ماذا تفعل عندما يتسبب ضغط العمل بمرضك؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أُصيبت محامية طموحة، تدعى أليسون، بجلطة دماغية عندما كانت في الخامسة والثلاثين من عمرها، حيث استيقظت ذات صباح غير قادرة على الحركة لأن الشقّ الأيسر من جسدها مشلول. ولأنه كان يجب عليها الحضور في المحكمة ذاك اليوم، أمسكت بهاتفها واتصلت بمساعدتها قبل طلب الإسعاف.

كانت هذه الجلطة كعود الثقاب في برميل البارود. فقد تجاهلت أليسون علامات التحذير لأيام، بما فيها الطنين في أذنيها والاعتلالات البصرية والإرهاق. كان من الصعب أن يحدد الأطباء سبب الجلطة بدقة، فغالبية حالات الإصابة تحدث لدى من تجاوزوا الخامسة والستين من العمر، لكنهم أجمعوا على أن الإجهاد هو أقوى سبب محتمل لإصابتها.

لا يخفى على أحد أن الوظائف ذات الضغوطات العالية تسبب قلقاً وتوتراً مفرطين ينعكسان على الصحة الجسدية بأشكال متعددة. وتُظهر الدراسات أنه من الصعب على الدماغ والجسم تمييز التوتر الناتج عن الخطر الحقيقي (مثل احتراق المنزل مثلاً) والتوتر الناتج عن خطر متوقع (كمدير كثير المطالب). فيتجاوبان معه بإفراز هرمونات ومواد كيميائية لتسريع نبضات القلب وزيادة ضغط الدم وتحفيز العضلات. فيصبح الإنسان أكثر تنبهاً وتجاوباً وهو شيء مناسب عندما يكون في خطر حقيقي يعرضه للأذى. لكن لا يستطيع الجسم تحمل هذا المستوى من الاستنفار لفترات طويلة من الزمن، لذلك يبدأ بالانهيار بعد فترة. وربما ينتج عن ذلك العديد من الأعراض، كالصداع المزمن والغثيان والأرق واضطرابات جسدية أشد خطورة، بما فيها السكتة القلبية وارتفاع الضغط الشرياني وبالتأكيد، الجلطة الدماغية.

لذلك، إذا وجدت نفسك في وظيفة تسبب لك مشاكل صحية، يجب عليك اتخاذ خطوات واعية لتحسين صحتك الجسدية والذهنية.

تعرّف على السبب

إذا كنت تعاني من سلسلة مستمرة من الأمراض الناتجة عن التوتر وضغط العمل، يكون من الصعب تحديد السبب لها. فقد تعاني من الأرق وقلة النوم أو صداع نصفي دائم دون أن تتمكن من معرفة سبب لذلك.

كانت إحدى زبائني، وتدعى أحلام، تعمل في الوسط الأكاديمي، وتعاني من حالات غثيان وإقياء متكررة عندما تستقل وسائل النقل بين العمل والمنزل. كان جسدها يرسل لها رسائل وتنبيهات ولكنها، كالكثير منا، لم تفهمها (لقد استطعنا تحديد السبب ومعالجته لاحقاً، وسنتحدث عن ذلك فيما بعد).

التوتر

لمعرفة ما يسبب لك التوتر، احتفظ بدفتر مذكرات صغير أو مجموعة بطاقات مفهرسة واحملها معك حيثما ذهبت. وعندما تبدأ الأعراض الجسدية لديك قم بكتابة ما يحدث معك وما يجري حولك. هل كنت تقوم بكتابة رسالة إلكترونية موجهة لزبون صعب؟ هل كنت تستعد لاجتماع مع مديرك؟ ما الذي كنت تفكر به في تلك اللحظة؟ كرّر ذلك لمدة 3 إلى 5  أيام على الأقل، ثم راقب وجود أية أنماط مكررة ملحوظة.

غالباً ما يصعب معرفة سبب محدد لشعورنا بالانزعاج. لأنه ببساطة نتيجة وظيفة غير مناسبة. كما كان الحال عندما كنت أعمل في المبيعات الدوائية، وكان عملي قاسياً ومجهداً. وبسبب معاناتي من آلام شبيهة بآلام الانفلونزا وآلام عضلية، كنت أخضع لجلسات تدليك منتظمة، والتي كانت بحدّ ذاتها مؤلمة جداً. لم يكن ذلك بسبب شخص أو مشروع ما، بل كان بسبب الوظيفة بحد ذاتها. ولكنني احتجت للقيام بعملية استبعاد للأمور، أمراً تلو الآخر، كي أتمكن من إدراك ذلك.

خفّف الألم

يعتمد ما يجعلك تشعر بتحسن بصورة كبيرة على ما يتسبب بمرضك. ولكن، إليك ثلاث نقاط يمكنك البدء منها.

أولاً، مرّن جسدك وعقلك

تحدثت البحوث كثيراً عن قدرة التمارين الرياضية على تحسين تجاوب الإنسان مع التوتر. ووفقاً للجمعية الفيزيولوجية الأميركية، تعمل التمارين الرياضية كاختبار لعمل التوتر على النظام الفيزيولوجي. فهما يرتبطان ببعضهما البعض، حيث تجد أن جسدك يعمل بكفاءة أكبر عندما تمرّ بحالة توتر. كما يعتبر التأمل أحد وسائل خفض التوتر، فهو يساعد على زيادة الوعي والتفكير بموضوعية. لم لا تجرب طريقة “10 دقائق من التأمل لحلّ النزاعات”.

حتى أنه يمكن أن يعرض عليك مديرك فرصاً عديدة لترتاح من التوتر عن طريق النشاطات الجسدية والذهنية. إذ تبين الدراسات أن العديد من الشركات تتبع برامج للصحة من أجل التغلب على الأمراض الناتجة عن العمل وبالأخص عندما يكون التوتر هو المسبب لها. ابحث عن هذه البرامج في شركتك واستفد منها.

ثانياً، حاول إقامة الحدود التي تخدم صالحك

كنت معتاداً على تفقد بريدي الإلكتروني قبل أن أنهض من سريري كل الصباح. وكانت الرسائل المزعجة تحدد مزاجي في العمل طوال اليوم. لذلك قررت أن أضع لنفسي قاعدة وهي: ممنوع الاضطلاع على البريد الإلكتروني قبل تناول وجبة الفطور. احصر النقاط التي تتسبب بتوترك وضع الحدود التي تراها مناسبة لك. جرب إخراج هاتفك من غرفة نومك، ما سيوقف تلك الرغبة الملحّة لتفقده في أوقات مبكرة أو متأخرة ويسمح بتنظيم نومك وحصولك على ساعات كافية من النوم، الذي بدوره سيكون له دور السحر على صحتك وراحتك. وذلك لأن الضوء المنبعث من شاشة هاتفك، والمسمى “الضوء الأزرق” يخفض من نسبة هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم ويجعل دماغك يعمل وكأنه في النهار. ولذلك تنصح المؤسسة الوطنية للنوم بالتوقف عن النظر إلى الشاشة قبل موعد النوم بساعة.

ثالثاً، عبّر عما يدور في بالك

لاحظت في العديد من محادثاتي مع كثير من زبائني الذين كانوا يعانون من ضغط العمل الكبير أنه في أغلب الأحيان تستطيع محادثة صريحة مع المدير أو الزميل أن تؤدي إلى راحة كبيرة. خذ مثلاً أحلام، التي كانت تعاني من الغثيان في وسائل المواصلات، فقد استطاعت معرفة سبب توترها، وهو مدير غير كفؤ، حيث تكاتف زملاؤها وتقدموا بشكواهم، بكل احترام وصراحة، لقسم الموارد البشرية ووضحوا السبب الذي يجعل هذا الشخص غير جدير بأن يكون مشرفاً عليهم. فقام مسؤول الموارد البشرية بالتغييرات اللازمة، بما فيها نقل ذاك الشخص إلى وظيفة غير إدارية. وأصبحت أحلام الآن تحب الذهاب إلى العمل.

هل حان الوقت لتترك عملك؟

إذا كان ضغط العمل يتسبب لك بآلام جسدية حقيقية، وإذا كنت متأكداً أن هذه الحالة ستستمر على الرغم من كل ما تقوم به لتلافيها، فلربما آن الأوان لترك هذا العمل.

راقبت العديد من زبائني يتخبطون عند الوصول إلى وقت اتخاذ هذا القرار، وخاصة عندما يتعلق الأمر بترك وظيفة ذات دخل مرتفع. لذلك غالباً ما أطلب منهم القيام بتمرين بسيط لتحديد الإيجابيات والسلبيات. أنشئ قائمة بكل الأمور التي يقدمها لك عملك، كالراتب والفوائد والمركز، بالإضافة إلى ما يسببه من صداع وأرق ونوبات ذعر، وغيرها من مشاكل. ثم قم بتحليل القائمة لمعرفة ما إذا كانت آثار العمل على صحتك تفوق فوائده. إذا كان ذلك، فاترك العمل. أما إن لم يكن، فذكّر نفسك أن بقاءك في الوظيفة برغم سلبياتها هو خيار بيدك، وهذه نقطة قوة أيضاً.

والمفارقة في قصة أليسون أن ما جعلها تفكر في أثر عملها عليها هو أن الشركة قامت بتسريحها من عملها، وليست الجلطة التي أصيبت بها. لم يكن ذلك ما ترغب به ولكنه كان أمراً استثنائياً منحها الوقت للتفكير ملياً بدور عملها في مرضها، وبنوع العمل الذي سيساعدها على تجنب هذا الضغط في المستقبل. ولقد استعادت اليوم قدرتها على المشي مجدداً بعد فترة نقاهة مطولة، وهي تعمل الآن لحسابها الخاص في المحاماة كما تقوم بصنع خبز خال من الغلوتين لبيعه في أوقات فراغها.

لا تؤجل إعادة تقييم ما يكلفك إياه عملك إلى أن تستيقظ يوماً ما مصاباً بالشلل. أنت من تتحكم بمسار مهنتك وحياتك، وعليك اتخاذ القرار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .