4 أخطاء جوهرية يقع فيها القادة عند صياغة الاستراتيجية

6 دقائق
وضع الاستراتيجية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: إن مجرد صياغة الاستراتيجية لا يعني أنها جاهزة لتُسلّم إلى موظفي الخطوط الأمامية لتنفيذها. وبدلاً من أن يُبدي القادة رد فعل على أوجه القصور في الاستراتيجية ويسارعوا إلى معالجتها في أثناء التنفيذ، يجب عليهم التحقق مما إذا كانت الاستراتيجية قائمة على أساس متين في المقام الأول. وذلك يتطلب التخلص من الافتراضات لتجنب 4 أخطاء أساسية يقع فيها القادة غالباً عند تطبيق الاستراتيجية: 1) عدم فهم المشكلة 2) عدم فهم قدرات المؤسسة 3) عدم فهم الضغوط الثابتة 4) عدم فهم البيئة الثقافية. تحقق مما إذا كانت استراتيجيتك تأخذ في الاعتبار السياق الذي يجب أن تُنفّذ فيه، فذلك مكمن الغموض، وعالج المزالق المحتملة بشكل استباقي لتضمن أن يكون لدى فريقك الأدوات اللازمة لتقديم النتائج المرجوة. وتذكّر أن التنفيذ الناجح للاستراتيجية هو نتاج دقة الخطة نفسها.

 

غالباً ما يكون مآل الاستراتيجيات التنافسية الفشل، والجميع يعرف ذلك بالطبع؛ فوفقاً للدراسات، لا تُنفّذ نحو 60 إلى 90% من الخطط الاستراتيجية بالكامل. وتتنوع أسباب انحراف الاستراتيجية عن مسارها كثيراً، لكن اللوم يقع غالباً على التنفيذ. وعلى الرغم من أن ذلك التفسير قد يكون عادلاً أغلب الأحيان، لا يمثّل السبب الرئيس، بل قد يعود سبب المشكلة الحقيقية إلى تصميم الاستراتيجية بحد ذاته، وقد يكون الاعتراف بذلك صعباً حتى.

تأمّل هذا السيناريو: قضى قادة مئات الساعات في بناء استراتيجية شاملة، تلتها سلسلة من العروض التقديمية، واجتماعات لتقييم الوضع، والعديد من تقارير التقدم. لكن انخفاض ​​الدافع والحماس لدى الموظفين باكراً جعلهم يتقاعسون عن التزاماتهم التنظيمية. فأصبحت الفِرق تنفّذ الإجراءات السطحية فقط لإرضاء القيادة. وهو ما دفع القيادة إلى التشكيك في استدامة الخطة وجدواها، إلى أن تخلت عن الاستراتيجية بهدوء، وأعادت كرّة التخطيط من جديد.

هل كان السبب سوء التنفيذ؟ ربما. لكن قد تحمل الاستراتيجيات بين طياتها عيوباً فادحة لا تظهر إلا في أثناء التنفيذ. وقد يُثار جدل حول سبب الفشل الحقيقي عند الجهل بوجود مشكلات في الخطة نفسها.

واسمحوا لي أن أقدم مثالاً أدق على ذلك. صمّم أحد عملائنا استراتيجية طموحة توضح هدف شركته المتمثل في “الوصول إلى مكانة في القطاع تضاهي مكانة شركة تيسلا في قطاعها”. على الرغم من أن استراتيجيته تلك كانت مدعومة ببحوث السوق وتقييمات الزبائن، لم تتمكن المؤسسة من تحقيقها. وكانت الشركة حبيسة العصور المظلمة من الناحية التكنولوجية، وكانت فرقها تعاني نقصاً في الموارد والمواهب والقدرات. أما من الناحية الثقافية، فكانت المؤسسة تتجنب المخاطر وتتحكم في التكاليف. كما أن الوضع الحالي جعل القفزة غير منطقية وفق أفضل تقدير، ومستحيلة وفق أسوأ تقدير.

تبرز مثل قضايا الاستراتيجية تلك عندما تُفرط القيادة في التركيز على المشهد الخارجي، تاركة المجالات الداخلية من دون استكشاف. لكن بحلول الوقت الذي تُعرض فيه الاستراتيجية على المؤسسة، تكون فعاليتها تقوّضت بالفعل. والمشكلة في الواقع تكمن في تصميم الخطة وليس في مجال التركيز. بعبارة أخرى، عادة ما تكون الاستراتيجية منفصلة عن الواقع، ما يولّد حالة من عدم اليقين تؤدي إلى توقف العمل.

وبدلاً من أن يُبدي القادة رد فعل على أوجه القصور في الاستراتيجية ويسارعوا إلى معالجتها في أثناء التنفيذ، يجب عليهم التحقق مما إذا كانت الاستراتيجية قائمة على أساس متين في المقام الأول. ويتطلب ذلك التخلص من الافتراضات لتجنب 4 أخطاء أساسية تُعدّ الاستراتيجيات للفشل.

الخطأ #1: عدم فهم المشكلة

لا تنطوي جميع مشكلات العلاقات العامة على الترويج للعلامة التجارية فقط، بل قد يعود سبب المشكلات إلى سوء القيادة أيضاً. ولا تتعلق جميع مشكلات التمايز بتطوير المنتجات، بل قد يعود سبب المشكلات إلى تموضع العلامة التجارية أيضاً. وينطبق الأمر نفسه على الاستراتيجية. فقد يُنظر إلى دخول منافسين جدد، أو التراجع الكبير في المبيعات، أو التغيرات التكنولوجية المؤثرة على أنها أسباب لوضع استراتيجية جديدة. ومع ذلك، يعدّ كل تحدٍ من تلك التحديات فريداً من نوعه، وقد يتطلب إعادة هيكلة كاملة أحياناً.

ومن الضروري إجراء دراسة متعمقة لتحديد الظروف التي تتطلب زعزعة كاملة مقابل إجراء تحسينات مخصصة على الاستراتيجية الحالية. وغالباً ما تنطوي نتيجة تلك الدراسات على إجراء تحسينات على الاستراتيجية الحالية. لنفترض أن شركة كبيرة تتعرض لضغوط شديدة من أحد المنافسين، قد تستنزف أساليبه التسويقية القوية عائدات الشركة لتقرر قيادتها وضع استراتيجية جديدة كرد فعل.

ومع ذلك، لا يبرر الاستثمار التسويقي الضخم الذي يجريه المنافس جميع أسباب انخفاض الإيرادات، بل قد تكون الأسباب أبسط بكثير، كامتلاك الشركة نموذج تسعير قديم. وعلى الرغم من أن الضغط التنافسي واضح، قد لا يكون هو السبب الرئيس لانخفاض المبيعات. وبالتالي، قد لا يكون تطوير استراتيجية جديدة مجدياً.

الخطأ #2: عدم فهم قدرات المؤسسة

غالباً ما تكون الاستراتيجيات ثمرة التعاون بين القادة الذين يشاركون في تصميمها بشكل جماعي. ومع ذلك، لا يمارس معظم المؤسسات مهمة تطوير الاستراتيجيات باستمرار. فوفقاً لكلية هارفارد للأعمال، تقضي نسبة 85% من فرق القيادة التنفيذية أقل من ساعة واحدة شهرياً في مناقشة الاستراتيجية، في حين لا تقضي نسبة 50% منها أي وقت في مناقشتها على الإطلاق. وفي الواقع، تُعتبر مهمة صنع استراتيجية فعالة وقابلة للتنفيذ مهارة يمكن تنميتها. لكن غالباً ما يكون القادة المشغولون في العمل على المهام اليومية على مدار العام غير مناسبين لصنع استراتيجية عندما يحين وقت التخطيط.

ولن يضمن مجرد وجود فريق قيادة متمرس أن تكون المؤسسة قادرة على وضع خطة استراتيجية. شاركتني رئيسة تنفيذية مؤخراً ثقتها الراسخة في قدرة مؤسستها على تنفيذ الاستراتيجية. لكن واجه قادة شركتها صعوبات على مدى أشهر عند محاولتهم وضع الاستراتيجية. لقد طبقوا مجموعة متنوعة من أفضل الممارسات خلال عشرات الاجتماعات توصلوا بعدها إلى خطة بعيدة كل البُعد عن مسمى الاستراتيجية، بل كانت مجرد قائمة رغبات من الغايات المنشودة. حيث افترض رئيس الشركة التنفيذي أن موهبة التنفيذ تعادل الذكاء الاستراتيجي.

غالباً ما يكون لدى القادة الذين يشغلون مناصب تُعنى بتطوير الاستراتيجيات سجل إنجازات حافل في تنفيذ المشاريع الموضوعة مسبقاً. لا يتطلب تنفيذ تلك المشاريع تفكيراً طويل المدى عادة، على عكس التخطيط الاستراتيجي. فيفشلون نتيجة لذلك في تحديد نقطة البدء ويلجؤون إلى التنفيذ فقط. لذلك، عندما لا ينخرط فريقك القيادي في الاستراتيجية والتفكير الطويل المدى بشكل مستمر، فلن تتطور قدراته الاستراتيجية بالكامل، وستقتصر نتائجه على وضع خطط ذات فعالية محدودة.

الخطأ #3: عدم فهم الضغوط الثابتة

تنفّذ كل مؤسسة سلسلة من الأنشطة التشغيلية الدائمة لتحافظ على استمرارية أعمالها. وفي الواقع، غالباً ما يكون هناك العديد من المبادرات الجارية التي تستهلك وقت الموظفين بحيث يكون من الصعب للغاية تخصيص وقت للتخطيط للاستراتيجية أو تنفيذها حتى. وقد وجدت دراسة حديثة أن 76% من الموظفين يقضون أقل من 3 ساعات أسبوعياً في العمل الاستراتيجي.

وما زاد من تفاقم ذلك الضغط هو أن العديد من القادة هم أيضاً مدراء عاملون يُطلب منهم أداء المهام التي يُشرفون عليها في الوقت نفسه. وقد تفخر بعض المؤسسات بامتلاكها مثل أولئك القادة، ما يعزز قاعدة مفادها أنه لا استثناء للمشاركة في عبء العمل. لذلك، غالباً ما يكون لدى الموظفين قدرة محدودة على المساهمة في نجاح الاستراتيجيات التي تُعرض في مثل تلك البيئات.

في الواقع، إن الاستراتيجية التي تُصمم دون أخذ تلك السياقات والموارد التي تستهلكها في الاعتبار تشبه المهمة التي تُرجأ أدنى قائمة العمليات اليومية. فالموظفون الذين يعملون بالفعل بكامل طاقتهم سيفضّلون العمل على مبادرة سهلة ومألوفة بدلاً من مبادرة جديدة تتطلب قضاء مزيد من الوقت وبذل مزيد من الجهد والطاقة الذهنية، فنحن مجبولون بطبيعتنا على اتخاذ الطريق الأقل مقاومة.

الخطأ #4: عدم فهم البيئة الثقافية

تمثّل الأحداث الماضية التي مرت بها المؤسسة بالنسبة للموظفين مبادئ توجيهية تساعدهم في الحكم على ما إذا كان للخطة الاستراتيجية الجديدة أمل في النجاح. طوّرت شركة عملنا معها تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات مبادرات أطلقت عليها اسم “خطة الشهر”. غالباً ما تُطلق تلك الاستراتيجيات وسط صخب كبير، لكنها تفقد بريقها في غضون أسابيع عندما تحلّ استراتيجيات جديدة محلها.

وكانت كل استراتيجية جديدة تُعرض مرتبطة بالخطط التي سبقتها. لذلك، كان يجب أن يأخذ تصميمها في الاعتبار الخطط السابقة التي تحدد احتمالية نجاحها أو فشلها المتصور. من الناحية الثقافية، يمكن لموظفي الخطوط الأمامية تحديد ما إذا كانت استراتيجية ما مؤقتة أو دائمة، ويجب على المؤسسة الاستجابة وفقاً لذلك على الرغم من الضغوط التنفيذية المفترضة.

ويجب على القادة تقييم أثر ثقافة الشركة المحتمل على الاستراتيجية، ومراعاة تلك العوائق الداخلية بصفتها جزءاً من عملية تقديم الاستراتيجية. ويشمل ذلك تموضع العلامة التجارية ورسالتها وتصميمها، والأهم من ذلك سلوكياتها. ويجب على فريق القيادة إجراء تحليل عميق على المشكلات والمبادرات السابقة والاستفادة من إجراءاتهم لتحديد العناصر المهمة للاستراتيجية الجديدة، كتسليط الضوء على آراء الزبائن لدعم استراتيجية تركز على الخدمة مثلاً.

حين يفقد تنفيذ الاستراتيجية الدافع، يكون ذلك ناتجاً عن عدم اليقين. عندما سُئل الجنرال المتقاعد ستانلي ماكريستال عن وجهة نظره بشأن الاستراتيجية، قال: “يواصل بعض الناس طلب مزيد من المعلومات، لكنهم بذلك يؤججون حالة عدم اليقين، وذلك خاطئ، ولا يمكنهم تحقيق الاستراتيجية على هذا النحو، وهو ما يجعلهم مترددين وغير واثقين، فيواصلون تركيزهم على الحصول على المزيد والمزيد من المعلومات التي تساعدهم في الخروج من حالة عدم اليقين تلك دون أن يتخذوا أي إجراء”.

باختصار، إن التنفيذ الناجح للاستراتيجية هو نتاج دقة الخطة نفسها. كما أن مجرد صياغة الاستراتيجية لا يعني أنها جاهزة لتُسلّم إلى موظفي الخطوط الأمامية لتنفيذها. لذلك، تحقق مما إذا كانت استراتيجيتك تأخذ في الاعتبار السياق الذي يجب أن تُنفذ فيه، فذلك مكمن الغموض، وعالج المزالق المحتملة بشكل استباقي لتضمن أن يكون لدى فريقك الأدوات اللازمة لتقديم النتائج المرجوة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .