كيف يوضح الرؤساء التنفيذيون طريقة الموازنة بين الجنسين في مجالس إدارتهم؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لأول مرة منذ 8 سنوات، انخفضت نسبة النساء في مجالس إدارة الشركات الأميركية العام الماضي. على الرغم من توافر الكثير من الأدلة حول مزايا زيادة عدد النساء في مجالس الإدارة (مثل صناعة القرار بشكل أفضل)، والضغط المتزايد من شركات مثل “ستيت ستريت” (State Street) “غلوبال أدفايزرز” (Global Advisers) و“بلاك روك” (Blackrock) لتنفيذ ذلك، فإن البيانات تشير إلى أن الأمر سيستغرق حتى نهاية عام 2055 لتحقيق التكافؤ بين الجنسين في مجالس الإدارة في الولايات المتحدة إذا واصلنا بالمعدل الحالي.

من هنا يمكن أن يأتي دور الرؤساء التنفيذيين. ذلك أن تعيينات مجلس الإدارة تتأثر بشكل كبير بالرؤساء التنفيذيين، ويمكنهم تنفيذ عمل أفضل من خلال المناشدة بتواجد مزيد من النساء في مجلس الإدارة. ولحسن الحظ، يسير البعض في هذا الاتجاه.

أجرينا مقابلات مع الرؤساء التنفيذيين الذين وصلوا بنجاح إلى تحقيق التكافؤ بين الجنسين في مجلس الإدارة لمعرفة كيفية تنفيذهم ذلك. وجمعنا عينة من 36 شركة من أكبر الشركات المالية الأميركية وفقاً لمؤشر “إس آند بي 500” (S&P500)، تلك التي لديها ما لا يقل عن 40% من مجالس الإدارة من النساء. كما أجرينا مقابلات مع 15 رئيساً تنفيذياً من كبار الرؤساء التنفيذيين وعضو مجلس إدارة واحد شغل منصب “رئيس لجنة الترشيحات والحوكمة” من هذه الشركات. كان لدى شركات العينة ما نسبته 49.8% من النساء في مجالس إدارتها.

طرحنا على هؤلاء “الروّاد” 3 أسئلة بسيطة: ما مزايا تحقيق التكافؤ بين الجنسين في مجلس الإدارة، ولماذا لا يتخذ كبار الرؤساء التنفيذيين الآخرون هذه الخطوات، وكيف نفّذتم ذلك؟ أجرينا أيضاً استبانة رأي لـ 20 عضواً من أعضاء مجالس إدارة هذه الشركات حول انطباعاتهم عن العمل مع مجلس إدارة يتسم بتنوع أعضائه من الجنسين. بالإضافة إلى هؤلاء المسؤولين، تحدثت مع 6 من الرؤساء التنفيذيين، بالإضافة إلى “رئيس لجنة الترشيحات والحوكمة”، من كبرى الشركات المالية الأميركية وفقاً لمؤشر “إس آند بي 500” مع مجالس إدارة تتضمن نساء بين أعضائها بنسبة 20%، لمقارنة مدى اختلاف انطباعاتهم.

ذكر الرواد* أنه من خلال تجربتهم، لاحظوا فشل معظم الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة التنوع بين الجنسين بسبب الخوف من التغيير أو خطر الفشل. هذا يُذكّرنا بالمفهوم النفسي “التركيز التنظيمي“، الذي يشير إلى أن الأشخاص يسعون إلى تحقيق الأهداف بإحدى طريقتين: الأشخاص الذين لديهم تركيز قوي على “الارتقاء” يُحفَّزون بما يجب عليهم اكتسابه، في حين أن الأشخاص الذين لديهم تركيز قوي على “التحوّط” لديهم دوافع لحماية ما قد يخسرونه. كما تشير المقابلات لتي أجريناها إلى أن أولئك الروّاد أبدوا “تركيزاً قوياً على الارتقاء” وكان ذلك بسبب تطلعاتهم ورغبتهم في التحسين، في حين أن الرؤساء التنفيذيين الذين لا يضغطون من أجل التنوع في مجلس الإدارة قد يعكسون “تركيز التحوّط”.

فالخوف من زيادة تنوع مجلس الإدارة أمر منطقي عندما تفكر في البحوث التي توضح أن مجالس الإدارة المتنوعة من الناحية الديموغرافية من المحتمل أن تتعارض مع توجهات الرئيس التنفيذي، ويشعر أعضاء مجلس الإدارة الذين ينتمون ديموغرافياً إلى منطقة الرئيس التنفيذي بأنهم أقل راحة في إبداء الآراء المخالفة تجاه الشخص الذي ساعدهم في الحصول على مقاعدهم التي طمعوا فيها. في الواقع، أظهرت استبانة رأي أجرتها شركة “ماكنزي” (McKinsey) لـ 692 من أعضاء مجالس الإدارة وأصحاب المناصب التنفيذية العليا في عام 2014 أن 14% منهم فقط اختاروا “الأشخاص الذين اشتُهروا بالتفكير المستقل” كمعيار أساسي لتعيين أعضاء جدد، ما يشير إلى أن العديد من الرؤساء التنفيذيين قد لا يريدون آراء معارضة في اجتماعات مجلس الإدارة.

كما وصف الأشخاص الذين أُجريت معهم مقابلات شخصية كيف يمكن أن يتخوف الرؤساء التنفيذيون من تعيين أعضاء لا يعرفونهم شخصياً. وعبّر العديد منهم عن مخاوفهم بشأن زعزعة العلاقات الجيدة بين أعضاء مجلس الإدارة من خلال جلب شخص جديد أو مختلف.

تنعكس هذه الرغبة في تعيين أعضاء مجلس إدارة “معروفين” أو مألوفين في البيانات القوية والمطردة التي تُظهر أن معظم أعضاء مجلس الإدارة الجدد يُعيَّنون من شبكات المعارف الخاصة بأعضاء مجلس الإدارة الحاليين – وهي شبكات تتكون على الأرجح من أعضاء آخرين مماثلين للأعضاء السابقين في العرق أو نوع الجنس أو الخصائص الاجتماعية الديموغرافية أو الخصائص السلوكية والشخصية.

قال الرؤساء التنفيذيون أيضاً إن إحدى العقبات الرئيسة التي تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين في مجلس الإدارة هو التركيز على اختيار أعضاء مجلس الإدارة من المستويات العليا. ووفقاً لـ دراسة أجرتها شركة “سبنسر ستيوارت” (Spencer Stuart) لعام 2015، تفضل مجالس الإدارة كثيراً تعيين كبار الرؤساء التنفيذيين الناشطين أو رؤساء العمليات للانضمام إلى صفوفهم، حيث أعرب 65% من المشاركين عن هذه الأفضلية. وهو ما يجعل من الأسهل بكثير تعيين أعضاء مجلس الإدارة من الذكور، وذلك لأن نسبة 6% فقط من الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة من النساء والنتائج متشابهة بالنسبة إلى بقية المناصب التنفيذية العليا. كما لاحظ الرؤساء التنفيذيون أن شركات التوظيف من المحتمل أيضاً أن تسفر عن مرشحين لمجالس الإدارة من الذكور البيض ما لم يصر الرؤساء التنفيذيون على خلاف ذلك.

لكن الرؤساء التنفيذيين الذين قابلتهم ذكروا أن تجربة المناصب التنفيذية العليا يجب ألّا تكون شرطاً أساسياً بالنسبة إلى أعضاء مجالس الإدارة. وعلى الرغم من أن وجود 1-2 من أعضاء مجلس الإدارة الذين لديهم خبرة المناصب التنفيذية العليا، كان يُنظر إليه على أنه ميزة إضافية، فإن الرؤساء التنفيذيين لاحظوا أن وجود جميع الرؤساء التنفيذيين في مجلس الإدارة سيحول دون وجود تنوع في التفكير.

كما كانت هناك عقبة أخرى أمام زيادة التنوع في مجالس الإدارة، وفقاً للرؤساء التنفيذيين الذين قابلناهم، وهي الاعتماد المفرط على فكرة أن مجالس الإدارة يجب أن تختار “الشخص الأنسب لهذا المنصب”. ولعل سبب تغلغل هذا الافتراض هو أن فكرة توظيف النساء تعني خفض المعايير الخاصة بهم. وهذا يتفق مع بعض البحوث، فعلى سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أنه عندما تُروّج المنظمات للثقافة التي يصفونها بالجدارة، يكون هناك في الواقع تحيز أكبر ضد المرأة. إذاً، يبدو أن مفهوم الجدارة أصبح مرادفاً للاحتفاظ بالوضع الراهن. ولكن، كما لاحظ الأشخاص الذين أُجريت معهم المقابلات، من المؤكد أن مجالس الإدارة لا تختار الشخص الأفضل للوظيفة إذا كانت تُعيّن فقط من شبكة معارفها الصغيرة المتاحة.

كما عبَّر اثنان من الرؤساء التنفيذيين من عينة الـ 20% عن قلقهما من أن يعتقد آخرون أن النساء اللائي يتم اختيارهن لمجلس الإدارة يكون بدافع نوع جنسهن. فقال أحدهما: “كنت دائماً ما أتردد قليلاً [في الحديث عن النساء في مجلس الإدارة] لأنني لا أريد أن يُنظَر إلى أعضاء مجلس الإدارة الخاص بنا بعامل الجنس أو التنوع. أريد لهم أن يُعرَفوا بمهاراتهم. فأعضاء مجلس إدارتنا لم يعيَّنوا بسبب جنسهم”.

في الواقع، عندما تعتقد النساء أنهن المستفيدات من هذا الإجراء الإيجابي فيمكن لذلك أن يسيء إلى تقديرهن لذواتهن ما يجعلهن يعتقدن أنهن أقل كفاءة مم يشعرن به. يصف عالم النفس كلود ستيل هذا الأمر بـ “تهديد القالب النمطي” – ذلك أن الناس يدركون القوالب النمطية ومن ثَم يتخوفون من تأكيدها.

ولكن الحقيقة هي أن وجود مزيد من النساء في مجلس الإدارة ليس بالمخاطرة. فلن يحدث أي شيء سيئ، لكن بعض الأشياء الجيدة ستحدث: فجميع الأفراد الذين قابلتهم أشاروا إلى ملاحظة انخفاض التفكير الجمعي (تفكير القطيع)، والاستماع إلى الآراء بشكل أفضل، ووجود تفاعلات أكثر إمتاعاً نتيجة لوجود المزيد من النساء في مجلس الإدارة. وأُثبِتت هذه المزايا من خلال البحوث أيضاً. ذلك أنه يمكن أن يؤدي وجود مزيد من النساء ضمن أعضاء مجلس الإدارة إلى إنشاء نماذج للقدوة من النساء الموهوبات، ما يؤدي إلى تشجيع المزيد من النساء من المسؤولات التنفيذيات في السنة اللاحقة، وتحسين الأداء المالي.

كما كشف الروّاد الذين تحدثت معهم عن أن التغيير أمر مقصود، ويمكن للرؤساء التنفيذيين الآخرين تنفيذ عدد من الأمور لحث مجالس إدارتهم على تحقيق المساواة بين الجنسين.

أولاً، التركيز على الارتقاء عندما يتعلق الأمر بالتنوع. التفكير في جميع المزايا التي يمكن أن تحققها مجموعة متنوعة من الرؤى والخبرات على طاولة أعضاء المجلس، بدلاً من التفكير في التكاليف أو المخاطر المحتملة. فضلاً عن التأكيد على هذه الرؤية أمام مجلس الإدارة. تحقيق السبْق في توسيع شبكة المعارف الشخصية لتشمل المزيد من النساء والأقليات.

ثانياً، البحث عن الأمور المزعزِعة الرئيسة في مجلس إدارة الشركة (على سبيل المثال، عمليات الدمج، والاكتتاب العام، إلخ) كفرصة مناسبة لزيادة عدد النساء. تحدّث العديد من الرواد عن استخدام هذه الاضطرابات في مجالس الإدارة كفرصة لإجراء تغييرات في تشكيل مجالس إدارتهم بدلاً من الحفاظ على الوضع الراهن وتعيين المزيد من الرجال البيض. في حالة عدم وجود اضطرابات كبيرة، ربما يدعم الرؤساء التنفيذيون عملية المراجعات السنوية لأعضاء مجلس الإدارة كوسيلة لتغيير أعضاء مجلس الإدارة الذين ليس لهم أي دور في المجلس وتقديم رؤىً جديدة.

سواء كنت تجمع مرشحين من شركات التوظيف أو شبكات معارفك الخاصة، تأكَّد من وجود امرأتين على الأقل في القائمة النهائية للمرشحين لعضوية المجلس. ذلك أنه عندما يكون هناك امرأة واحدة فقط في المجلس، فمن المحتمل أن يُنظر إليها على أن وجودها رمزي، ما قد يؤدي إلى تفاقم التحيز في الوضع الراهن ومن ثَم تقليص فرصتها في أن يتم اختيارها. أما عندما يكون هناك امرأتان في مجلس الإدارة، فيُظهر بحثنا أن ذلك يقضي على التحيز الذي يبدو في الوضع الراهن.

كما قال بعض الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثت معهم إن هذا ربما لا يكون كافياً، وقد ذهب البعض إلى حد القول إنهم سيجرون مقابلات مع جميع النساء الموجودات في القائمة النهائية للترشيح قبل إجراء مقابلة مع أي من الرجال للحصول على مقعد شاغر في مجلس الإدارة. وذكروا أيضاً أن تحيز الوضع الراهن ملحوظ جداً، وأشاروا إلى أنه إذا أُجريت المقابلة أولاً مع رجل فسيُفضل مجلس الإدارة توظيفه على أي من النساء. في الواقع، تشير الإحصاءات إلى أنه عند إجراء تغيير، عادة ما يحل رجالٌ أيضاً محل أعضاء مجالس الإدارة الذكور.

وفي نهاية المطاف، تجدر الإشارة إلى أن تعيين امرأة للمرة الأولى في مجلس الإدارة هو في كثير من الأحيان أصعب خطوة، ذلك أنه ربما تكون النساء مترددات في الانضمام إلى مجلس إدارة جميعهم من الذكور لأنهن ربما يتخوفن من مدى معاملتهن بشكل جيد. ولكن وجود امرأة واحدة في مجلس الإدارة تفتح شبكات علاقات جديدة، ويمكن أن يحقق تنوعاً أكبر لمجلس الإدارة مع مرور الوقت. يمكن لتلك الخطوات مساعدة جميع الرؤساء التنفيذيين في أن يصبحوا رواداً.

*هؤلاء الرؤساء التنفيذيون “الروّاد” معتَرف بهم من قِبل منتدى نيويورك للمرأة (Women’s Forum of New York)، الذي دعا رؤساء تنفيذيين لاجتماع من أجل تغيير القواعد السائدة من خلال حفل الإفطار الذي يجري كل عامَين ويحضره رواد الشركات منذ عام 2011، وذلك لدفع عجلة النهوض بالمرأة في مجالس إدارة الشركات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .