تقرير خاص

مساهمة صندوق التنمية الوطني والبنوك والصناديق التنموية في التخفيف من تبعات جائحة كورونا على اقتصاد المملكة العربية السعودية

4 دقائق
صندوق التنمية الوطني
د. أحمد بن عيسى آل درويش: وكيل المحافظ للأبحاث التنموية والاقتصادية ودعم السياسات في صندوق التنمية الوطني (NDF)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

باغتت جائحة كوفيد-19 العالم بأسره منذ أكثر من عامين، محدثة هزّة قويّةً في الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني تبعاتها حتى الآن، غير أن بعض الدول استطاعت التعامل مع الأزمة بشكل فعّال ونجحت في التخفيف من تبعاتها، مثل المملكة العربية السعودية التي احتلت المرتبة الأولى عالمياً في استجابة كلٍ من الحكومة ورواد الأعمال لجائحة كوفيد-19، وفقاً لتقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) لعام 2020-2021.

ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى تضافر جهود المؤسسات وإعادة صياغة دورها في بداية الأزمة للتخفيف من تبعاتها، مثل الدور الذي لعبه صندوق التنمية الوطني (NDF)، والذي دعم العديد من القطاعات الاقتصادية لمواجهة آثار الجائحة بأكثر من 28 مليار ريال، بعدد مستفيدين بلغ أكثر من 350 ألف فرد وأكثر من 36 ألف منشأة كبيرة ومتوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر. فكيف استطاع صندوق التنمية الوطني والصناديق والبنوك التابعة له المساهمة في التخفيف من آثار الجائحة؟

استراتيجية صندوق التنمية الوطني للتعامل مع الأزمة كانت بمثابة خطوة استباقية فعّالة لم تكن حاضرة لدى كثير من البلدان، وفقاً لورقة بحثية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وذلك لعدة أسباب منها سوء تقدير خطورة الأزمات، وعدم امتلاك الكثير من الخطط البديلة لإدارة أزمات الأوبئة، ونقص معدات الوقاية الشخصية الأساسية مثل الكمامات الطبية والمعقمات اللازمة، وضعف قدرة نظام الرعاية الصحية على الاستجابة للجائحة بسبب عدم توقّع حدوث أزمات بحجم جائحة كوفيد-19، وخفض الإنفاق العام والاستثمار في الرعاية الصحية في أعقاب الأزمة المالية العالمية الأخيرة.

لكن صندوق التنمية الوطني كان مستعدًا باستراتيجية مواجهة الأزمة حتى قبل تفشيها، إذ أطلقت المملكة العربية السعودية استراتيجية صندوق التنمية الوطني، في نسختها الأولى في مارس 2020، أي قبل تفشي الجائحة، والتي كانت تركز على ضمان استدامة تمويل التنمية وشموليته، وضمان استمرارية الدعم حتى خلال الأزمات. إذ كانت إحدى الرسائل المهمة منذ إنشاء الصندوق هو إعداد إطار واضح لمواجهة التحديات التنموية وتلك الناتجة عن تقلبات الدورات الاقتصادية واستخدام الأدوات المناسبة من خلال الصناديق والبنوك التنموية التابعة لتخفيف آثار أي من تلك الأزمات أو التقلبات غير المتوقعة.

لذلك، عندما بدأت بوادر آثار التقلبات السلبية تظهر منذ تراجع أسعار النفط، وتلاها تسارع تفشي الجائحة، ساعدت الاستراتيجية المقرة مسبقاً للصندوق في تطبيق أولى مهامه لمواجهة تقلبات الدورات الاقتصادية، إذ بدأت القيادة التنفيذية بتفعيل أحد أدوار الصندوق المهمة، وهو المساهمة في تخفيف حدة هذه التقلبات، والذي لم يمضِ على إقراره سوى أيام من مجلس إدارة الصندوق، ودُعم ذلك التوجه بصدور أمرٍ سامٍ لإنشاء “لجنة استجابة الصناديق” لوضع الحلول والمبادرات والبرامج المناسبة لتخفيف الآثار السلبية المحتملة على اقتصاد المملكة، مع استمرار الصناديق والبنوك التنموية في الدعم والاقراض من خلال البرامج القائمة.

تحديد مجالات الإنفاق: نقطة الانطلاق لعمل لجنة استجابة الصناديق

أدرك قادة الصندوق أهمية القدرة على التكيف مع الأزمة، والتي تشير إلى المرونة والديناميكية، وهما جوهر دعم الاقتصادات وتعزيزها بغية إعادة مسارها إلى الوضع المعتاد.

فعقدت اللجنة اجتماعات مستمرة لمناقشة المبادرات والحلول وطرق الاستجابة. ووضعت اللجنة عدة معايير لتحديد مجالات الإنفاق وتعيين الأولويات، مثل نوع المبادرة وتكلفتها، ومعايير التطبيق (كفترة التطبيق، وسهولة التطبيق، وسهولة الخروج أو إنهاء البرنامج أو المبادرة)، والأثر الاقتصادي سواء من ناحية عدد القروض وقيمتها، والعدد المتوقع للمستفيدين، وعدد الوظائف المتوقعة، والمناطق والقطاعات الاقتصادية الممكن دعمها.

لذلك، رصد صندوق التنمية الوطني والصناديق والبنوك التنموية التابعة له، مبلغ يتجاوز 25 مليار ريال (وازداد بعد أشهر ليصل لأكثر من 28 مليار ريال) لدعم المواطنين ومنشآت القطاع الخاص من خلال برامج إعادة الهيكلة أو القروض المباشرة أو غير المباشرة وغيرها.

مبادرات صندوق التنمية الوطني للتخفيف من تبعات الأزمة

التخفيف من آثار الأزمة هي المرحلة الأكثر تعقيداً، حيث تنطوي على عملية مستمرة من الموازنة بين مخاطر الأزمة والنشاط الاقتصادي؛ لذا، تتطلب قدراً أكبر من التخطيط، وجمع البيانات المستمر وتحليلها. وهذا ما فعله صندوق التنمية الوطني، بإقرار لجنة الاستجابة 19 برنامجاً ومبادرة للصناديق والبنوك التنموية التابعة المختلفة، والتي ركزت على زيادة الدعم الاجتماعي والقروض الاجتماعية ودعم التوظيف والأمن الغذائي، وإعادة هيكلة معظم القروض القائمة في البنوك والصناديق التنموية، وتقديم قروض رأس المال العامل والقروض غير المباشرة، وزيادة حجم الضمانات للتمويل. وفيما يلي استعراض أبرز الأمثلة على هذه المبادرات التي ساهمت بها الصناديق والبنوك التنموية في التخفيف من تبعات الجائحة:

أمثلة من مبادرات بنك التنمية الاجتماعية

أطلق بنك التنمية الاجتماعية، بمساندة من صندوق التنمية الوطني وإشراف لجنة استجابة الصناديق، عدد من المبادرات لدعم المنشآت الناشئة والصغيرة والأسر من ذوي الدخل المحدود والأسر المنتجة ومنها:

  • “مبادرة دعم ركيزة الإنتاج” لمساندة المنشآت متناهية الصغر والصغيرة وكذلك المنشآت العاملة في المجال الصحي في تحمل الأعباء المالية والاقتصادية الناتجة عن مواجهة أزمة كوفيد-19.
  • “مبادرة دعم ركيزة الاكتفاء” الموجّهة لدعم مشاريع الأسر المنتجة والعاملين لحساب أنفسهم، وذلك بتقديم تمويل ميسر وحوافز لضمان استمرارية أعمالهم.
  • “مبادرة دعم ركيزة الحماية الاجتماعية” لدعم الأسر ذوي الدخل المحدود بتقديم تمويلات ميسرة سريعة، بهدف دعم السلة الشرائية لهذه الأسر لمواجهة الالتزامات العاجلة، وتحسين الوضع المالي لهم.

بالإضافة إلى استمرار بنك التنمية الاجتماعية بتقديم القروض الاجتماعية للفئات الأكثر تضرراً، وكذلك تمديد فترة السداد والسماح لمعظم القروض المقدمة من البنك.

أمثلة من مبادرات صندوق التنمية الصناعية السعودي

أطلق الصندوق عدة مبادرات لدعم القطاع الصناعي للحد من الآثار المالية والاقتصادية للجائحة، وأبرز هذه المبادرات:

  • إعادة هيكلة القروض: فقد بادر الصندوق دون انتظار طلبات العملاء بتأجيل قروض العملاء من المشاريع المتوسطة التي تحل أقساطها في عام 2020 وإعادة هيكلتها، والتي تجاوزت قيمتها 7 مليار ريال.
  • دعم القطاع الطبي: طرح الصندوق منتجاً تمويلياً جديداً لدعم كافة الشركات المصنعة للمستلزمات الطبية والأدوية لشراء المواد الخام.
  • خط تسهيلات ائتماني: وتدعم هذه المبادرة التكاليف التشغيلية لعملاء الصندوق المؤهلين من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إذ تموّل المصاريف التشغيلية مثل الرواتب والخدمات.

أمثلة من مبادرات صندوق التنمية الزراعية

قدّم صندوق التنمية الزراعية مجموعة من المبادرات لعملائه لضمان استمرار الأنشطة الزراعية، وسلاسل الإمداد الغذائية، ووفرة المعروض من المنتجات الزراعية، وتشمل أبرز المبادرات ما يلي:

  • تمويل استيراد المنتجات الزراعية المستهدفة في استراتيجية الأمن الغذائي: فقد أطلق صندوق التنمية الزراعية هذا المنتج التمويلي الجديد لدعم استيراد منتجات زراعية مثل الأرز والسكر وفول الصويا والذرة الصفراء، ومنتجات أخرى حسب حاجة السوق.
  • مبادرة تمويل رأس المال العامل: وتقدم هذه المبادرة قروض تشغيلية مباشرة أو من خلال المصارف التجارية وفق اتفاقيات التمويل بالشراكة معها.
  • مبادرة تأجيل الأقساط والمديونيات المستحقة: والتي بادر الصندوق أيضاً إلى تأجيل قروض المشاريع المتخصصة بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة لمدة ستة أشهر، لأكثر من 4,395 مستفيداً.

أمثلة من مبادرات صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)

أطلق صندوق تنمية الموارد البشرية مبادرات متنوعة بين برامج وقرارات لدعم العمالة السعودية والتخفيف من تداعيات الأزمة التي نالت من القوى العاملة في كل دول العالم، ومن أمثلة هذه المبادرات:

  • برنامج دعم التوظيف والتدريب: الهادف إلى دعم الباحثين والباحثات عن عمل في القطاع الخاص والقطاع غير الربحي بتحمل الصندوق نسبة من أجر الموظف في القطاع الخاص والقطاع غير الربحي للدوام الكامل.
  • برنامج دعم التدريب عن طريق جهات متعاونة.
  • استمرار الدعم عن طريق برنامج (حافز).
  • وغيرها من البرامج التي فاقت تكلفتها أكثر من 5 مليار ريال.

هذه الجهود المتضافرة تكاملت مع جهود الجهات الحكومية الأخرى مما دعم أن تكون المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي استطاعت التعامل بفعالية وكفاءة مع أزمة كوفيد-19، لترسم استراتيجية واضحة للتعامل مع كل أزمة قد تظهر مستقبلاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .