروبات، لذلك سنضطر إلى شراء كميات إضافية من العنب لصنع المشروبات التجارية، وإذا عُرف الأمر فسيظن الناس أننا نخلط هذا العنب في جميع منتجاتنا. كما أن تسويق منتجنا الجديد بأنفسنا ينطوي على الخطورة، إذ يمكن أن يكون سعره باهظاً لأنه حصري ولن يتمكن الزبائن من الحصول عليه إلا عن طريق مزودي سوق النخبة، وإن ظن الناس أننا نحاول إقناعهم به فلن يرغبوا بدفع سعر مرتفع لأجله”.

قال غاسبار: “فكرت كلير بذلك أيضاً، وهي تفكر في إنتاج النوع الجديد بصورة منفصلة عن النوعين الأساسيين”.

هز فرانسوا رأسه وقال: “لكن هذا ليس حلاً، تعلم أن بعض التجار لن يرغبوا برؤية شركة تصنع مشروباً فاخراً تضيف مشروباً تجارياً إلى إنتاجها، وبذلك سنضطر إلى الاستثمار في قناة توزيع لا نملك الخبرة ولا الوسائل اللازمة لها، وسنجازف بالشهرة التجارية للتجار الذين يبيعون النوعين الأساسيين اللذين ننتجهما”.

يعلم غاسبار أن ابنه يميل للمدرسة التقليدية، وعلى الرغم من أن فرانسوا نفسه يشعر بأنه لا يزال غريباً في بوردو بعد 3 عقود، فقد أسس علاقات مهمة بزواجه من ابنة عائلة تجار عريقة ومهمة.

قال فرانسوا: “تعلم أن عائلة زوجتي سيسيل تعمل في هذا المجال منذ عام 1739، ويملك أفرادها خبرة هائلة في توزيع المشروبات تضاهي خبرتنا في صناعته، وهم يتولون جميع أمور التسويق والتأمين والنقل التي كنا سنضطر إلى توليها بأنفسنا لولاهم، ويعرفون أين يجب وضع الحد الفاصل بين المنتج الحصري والمنتج الشحيح، ويعرفون الأشخاص الذين يجب أن نبيع لهم منتجاتنا والذين يجب أن نتجنبهم. كيف سنحدد سعر منتجاتنا كل عام؟ صحيح أنه من الممكن أن نجني أرباحاً كبيرة في الأعوام التي يكون المحصول فيها جيداً، ولكن ماذا نفعل في الأعوام التي يكون المحصول فيها سيئاً؟”

إثبات جدوى التغيير

ذاك المساء، صعد غاسبار على السلم الرئيسي في القصر ودخل الغرفة الصفراء، لمع طلاء الأثاث في ضوء الشموع الباهت، وامتلأ الموقد بأغصان الكرمة التي يمتد اللهب إليها لتملأ هواء الغرفة بعطرها، جلس بجواره ومد يده إلى صحن اللوز على المنضدة الجانبية حين دخلت حفيدته كلير،

سألته وهي تدقق في ملامحه: “هل أنت بخير يا جدي؟ هل أنا أول الواصلين للمرة الأولى؟”

ابتسم غاسبار وقال: “تسرني عودتك يا ابنتي، اجلسي وأخبريني عما فعلته اليوم”، وعندما أوشكت على الرد دخل فرانسوا مع زوجته وجان بول.

قال فرانسوا: “سمعنا للتو توقعات الطقس واتفقنا على بدء القطاف يوم الإثنين”. جلس الثلاثة ووزع غاسبار عليهم حبات اللوز وقال: “طلبت أن نتناول وجبة العشاء الليلة في المطبخ، سيشعرنا ذلك بالدفء والحميمية أكثر، وعلى كل حال ما من غريب بيننا”.

كان مطبخ القصر محافظاً على شكله الأصلي، بأفرانه المطلية بالمينا وموقده المفتوح، وكان أكثر حميمية بالتأكيد من قاعة الطعام، ومع ذلك كانت مائدة العشاء مكسوة بغطاء كتاني أنيق ومزينة بالورود ورتبت عليها أطباق الخزف الفاخر، وإلى جوار كل طبق رتبت الأواني الفضية و4 كؤوس من الكريستال يخصص كل منها لأحد أنواع المشروبات التي سترافق أطباق الطعام المختلفة.

عرف غاسبار أن كلير كانت تتوق للتحدث عن العمل منذ لحظة جلوسها، ولكنها تمكنت من ضبط نفسها إلى أن يصل طبق العشاء الرئيس، ارتشفت رشفة من مشروب “غراند فان” الفاخر من صنع عام 2001 الذي رافق طبق اللحم، والتفتت إلى جدها قائلة: “جدي، أعلم أنك كنت تفكر في الأمس أني عدت حاملة أفكار كلية الأعمال الفارغة، ولكني أؤمن حقاً أننا لا نحقق سوى أقل من نصف قيمة هذه المزرعة”.

وعندما رأى ابنه يعقد حاجبيه سارع بالإجابة قائلاً: “لا، لم أفكر في ذلك على الإطلاق، قد أبدو لك مسناً وقديماً ولكني أتقبل الأفكار الجديدة دائماً، وأنا واثق من أن خالك يوافقني في ذلك”.

وعندما شعرت كلير بتشجيع جدها تابعت قولها: “أقترح أن نقدم مشروباً تجارياً بسعر يتراوح بين 20 و25 يورو للزجاجة الواحدة، فسعر منتجنا الأول باهظ للغاية ولا يقدر معظم الناس على شرائه، لا سيما المنتجات المعتقة، حتى أن مشروب عام 2000 يباع بألف يورو، والمنتج الثاني الذي يباع بمئة يورو باهظ الثمن أيضاً بالنسبة للأشخاص العاديين، لا سيما الشباب، ولا يمكنهم شراؤه بصورة منتظمة”.

نظرت إلى خالها فرانسوا وقالت: “أعلم أن هذا الأمر لن ينجح إلا إذا أنتجنا ما لا يقل عن مليون زجاجة، ولذلك سيتعين علينا شراء العنب، وإن لم تكن مرتاحاً لهذه الفكرة يمكن أن نشتري أرضاً جديدة ونزرع ما يلزمنا من العنب فيها. لا يمكننا أن نذكر في وصف هذا المنتج أنه من منتجات شركة ’شاتو دو فالوا‘ الأصلية، ولكن سنقول إنه صنع من ثمار الكروم المزروعة في منطقة بوردو. أو، بما أن الأراضي الجيدة في هذه المنطقة باهظة الثمن، يمكننا شراء أرض في دولة أخرى كما فعلت بعض الشركات المنافسة، لم لا ننتج مشروباً تجارياً من عنب ولاية كاليفورنيا مثلاً ونذكر في وصفه أن فريق شركة ’دو فالوا‘ هو المسؤول عن إنتاجه؟ لم لا نستفيد من علامتنا التجارية؟ وطالما أنه بإمكاننا صنع هذا المشروبات الفاخرة هنا، لما لا نصنع مشروباً للشباب في مكان آخر؟”

 

ثم تابعت قولها: “بالطبع، هذا سيضطرنا إلى إنشاء قناة التوزيع الخاصة بنا. وفي الحقيقة، تعرفنا على كثير من عملائنا لا سيما المستوردين المختصين عند زيارتهم لنا هنا، وبالنسبة للعملاء الآخرين يمكننا إنشاء موقع إلكتروني يتيح لهم طلب المنتجات منا مباشرة. والكثيرون يطالبون بذلك فعلاً”.

توقفت كلير لتتذوق المشروبات وبدت مذهولة بنكهته الأنيقة المتوازنة.

أكملت حديثها قائلة: “وأخيراً، أعرف شعورنا جميعاً تجاه أنواع المشروبات الجديدة، فحتى أفضلها ليس معتقاً بما يكفي، وثقيلاً أكثر مما ينبغي، وله نكهة قوية، بغضّ النظر عما يقوله خبير المشروبات روبرت باركر. ولكن يمكننا تعلم الكثير من منتجي هذه الأنواع فيما يتعلق بالتسويق، فهم يقومون بحملات إعلانية رائعة ويجرون أبحاثاً على الأسواق، ما يعني أنهم يتكيفون بسرعة مع تغير الأذواق بتغيير النكهات التي يقدمونها.

لا أقول إن علينا تعديل مشروبنا الفاخر الأول، ولكن إنتاج مشروب تجاري سيتيح لنا العمل بمرونة أكبر، وبالتالي سيمنحنا فرصة لجذب الزبائن الأصغر سناً والتقدم على المنافسين في توجهات استهلاك المشروبات وضمان أن يأتي هؤلاء الزبائن إلينا عندما يصبحون مستعدين لشراء المنتجات الأغلى”.

أبعَد فرانسوا طبقه قليلاً وقال: “عزيزتي لا تسيئي فهمي، أفكر في طريقة للوصول إلى الزبائن الشباب وتعزيز عائداتنا، فهذا ما يفعله أي رئيس تنفيذي، ولكني أعتقد أنك مخطئة تماماً. صحيح أننا لا نستفيد من سمعتنا بصورة كاملة، لكن أليس ذلك ما بنى هذه السمعة الجيدة أساساً؟ لمَ ننفق المال على آلية تسويق وتوزيع جديدة كلياً لأجل مشروب رخيص؟”

بدا الانزعاج على جان بول وقال بتذمر: “من سيصنع مشروباً تجارياً أساساً؟ فأنا لا أملك الخبرة ولا الاهتمام بصنع مشروب له نكهة قوية بعنب يزرعه الغرباء”.

اغتنم غاسبار الصمت الذي ساد لينهي الحديث قائلاً: “أعتقد أن هذا يكفي الآن، لنواصل النقاش في غرفة اجتماعات مجلس الإدارة غداً”.

هل حان وقت القطاف؟

وجد غاسبار غرفة اجتماعات مجلس الإدارة فارغة عند عودته من جولته الصباحية في اليوم التالي، كان قد استيقظ باكراً وهو يكرر رده على نقاش الليلة السابقة في ذهنه مرة تلو الأخرى.

كان ابنه محقاً في قلقه، فهالة المنتج الحصري التي يتميز بها مشروب الشركة الفاخر ستدمر بسهولة إن ظنّ الناس أن الشركة تتلاعب به. لكن كلير لديها وجهة نظر جيدة أيضاً، فالشركة حبيسة روتين صناعة المشروبات الفاخرة بدرجة كبيرة. فكّر أنها على الأقل تدفعهم للتفكير، وأنها ستشكل شريكة سجال جيدة لفرانسوا في الأعوام المقبلة.

فرانسوا وكلير خصمان، ولكن غاسبار لم يتقاعد تماماً بعد، ولا يزال له الكلمة الأخيرة في الأمر.

كيف تتصرف في هذا الموقف؟ نصائح من مجتمع هارفارد بزنس ريفيو

تعاني شركة “شاتو دو فالوا” من مشكلة الشركة العائلية الكلاسيكية، فكل فرد يشعر أن له الحق في دفع الشركة في الاتجاه الذي يراه صحيحاً. لذلك هم بحاجة إلى مجلس إدارة تكون غالبية أعضائه من خارج العائلة يضع خطة عمل كاملة ولا ينحصر دوره في الموافقة أو عدم الموافقة على تسويق منتج جديد.

توني غريغوري، الرئيس التنفيذي في شركة “كودا” (CODA) لإدارة الأعمال

لا أفضّل الانتقال من نموذج المنتج الحصري إلى السوق الواسع مباشرة، بل أفضل إنتاج نوع جديد حصري بحجم يساوي 5% من الإنتاج الكلي مثلاً (ولكن بهامش ربح أكبر)، وبيعه مباشرة من القصر على اعتباره امتداداً للعلامة التجارية. هذه الكمية الصغيرة لن تتطلب زيادة كميات العنب المستخدم ولن تؤذي أعمال التجار، والأفضل من ذلك هو أن مكانة العلامة التجارية الكلية للشركة ستزداد رفعة بسبب ندرة النوع الجديد.

ألن غوجسيتا، مدير مبيعات السوق المتوسط في شركة “آي بي إم” في كرواتيا.

ينبغي لغاسبار الدخول إلى فئة المشروبات ميسور التكلفة ولكن عن طريق شركة فرعية ورئيس تنفيذي ومدراء مختصين. كلير متحمسة ولكنها ليست سيدة أعمال ناضجة بدرجة كافية، ويمكن أن تؤدي دوراً يناسب قدراتها أكثر، كخبيرة استراتيجية مثلاً. يجب أن يركز المشروع على المشترين الأصغر سناً والذين يشترون هذا النوع من المنتجات للمرة الأولى في حياتهم، إلى جانب المطاعم التي تقدم خدماتها لهذه الفئة من العملاء في أسواق مثل أميركا وأميركا اللاتينية وجنوب أوروبا وآسيا.

فيفيك كوشيكار، نائب الرئيس المشارك ورئيس الباحثين في شركة “إنفوسيس تكنولوجيز” (Infosys Technologies)

بإمكانكم الاطلاع على دراسات الحالة التي يؤلفها فريق هارفارد بزنس ريفيو على الموقع الإلكتروني hbr.org قبل نشرها هنا.

هل ينبغي لشركة “شاتو دو فالوا” بدء إنتاج مشروب ميسور التكلفة؟

كورين مينتزلوبولوس (Corinne Mentzelopoulos)، مالكة شركة “شاتو مارغو” (Château Margaux) ورئيستها التنفيذية، وهي شركة لتصنيع المشروبات الحاصلة على تصنيف “برميير غراند كرو” في منطقة بوردو الفرنسية.

تسلط المعضلة التي تستعرضها دراسة الحالة هذه الضوء على مشكلة دائمة يواجهها كل من يعمل في إنتاج المشروبات الفاخرة والنادرة، مثل شركة “شاتو مارغو”. ليس من السهل مطلقاً موازنة المطالب المتزاحمة لضمان النمو والجودة، ومع ذلك أنصح غاسبار دو سوفتير بألا يضيف مشروباً تجارياً في هذا الوقت، على الرغم من أن سوق المشروبات الفاخرة ينمو بسرعة بسبب الأسواق الناشئة مثل الصين (التي تشهد طلباً كبيراً بدرجة هائلة) والهند.

تستفيد شركة “شاتو دو فالوا” بدرجة كبيرة من تصنيف “برميير غراند كرو” الذي يتميز به مشروبها ومن سمعة منتجها “غراند فان”، وبما أن الشركة مقيدة باستخدام العنب المزروع في أراضيها المصنفة، فعدد الزجاجات التي تنتجها كل عام محدود، وفي نفس الوقت، يجب أن تسعى لضمان توزيع واسع النطاق عن طريق التجار. فرانسوا دو سوفتير محق في قوله إن الإتاحة المحدودة لمنتج الشركة يساعد في الحفاظ على صورتها الحصرية،

وإن أي محاولة لتغيير طرق العمل التقليدية الناجحة ستغير القيمة المحسوسة للمشروب بسهولة في نظر القطاع والمستهلكين على حدّ سواء.

أضف إلى ذلك أن جان بول أودينو يبذل أقصى جهده للحفاظ على جودة عملية الإنتاج المتشابكة والمعقدة للغاية، فجودة إنتاج كل سنة تتأثر بتغيرات المناخ، وحتى في الأعوام التي يكون المحصول فيها ممتازاً تحتاج أعمال الزراعة والحراثة وإزالة الأعشاب والقطاف والخلط والتعتيق والتعبئة إلى إدارة وتنسيق دقيقين للغاية من أجل إنتاج مشروب من النخب الأول بحق. وأي تغيير في ظروف التربة أو المناخ مهما كان ضئيلاً، أو تغيير في جودة العنب مثلاً سيتطلب تعديلات ملائمة على مدى العام وتغييرات بسيطة في الخليط النهائي.

أضف إلى ذلك أن إدارة الشركة لا تملك الخبرة في أن تطرح بنجاح منتج تحت العلامة التجارية ولكن من فئة سعرية أدنى. والشركة هي لا تعرف شريحة السوق العامة التي ستتعامل معها وقنوات التوزيع الخاصة بها، ولا تعرف زبائن هذه الشريحة الجديدة لأنها تقوم بأعمالها عن طريق التجار دائماً.

وأخيراً، إن كان جان بول سيحمل مسؤولية إنتاج المشروبات التجارية فلن يتاح له الوقت الكافي للقيام بمسؤوليته الأساسية، وسيتضرر المنتجان الحاليان بالنتيجة. من أجل تفادي هذه النتيجة، يمكن للشركة على الأقل تعيين مدير جديد للمشروب التجاري، لكن ذلك سيدفع السوق لاعتقاد أن خبرات الشركة المثبتة قد تصرف تركيزها عن العلامة الأصلية نفسها، إلى جانب أن البدء بإنتاج مشروب تجاري جديد من الصفر يحتاج إلى استثمار هائل.

يتعين على شركة المشروبات حماية مستقبلها المالي بالتأكيد، مثل أي شركة أخرى، لذا سيكون من الحكمة التحقق بصورة دورية من نموذج العمل في الشركة وما تواجهه من فرص وتهديدات على حدّ سواء. وحتى شركات المشروبات التي تعتمد بدرجة كبيرة على الخبرات التي أثبتت جدارتها مع مرور الزمن، مثل شركتنا، يجب عليها باستمرار ترقب الأفكار والأساليب والمعدات الجديدة التي ستساعدها في الحفاظ على موقعها في الصدارة. قد تشكل كلير دو فالوبير إضافة ذات قيمة كبيرة إلى فريق إدارة شركة “دو فالوا” في هذا الخصوص، وينبغي لغاسبار بالتأكيد تشجيعها على الانضمام إلى الشركة، ولكن لأن عائلة دو سوفتير تعمل في مجال تسويق فاخر محدد، ينبغي لها رفض تحويل المزرعة إلى شركة صناعية بدرجة أكبر ومقاومة الرغبة في إضافة مشروب تجاري موجه للسوق العامة.

فيليب سوري دو روتشيلد (Philippe Sereys de Rothschild): نائب رئيس مجلس إدارة شركة “بارون فيليب دو روتشيلد” (Baron Philippe de Rothschild) العائلية التي تدير مزرعة “شاتو موتون روتشيلد” (Château Mouton Rothschild) لصناعة المشروبات المصنفة “برميير غراند كرو” وغيرها من المزارع التي تنتج أنواعاً أخرى من المشروبات التجاري.

هل ينبغي لعائلة دو سوفتير استكشاف الفرص الجديدة في فئة المشروبات التجارية؟ بالتأكيد، ولكن ينبغي لها المتابعة بحذر شديد. نظراً لاختلاف سوق المشروبات المصنفة “برميير غراند كرو” بدرجة كبيرة عن سوق المشروبات التجارية، يجب إدارة إنتاج كل منهما بصورة مستقلة عن الآخر. ومع ذلك نجحت شركات كثيرة في أسواق السلع الفاخرة أو أسواق الرفاهية في تحقيق النجاح عن طريق التفرع، وشركتي العائلية خير مثال على ذلك، وذلك عن طريق الفصل التام بين المشروبات التي تنتجها مزرعتنا (لا سيما مشروب “برمير غراند كرو”) وأنواع المشروبات التجارية. في سوق المشروبات العالمية الحالية تتمثل الأولوية في حماية جودة المشروبات المصنفة “برميير غراند كرو” وسمعته المثبتتين.

من الطبيعي أن يشعر فرانسوا بالقلق من تقويض العلامة التجارية لشركته “دو فالوا” بما أن مسؤوليته تتمثل في إنتاج أفضل أنواع المشروبات المصنفة “برميير غراند كرو” لأسواق النخبة المختارة. يجب أن يبقى مركزاً تماماً على هذا الإنتاج وألا يقود المشروع الجديد، إلا أنه من الممكن أن يشرف على عمل فريق إنتاج المشروبات التجارية المستقل من أجل ضمان أن يتمتع المنتج الجديد بجودة جيدة.

بالإضافة إلى أن أسعار المشروبات المصنفة “برميير غراند كرو” شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأعوام الأخيرة، وأحد أسباب ذلك هو تزايد أعداد متذوقي المشروبات في العالم وظهور أسواق ناشئة جديدة له، مثل الصين والهند، وإذا رغبنا في أن يستمر مشترو المشروبات من الشباب في شراء المشروبات الجيدة واستهلاكها بسعر ميسور، وجذب مستهلكي المشروبات عالية الجودة المستقبليين أيضاً، فعلى الشركات ذات السمعة الرفيعة مثل شركتنا صناعة مشروب تجاري جيد وإتاحته بأسعار تنافسية. يمكن صناعة هذا النوع من المشروبات تحت مظلة المجموعة الأصلية، ولكن يجب أن تكون سلاسل الإنتاج والتوزيع منفصلة تماماً، وأحد الخيارات المتاحة هو إنشاء وحدتي عمل منفصلتين ضمن المجموعة.

يجب على الشركات التي تتميز بسمعة رفيعة المستوى تقديم مشروب تجاري جيد بأسعار منافسة.

إذا قررت العائلة بالفعل تطوير المشروبات التجارية فسيتعين عليها وضع استراتيجية منفصلة للتسويق والتوزيع، ونظراً لمكانة الشركة التقليدية في صناعة المشروبات المصنفة “برميير غراند كرو”، سيتعين على عائلة دو سوفتير تأكيد أن هذه النقلة لن تؤثر في منتجها الفاخر سلباً. يمكن أن تصوغ الشركة حملتها مثلاً على أنها تسعى لصنع مشروب بأفضل مزيج من الجودة والسعر كي يتمكن أفراد الجيل الأصغر من البدء باستهلاك المنتجات الجيدة ثم الارتقاء فيما بعد إلى المنتجات الفاخرة الأغلى ثمناً.

سيوضح التسويق المباشر للمشروب التجاري الجديد فهم عائلة دو سوفتير لسوق المشروبات عموماً وطرق تطوره المحتملة، كما أنه سيساعدها في تعلم طرق التوزيع التي ستفيدها في حال رغبت بتنمية أعمالها أكثر في المستقبل.

ومن أجل تحقيق الانسجام، أنصح غاسبار بتشجيع كلير على الانضمام إلى الشركة؛ فمن الضروري السماح لأي فرد من العائلة بالانضمام إلى شركتها ما دام راغباً. ولكن يجب عليها بناء مجال مسؤولياتها وتحديده، وهو المشروبات التجارية في هذه الحالة.

المشروبات منتج مثير للاهتمام تتفاوت التفضيلات الشخصية المتعلقة به بدرجة كبيرة، وأنا أتذوق عينات المشروبات من جميع أنحاء العالم وأستمتع بها، ومع ذلك، فأنا مثل عائلة دو سوفتير أفضل مشروب منطقة بوردو الفاخر المعتق، هذا لا يعني أن أنواع المشروبات الجديدة ذات النكهة القوية المغرية لا تستحق أن تُصنع أو أنه لا ينبغي لي صنعها.

نُشرت نسخة من هذا المقال في عدد يناير/كانون الثاني – فبراير/شباط 2011 من مجلة “هارفارد بزنس ريفيو”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .