ما الدور الذي يؤديه أصحاب العمل في الحد من ظاهرة التردد في قبول اللقاحات؟

6 دقائق
ظاهرة التردد في قبول اللقاحات
Boston Globe/Getty Images
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يلعب أصحاب العمل دوراً رئيسياً في الحد من ظاهرة التردد في قبول اللقاحات وفي مساعي إقناع الأفراد بالحصول على التطعيم المضاد لفيروس “كوفيد-19”. وتستعرض هذه المقالة 12 استراتيجية مستمدة من علم الاقتصاد السلوكي.

 

لن تستطيع اللقاحات القضاء على هذه الجائحة ووضع حد للمزيد من الوفيات والزعزعة الاقتصادية إلا إذا تلقاها عدد كاف من الناس بحيث تحقق البلاد مناعة القطيع. وبمقدور أصحاب العمل أن يلعبوا دوراً محورياً في تحقيق هذه الغاية من خلال اعتماد مبادئ الاقتصاد السلوكي لمكافحة ظاهرة التردد في قبول اللقاحات.

استخدام القصص المدعومة بالإحصائيات

عندما تجاوزت حصيلة الوفيات العالمية الناجمة عن تفشي جائحة “كوفيد-19” 2 مليون شخص في يناير/كانون الثاني، بذل الصحفيون جهوداً جبارة لتوعيتنا بخطورة الأزمة، قائلين: “يمكن تشبيه الأمر بسقوط 10 من كبرى الطائرات التجارية في العالم من السماء يومياً ولمدة عام كامل”.

قد يبدو هذا الرقم مذهلاً، إلا أن أي إحصائيات أو رسوم بيانية تعجز عن تصوير الواقع المأساوي لفقدان أحد الوالدين أو الأشقاء أو الجيران أو زملاء العمل. ومن هنا يجب على أصحاب العمل توفير منصة للموظفين تتيح لهم مشاركة القصص المعبرة عن حزنهم لفقدان أحبَّتهم أو الحديث عن تجربة الإصابة بالفيروس. فشيء كهذا لن يسهم في مساعدة الموظفين على التعافي عاطفياً فحسب، بل سيشجعهم أيضاً على اتخاذ التدابير اللازمة، حيث ستزداد فرص اقتناع الناس بأنهم يمكن أن يصابوا بالمرض أو ينقلوا العدوى للآخرين، إذا علموا بحدوث شيء كهذا لإنسان يعرفونه شخصياً.

التركيز على الفوائد الفورية بدلاً من الفوائد بعيدة المدى

ينظر الإنسان بعين الاهتمام والتقدير إلى الفوائد التي يستطيع جنيها على الفور، لذا فإن أي وعود قد تقدمها بأن اللقاح سيؤدي بعد شهور أو سنوات من الآن إلى إنهاء القيود المفروضة بسبب تفشي الجائحة لا تكفي لتحفيز الناس على تلقِّي التطعيمات. ويجب أن تركز الدعاية على الفوائد الفورية، مثل إمكانية عودة الحاصلين على التطعيمات إلى التسوق من محال البقالة أو زيارة مصفف الشعر دون الخوف، أو على الأصح الخوف بدرجة أقل، من نقل العدوى إلى أسرهم. لكن يجب التشديد على نقطة مهمة وهي أن تلقّي التطعيمات لا يعني بحال من الأحوال التخلي عن ارتداء الكمامة والحفاظ على التباعد إلى حين الوصول إلى مناعة القطيع.

التشديد على أن التطعيم سيكون مطلباً أساسياً في بعض الأنشطة

يجب أن تشدد المؤسسات في خطاباتها الموجهة إلى الموظفين على الفائدة الأساسية للتطعيم، والمتمثلة في تجنب الإصابة بالمرض والحيلولة دون نشر مرض فتاك بين أفراد الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل. لكن يجب أن تشير هذه المخاطبات أيضاً إلى الفوائد الأخرى، مثل احتمالية اشتراط تلقي التطعيم قبل السفر إلى الوجهات المحلية أو الدولية في المستقبل أو حتى حضور الحفلات الموسيقية أو الفعاليات الرياضية.

حماية الموظفين من أي خسارة مرتبطة بالتطعيم

تأكد من أن التطعيم نفسه لا يتسبب في تعرض الموظفين لأي خسائر مالية، حيث يقدم بعض أصحاب العمل ما يعادل ساعتين إلى 4 ساعات من الأجر حتى لا يتعرض الموظفون العاملون بالساعة لأي خسائر مالية عندما يقتطعون جزءاً من وقت العمل للحصول على التطعيم.  ويجب ألا يغرم متلقي التطعيم أي تكاليف نقدية.

استخدام الشبكات الاجتماعية

يحب الإنسان محاكاة ما يفعله أصدقاؤه وجيرانه، لذا تعتبر الشبكات الاجتماعية أداة قوية لتشجيع التطعيم. ويظل مكان العمل إحدى أهم الشبكات الاجتماعية بالنسبة للكثيرين. ويمكن الاقتداء هنا بالكثير من المؤثرين الذين يعرضون مقاطع فيديو لهم وهم يتلقون التطعيم، وذلك من خلال لجوء أصحاب العمل إلى وضع ملصقات على شارات الهوية، كما يمكن لمواقع اللقاح توزيع أزرار ذات مظهر جذاب على أولئك الذين يتلقون التطعيم.

وتزداد أهمية استخدام الشبكات الاجتماعية لتشجيع الأفراد على تلقي التطعيم في أوساط السكان ذوي البشرة الملونة، نظراً لارتفاع معدلات التردد في قبول اللقاحات بينهم بسبب التاريخ الطويل من التمييز الطبي. ومن هنا جاءت أهمية تسليط الضوء على الدكتورة كيزميكيا كوربت باعتبارها امرأة ذات بشرة سمراء كانت واحدة من الفريق الأساسي للعلماء الذين طوروا لقاح “موديرنا”، وأن العاملين في مجال الرعاية الصحية من ذوي البشرة السمراء كانوا أول مَنْ تلقى التطعيم في مدينة نيويورك، وكانوا يعطونه للغير.

الحرص على تسهيل التطعيم

يجب أن يكون الحصول على اللقاح سهلاً. ولا بد من تسهيل عملية حجز المواعيد عبر الهاتف أو عبر الإنترنت، ويجب تقديمها في أكبر عدد ممكن من المواقع، بما في ذلك مواقع أصحاب العمل عندما تتوافر اللقاحات بكميات معقولة. ويمكن لأصحاب العمل في الولايات المتحدة تحمل رسوم التطعيم باعتبارها جزءاً من خطة المزايا الطبية والعلاجية.  كما يمكنهم وضع جدول مواعيد لحجوزات التطعيم في موقع العمل حينما يتاح لهم ذلك. ويعتبر هذا الإجراء على قدر كبير من الأهمية في الجرعة الثانية من اللقاحات ذات الجرعتين، والتي يجب أن تُعطى خلال مدة زمنية محدودة. يطلق خبراء الاقتصاد السلوكي على هذا الإجراء “هندسة الاختيار“.

البحث عن الالتزام

تحرص الحملات السياسية على مطالبة الناخبين بتوقيع بطاقات الالتزام بالتصويت لصالح مرشح معين أو دعمه، وذلك لسبب وجيه. فحينما نعلن موقفنا أمام الغير، تزداد قابليتنا للتحيز التأكيدي، وبالتالي نسعى بكل ما أوتينا من جهد للحصول على المعلومات التي تؤكد وجهة نظرنا ونتغاضى عن المعلومات التي تدحضها.

ويجب على أصحاب العمل تشجيع موظفيهم على تسجيل أسمائهم في قوائم الراغبين في الحصول على التطعيم بمجرد استيفاء الشروط المؤهلة للحصول عليه، حتى إذا اضطروا إلى الانتظار لبعض الوقت. ويجب على المسؤولين التنفيذيين والقادة المؤثرين التعبير عن التزامهم بالتطعيم، حتى لو لم تنطبق عليهم الشروط بعد.

عدم إلزام الموظفين بالحصول على التطعيم قبل أن يلقى القبول على نطاق واسع

تُجيز “لجنة تكافؤ فرص العمل” في الولايات المتحدة لأصحاب العمل فرض الحصول على التطعيمات إذا لزم الأمر لضمان سلامة مكان العمل، ولكنها تشترط مراعاة الموانع الدينية أو الطبية. بيد أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن هذا هو الوقت المناسب لفرض الحصول على التطعيم.  ودعونا لا نرغم الناس على إعلان معارضتهم للقاح في وقت يقول فيه ما يقرب من ثلث السكان إنهم يريدون الانتظار ليروا نتائج اللقاح وآثاره. فأولئك الذين يُبدون ممانعتهم للحصول على التطعيم حتى الآن ستزداد فرص إقبالهم عليه في وقت لاحق على الأرجح، عندما يرون أصدقاءهم وزملاءهم في العمل وأسرهم يجنون فوائد اللقاحات الآمنة، وعندما يُطلب منهم إبراز شهادات الحصول على التطعيم قبل دخول أماكن الترفيه أو غيرها من الأنشطة غير المرتبطة بالعمل.

صياغة الخيارات بطريقة تبرز قيمة التطعيم

وفّر السياق المناسب لمساعدة الموظفين على فهم قيمة التطعيم. فقد يشعر بعض الموظفين بالقلق لأن اللقاحات حصلت على الموافقة المبدئية فقط ولم تحصل على الموافقة الكاملة من إدارة الدواء والغذاء الأميركية، وبالتالي يرون أنها محفوفة بالمخاطر. أوضح لهم أن عشرات الملايين من البشر حصلوا على التطعيم باللقاح دون نتائج سلبية مؤثرة، وأن معدلات المضاعفات لا تزال منخفضة للغاية، ولم تتسبب اللقاحات في حدوث وفيات مؤكدة، وأن الجائحة أودت في الوقت نفسه بحياة أكثر من 500 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها وأكثر من 2.5 مليون شخص على مستوى العالم.

وهناك الآن تقارير مؤسفة تفيد بأن البعض يرفضون لقاحات معينة بسبب التقارير المبدئية التي تشير إلى أنها أقل فاعلية من غيرها. ذكِّر الموظفين بأن لقاحات “فايزر” و“موديرنا” و“أسترا زينيكا” و“جونسون آند جونسون” قد قللت من معدلات دخول المستشفيات بنسبة تزيد على 99%. وقد بدأنا الحديث الآن عن زيادة “الثقة في اللقاحات” بدلاً من انخفاض “التردد في قبول اللقاحات”.

مقاومة الرغبة في التقليل من المخاطر الشائعة 

قد ينجَرُّ البعض إلى التحيز التفاؤلي، بمعنى أنهم يؤمنون بأنهم أقل عرضة من غيرهم لمعاناة الآثار السلبية التي توحي بها الإحصاءات. ولك أن تنظر على سبيل المثال إلى المدخنين الذين يرفضون الإقلاع عن التدخين على الرغم من علمهم بأنه يؤدي إلى الوفاة المبكرة، وهناك أيضاً متسابقو سيارات السرعة الذين يصرون على مواصلة التسابق على الرغم من علمهم بشيوع الحوادث التي تعرض حياتهم للخطر.

وبالمثل، يقلل الكثيرون من خطر تعرضهم للإصابة بفيروس “كوفيد-19” أو التعرض للإعياء الشديد أو معاناة آثار جانبية دائمة في حالة الإصابة به. ويمكن لأصحاب العمل التغلب على هذا التحيز في خطاباتهم الموجهة إلى الموظفين لتشجيعهم على التطعيم، وذلك بالتركيز على تقليل مخاطر نقل المرض إلى أحبائهم والإشارة إلى مناعة القطيع كخطوة ضرورية على طريق العودة إلى الكثير من الأنشطة التي نفتقدها.

تجنب إغراق الموظفين بالكثير من المعلومات

عندما يُتاح أمامنا الكثير من الخيارات والكثير من المعلومات، فغالباً ما نصاب بالجمود ونمتنع عن قبول أي خيار على الإطلاق. فإذا عرضتَ على المتسوقين عدداً ضخماً من العينات في متجرك، فلن يشتروا إلا قليلاً من العينات المعروضة أمامهم.

وقد يؤدي سيل المعلومات حول مرض “كوفيد-19” أيضاً إلى إصابة الموظفين بالشلل الفكري وتقليل معدلات الإقبال على التطعيم، لذا يجب على أصحاب العمل تقديم معلومات سهلة الفهم حول الأسباب الداعية إلى التطعيم وكيفية الحصول عليه والأماكن المخصصة لتلقيه. سيكون التطعيم خياراً، ولكن دعونا نجعله خياراً سهلاً.

الحرص على العدالة

جُبِل الإنسان على كراهية الظلم، حتى لو لم يتضرر هو نفسه من هذا الظلم. ويجب على القادة أن يكونوا نموذجاً يُحتذى به في الإقبال على التطعيم باللقاح مع الحرص على تقديم اللقاحات بأسرع ما يمكن للعاملين في الخطوط الأمامية وأولئك الأكثر عرضة للخطر. ويجدر بشركات البيع بالتجزئة ألا تقدم التطعيمات لرئيس مجلس الإدارة مع ترك الصرّافين دون حماية! فإذا سُمح للشركات بتطعيم موظفيها، فيجب أن تقدمه لجميع الموظفين بالتساوي وحسبما تسمح الكميات المتوافرة من اللقاح. تجدر الإشارة إلى أن تقديم التطعيمات بصورة غير عادلة لن يؤدي إلى التشهير بأصحاب العمل في الصحافة فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى دفع الموظفين الغاضبين إلى رفض التطعيم بشكل نهائي.

تعتبر جائحة “كوفيد-19” أكبر تحدٍ للصحة العامة منذ قرن من الزمان. وإذا أردنا مكافحتها، فيجب أن نرفع معدلات الإقبال على التطعيم باللقاحات الآمنة والفاعلة للغاية بين أفراد الجمهور العادي. وبمقدور أصحاب العمل الإسهام في تحقيق مناعة القطيع والحد من ظاهرة التردد في قبول اللقاحات، وبالتالي الحيلولة دون تفشي المرض ووضع حد للوفيات والاضطرابات الاقتصادية الناجمة عنه، وذلك باستخدام مجموعة أدوات الاقتصاد السلوكي لتشجيع الموظفين وأسرهم على التطعيم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .