ما الذي عليك فعله عندما تجد نفسك عالقاً في وظيفة لا تحبّها؟

7 دقائق
وظيفة غير مناسبة
ميراج سي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ما الذي ينبغي لك فعله إذا وجدت نفسك عالقاً في وظيفة غير مناسبة، ولكن لا يمكنك الاستقالة؟ حتى إذا لم تتمكن من التخلص من هذا الوضع على الفور، فهناك طرائق بسيطة لتحسينه. فيما يلي 4 طرائق يمكنك من خلالها تغيير شعورك تجاه وظيفتك والتأقلم مع وضع غير مثالي.

  • النظر إلى وظيفتك من منظور مختلف: لا يدرك معظم الناس أنه يمكن الشعور بالغاية في أي وظيفة، فالأمر يتعلق بنظرتك إليها. ويمكنك تغيير نظرتك إلى وظيفتك من خلال تذكير نفسك بأنك تشغلها لسبب ما، ربما لبناء مهارات جديدة ستساعدك على اتخاذ خطوتك التالية.
  • إعادة فحص جوانب وظيفتك: افهم مشكلاتك بشكل مفصل حتى تتمكن من إيجاد حلول. اسأل نفسك: ما المهمات التي لم أعد أستمتع بأدائها وما المهمات التي تبهجني؟ فعندما تحدد هذه المهمات، ستتمكن من إيجاد طرائق لمحاولة التخلص من النوع الأول من المهمات (من خلال تفويضها مثلاً)، بينما ستتمسك بالنوع الثاني.
  • إعادة تصميم وظيفتك: أو إعادة تصورها. على سبيل المثال من خلال تنظيم يومك بطريقة تسمح بتحقيق أقصى استفادة منه. وإذا كانت المحادثات مع العملاء هي أكثر ما تستمتع به، فيمكنك أن تجريها في بداية كل يوم عمل لبدء يومك بطاقة إيجابية كبيرة.
  • صقل المهارات: استثمر في مستقبلك وفي تنمية المهارات التي ستتيح في النهاية الانتقال إلى وظيفة أخرى عندما يحين الوقت. ويمكنك القيام بذلك في أثناء عملك في دورك الحالي.

 

لم يكن أحد يتوقع ألا تكون إيناس سعيدة في وظيفتها. فهي شريكة في شركتها، واكتسبت خبرة كبيرة في مجال تقديم الاستشارات في لندن ونيويورك وبوسطن. وقد اجتذبت مجموعة من العملاء من شركات شهيرة. ففي نظر العالم الخارجي، هي موظفة ذات أداء متميز، وقد أقرت شركتها بذلك ومنحتها أوسمة ومكافآت وجوائز. وعملت على بناء مستقبلها المهني لعقود، وأقامت علاقات ثمينة مع زملائها وعملائها.

وعلى الرغم من كل هذا النجاح الذي حققته إيناس، لم تكن تشعر بالرضا؛ فقد كانت عالقة في وظيفة لم تعد تساعدها على تحقيق طموحاتها. ولا تعرف شركتها أنها أمضت العامين الماضيين وهي تنوي المغادرة، ولكنها لم تجد فرصة مناسبة بعد. فهي تشعر أنها مشتتة بين المتطلبات المضجرة لوظيفة كانت تثير حماسها ذات يوم وبين اهتماماتها الحقيقية المتمثلة في الأزياء والاستدامة. تواصلت إيناس معي بصفتي أستاذة في مجال الأعمال ومستشارة في قطاع الأزياء لشرح ما يُشعرها بالإحباط والسبب في أنها تأمل المغادرة.

قالت: “لم أعد أشعر بالحماس، فأنا أقوم بالشيء نفسه كل يوم. أجني أموالاً وفيرة، لكنني لست سعيدة كالمُكبل بأصفاد ذهبية! وهذا الوضع يجب أن يتغير. تقدمت بطلبات لشغل العديد من الوظائف الرائعة، لكن لا تصلني حتى رسالة رفض عبر البريد الإلكتروني، ولا حتى طلب بإجراء مقابلة”.

إيناس ليست الوحيدة التي تشعر بذلك. لا يمر يوم دون أن نسمع شيئاً عن “الاستقالة الكبرى” حيث يترك ملايين العاملين في الولايات المتحدة وظائفهم كل شهر. وفي الوقت نفسه، لجأ ملايين آخرون إلى “الاستقالة الصامتة”.

يكمن شيء أكبر وراء هاتين الظاهرتين؛ أسميه: “الإحباط الكبير”. يزداد عدد الأشخاص غير الراضين عن وظائفهم. فقد بلغ عدم الرضا الوظيفي أعلى مستوياته على الإطلاق؛ إذ أفاد 60% من العاملين أنهم “منفصلون عاطفياً” عن مهنهم ويشعر 50% منهم بالإجهاد يومياً، وفقاً لما ورد في تقرير مؤسسة غالوب (Gallup) الأخير عن حالة قوة العمل العالمية.

يبدو أن الإحباط الكبير يؤثر على العاملين الشباب بوجه خاص؛ فقد أظهر تقرير صدر مؤخراً عن شركة ديلويت (Deloitte) أن 40% من أبناء الجيل زد وما يقرب من 25% من أبناء جيل الألفية يودون ترك وظائفهم في العامين المقبلين بسبب مشكلات تتعلق بالصحة النفسية وشعورهم بالتوتر وإصابتهم بالاحتراق الوظيفي. وكان ثلث هؤلاء العاملين الشباب على استعداد للاستقالة حتى لو لم تكن هناك وظيفة أخرى في انتظارهم.

ربما تعمل في مجال غير مناسب لك، وربما لم تعد تشعر بالحماس في عملك، وربما أصبح مكان عملك مؤذياً بسبب مديرك أو زملائك. في أي من هذه السيناريوهات، ستكون الخطوة المنطقية التالية هي الانتقال إلى وظيفة أخرى.

ولكن قد لا يكون ذلك ممكناً بسبب محدودية فرص العمل أو الالتزامات المالية أو الأسرية، أو لأنك ببساطة لا تحرز تقدماً في بحثك عن وظيفة. أظهر تقرير شركة ديلويت لعام 2022 أن العاملين الشباب يعطون أولوية خاصة للوظائف التي تتسق مع قيمهم، ولكن يجد الكثيرون صعوبة في إيجاد وظائف يحبونها ولذلك يضطرون إلى قبول أي وظيفة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والركود الذي يلوح في الأفق.

إذاً، ما الذي ينبغي لك فعله إذا وجدت نفسك عالقاً في وظيفة غير مناسبة، ولكن لا يمكنك الاستقالة؟ حتى إذا لم تتمكن من التخلص من هذا الوضع على الفور، فهناك طرق بسيطة لتحسينه. فيما يلي 4 طرق يمكنك من خلالها تغيير شعورك تجاه وظيفتك والتأقلم مع وضع غير مثالي.

النظر إلى وظيفتك من منظور مختلف

عادة ما ينظر الأشخاص إلى عملهم بثلاث طرق: إما كوظيفة وإما كمستقبل مهني وإما كرسالة. في هذا السياق، يمكن فهم الوظيفة على أنها شيء تقوم به بمقابل مالي تحصل عليه على الفور. أما المستقبل المهني فيعني وجود خطة طويلة الأجل لكيفية تقدمك في حياتك المهنية وكسب المزيد من المال في المستقبل. ولكن الرسالة تختلف تماماً عن الوظيفة أو المستقبل المهني: إنها ما تقوم به نظراً إلى قيمته المتأصلة وما يُشعرك به لأنه يساعدك على تحقيق غايتك الأسمى على الصعيد الاجتماعي أو الأخلاقي أو الشخصي.

ومع ذلك، لا يدرك معظم الناس أنه يمكن الشعور بالغاية في أي وظيفة، فالأمر يتعلق بنظرتك إليها.

عندما كانت والدتي عاملة نظافة في مصنع أدوية، كانت تنظر إلى عملها على أنه رسالة. وقد حققت ذلك من خلال النظر إلى الوظيفة من حيث الطريقة التي تساعد بها الآخرين. فمن منظور واسع، الحفاظ على نظافة المصنع ساعد جميع الأشخاص الذين سيستفيدون من الأدوية التي يصنّعها. وعلى المستوى الشخصي، عمل والدتي ساعدني أنا وأخي على الالتحاق بالمدرسة وبناء مستقبلنا.

تقدم الأستاذة في علم النفس بجامعة ييل والمتخصصة في دراسة السعادة، لوري سانتوس، مثالاً مشابهاً لكيفية النظر إلى الوظيفة بطريقة تركز بشكل إيجابي على تأثيرها بدلاً من التركيز على تفاصيلها اليومية: “وظيفة مازن هي قتل الفئران، ولكن إذا سألته عن وظيفته، فسيقول إنها: حل المشكلات ومساعدة الناس”. وهذا المنظور يحقق الرضا الوظيفي أكثر من أي راتب أو مكافأة.

بالطبع ليس من السهل دوماً أن تنظر إلى وظيفة تكرهها بشدة من منظور مختلف، إلا أن هناك طرقاً لتغيير طريقة تفكيرك بصورة واعية من خلال التركيز على سبب عملك في هذه الوظيفة. كما تشير الأمثلة أعلاه، يمكنك القيام بذلك من خلال التركيز على ما تعنيه لك أو على تأثيرها الأوسع نطاقاً على الآخرين.

يمكنك تغيير نظرتك إلى وظيفتك من خلال الاعتقاد أنك تشغلها لسبب ما، ربما لبناء مهارات جديدة ستساعدك على اتخاذ خطوتك التالية. على سبيل المثال، إذا كنت محامياً متخصصاً في قوانين التوظيف وترى أن وظيفتك مملة أو مرهِقة للغاية، فيمكنك محاولة تغيير نظرتك إليها من خلال التفكير في تأثير عملك على عملائك وحياتهم. فأنت تساعد الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بمفردهم.

تشير البحوث إلى أنه يمكن أن يعمل شخصان بالوظيفة نفسها، ولكن الاختلاف هو نظرتهما إليها وطريقة تفكيرهما فيها. لذا، بدلاً من أن تقول “أنا عالق في هذه الوظيفة”، انظر إليها كفرصة لبناء مهارة جديد. وسيؤدي القيام بذلك في النهاية إلى الخروج من دائرة التفكير السلبي وسيساعدك على المضي قدماً.

إعادة فحص جوانب وظيفتك

الخطوة التالية للتعامل مع عدم الرضا الوظيفي هي إعادة فحص عملك لفهم مشكلاتك بشكل مفصل حتى تتمكن من إيجاد حلول.

ربما أنت تعيس في عملك، ولكن ما سبب هذا الشعور على وجه التحديد؟ وما الجوانب التي تجعلك سعيداً؟ اسأل نفسك: ما المهمات التي لم أعد أستمتع بأدائها وما المهمات التي تبهجني؟ فعندما تحدد هذه المهمات، ستتمكن من إيجاد طرق لمحاولة التخلص من النوع الأول من المهمات (من خلال تفويضها مثلاً)، بينما ستتمسك بالنوع الثاني.

لنعد إلى إيناس. بعد عملها مديرة إدارية لأكثر من 3 سنوات، طلبت التخلي عن هذا الدور. في نظر الأشخاص الذين يرون أن الوظيفة ما هي إلا وسيلة للحصول على المال، فإن اتخاذ هذه الخطوة قد يبدو أنه تراجع كارثي. ولكن عندما يعتمد قرار كهذا على تقييم صادق لما يجعلك سعيداً وما يجعلك تعيساً، حينها يمكن أن يكون نقطة انطلاق نحو دور مُرضٍ حقاً. وفي حالة إيناس، التخلي عن المهمات التي لم يعد العمل عليها في صالحها، وفّر لها وقتاً يمكن أن تخصصه للكتابة عن الأزياء والاستدامة، ما ساعدها على كسب عملاء يمكنها تقديم استشارات لهم في هذا المجال.

ثمة مثال آخر. عندما تم تكليف زميلتي كاميليا بإدارة قسم رئيسي في إحدى الجامعات المشهورة في المملكة المتحدة، اعتقدت أنها حصلت للتو على وظيفة أحلامها. ولكنها أرادت أن تستقيل بعد 3 أشهر فقط. كانت المشكلة هي مساعدها الذي كان يحاول الاستحواذ على دورها، وظل يعطلها في كل خطوة. عندما أعادت كاميليا فحص أسباب عدم سير الأمور على ما يرام، أدركت أنها كانت تتجنب مواجهة مساعدها وأن القيام بذلك يتطلب امتلاك مهارة ستحتاج إلى تنميتها لتحقيق الرضا الوظيفي. ولذلك فإن فحص التفاصيل التي تجعلك تعيساً يمكن أن يساعدك على معرفة كيفية تغييرها.

إعادة تصميم وظيفتك

بعد النظر إلى وظيفتك من منظور مختلف وإعادة فحص جوانبها، حان الوقت لإعادة تصميمها لتتسق مع قيمك واهتماماتك. وهذا ما أطلقت عليه المختصة في علم النفس التنظيمي بكلية ييل لإدارة الأعمال، إيمي زيشنيسكي: “إعادة تصور الوظيفة، وهي عملية إعادة تصميم العمل المحدد الذي تقوم به ليتسق مع نقاط قوتك وقيمك الشخصية، ما يعزز شعورك بالمعنى الذي تكتسبه من وظيفتك”.

يترافق هذا مع عملية إعادة الفحص الموضحة أعلاه، فعندما تفهم ما الذي يحفزك، ستعمل على تعزيزه وإبرازه.

من الأمثلة على إعادة تصور الوظيفة: تنظيم يومك بطريقة تسمح لك بتحقيق أقصى استفادة منه. على سبيل المثال، إذا كانت المحادثات مع العملاء هي أكثر ما تستمتع به، فيمكنك إما جعلها في بداية كل يوم عمل لبدء يومك بطاقة إيجابية كبيرة وإما جعلها في نهاية اليوم لتكون بمثابة مكافأة لك بعد الانتهاء من جميع مهماتك الأخرى.

إعادة تصور وظيفتك لا تعني تجنب الجوانب الأقل متعة في وظيفتك، بل إعادة تنظيمها وترتيبها بطرق تبرز أفضل جوانبها.

صقل المهارات

الخطوة الأخيرة للتغلب على شعورك بالإحباط مع البقاء في منصبك الحالي هي البحث عن فرص لصقل مهاراتك. وأعني بذلك الاستثمار في مستقبلك وتنمية المهارات التي ستتيح لك في النهاية الانتقال إلى وظيفة أخرى عندما يحين الوقت.  ويمكنك القيام بذلك في أثناء عملك في دورك الحالي.

على سبيل المثال، كان زميلي مدحت مديراً للاستثمار المالي وكان يريد العمل في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. نصحته بتطوير خبراته ومهاراته ومعارفه التي يحتاج إليها من خلال الاستثمار في التعلم وحضور المؤتمرات وفعاليات بناء العلاقات وإنشاء مدونات صوتية.

هناك مثال آخر: خلال وجودي كعضو في مجتمع الخبراء المعترف بهم، قابلت نيرة التي تطوعت في صندوق لتمويل المشاريع الاجتماعية وكانت لا تزال تشغل وظيفتها السابقة. وفي نهاية المطاف ساعدتها هذه التجربة على إنشاء مشروع تجاري ناجح عندما حان الوقت المناسب.

باختصار، من الممكن العمل على تحقيق هدفك التالي دون الاستقالة من وظيفتك الحالية. وقد يساعدك استثمار وقتك بهذه الطريقة على الشعور بمزيد من الرضا خارج أوقات العمل وتقليل شعورك بالإحباط في أوقات العمل.

لا يبدو أن “الإحباط الكبير” سيزول، ولكن هناك العديد من الخطوات العملية التي يمكنك اتخاذها لتحسين حياتك المهنية. عند الشعور بالإحباط في العمل، من الطبيعي أن تعتقد أن تغيير وظيفتك هو الحل السحري الذي سيصلح كل شيء. ولكن لا يحدث ذلك عادة، وفي كثير من الحالات يتعذر تغيير الوظيفة الحالية.

ولذلك من الأفضل أن تضع في اعتبارك أنك تشغل هذه الوظيفة المعينة لسبب ما، وتقبّلها كما لو أنك اخترتها بمحض إرادتك إلى أن تتمكن من تغيير وضعك.

إذا كنت تعمل في وظيفة غير مناسبة ومؤذية حيث أنها تؤثر سلباً في صحتك، وتتقاضى راتباً متدنياً، فيجب أن تستقيل دون شك. ولكن ضع في اعتبارك أن البحوث أظهرت أنه لا وجود للوظائف المثالية في الواقع، وأن معظم الوظائف يمكن أن تكون ذات رسالة إذا نظرت إليها من منظور مختلف وأعدت فحص جوانبها وأعدت تصميمها. اتبع هذه الخطوات لتحقيق أقصى استفادة من وضعك الحالي في العمل بينما تخطط لمستقبلك من خلال صقل مهاراتك وترقُّب أي فرصة تلوح في الأفق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .