هل تتسبب عزلة مندوبي المبيعات في خسارة العملاء؟

7 دقائق
عزلة مندوبي المبيعات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في ظل تحوّل التفاعل مع العملاء إلى منصة “زووم” وغيرها من وسائل التواصل عن بُعد، باتت وظائف المبيعات عبارة عن معاملات تتم في أجواء مفعمة بالعزلة. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذه المشكلة مكلفة وتتجاوز تداعياتها تدمير الروح المعنوية فحسب، إذ تتسبب في واقع الأمر في 3 سلوكيات إشكالية: الحرج الاجتماعي وضعف الذاكرة والإفراط في الإنفاق على العملاء، وهو ما قد يضر بأداء الشركات. وتقدم كاتبتا المقالة 8 استراتيجيات يمكن للمدراء تنفيذها لمساعدة مندوبي المبيعات على تقليل الشعور بالعزلة وضمان تعامل فرقهم مع العملاء بثقة تامة.

 

لطالما مرّ الموظفون في مجال المبيعات بأوقات شعروا فيها بالعزلة التامة. لكن عزلة مندوبي المبيعات باتت أكثر وضوحاً عقب تفشي جائحة فيروس كورونا التي أرغمتهم على ممارسة عملهم من خلال برنامج “زووم”. ومنذ ذلك الحين أضحت هذه المشكلة باهظة التكلفة.

الأهم من ذلك أن الكثير من التغيُّرات في مهنة المبيعات لم تعد مؤقتة. فقد أفاد عملاؤنا أن بعضاً من المشترين يعملون بشكل دائم من المنزل. وتحاول مؤسسات المبيعات تعيين المزيد من الموظفين عن بُعد، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون مكالمات الفيديو هي القاعدة المستقرة في التواصل البيني.

وقد أدّت مكالمات المبيعات من خلال تقنيات الفيديو إلى استلاب العناصر الاجتماعية (كالمصافحة واحتساء القهوة معاً، وما إلى ذلك) التي أضفت ذات يوم الطابع الإنساني على التفاعلات المشتركة بين أطراف عملية المبيعات. وفي ظل غياب هذه العناصر الجذابة عاطفياً، وغياب روح التنافس مع الزملاء لرفع معنوياتهم، باتت وظائف المبيعات عبارة عن معاملات تتم في أجواء مفعمة بالعزلة.

وكما قال أحد البائعين: “كنت مشغولاً طوال الوقت في السابق، وكان بعض مشاغلي تلك ممتعاً. أما الآن فإنني أحاول جاهداً أن أمنع نفسي من النوم في أثناء متابعة عملي على برنامج “زووم”. وأدرك أنني بحاجة إلى المزيد من التفاعلات الاجتماعية، ولكنني أشعر في نهاية اليوم بالإنهاك الشديد بعد بذل كل هذا الجهد”.

وإذا تركنا كل هذا دون معالجة، فقد يصبح شعور مندوبي المبيعات بالعزلة مشكلة باهظة التكلفة. فقد كشف بحث حديث أجرته إحدانا (الدكتورة غود) أن الشعور بالعزلة يتجاوز مجرد تدهور المعنويات، فقد بدأ يؤثّر في سلوك مندوبي المبيعات مع العملاء، ما أدى إلى تآكل الإيرادات وتراجع هامش الربح وتلويث سمعة الشركة في السوق. وقد جمعت الدكتورة غود بياناتها من خلال دراستين تم فيهما استقصاء آراء أكثر من 250 مندوب مبيعات يعملون في مجاليّ التعامل التجاري بين الشركات والشركات التجارية الموجهة للمستهلك في عدد متنوع من القطاعات، بالإضافة إلى مقابلات المتابعة النوعية وبيانات الأداء وملاحظات أكثر من 12 فريق مبيعات. وكشفت النتائج أن عزلة مندوبي المبيعات تسبب 3 سلوكيات إشكالية تؤدي في النهاية إلى حلقة مفرغة من الأداء السيئ:

1. الحرج الاجتماعي

عندما يتوقف المرء عن ممارسة المهارات الاجتماعية بشكل روتيني، فإنها تُصاب بالضمور كأي عضلة أخرى. وكثيراً ما لوحظ في الدراسات التي تم إجراؤها على هذا الموضوع أن البائعين يخطئون قراءة الإشارات الاجتماعية ويسيئون تقدير أهمية التفاصيل الرئيسية في تفاعلاتهم مع العملاء. وفي حين أنه ليس من المستغرب أن الجميع باتوا يشعرون بالحرج بعض الشيء هذه الأيام، فإن البائعين الذين يعجزون عن فهم الإشارات الاجتماعية والتعاطي معها يكلفون شركاتهم ثمناً باهظاً للغاية. إذ تقل احتمالية تفاعل المشترين ولا تنشأ الثقة المطلوبة لبناء العلاقات.

وما يزيد هذه المشكلة تعقيداً أن البائعين قد يدخلون في التفاعلات المشتركة بين أطراف عملية المبيعات بعد لحظات من تعرُّضهم للرفض من قِبَل عميل سابق. وإذا لم يسعفهم أحد أقرانهم ويساعدهم على استعادة اتزانهم، فقد يفاقم هذا من احتمالات تدمير ثقتهم في أنفسهم، ما يسهم في مزيد من الشعور بالحرج في بداية المكالمة التالية. وتؤثر البداية المحرجة بصورة مخيفة في جودة التفاعل مع العملاء وقد تؤدي إلى عرقلة ما كان يمكن أن يكون عملية مبيعات ناجحة، أو توقفها على أقل تقدير.

2. فقدان التركيز على احتياجات العملاء

يتصف البائعون الذين تتملكهم رغبة جامحة للتواصل الاجتماعي بـأنهم لا يستمعون بعمق خلال مرحلة تقييم الاحتياجات في عملية البيع. وقد كشفت البيانات أن هؤلاء البائعين المنعزلين كانوا أكثر عرضة لنسيان معلومات العملاء المهمة.

وفي البيئة الافتراضية، غالباً ما تغيب الإشارات المرئية التي تجعل كل عميل مميزاً ولا يُنسى. فعندما يتحول كل العملاء إلى مجرد مربعات صغيرة على شاشة حاسوبك في الغرفة نفسها ويتحدثون عن الأشياء نفسها، فستختلط عليك الأمور. ويؤدي هذا النقص في التمييز إلى صعوبة تذكر ما حدث (وما قاله العميل). وهو ما أعرب عنه أحد البائعين، إذ قال: “أعمل مع 20 عميلاً يومياً، ويداخلني في كل مكالمة الشعور نفسه”.

لقد رأينا أيضاً دليلاً على أن افتقار البائعين إلى روابط اجتماعية ذات مغزى كافٍ خارج نطاق عملهم قد يُفضي بهم إلى معاملة العميل كما لو كان صديقاً مقرباً أو شخصاً يشاركونه الهموم، بدلاً من معاملته كشخص يجب أن تكون احتياجاته هي العنصر الأساسي في المحادثة.

ودون فهم واضح لاحتياجات العميل وأهدافه بدقة كافية، لن يتمكن البائعون من بناء قصة مقنعة أو مميزة تثبت نجاعة حلولهم. ويؤدي ضعف الذاكرة بهذه الطريقة في وقت مبكر من عملية البيع إلى خلق العراقيل في طريقهم عندما يحاولون إتمام الصفقة.

3. الإفراط في الإنفاق على العملاء

تتمثّل أوضح مظاهر التكلفة المباشرة لعزلة مندوبي المبيعات في ارتفاع مصروفات عملائهم. فقد أثبتت دراسات الدكتورة غود أن عزلة البائعين تتناسب طردياً مع زيادة الإنفاق على العملاء. وليس من الصعب فهم دوافع شخص منعزل لشراء هدايا ووجبات لعملائه، أو دوافعه لخفض السعر من أجل الحفاظ على علاقة الصداقة التي تربطه بالعميل. وعادةً ما تولّد هذه الإجراءات استجابة دافئة من العملاء، وهل يحرص الشخص المنعزل على شيء أكثر من حرصه على توليد رد فعل عاطفي إيجابي مع الأشخاص الذين يقضي وقته معهم؟

ومهما كان دفء العلاقات في الوقت الحالي، فإن هذا “التودد” لم يؤدِّ إلى تحسين أداء مندوب المبيعات في أي من الدراستين اللتين أجرتهما الدكتورة غود. ورغم أن المشترين قد يشعرون في أعماقهم بالامتنان، وعلى الرغم من ارتفاع مستويات هرمون السعادة لدى البائعين نتيجة التفاعل الاجتماعي الإيجابي، فإن هذا الإفراط في الإنفاق على العملاء لم يؤدِّ إلى تحقيق إيرادات إضافية، ما يعني أنها كانت تكلفة دون عائد حقيقي على الاستثمار.

وفي البيئة الحالية المتعطشة للتفاعلات الاجتماعية يبالغ الكثير من البائعين في الاستدلال بالقول المأثور “الناس يشترون من الأشخاص الذين يحبونهم”. ومن هنا يبذل مندوبو المبيعات جهوداً مضاعفة لينالوا هذا الحب، حتى إنهم قد ينسون أن الغرض الحقيقي من المبيعات هو تحسين حياة العملاء.

كيف يساعد المدراء مندوبي المبيعات المنعزلين؟

يبحث الإنسان بطبعه عن التواصل الهادف. ويتألف التحدي الذي يواجه البائعين (ومدراءهم) من شقين: فقد أدى التحوُّل إلى الواقع الافتراضي إلى خلق فراغ كبير في العلاقات الشخصية لمندوبي المبيعات الذين كان وقتهم مليئاً في السابق بالتفاعل البشري. ثانياً، عندما يحاول مندوبو المبيعات التخفيف من حدة شعورهم بالعزلة، فإن سلوكيات التأقلم لديهم تتعارض مع مصالح العملاء، ما يؤثر بشكل مباشر في الصحة المالية للمؤسسة وسمعتها.

وتخلق السلوكيات الثلاثة المذكورة أعلاه دورة خطِرة تؤدي إلى تدهور التمايز التنافسي وتآكل هامش الربح، وقد تسفر عن ارتفاع معدل دوران الموظفين بصورة تنذر بالخطر في قسم المبيعات. ولأنه من غير المنتظر أن يعود عالم البيع الافتراضي إلى سابق عهده، فمن الأهمية بمكان أن يخفف القادة بشكل استباقي من حدة هذه المشكلة. ونستعرض فيما يلي 8 استراتيجيات لكسر هذه الحلقة المفرغة:

خلق بيئة تشجّع على عدم التنافس

عندما يبدو كل اجتماع للمبيعات مثل حلقة في برنامج “شارك تانك” (Shark Tank)، حيث يتنافس زملاء العمل بعضهم مع بعض، فإن ذلك يعزز الشعور بالعزلة. فاحرص على تجاوز الاجتماعات التي يجري فيها استعراض تقارير المبيعات بالصورة المعتادة، وامنح مندوبي المبيعات فرصاً حقيقية للالتقاء معاً بصورة منتظمة دون جدول أعمال أو التسابق للفوز بصفقة ما. فهناك أشياء بسيطة، مثل عقد لقاء أسبوعي لمدة 15 دقيقة لـ “مشاركة البرامج التلفزيونية المفضلة”، تمنح البائعين وسيلة للتواصل مع زملائهم في العمل بدلاً من تركهم فريسة لعزلتهم ومحاولة إقحامها في حياة العملاء المطمئنين.

تنشيط الشعور بالغاية المشتركة

تتضخم عزلة المبيعات عندما يشعر البائعون بأنهم ليسوا سوى ذئاب منفردة لا علاقة لها بشيء سوى تحقيق حصة المبيعات المطلوبة منها. ويمكنك المساعدة في مواجهة هذا الشعور من خلال تعزيز الشعور بالغاية الأسمى بانتظام. احرص على مناقشة أثر الحلول التي تقدمها مؤسستك وكيف أنها تصنع فارقاً في حياة العملاء وكيف يسهم كل عضو في الفريق في صنع هذا الفارق. يسهم هذا في تذكير البائعين بأن وظائفهم لها معنى وأنهم جزء من شيء أكبر من أشخاصهم.

تصميم هيكل يتيح للأقران دعم بعضهم لبعض

اعقد اجتماعات للأقران بصفة منتظمة، لتشجيع البائعين على العصف الذهني وتبادل الأفكار معاً للمساعدة على تحسين مهارات بعضهم لبعض. على سبيل المثال، يمكنك سؤال مندوبي المبيعات عن أسئلتهم التي يفضلون طرحها في أثناء المراحل الاستكشافية أو كيفية فتح محادثات جديدة دون ارتباك. ويؤدي وضع البائعين في مواقف تشجعهم على تبادل أفضل الممارسات إلى إنشاء هيكل للدعم يمكنهم الاعتماد عليه في أوقات التحدي والتغيير.

إجراء بعض التدريب للدماغ

كانت مهارات الاستماع أبرز المهارات (وربما كانت أكثرها ضرراً) التي تعرّضت للتراجع لدى مندوبي المبيعات الذين يعانون العزلة. اعكس هذا الاتجاه من خلال إجراء تدريب سريع لفريق المبيعات يتدربون من خلاله على الاستماع والاستجابة لبعضهم وهم يصفون الأشياء الشخصية، مثل خطط عطلة نهاية الأسبوع أو كيفية إعداد مكان عملهم. وحينما يعملون على تحسين مهارات الاستماع لديهم في البيئات الاجتماعية المنخفضة المخاطر، حيث لا توجد صفقات معرضة للخطر، فإن هذا سيساعدهم على فعل الشيء نفسه أمام العملاء.

تأكد أن فريق المبيعات لديك واضح تماماً بشأن عرض القيمة الخاص بشركتك

عندما يثق ممثل المبيعات في عرض القيمة الذي يقدمه للعملاء، فلن يحاول على الأرجح تقديم تخفيض أو “التودد” لهم. وفي غياب هذا الأساس الصلب سيشعر مندوبو المبيعات على الأرجح بأنهم سيخاطرون بعلاقاتهم الشخصية إذا عرضوا سعراً قد يُنظر إليه على أنه سعر مرتفع للغاية أو قد يلجؤون إلى الإفراط في الإنفاق على العميل لتخفيف حدة المشاعر السلبية.

وضع المبادئ التوجيهية للإنفاق وتحديد نماذج للهدايا المناسبة

عندما تتصف المبادئ التوجيهية للإنفاق بالغموض، فإن هذا سيصرف الانتباه عن الهدف الحقيقي للبيع، وهو تحسين حياة العملاء. فاحرص على أن تُظهِر للبائعين بالضبط كيف يبدو الإنفاق المناسب والفاعل. ربما كان لا بأس بمنح العملاء كتاباً مفيداً حول مشكلة يواجهونها أو تقديم بطاقة هدايا تتيح لهم الحصول على القهوة من مكان ما. أظهِر لفريقك كفاية الحل الذي تقدمه إلى جانب خبراتهم الخاصة، وأنكم لستم بحاجة إلى هدايا باهظة الثمن لتوثيق العلاقات.

تشجيع مندوبي المبيعات على الترتيب لأخذ قسط من الراحة على فترات متفاوتة بين المكالمات مع العملاء

قل لمندوبي المبيعات في شركتك: “امنح نفسك 5 دقائق بين المكالمات لمراجعة الملاحظات، وارتشف كوباً من الماء وذكِّر نفسك كيف نسهم في تحسين حياة هؤلاء العملاء”. سيؤدي ذلك إلى زيادة ثقتهم في عروضهم ويمنحهم فرصة للتخلص من آثار المكالمة السابقة غير الموفقة.  وسيساعدهم ترسيخ قيمة عروضهم على البدء بشكل أكثر استراتيجية ويحد من الدافع إلى الإفراط في التودد.

تشجيع الصداقات خارج العمل

لا يحتاج عملاؤك إلى مزيد من الأصدقاء، ولكن ربما كان مندوبو المبيعات في شركتك بحاجة إلى هؤلاء الأصدقاء. ولكن يجب أن تتوافر فيك شروط الصداقة أولاً لكي يكون لديك أصدقاء. والقادة المهتمون حقاً بمرؤوسيهم يتحلّون بالحكمة لتشجيع مندوبي المبيعات على البحث عن فرص لمتابعة علاقات الصداقة خارج إطار العمل. ورغم أن الصداقة قد تبدو موضوعاً حساساً لا يصح أن يتحدّث عنه القادة، فقد أثبتت لنا الأبحاث أن افتقار مندوب المبيعات للأصدقاء قد يكون مكلفاً للغاية. ولأنه قد تترتب عليها مخاطر كبيرة، فهي مشكلة تستحق المعالجة.

ولا يختلف مندوبو المبيعات عن بقيتنا. فعندما يعيشون حياة العزلة، فإنهم يصبحون أكثر حرجاً ويميلون إلى الإفراط في التودد ويحاولون التواصل باستخدام أي وسيلة متاحة لديهم. وتسهم الاستراتيجيات المذكورة أعلاه في التخفيف من حدة عزلة مندوبي المبيعات، والتأكد أن فريقك يتعامل مع العملاء بثقة وتوازن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .